skaballo@blueyonder.co.uk ذكريات معتقل سياسي 1971-1983 الاعتقال الأول 23 يوليو 1971 -15 مايو 1973 ولسه ولسه عبد الخالق المقدام بقود الصف محجوب شريف يملأ شالا شعرا رغم ذلك فكان الرفاق يعيشون حياة رفاقية ثرة، ينظمون عملهم الثقافي ولياليهم الترفيهية، وكان محجوب شريف يملأ السجن شعرا. نظم محجوب في هذه الفترة قصيدة ودانا لشالا التي ذكرتها سابقا ونظم قصيدة بمناسبة الذكرى الثانية ل19 يوليو قال فيها: ملينا الدفتر الأول حنملا الدفترالثاني بكل عزيز وإنساني ولسه ولسه عبد الخالق المقدام يقود الصف ونحن معاه كف فوق كف وهاشم قاطع الحدين لسه ولسه يملا العين يعيشوا ومت يا سفاح ومات الموت حسير الصوت ويا يابا الشفيع الساس وضلالة هجير الصيف ويا تار البلد جوزيف ويا يوليو القلم والسيف وضابط حر شديد البأس مشينا ونمشي ونتحزم بمجد الشعب والنبراس ونظم محجوب قصيدته الشهيرة عن عبد الخالق والتي يقول فيها: إسموعبد الخالق ختاي المزالق أب قلبا حجر يا أرض الوطن يا أمو العزيزة ختالك ركيزة دائما باقية ليك في الحزب الشيوعي طيري يا يمامة وغني يا حمامة وبلغي اليتامى والخائفين ظلاما عبد الخالق حي وبالسلامة في الحزب الشيوعي الفارس معلق ولا الموت معلق حيرنا البطل طار بحبلو حلق فج الموت وفات خلا الموت معلق في عيننا بات وسط الناس نزل بالحزب الشيوعي ونظم محجوب قصيدة عن الشفيع قال فيها: واحلالي أنا وا حلالي أريتو حالك يابا حالي أموت شهيد نجمي البلالي وأخلف إسما لي عيالي الشفيع يا فاطمة في الحي في المصانع وفي البلد حي سكتيها القالت أحي ما عماره الأخضر الني بدري بكر خضر الحي ومات شهيد أنا واحلالي يا المصانع يالسكك الحديد يا ورش نارها بتقيد يا عمال الميناء البعيد جروا حبل اليوم السعيد وشايفوا قرب أنا واحلالي أحمد أحمد تكبر شيل إسم أبوك في النجم والنيل خظ أبوك بالدم النبيل كل زهرة وزهرة إكليل ومات شهيد أنا واحلالي ونظم محجوب قصيدة "مشتاق لك كتير والله" والتي يقول فيها مشتاق لك كتير والله وللجيران والحلة وقام قطر النضال ولا وغالي علي أدلا محطة محطة بتذكر عيونك ونحن في المنفى بتذكر مناديلك خيوطها الحمرة ما صدفة وبتذكر سؤالك لي متين جرح البلد يشفى ومتين تضحك سما الخرطوم حبيبتنا ومتين تصفى سؤالك كان بعذبنا ويقربنا ويزيد ما بينا من إلفة وأقول يا صباح العين بسامحك لو في يوم نسيتيني بكيت علي لو في يوم خنت الثورة جيت والذل في عيني بس لكني يا ويلي ياويلي أقبل وين لمن أخون صباح العين وأخون جيلي وأقول لك يا قمر ليلي وحاة أمنا الخرطوم أشد حيلي وأشيل شيلي وأموت واقف علي طولي وأقول لك يا صباح العين على الوعد القديم جايين ما بين الثورة والسكين شيوعيين وحتى الموت شيوعيين واقول لك يا صباح العين بنادق وين بتمنعنا العديل والزين بنادق وين ونظم محجوب أغنيته المدهشة "يا بنوتنا غنن" يا بنوتنا غنن فارسا (أسدا) هاج وقرقر دة لموتو حقر أبدا ما مات محقر وبالرصاص منقر هاشم يا غناي وفاروق يا مناي ود النور حبابك يا سمح السجاي ويبدو أن الذاكرة لا تسعفني وأنا أكتب الآن بعد 33 عاما. محمد ميرغني نقد يتذكر أغاني الشفيع وكانت من أجمل اللحظات التي قضيناها في شالا قبل عودتنا لزالنجي هو سمرنا مع المرحوم الأستاذ محمد ميرغني نقد والذي حكى وحكى عن ذكريات الطلبة وعن رحلات إتحاد الجامعة لجبال النوبة وعن أصدقائه ولكني دائما أتذكر حديثه الشجي عن أغاني الشفيع وأشعار محمد عوض الكريم القرشي: في الشاطئ يا حبان ساهرتوا بينا، ورب الجمال، والحالم سبانا، والذكريات وإله فني هاك قول عني ... تعرفت عن طريقه على أروع شعر الغناء فيا له من فقد عظيم. والخاتم يغني لوردي وفي ليالي السمر كان الرفاق يحلو لهم أن ينادوا الخاتم عدلان بالطفل المعجزة ويطلبوا منه أن يفك آخره، وكان آخر الخاتم أغنية محمد وردي الخفيفة التي تقول "توعدنا وتخلف بالصورة" وكان يغنيها غناءا شجيا فيبدو أنها كانت تمس فيه وترا خفيا لم يكشف لنا سره. والسر الناطق شيخ الصمودي ولعل الرفاق الذين كانوا في شالا يذكرون جميعا المرحوم السر الناطق وشخصيته "شيخ الصمودي" التي إخترعها في كوبر وظل يقدمها من خلال المجلة الناطقة، وهي تجربة مدهشة في الكوميديا السياسية الثورية، يعلق فيها شيخ الصمودي من خلال حديثه الفكه على الأحداث السياسية والأحداث في المعتقل ويسرب من خلالها يعض المعارف والقيم الثورية، والسر الناطق إلى جانب قدرته على التمثيل وأداء الدور الكوميدي، فنان يصمم ديكور المسرح وملحن يلحن الأناشيد ويأديها مع المجموعة التي تضم حسن قسم السيد الخاتم والسر النجيب وأحمد عبدالله هلال وطه سيداحمد وعبد القادر سيدأحمد، وفوق كل ذلك كان طباخا ماهرا وإنسانا بديعا. وحسن قسم السيد يغني لحسن عطية وأحمد المصطفى وكان ضمن مبدعي شالا الزميل الأستاذ حسن قسم السيد، وهو من جيل الشيوعيين المناضلين في الحركة النقابية وسط الموظفين و كان زعيما لنقابة البريد البرق وسكرتيرا لإتحاد الموظفين. وكانت الحركة النقابية السودانية حينها تتشكل من ثلاث إتحادات رئيسية: إتحاد نقابات عمال السودان وإتحاد المعلمين والمعلمات وإتحاد الموظفين، وكانت الإتحادات الثلاث منضوية تحت المجلس العام للنقابات بينما كان المهنيون منظمين في جمعيات علمية، تمارس بعض العمل النقابي كالجمعية الطبية وهي أقدم تنظيم مهني في السودان والجمعية الهندسية، وكانت هناك أيضا روابط الجامعيين بالوزارات والتي نشأت بعد أكتوبر. ولعل أكبر جريمة إرتكبها نميري خلال حكمه هي تحطيم الحركة النقابية الديمقراطية وإخضاعها لجهاز الدولة من خلال قانون فرض عليها هيكلها وشكلها التنظيمي، وبإعدامه لقائد الطبقة العاملة الشفيع أحمد الشيخ وزجه خيرة قادة النقابات المدربين والمخلصين في السجون والمعتقلات. كنت أعرف حسن قسم السيد منذ عام 1967 فقد تعرفت عليه من خلال الأستاذ الأمين حامد الأمين وهو من نقابي البريد والبرق وكان احد قادة الحزب الشيوعي بحي البوستة حيث كنت ألتحق في الإجازات، وكان حسن قسم السيد كثير التردد على الأمين الذي كان منزله منارة حزبية ونادي إجتماعي، بينما كان منزل أخيه الأستاذ عبدالله حامد الأمين منارة ثقافية فقد كان مقرا للندوة الأدبية. حسن قسم السيد شخص ودود ورقيق وذو ثقافة وعلاقات واسعة، وكان ذا صوت جميل يحب أن يترنم بأغاني حسن عطية وأحمد المصطفى، وكان يسهم في قيادة المعتقل إسهاما فعالا مستفيدا من قدراته في العمل النقابي في التفاوض مع قيادة السجن. حسن بيومي ينظم الكميون ومثلما كان طه البصير يدير كميون المعتقل في زالنجي، كان حسن بيومي يدير كميون شالا، وحسن بيومي من قدامى العمال الشيوعيين وكانت له إسهاماته في الحركة الرياضية خاصة في مجالات تنظيم الشباب وفرق الليق وألعاب القوى وكان شخصا ودودا وحازما. والحق يقال كان حسن بيومي رجل رهيف وحساس ويعامل الرفاق بحنو واضح رغم محاولاته أن يكون حازما في إدارة الكميون. وسليم أبوشوشة يسألني فيدفعني لتجويد معارفي الإقتصادية كان من بين المعتقلين في شالا عدد من النقابيين فكان هناك عبد القادر سيدأحمد وطه سيدأحمد والسر النجيب وأحمد عبدالله هلال وسليم أبو شوشة وكان الحزب وإتحاد النقابات قبل 19 يوليو يهتمون جدا بتعليم طلائع العمال في الداخل والخارج في مدارس حزبية ونقابية. وذات يوم بينما نحن جلوس في ظل الظهيرة، سألني سليم أبو شوشة وهو رجل ذكي لماح، عم ماذا أدرس في جامغة الخرطوم فقلت إقتصاد، فقال لي طبعا يدرسونكم الإقتصاد البرجوازي، فقلت نعم فسألني كطالب شيوعي بكلية الإقتصاد عرف لي فائض القيمة، فتلعثمت وقلت له تعريفا لم أكن متأكدا منه. وخجلت من نفسي خجلا شديدا، وعندما رجعت لزالنجي توفرت لمراجعة الإقتصاد السياسي ولم أكن حينها رغم أنني طالب إقتصاد أهتم به قدر إهتمامي بمراجعة الفلسفة الماركسية، ورغم أن إهتمامي بالفلسفة إستمر حتى الآن، إلا أنني بدأت أدرس بإهتمام وتجويد أكثر الإقتصاد السياسي، وعندما قابلت أبوشوشة في المعتقل عام 1979 وكنت أدرس فصلا للإقتصاد السياسي كان هو أحد طلبته كنت متأكدا من كل كلمة أقولها، وكان الفضل في ذلك يرجع له. ,أذكر أنني كنت أراجع مع الأستاذ نقد عام 1986 كتابا مدرسيا للتعليم الحزبي في الإقتصاد السياسي، فسألني : إنت قرأت في جامعة الخرطوم فكيف تعلمت الإقتصاد السياسي؟ فحكيت له حكاية سليم أبوشوشة فقال لي ضاحكا طبعا سليم أعرفه ولا يمكن أن ينخدع بأي كلام. وبابكر سعيد يدخل زنازين الخير خنقه كان بابكر سعيد مهندس الطباعة، خريج ألمانيا الديمقراطية، رجل أسد، لا يخاف، وكان لابد له أن ينفجر أزاء المعاملة غير الإنسانية في شالا وخاصة عندما تكون تلك المعاملة من طبيب، يفترض وفقا لطبيعة مهنته وما أداه من قسم، أن يمارس تلك المهنة في علاج المعتقلين السياسيين، مثلما يمارسها أزاء الآخرين، ولكن دكتور المعتصم، لم يكن في رأي بابكر سعيد يفعل ذلك، فتصدى بابكر لمواجهته، وكانت النتيجة أن أرسل بابكر لزنازين "الخير حنقة"، السجن القديم بالفاشر والذي بناه علي دينار، وحافظت عليه السلطات الإنجليزية. وكنت قد زرت الخير خنقة للمرة الأولى عام 1964 لزيارة أخي محمد عوض كبلو الذي كان قد رحل من كوبر إلى الخير خنقة ليكمل عقوبة، وكان التجاني الطيب قد أكمل مدة حكم بتفس السجن في بداية عام 1964. وما زلت أذكر منظر بابكر سعيد وهو قادم من الخير خنقة، وقد هب الجميع لإستقباله، وهو يصيح فينا "ما في حد يقرب مني، أنا ملابسي وجسمي مليانه مرقوت"، ثم بدأ قلع ملابسه ملقيا بها في الشمس، ودخل للحمام ثم جاء لتحيتنا، والزنازين لم تطفئ حماسه ولم تأثر على صوته الداوي. وقد حقق لنا بابكر إنتصارا بتحسين الخدمات الصحية، وإبعاد دكتور المعتصم من عيادتنا. وعدنا لزالنجي وبمجرد إنتهاء علاجنا تم إرجاعنا لزالنجي، فعدنا لبرنامج المعتقل: تدريس الإنجليزي، دراسة وثائق المؤتمر التأسيسي للإتحاد الإشتراكي و برنامج المحاضرات العامة والذي أسهم فيه الزملاء فاروق كدودة وعبدالله علي إبراهيم وإبراهيم جادالله وعدت أنا لدراسة فكر الأخوان المسلمين وكتبت ورقتي عن نظرية المعرفة عن الأخوان والتي إستطعت تهريبها كما أسلفت وبدأت دراسة منهجية للإقتصاد السياسي مستخدما الكتاب الوحيد الذي تحصلنا عليه حينها كتاب نيكتين "أسس الإقتصاد السياسي". وأنتظمت المجلة الناطقة والتي كان يشرف على تحريرها عبدالله علي إبراهيم ويساعده ياسر الطيب وكمال شنان وشخصي، وكان يغني في لياليها النقابي والشيوعي المدهش سعودي دراج، وعضو اللجنة المركزية الزميل المرحوم شكاك. وكان المرحوم محمد خلف الله يتحفنا ببعض أغاني الشايقية وأحيانا عندما يصفو مزاجه بعض أغاني عثمان حسين. لقد كان كمال شنان قصاصا وروائيا من طراز فريد وكم أتمنى أن يكون قد كمل ملحمته عن جده شنان الكبير ذلك الشخص الأسطوري (او الذي جعلني من خلال حكاويه أن أعتقد في أسطوريته). وبدأنا نشاطنا الرياضي بإقامة ميدان فولي بول، وبرز في اللعبة عبدالله علي إبراهيم وفاروق كدودة وياسر الطيب وسعودي دراج ومحمد خلف الله، وعدت للعب الفولي كأنني لم أتوقف عنه لمدة تزيد عن العشرة سنين. وبينما أستقر بنا المقام وجاء عمال الأشغال ووسعوا الشبابيك وأصبح العنبر صالحا للسكن، أخبرنا ضابط السجن بأنه تقرر ترحيلنا إلى شالا. وتم ترحيلنا إلى شالا وعدنا لشالا لنجد أن الوضع لم يتحسن وما زال الرفاق يتلقون الطعام من إدارة السجن وهو ردئ، وكثيرا ما يتأخر الفطور بشكل مزعج ، وأن العلاج غير منتظم ولا توجد عربة للطوارئ، ولا توجد كتب بالمعتقل، والخطابات تخضع للقراءة من قبل الأمن والسجن معا، ولا يسمح للمعتقلين بالخروج للرياضة في ساحة السجن. فقرر الزملاء بعد مداولات وبعد الإطلاع على تجربة زالنجي الدخول في إضراب عن الطعام لمدة خمس أيام مطالبين بإطلاق سراحهم، وحتى يتم ذلك بإعطائهم سراير وإعطائهم موادهم الغذائية لطبخها والسماح لهم بالكتب والمجلات والجرائد والراديو وبتحسين العلاج وتنظيمه ووضع عربة تحت تصرف إدارة السجن للطوارئ. وفور إعلاننا للإضراب جاء القومندان والحكمدار ولكن المفاوضات معهم لم تصل إلى حل. وأستمر الإضراب ليومين آخرين وفوجئنا في اليوم الثالث بوصول السيد ميرغني أبو الروس نائب مدير السجون، وبدأ في مفاوضات جادة شارك فيها الدكتور خالد حسن التوم والأستاذ حسن قسم السيد والزميل فاروق كدودة، وكالعادة بدأ أبو الروس بالدعابة فقال لفاروق "أسمع يا فاروق أنا عارف إنكم لما تقوموا لصيامكم عن الطعام أجعص مسلم ما يقدر ينافسكم، أنا بعرفكم من أيام ناقشوط، لكن في حاجات أنا بقدر أعملها وفي حاجات ما بقدر لأنها من إختصاص الأمن، والبقدر عليه هو بديكم موادكم الغذائية، بديكم سراير، بسمح ليكم تشتروا ما تريدون من أماناتكم، بسمح ليكم بالرياضة في الحوش، بجهز ليكم عربية وبشوف مع ناس المستشفى إذا ممكن يعملوا عيادة هنا منتظمة" أما إطلاق السراح فوعد برفع الطلب للأمن، أما الترحيل للخرطوم فقال سيناقش المسألة في الخرطوم وإنشاءالله سيقنعهم. وعندما إجتمعنا لوحدنا وافقنا على فك الإضراب تحت إشراف طبي، فضحك أبو الروس وقال "إنتو عندكم زعيم الأطباء اللي يامر بيه ننفذه" وكان يقصد دكتور خالد الذي كان سكرتيرا للجمعية الطبية وأصبح وكيلا لوزارة الصحة، وفعلا حدد دكتور خالد قائمة من الأطعمة والمشروبات الساخنة لفك الإضراب تشمل شوربة عدس دافئة وأرز باللبن وبرتقال، وأحضرت إدارة السجن كل ذلك، زائدا السراير، وفي الصباح أحضر الشاويش مساجين شيدوا مطبخ من القش وأحضر لنا أدوات مطبخ جديدة. ثم إنتظمت حياتنا الثقافية والرياضية والترفيهية. وبدأت دراستنا عن الإقتصاد والفلسفة تأخذ بعدا أعمق، خاصة بعد أن هرب لنا الرفاق بالفاشر بعض الكتب الماركسية وبعد أن وصلتني كرتونة كتب من أم درمان بها كتب متنوعة في الإقتصاد والأدب، وكم أذكر إحتفائنا بكتاب "الدون الهادئ" لشولخوف وكيف أننا كنا نمرر أجزاءه الأربعة بالصف بين القراء، رغم أنه كان الطبعة الإنجليزية، وكان بين الكتب التي تحصلنا عليها وفادني كثيرا كتاب مأخوذ من المجلد الأول لرأس المال وهو يمثل الجزء الثامن ويحتوي على الفصول من السادس والعشرين وحتى الثالث والثلاثين. وكان الكتاب يعالج مسألة أصل رأس المال والتراكم البدائي لرأس المال. وقد كان لذلك الكتاب أثر كبير في كسر الرهبة من قراءة رأس المال والذي توفرت لي ظروف أفضل في المعتقل الأخير لدراسته بتأني. وقد قدمت ذلك الكتاب في محاضرة، أثار خلالها الأستاذ عبدالله علي إبراهيم قضية ظلت تشغلني حتى الآن وهي قضية التراكم الرأسمالي في السودان وشرائح الطبقة الرأسمالية وأقسامها، فقد أشار عبدالله إلى الجهد الذي بذل في الماركسية وقضايا الثورة السودانية لتتبع نمو تلك الطبقة ومجالات إستثمارها وقد حفزتني تلك المناقشة للإهتمام بأمر الرأسمالية السودانية، وبدأت بحثا عن التطور الرأسمالي في الإعتقال الأخير ثم نشرت مقالات بعد الإنتفاضة عن أقسامها وواصلت دراستي لها حتى الآن. وقدم الخاتم عدلان محاضرات في الفلسفة الماركسية، وقدم عبدالله علي إبراهيم محاضرة عن كتاب باسترناك "دكتور زيفاجو" وقدمت محاضرات في الإقتصاد السياسي والإقتصاد السوداني. وبدأ كدودة فصلا لدراسة اللغة الروسية ولكنه للأسف نقل إلى كوبر قبل أن يتمكن تلاميذه، وكنت منهم لتجاوز الفترة الحرجة في تعلمها. ولعل من الذكريات التي لا تنسى إحتفالنا في المجلة الناطقة التي أسميناها "غولو" على الوادي والخزان الذي تشرب منه مدينة الفاشر. فقد قمنا بإعداد عدد خاص للمجلة كانت صورة الغلاف، التي قمت بإخراجها وكان عبدالله علي إبراهيم قد سبقني في فعل ذلك في كوبر، كانت صورة الغلاف عن حادثة رويت في كتاب "عشرة أيام هزت العالم" عن جندي كان يحرس قصر الشتاء أثناء الثورة البلشفية وجاءه طالب من المنشفيك يحاول أن يناقشه، فبينما كان الطالب يطرح قضايا فكرية معقدة حول الثورة الديمقراطية والثورة الإشتراكية كان الجندي يختصره ويقول له " أنت مثقف وتعرف أشياء كثيرة أما أنا فأعلم شيئا واحدا فقط أن لينين معنا نحن الفقراء فمع من أنت؟"، وأذكر أن السر الناطق وشخصي كنا نعد لتحضير المجلة الناطقة وكنت إلى جانب عملي في تحريرها، وكان عبدالله على إبراهيم يرأس تحريرها، كنت أعمل "كصبي ديكور" مع السر الناطق وقفلنا العنبر علينا إذ أن السر لا يحب الإزعاج عندما يعمل في أي عمل فني، وبينما نحن منهمكين في تجهيز المسرح إذا بباب العنبر يفتح ويطل علينا حسن بيومي بكوبي شاي وسجارتين للسر (ولم أكن أدخن وقتها)، وكنا نعد عددا خاصا بثورة أكتوبر الإشتراكية فقال لي السر ضاحكا "طبعا صاحبنا ستاليني عريق، لذا جاد علينا بالخيرات اليوم". وكالعادة ما أن إستقر بنا المقام وبدأنا تنظيم حياتنا بشكل منتج حتى بدأ المعتقل في التناقص فتم ترحيل حسن قسم السيد ودكتور خالد وفاروق كدودوة، وفي يناير 1973 تقرر ترحيلنا إلى كوبر.