تلك الأيام في سجون نميري (9)
7 June, 2009
ذكريات معتقل سياسي 1971-1983
الاعتقال الثاني ديسمبر 1973 - يونيو 1974
الليلة الأولى في الغربيات الجديدة
عندما دخلت كوبر تم إرسالي للزنازين الغربية الجديدة فوجدت هناك الدكتور خالد حسن التوم والدكتور حسين حسن موسى والأستاذ عبد القادر الرفاعي. وكنت أعرف الدكتور خالد والأستاذ عبد القادر الرفاعي منذ الإعتقال الأول، ولكني لم ألتق الدكتور حسين حسن موسى من قبل بالرغم إني قد سمعت عنه الكثير فقد أعتقل في يوليو من جبال النوبة حيث كان يدرس معسكرات الجزام ويحضر لدرجة الدكتوراه في الطب، وأعتقل بسجن الأبيض حيث كان أحد قادة المعتقل، وكانت أخته زميلتي بكلية الإقتصاد وألتقيت أخيه عثمان في الجامعة قبل إعتقالي.
وقضينا الليلة الأولى بالغربيات الجديدة في أنس جميل ولكن في الصباح تم ترحيلنا خالد إلى المستشفى وحسين إلى الشرقيات وعبد القادر وشخصي للسرايا.
وكانت السرايا مليئة بالمعتقلين من إنتفاضة أغسطس (شعبان) فوجدت الشاعر كمال عووضة والأساتذة عابدين اسماعيل وفاروق أبو عيسى وجلال السيد ومحمد عبدالله المشاوي المحامين والشاعر عمر الدوش وكان طالبا بمعهد الموسيقى والمسرح وميرغني الشايب الطالب بكلية القانون جامعة الخرطوم وعبد السلام حسن الطالب بكية القانون جامعة القاهرة وتيسير مدثر الطالب بكلية القانون جامعة القاهرة وأنور فقيري الطالب بكلية الآداب جامعة الخرطوم وضياء الدين البدوي السنوسي وابو اليسر يونس الطالب بكلية الإقتصاد جامعة الخرطوم وعباس برشم سكرتير إتحاد طلاب جامعة الخرطوم وعدد من طلاب الأخوان وعدد من النقابيين. ولكني لم أقضي غير ليلة واحدة بالسرايا قضيتها في الأنس مع كمال عووضة وتم ترحيلي للمستشفى. وكان لذلك سبب طريف جدا.
كما قلت في الفصل الأول كنت أثناء وجودي في السرايا أحمل كتاب وأذهب لجامع السرايا حيث الجو هادئ وأقرأ نهار اليوم. وبمجرد صحوي في اليوم الثاني حملت كتابا وذهبت للجامع، وبينما أنا مستغرق في القراءة، جاءني الأستاذ مشاوي وطلب مني أن أخرج معه وقال أن قادة الأخوان قد طلبوا منه ألا أدخل الجامع فأندهشت وقلت له بالحرف "ليه حق أبوهم، ده جامع السجن وهذا السجن له إدارة وسجانين، فهل أصبحوا سجانين". فسكت مشاوي وقال لي "ما عنديش رد وعلى كيفك" ولكن بعد قليل جاء عسكري يناديني وقال "عايزينك في العيادة" فقلت له "أنا لم أبلغ مريضا" فقال لي "مش عارف عمي الصادق قال نادوا صدقي كبلو" فذهبت وأنا أفكر أن عم الصادق مساعد الحكيم الذي أعرفه من إعتقالي السابق لربما أراد السلام علي عندما عرف بوجودي وتخصيص طعام خاص لي، وهو عادة يفعل ذلك مع المعتقلين، وعندما ذهبت سلم علي سلاما حارا وسألني عن أهلي ثم فجأة نظر إلى رقبتي وقال "شايف عندك بهق" فقلت نعم "قال لي "سأعطيك برهم ولكن يجب أن تستعمله في مكان نظيف ٍسأكتب لك دخول للمستشفى". فوافقت دون أن يخطر ببالي أن تلك خطة لإبعادي من السرايا بسبب الجامع ولم أعرف ذلك إلا بعد 13 عاما عندما قابلت عثمان عوض الله الذي كان مأمورا للسجن في ذلك الوقت بمدينة الأبيض وقد ذهبت لتدشين فرع المنظمة السودانية لحقوق الإنسان، حكى لي عثمان كيف أن الأخوان إحتجوا لديه وقالوا إذا إدارة السجن لم تمنعني من دخول الجامع فهم سيمنعوني بالقوة، فقرر عثمان نقلي للمستشفى ودبر المسألة مع عم الصادق، دون أن يوضح للأخوان أنه أستجاب لطلبي. وقد ساعدني عثمان دون أن يدري فقد حماني بدخول المستشفى من الترحيل ثانية لشالا فقد تم ترحيل عدد من المعتقلين في اليوم التالي لشالا وعدد آخر لسجن كسلا .
ترحيلي للمستشفى وإنقاذي من شالا الثانية
وقد مكن نقلي للمستشفى من أتعرف عن قرب على شخصيات ما كان لي أن أعرفها لولا وجودي في مستشفى السجن في ذلك الوقت كما سيرد الحديث.
لقد كان في المستشفى في ذلك الوقت مولانا عبد الرحمن النور، القاضي السابق ووزير الإعلام في حكومة الصادق المهدي الأولى عام 1966 والأخ غير الشقيق لصديقي إبراهيم النور ووالد أسامة عبدالرحمن النور صديق شقيقي الأكبر محمد عوض كبلو والدكتور مبارك الفاضل شداد عضو مجلس السيادة في حكومة أكتوبر ورئيس الجمعية التأسيسية 1965 – 1969 والأستاذ عبد الماجد أبو حسبو وزير إعلام ووزير أشغال سابق وقطب إتحادي بارز والأستاذ بشير محمد سعيد رئيس تحرير جريدة الأيام ونقيب الصحفيين السابق، والسيد زيادة أرباب وزير المعارف الأسبق (أيام عبدالله خليل وجزء من أيام عبود) الشيخ الحاج مضوي محمد احمد القطب الإتحادي المشهور والأستاذ أحمد زين العابدين المحامي، القطب الإتحادي ووزير الصحة في آخر حكومة منتخبة، والأستاذ ميرغني النصري المحامي والذي أصبح فيما بعد نقيبا للمحامين وعضوا بمجلس السيادة وزميله في الحزب الإشتراكي الإسلامي الدكتور ناصر السيد الأستاذ بكلية التربية والسيد صالح عبد الرحمن (المشهور بصالح بيرة) من النقابيين والسيد عثمان جسور من النقابيين والدكتور عثمان عبد النبي الوكيل السابق لوزارة الصحة. وكان هناك من الأخوان المسلمين الأستاذ يسين عمر الإمام والسيد توفيق عثمان صالح.
أما المعتقلون الشيوعيون فكان هناك الأستاذ مبارك أحمد صالح المحامي والدكتور خالد حسن التوم والأستاذ محمد نور عثمان من قدامى الشيوعيين والأستاذ محمد عثمان طه.
وقد كان سريري مجاورا للحاج مضوي من جهة ولصالح بيرا من جهة أخرى، وقد بدأت علاقة حميمة مع كليهما وتحادثنا في مواضيع كثيرة وقد حكى لي صالح بيرة جانبا من الصراع في الحركة النقابية ولكنه رغم خلافه مع الشيوعيين كان يكن حبا وإحتراما عميقا لزملائه النقابيين الشيوعيين وكان يتحدث بحب وإحترام عن الشفيع أحمد الشيخ.
وكنت أعرف الأستاذ أبو حسبو منذ إعتقالي في البحريات عند عودتنا من شالا في الإعتقال السابق، والأستاذ أبو حسبو رجل فاضل ومثقف يحب القراءة وهو من المحبين للشريف حسين الهندي وقد حكى لي عنه حكايات كثيرة وكان يعاملني بود منذ أن أخبرته في إعتقالي السابق أن إبنته كانت زميلتي في الكلية وكان قد سألني عن الدكتور عبدالله عباس، الذي وقتها كان خطيب إبنته فقلت له كلاما جميلا عن عبدالله عباس، وهو كلام يستحقه، فقال لي أبو حسبو "الله يطمئن قلبك يا ابني طمنت قلبي" وقد حزنت حزنا كثيرا على وفاة الأستاذ أبو حسبو بعد الإنتفاضة مباشرة إذ بوفاته خسر الإتحاديون قائدا مفكرا وحصيفا. وطوال فترة الإعتقال لم أر ألأستاذ ابو حسبو غاضبا غير مرة واحدة وكان سبب غضبه ما أعتقده عدم ثبات الأستاذ زيادة أرباب، فلقد كان الأستاذ زيادة يجري نحو الباب كلما سمع صوت المفتاح، ويبدو أن ذلك كان يضايق الأستاذ أبو حسبو فهاج مرة وقال بصوت مرتفع "زيادة دة مالو فاضحنا ما شايف الأولاد الصغار ثابتين كيف؟ عندو شنو برة؟ لا مرة لا أولاد ولا بدخن ولا بيسكر، عايز أيه برة؟ أهي الكوشتينة يقعد يلعب للصباح".
وكان الأستاذ زيادة قد تم إعتقاله مع الدكتور عثمان عبد النبي والأستاذ بشير محمد سعيد ومبارك الفاضل شداد من نادي الخرطوم وكان يتآنسون وذكروا نميري ببعض النقد.
وكانت علاقتي مع الدكتور عثمان عبد النبي طريفة جدا فقد سألني مرة عن إسمي فقلت له "صدقي كبلو" فقال مازحا ،يا ابني متأكد صدقي مش عبد الرحمن" مشيرا للوني الأسود بينما إسم صدقي شهير عند المصريين فقلت له مجاريا له في مزاحه "إنت يادكتور إسمك عبد النبي بينما وفقا للونك مفروض يكون إسمك عبد المسيح أو عبد الرسول" فضحك وقال أنا حناديك عبد الرحمن وكنت أناديه "دكتور رسول" وكان بشير محمد سعيد يضحك كثيرا من شغبنا بالأسماء.
ونشأت علاقة حميمة مع الأستاذ بشير محمد سعيد، كان سببها الأساسي أنني تصديت بالرد على الأستاذ زيادة أرباب وقلت له أن الشيوعيين السودانيين يمثلون التراث الحقيقي للمهدية وناداني بشير بعدها وتناقش معي وأبدى إعجابه بوجهة نظري. وألتقينا بعد المعتقل عدة مرات داخل وخارج السودان كانت آخرها في لاهاي وكنا كل مرة نتبادل الحديث ونتذكر المعتقل.
وكان مولانا عبد الرحمن النور يعاني من كسر في ذراعه فكنا نتبارى في خدمته وكنا نجتمع أحيانا في غرفته فينشد لنا الدكتور ناصر السيد بعض الشعر ويحكي لنا مولانا عبد الرحمن النور بعضا من ذكرياته في القضاء والحكومة، وأنا أذكر من حكاياته أنه كان قاضي المديرية عندما حكم قاضي كوستي على الأستاذ حسن الطاهر زروق وكان عضوا يالبرلمان بالسجن لقيادته مظاهرات عقب مقتل المزارعين في عنبر جودة، وتقدم ميرغني النصري وكان محامي حسن الطاهر بطلب بالمعاملة الخاصة في السجن بإعتباره نائبا وممثلا للشعب، ولكن القاضي رفض "أن ممثل الشعب يجب ألا ينتهك القانون" فأستأنف الطلب لدى مولانا عبد الرحمن النور فحكم بالمعاملة الخاصة قائلا "ممثل الشعب جدير بالإحترام حتى لو إنتهك القانون".
وبينما كان معظم المعتقلين يتدافعون لحجز دورهم في لعب الكوتشينة، كنا مبارك أحمد صالح وأنا ننزوي في ركن ونقرأ مسرحيات صلاح عبد الصبور الشعرية. وكنا نجلس إلى دكتور خالد حسن التوم ومحمد عثمان طه ومحمد نور عثمان ونستمع إلى أنسهم الشجي وسخرية محمد عثمان طه وضحكته المجلجلة التي تهز أركان السجن وتسخر من فكرة إعتقالنا ذاتها. وأذكر أننا أتفقنا على اللقاء في الخارج في يوم معين بمنزل محمد عثمان طه، وقلنا أننا لن نرضخ لجهاز الأمن الذي يريد أن يفرض علينا العزلة في الخارج وهم سيعتقلوننا حتى ولو لم نلتقي.
وكان الدكتور خالد خسن التوم قد بدأ إهتماما منذ إعتقاله في شالا حيث سماء الصحراء الصافية ذات النجوم الساطعه بعلم الفلك، وتابع ذلك الإهتمام بالمستشفى وأحضر كتبا في الفلك وبدأ يتابع النجوم ومنظوماتها وجذب إهتمامه ذلك بعض المعتقلين وكان من بينهم طالبا في معهد المعلمين العالي، كان يتابع النجوم حتى في الصباح الباكر وكنا نداعبه ونقول له أن نميري "وراه نجوم النهار".
وكان معنا في المستشفى عدد من المساجين بينهما إثنين من تجار البنقو من المحكوم عليهم بأحكام طويلة وأحدهما إسمه وردي ومغرم بتقليد سيد خليفة خاصة في أغنيته "نانا" والثاني، والغريب أنني نسيت إسمه ولعل إسمه النفراوي، رغم أنه يسكن حي البوستة وقد إلتقيته عدة مرات وهو يجلس أمام منزله وأنا أسير من منزلنا إلى منزل صديقي المرحوم سليمان هباش.
ذات ليلة في آخر فبراير، سمعنا صوت هتافات، وبدأت التكهنات لتحديد مصدرها، وذهب البعض بأن الثورة ضد النظام قد إندلعت بينما أكد آخرون أن الصوت يأتي من دار إتحاد طلاب جامعة الخرطوم على الضفة الأخرى للنيل الأزرق، وقضينا تلك الليلة دون معرفة المصدر، وفي الصباح عرفنا الخبر أن الصوت أتى من داخل السجن وأن الطلاب المعتقلين في البحريات قد إصطدموا بالعسكر وأن عسكر السجن قد ضربوهم وقفلوهم في الزنازين. ولكن بعد أيام تم نقلهم لقسم المديرية.
وبينما أنا في المستشفى جاءت الأخبار أن الطلاب الأخوان بالمديرية قد إعتدوا على الجريدة الناطقة التي كان يصدرها الطلاب الديمقراطيون فقررت أن أسعى للخروج من المستشفى، فحدثت عم الصادق مساعد الحكيم في ذلك فرفض، فصحوت في اليوم التالي مبكرا وكانت نبطشيتي للإشراف على الطعام، فرفضت إستلام المواد بحجة أنها سيئة، وبعد ساعة تم إخراجي من المستشفى وترحيلي للمديرية فوجدت بها من طلاب شعبان عمر الطيب الدوش وابو اليسر يونس وميرغني الشايب وأنور فقيري وضياء الدين البدوي السنوسي و صلاح عباس والعماس من طلاب الجبهة الديمقراطية وتيسير مدثر وعبد السلام حسن من حزب البعث.
وكان هناك عدد من طلاب حزب الأمة أذكر منهم مكي يوسف وعلاء الدين وكان هناك أيضا عباس برشم ومن طلاب الأخوان أذكر حافظ جمعة سهل والذي يقال أنه قتل في تشاد وكان رئيسا لإتحاد معهد المعلمين العالي قبل ضمه لجامعة الخرطوم، وسيف الدين والشيخ سيداحمد الذي أصبح فيما بعد محافظا لبنك السودان وأبو قصيصة والذي أصبح فيما بعد أحد المسئولين عن ملف السلام في حكومة الجبهة ومات في حادثة طائرة في الجنوب والزبير أحمد حسن الذي أصبح وزيرا للمالية وعدد آخر من طلابهم ممن لا أذكرهم الآن.
وكان الطلاب الديمقراطيين يقيمون في عنبر والأخوان يقيمون في عنبرين. وكان المعسكر شبه مقسوم، فسعيت بمجرد وصولي لمحاولة إذابة الجليد فحضرت بعض ليالي سمر الأخوان وإشتركت في مسابقاتهم وكانت عبارة عن أسئلة حول مواضيع عامة وفزت في تلك المسابقات.
وأتفقنا أن ننظم إصدار مجلتنا ونحميها وجاء عدد من الأخوان وجلسوا وأستمعوا ومرت الأمسية بسلام وكسبنا شرعية نشاطنا، وبدأ فصل لتدريس الإقتصاد السياسي. وبدأ أنور فقيري فصلا لتدريس اللغة الروسية كنت أحد طلابه.
ومن الطرائف أن الأخوان قرروا تهديدنا وأرعابنا فأقاموا إحتفالا أمام عنبرنا بذكرى الجزيرة أبا، وتحدث متحدثوهم عن أحداث الجزيرة أبا ومسئولية الشيوعيين عنها وأنهم سيعاقبون الشيوعيين عندما يقضوا على نظام نميري، فتصديت لهم وفندت حديثهم عن مسئولية الشيوعيين وتحدثت عن مسئولية الأخوان في قسم المعارضة الشعبية ضد نظام نميري وأن الشيوعيين قدموا الشهداء والتضحيات لإسقاط نظام نميري، وقلت لقد إنتهى الزمان الذي يمكن التلويح به بإمكانية إضطهاد الشيوعيين، وأن الحركة الثورية إذا ما وصلت السلطة ستعيد الديمقراطية للسودان ولكنها لن تسمح للأخوان وحلفائهم بممارسة الوصاية والأرهاب وفي محاولة مني لرد أرهاب الأخوان قلت أننا سنصل السلطة قبلهم. والغريب أن حديثي كان له وقع مهيب لدرجة أن أحد طلاب حزب الأمة نهض مخلوعا من النوم في تلك الليلة وهو يصيح "يا كبلو دا أنا فلان" فما كان من زميلنا الحاج حمد إلا أن هب وامسك به وأعاده لفراشه داعيا له أن يقول "بسم الله"، وقد قررنا ألا نذكر تلك المسألة في المعتقل وأن نتعامل مع الشاب كأن شيئا لم يحدث وقد كان.
ومن الأحداث المؤسفة التي حدثت في المعتقل المشاجرة التي حدثت بيني وصديقي المرحوم عباس برشم والتي أرسلنا بسببها للزنازين ومثلنا أمام حكمدار السجن حينها الراحل العقيد عبدالرحمن الصاوي، فقد جرت مناقشة بعد الغذاء ذات يوم حول أحداث الأربعاء وبما أني كنت أحد شهودها فحكيت ما حدث وسالني أحد الزملاء عن مقتل الطالب سيد، فقلت له أنني لم أحضر الحادثة لأني كنت مصابا ونقلت لقسم الحوادث، ولكني كنت أهم شاهد في محاكمة الشخص الذي أتهم بقتله وأن شهادتي كانت مهمة لبراءته، فبينما بدأ الدهشة على الجميع والسؤال كيف؟ تدخل عباس فقال لي لقد شهدت بالزور يا كبلو؟ فقلت له كيف عرفت وأنا لم أقل بعد بماذا شهدت؟ فسكت فواصلت حكايتي وقلت أن المتهم هو الذي حملني للمستشفى وأنا لم أقل غير ذلك، وكانت تلك هي أساس دفاع الأستاذ القدير المرحوم محمود حاج الشيخ لأنها أثبتت أن المتهم كان أول من حمل المرحوم لأنه حدد دوره في ذلك الصراع بإنقاذ المصابين. ولم أكن أعرف أن عباس برشم والذي كان طالبا بالتجارة الثانوية كان شاهدا وقد إستبعدت المحكمة شهادته لسبب ما. المهم إنتهى الأمر وتفرقنا بعد التمام، ولكن في اليوم التالي وكنت أقوم بإصلاح وتنظيف وابورات الجاز التي نستعملها في المطبخ ومعي السر عثمان (طاحونة)، جاء عباس فقلت له بود ياعباس مش عيب تتهمني بشهادة الزور؟ فقال لي "ما زال ذلك رأيي فأنت شهدت بالزور لتنقذه!" فقلت له يا أخي إنت بتتهمني بالكذب والزول لو أتهم بالكذب ممكن بضارب" فقال لي بإستفزاز "الزول بالضارب ما بتكلم ولكن بيضارب!" فنهضت مما كنت أقوم به وضربته حتى نزف دما من أنفه وفي تلك اللحظة دخل شاويش القسم فأخذنا للزنازين و مثلنا أمام الحكمدار فحكم علي بأسبوع زنازين وعباس بثلاثة أيام" وبعد إطلاق سراحي من الزنازين وبينما أنا ذاهب للحمام بعد صلاة المغرب إذا بعباس يقفز علي فيتدخل الزملاء ويحجزونا. ولم تمر أيام حتى أطلق سراح عباس، وألتقينا في الخارج وتصافينا، وبكيت عباس وأنا بهبيلا في منطقة جبال النوبة عندما أذيع خبر أعدامه لإشتراكه في إنقلاب 5 سبتمبر 1975 ولم أستطع إكمال كوب شاي كان بيدي حين أذيع الخبر وأستغرب الحضور لمعرفة خلافنا الفكري.
لعل وجود عمر الطيب الدوش، الشاعر، ذو الصوت العذب، والحس الفكاهي الساخر، والمخرج والممثل المسرحي المتمكن ولاعب الشطرنج الذكي، المحب للقراءة والإطلاع، طيب المعشر والمحدث البارع في ليالي الأنس ولحظات الفرح والدبرسة (وهي تعبير في المعتقلات للحظات الكآبة وأنخفاض الروح المعنوية) كان زادا لي ولرفاقي في المعتقل.
كنت أعرف عمر الدوش منذ 1970 عندما ألتقيته مع صلاح العالم ومحجوب شريف، ثم ألتقينا عدة مرات بعد ذلك، ولم يتغير عمر الدوش في تعامله معنا كأصدقاء رغم أنه أصبح شاعرا مشهورا بعد أن زاعت قصيدته الساقية بين الناس.
وألتقينا في المعتقل، حيث السجن يكشف معادن الناس والوقت يسمح بالمعايشة المستمرة فتعرف الشخص منذ أن يفتح عينيه وحتى يغمضهما للنوم، تعرف ماذا يحب وماذا يكره، ما يضحكه وما يحزنه، ما يطربه من الأغاني وما يردده من أشعار الآخرين، وإذا أقتربت من الإنسان أكثر وفتح قلبه فإنك تعرف بعيونه عائلته وعالمه في الخارج ماضيه وآماله. وكم من صداقات نشأت في المعتقل وأستمرت لما بعده، وأنا أزعم أن السجن قد عمق علاقتي مع عمر الطيب الدوش فرأيت عمر الإنسان كما لم يتاح لكثيرين غيري.
وعمر رائع ومدهش ومرهف الإحساس، وأذكر أننا كنا نلعب الشطرنج دائما فيأتي الأخ المرحوم عباس برشم للعب معنا فكنت كل مرة أهزم عباس وكان عمر يتضايق من ذلك ويقول لي أنني "عديم الذوق" فعباس هو الوحيد من المجموعة الأخرى (التي كانت تضم الأخوان وحزب الأمة) الذي يأتي للعب الشطرنج (طبعا هذا خلافا للأخوين مكي وعلاء من طلاب حزب الأمة الذين يلعبون الكوتشينة مع الزملاء)، فكيف لي أن أهزمه كل مرة، فقلت لا مجاملة في الشطرنج فأصر هو أن يجامل وأن ينهزم لعباس وفعلها عدة مرات وكنا نضحك عليه فيقول أن تلك مرونة سياسية تتطلبها ظروف السجن. وكان عمر يحكي لنا نكاتا كل يوم تقريبا ولم نكن نعرف من أين يأتي بكل تلك النكات، وكنت معجبا بنكتة حكاها فرددتها بعد ذلك في أماكن مختلفة فلم أستطع أن أترك نفس الأثر الذي تركه عمر فينا، فعمر عندما يحكي النكتة كان يمثل و"يحاكي" بطريقة مدهشة وأنا لا أملك قدراته تلك.
قام عمر بإخراج مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" ومثل فيها ميرغني الشايب الذي سرقه القانون من التمثيل. وقام بإخراج عدد من الإسكتشات الرائعة وغنى وقرأ شعرا فجعل المعتقل أكثر إنسانية.
أصبح عمر عضوا بالحزب الشيوعي في المعتقل عام 1974 ولذلك قصة. فذات مساء وكان فرع الحزب بالمديرية مجتمعا، جاء عمر وأراد أن يجلس، فنهضت وسقته بعيدا وقلت له أن هذا إجتماع لفرع الحزب وهو ليس عضوا فيه وعدت وواصلت الإجتماع، وبعد الإجتماع ذهبت لعمر لأعتذر له وأوضح لماذا فعلت ذلك فوجدته غاضبا وقال لي كيف تعقدون إجتماعا بدوني وشرحت له أنه ليس عضوا في الحزب رغم أننا نعتبره من أقرب الناس لنا، فقال "ولكني شيوعي وماركسي" فسالته لماذا لاينضم للحزب فقال لم يطلب منه أحد ذلك ولم يشعر بالحاجة لذلك لأنه يشارك الشيوعيين كافة النشاطات إلا الإجتماعات، فعرضت عليه عضوية الحزب فوافق وقرر أن يكتب طلبا، وكتب طلبا رائعا، رد عليه الزميل سليمان حامد الذي كان موجودا بالكرنتينة ج ردا رأئعا آخر ونقل لنا قرار قيادة الحزب بالسجن لإرساله للنشر بالخارج ولكن للأسف حدثت أحداث في السجن أدت لوقوع كثير من الوثائق في يد إدارة السجن ومن بينها طلب عمر الدوش.
وأطلق سراح عمر الدوش بعد إكماله الفترة المقررة في القانون (6 شهور وعشر أيام) وعاد لمعهد الموسيقى والمسرح وتخرج بمرتبة الشرف وبعث لجمهورية تشسيكسلوفاكيا فحاز على درجة الماجستير وعاد ليعمل أستاذا بمعهد الموسيفى والمسرح. وكان عمر الدوش قد تطوع لإصطحاب جثمان الزعيم العمالي العظيم قاسم أمين من براغ للخرطوم.
اليوبيل الفضي لكلية الطب والتظاهر ضد نميري
وفي أول مارس حل في السجن ما يقارب المائة طالب معظمهم من طلاب كلية الطب جامعة الخرطوم. وقد تم إعتقالهم إثر هتافهم ضد نميري عند حضوره اليوبيل الفضي لكلية الطب. وقد قسم الطلاب المعتقلين إلى قسمين، قسم وضع بزنازين البحريات والقسم الآخر وضع بقسم الشرقيات.
وبعد ايام تم ترحيل الطلاب المعتقلين بالبحريات إلى المديرية حيث كان يعتقل ما تبقى من طلاب إنتفاضة شعبان وكان من معتقلي إحتفال كلية الطب أحمد قاسم والسر أبو الحسن وعمر النجيب والسر عثمان(طاحونة) وعثمان حسن موسى وأحمد علي قوي وزين العابدين صديق والحاج حمد محمد خير وحمودة فتح الرحمن وفونيكس وإسمه بالكامل عبدالله الجندي وعبد الحميد السمين وسامر سليمان حسين وفتح الرحمن التني ومعظمهم من الجبهة الديمقراطية وقوى اليسار. وكان هناك عدد آخر من طلاب كلية الطب ممن سكنوا مع الأخوان في عنابرهم ولكنهم إختلفوا معهم عند مسألة الإضراب عن الطعام وكان أشهرهم طالب في خامسة طب إسمه سليمان ولكن كنا نطلق عليه إسم مجيب الرحمن مؤسس دولة بنقلاديش.
كنا نتابع الأحداث في المعتقل من خلال نشرة أخبارية تصدرها قيادة الفرع التي إستطاعت تأمين راديو في المعتقل. وكانت تلك النشرة وجريدة الميدان السرية وما يصلنا من بيانات ومطبوعات حزبية تمثل أهم صلاتنا بالخارج.
وذات يوم من أيام إبريل وصلتنا أخبار الثورة في البرتغال والتي بدأت بإنقلاب عسكري ثم تحولت لثورة جماهيرية عصفت بحكم سالازار ونظام المستعمرات، وتجمعنا في ساحة المديرية ورددنا الهتافات المرحبة بثورة البرتغال وهتفنا مصير سالازار مصير نميري. والمدهش أن ذلك تحقق في إبريل بعد أحد عشر عاما.
المعتقل بعد وصول معتقلي اليوبيل
كان قدوم طلاب اليوبيل الفضي إضافة نوعية للمعتقل فنشطت الحركة الثقافية والترفيهية بالمعتقل. كان من بين الطلاب المعتقلين من كلية الطب حمودة فتح الرحمن والذي كنت أعرفه منذ عام 1970 وعشت معه أيام قليلة في قسم الشرقيات عندما نقل إليها من كوستي ولكنه أعيد عندما أكتشفت السلطات أنه قد أدى إمتحاناته قبل إغلاق الجامعة في مارس 1971. وحمودة شخص مرح وصبور وقد لعب حمودة الذي أصبح شيوعيا في السجن دورا كبيرا فيما بعد في الحركة النقابية للأطباء في الخرطوم بحري وكوستي وفي الحركة الجماهيرية وفي حركة حقوق الإنسان. وكان هناك أحمد قاسم والذي أصبح فيما بعد نقيبا للأطباء السودانيين بالمملكة المتحدة، وكان أحمد شخصا صبورا وكان باسما في كل الظروف وكنا نداعبه بقولنا "أحمد قاسم دائما باسم عيد ميلاده عجور وطماطم" . وكان من بينهم السر أبو الحسن الذي أصبح طبيبا شهيرا في مجال الخصوبة والإخصاب وأطفال الأنابيب وكان عند إعتقاله بعيش قصة حب يعرفها كل المعتقلين وكانت حبيبته (والتي تزوجها فيما بعد) تزوره في المعتقل فكان يغني ( يا ناس وينو هلالكم أنا هلالي يا داك ظهر). وكان هناك الثلاثي المدهش عثمان حسن موسى وعمر النجيب والسر عثمان المشهور بالسر طاحونة وثلاثتهم أصبحوا من الأطباء المتميزين. وقد تعلمت من السر حب غناء الشايقية خاصة تلك الأغنية الرائعة التي تقول "لا شوفة تبل الشوق ولا خبرا يطمئن أريت تبقى طيب إنت أنا البي كل هين" ومخاطبة الطير المرسال بأنه "إنخمل في طل التمر" ولقد أصبح السر شيوعيا في المعتقل في إحدى ليالي الإضراب عن الطعام وكنا أنا وهو ننقل المضربين للمستشفى عندما فاتحته في الإنضمام لعضوية الحزب.
عابدين صديق ذلك القائد الفذ
وكان من بين الطلاب الذين أعتقلوا مع طلاب كلية الطب الزميل المدهش عابدين صديق الذي فقدته الحركة الثورية في عام 2007. وعابدين كان أميز مسئول تنظيمي لفرع الحزب بالجامعة وقد درس الإقتصاد بجامعة الخرطوم، وكان مثقفا فريدا ومرجعا في قضايا فكرية عديدة، وقد قضينا فترات طويلة تناقش في المعتقلات حول الثورة الصناعية والتراك الرأسمالي.
أضراب طلاب كلية الطب
ولكن من البداية كان طلاب الطب مشغولين بإطلاق سراحهم فكونوا لجنة للمعتقل وكنت بإعتباري ذو خبرة بالمعتقل وأعرف ضباط السجن أساعدهم في أمور تحسين المعتقل فأتفقت مع الطبيب على كتابة الغذاء الخاص وفي إنشاء الصلة بقسم الشرقيات حيث يوجد القسم الثاني من طلاب اليوبيل، وتناقش الطلاب حول إضراب الطعام وكان الطلاب الأخوان معترضين فأصر بقية الطلاب على الإضراب، فأعلنوا الإضراب عن الطعام، في القسمين المديرية والشرقيات، ولكن الطلاب الأخوان رفضوا الإشتراك فقررت إدارة السجن جمع الطلاب المضربين في المديرية وتحويل غير المضربين للشرقيات، وبعد يومين من الإضراب زار السجن نائب مدير السجون العميد ميرغني أبو الروس، ويبدو أن إدارة السجن قد أخبرته أنني في المديرية وأوحت له بأنني أقود الإضراب وللحقيقة والتاريخ لم يكن ذلك صحيحا، فالإضراب كانت تقوده لجنة من معتقلي اليوبيل الفضي. ولكن أبو الروس جاء متأثرا بما قالته له إدارة السجن، فنادى علي فلم أتحرك من فراشي فجاءني وجلس بجانبي على النمرة (برش وبطانيتين) وقال لي ما هي مطالبكم فقلت له بإلتزام الشيوعيين المعهود "هناك لجنة فتحدث معها فأنا لست عضوا بها" فقال لي "يا أخي أدخل واسطة بيننا" فقلت "هؤلاء الطلاب لن يقبلوا بغير إطلاق السراح" فقال "طبعا إنت عارف أنا ممكن أعمل أية حاجة إلا إطلاق السراح فهو مسؤولية الأمن" فقلت له ماذا ستفعل لهم إذن؟ فقال أي حاجة تطلبوها فقدمت مطالب المعتقلين التقليدية من سرائر ومواد طعام نطبخها لوحدنا فوافق على الفور وأصدر أوامره بالتنفيذ وعند خروجه هاج في الطلاب وقالوا أنني تحدثت بإسمهم فوضح الطلاب الحاضرون للمناقشة موقفي وقالوا لهم الزول ده قال لنائب المدير ما هو مطلبكم الأساسي وأبلغه أنه لا يمثلكم وأن لكم لجنة" ووعد نائب المدير بنقل مطلب إطلاق السلااح للأمن، ولم تمض نصف ساعة حتى حضر للقسم المساجين وهم يحملون السراير والمراتب.
أول وفد مدني يدخل السجن للتفاوض
وأستمر الإضراب، وجاء الدكتور الطيب زروق وكان مساعد المحافظ للشئون الصحية، وأمر ب‘جراء الفحوصات الطبية وتحويل المرضى لمستشفى السجن، وفي عصر نفس اليوم حدثت المعجزة حيث دخل المديرية أول وفد مدني منذ دخول أحمد يوسف هاشم نقيب الصحفيين لمقابلة زعماء العمال في الخمسينات، وكان الوفد مكون من آباء بعض الطلاب المعتقلين ويصحبهم ضابط أمن إسمه المصباح وكنت أعرفه من أيام دراسته بالجامعة وهو من كادوقلي ولي معه قصة سيأتي ذكرها.
وتفاوض الوفد مع اللجنة التي أصرت على إطلاق سراح الطلاب بدون شرط. وأصر المصباح أنهم لن يطلقوا سراح الطلاب وهم مضربون عن الطعام وبعد مداولات وعد بإطلاق السراح بعد أسبوع من فك الإضراب، ووافق الطلاب.
إطلاق سراح طلاب الطب وبقائي وقوي ومطرف نميري
وكعادة جهاز الأمن فقد تم إطلاق سراح الطلاب غير الضربين فورا وإنتظر الطلاب المضربون أسبوعا عندما تم إطلاق سراحهم جميعا عدا أربعة طلاب: أحمد التجاني علي قوي وعارف عفان ومطرف نميري وشخصي (ولم أكن مهتما لأن فترة إعتقالي قد تبقى عليها أيام).
إطلاق سراحي وخليفة كرار يأمر توصيلي بعربته الخاصة
وفي اليوم المحدد تم أخذي لجهاز الأمن وهناك قيل لي يمكن أن أذهب فطالبت بعربة لتوصيلي لأني لا أملك نقودا فقالوا لي أن أنتظر حتى يجدوا عربة وفي هذه اللحظة جاء السيد خليفة كرار نائب مدير الجهاز وقال ليهم بالحرف "المصيبة دة قاعد يعمل شنو مش أطلقتوا سراحه فقال الصول خليفة (وهو من أم درمان وكان متحصصا في إعتقال الشيوعيين من أيام عبود) : قال ما عنده قروش ولا زم نوصله ومنتظرين عربية، فأخرج خليفة مفتاح عربيته وقال شوف فلان يوصلوا لغاية بيته ما عايزين مشاكل.
وفعلا تم توصيلي للمنزل ولم أدرك سبب ذلك الحرص إلا في المساء.
الإذاعة تذيع أمرا بإعتقالي ضمن طلاب آخرين
ذهبت للمنزل وتوافد الأهل والأصدقاء للتحية وفي المساء حوالي السادسة زارني عدد من الزملاء فيهم ميرغني الشائب وضياء البدوي السنوسي ومحمد برشم وأبو اليسر يونس وكانت تلك هي المرة الأخيرة التي ألتقي فيها أبو اليسر فقد إغتاله الأمن بعد أسبوعين. وبينما ضيوفي يشربون "الشربات" والراديو يذيع نشرة الأخبار المحلية، وفجأة أذاع خبر بأمر إعتقال طلاب فأرخينا السمع فإذا أسماءنا جميعا تذاع وطلب منا تسليم أنفسنا وأمر بالقبض علينا وتحويلنا للمباحث المركزية. وقررنا ألا نسلم أنفسنا وخرج الزملاء وخرجت بعدهم لأختفي وذهبت للثورة حيث قضيت أسبوعا مع بعض أقربائي. وخلال هذا الأسبوع كانت والدتي،يرحمها الله، تخرج كل يوم تحمل كيسا وتذهب إلى السوق وتشتري خضارها وتركب البص لزيارتي تحمل لي الجرائد والكتب. ثم جاءتني برسالة من صديقي إبراهيم النور يطلب مقابلتي وأنه جهز لي مكانا آمنا. فأنتقلت للمكان الجديد والذي كان منزل الدكتور فاروق محمد إبراهيم الموجود حينها باليمن. ولكني أضطرت للخروج منه بعد أيام لأنه كان سيكون مكان "لفراش" فتم نقلي لمنزل مولانا شيخ يوسف إبراهيم النور والد صديقي صديق وعثمان، وكنت ضيفا على عثمان حتى صباح 22 يوليو 1974 عندما أعلن نميري عفوه عن "أبنائه الطلاب!!"
شيخ يوسف إبراهيم النور يسأل إبنه عثمان
وعندما لم أظهر ذلك اليوم على مائدة الغذاء سأل شيخ يوسف إبنه عثمان "وين ضيفك؟ ولا شملوا العفو وخرج!" يرحم الله شيخ يوسف فقد كان رجلا عالما تقيا ووطنيا ديمقراطيا من طراز فريد.