جدار فولاذى … صمت فولاذى فى الذكرى الأولى للعدوان على غزه الصامده
28 December, 2009
كنت بصدد الكتابه فى الشأن السودانى الذى أجد أن حلقات الأزمه على أمتداد مساحاته تضيق يوما عن الآخر أمام تدارك الموقف ومحاولة أيجاد مخرجا قبل أن ينهار المعبد على من فيه. فكل يوم يمر نقترب من أنتخابات أبريل ونهاية الفتره الأنتقاليه التى فى الغالب الأعم ستشهد أنفصال الجنوب وبداية النهايه لوطنٍ مستقر يحلم شعبه بالنماء والرفاء بعد أن تدفق البترول مدراراً على أراضيه. وبلا أدنى شك ، بعد أنفصال الجنوب سيتحول البترول الى عامل أساسى من عوامل الصراع بجانب عوامل أخرى كُثُرٌ بعضها محلى الصنع , وبعضها أقليمى النزعه, وأخرى دولية المنشأ. ألّا أنّ حلول الذكرى الأولى للحرب الغادره التى شنها العدو الأول للعرب والمسلمين على الشعب الغزاوى الصامد , والتى راح ضحيتها المئات ودُمِّرتْ فيها البنيه التحتيه للقطاع دمارا لا مثيل له ؛ جعلنى اشعر بأثمٍ كبيرأذا لم أتذكرها مع أقوام كثريين أنتصبوا فى الشوارع وأضأوا الشموع لساعات طويله علّهم يؤدون واجباُ يمليه الضمير الأنسانى فى المقام الأول مع غياب تام لأى حضور عربى أو أسلامى على أرض عربيه أو أسلاميه.
ومما تجدر الأشارة اليه فى هذه الذكرى الأولى أن القاده العرب كانوا قد أجتمعوا بعد أن سكت هدير المدافع وأزيز الطائرات الحربيه الأسرائيليه ليقررو بشأن أعمار ما دمرته الحرب بعد أن طأطأوا الرأس خجلا لعدم تمكنهم من فعل أى شئ خلال الحرب أو لرفع الحصار المفروض على ذات الرقعة من الأرض وعلى ذات الشعب المسكين قبل الحرب بعامين. كانت بعض الدول العربيه والأسلاميه سخيه فى قمة شرم الشيخ التى جُمٍعَتْ فيها مئات الملايين من الدولارات عساها تُعوِض الغزاويين عن ما أصاب بيوتهم ومشافيهم مدارسهم ومؤسساتهم من دمار وعن ما أصابهم من أحباط بسبب تخلى أخوانهم فى العقيده والدم عنهم وأكتفائهم بالفرجه على أسرائيل وهى تقصفهم ليل نهار بشتى أنواع الأسلحة الفتاكه والمحرمه دوليا وعلى مدى ثلاث أسابيع متواليه دون أن يرمش لهم جفن.
ورغم المسأة وحجمها المهول ألا أن الناس أستبشروا خيرا عندما أجتمع بعض الزعماء العرب وغيرهم لوضع خطة أعادة أعمار قطاع غزة. أعتبر الناس تلك الخطوة بمثابة بداية لرفع الحصار الجائر عن شعب غزه والذى مهدت به أسرائيل للحرب بغيه أن تجهز على عدوءٍ منهك ؛ وهو ما لم يتحقق بفضل صمود المقاومة وشعب فلسطين فى غزه. فبعد مضى عام بأكمله منذ أن توقفت الحرب , لم يعد أحد يتحدث عن الأموال التى جُمِعَتْ وفيماذا جمعت ! فلا الحصار رُفِعَ ولا غزه أُعِيْدَ أعمارُها ! فهل جمعت الأموال لتقبع فى خزائن البنوك أم لتوجه للغرض الذى من أجله جمعت ؟ والأجابه على هذا السؤال هى ليست كل الحقيقه ؛ بل الحقيقه أن نفس القاده والزعماء قد قرروا أن لا يُرْفَع الحصار عن غزه ؛ بل ينبغى تشديده حتى لا يبقى فى فلسطين صوتٌ مقاومٌ لأسرائيل ولو أدى ذلك لتجويع شعب القطاع بأكمله. فها هى مصر؛ التى كثيرا ما سمعنا عن ريادتها منذ أن كنا صغارا لا نعى من أمر الدنيا الا القليل؛ مصر العروبه , ومصر الأسلام, ومصر الأزهر, الخ ؛ قررت أن تبنى جدارا فولاذيا تم تصنيعه فى أمريكا ليدفن على عمق ثلاثين مترا لمنع الأنفاق التى باتت هى الرئه التى يتنفس من خلالها أهلنا فى غزه بعد أن أمعنت مصر فى أغلاق معبر رفح الحدودى المنفذ الوحيد الذى لا تتحكم فيه اسرائيل بطريقه مباشره. فمن خلال الأنفاق يدخل ما تمنعه أسرائيل من دواء وغذاء ومواد بناء أوليه ؛ كما أكد ذلك مسئولى السلطه فى غزه. ففى الوقت الذى أرتفعت فيه اصوات الملايين من العرب والمسلمين وغيرهم من دعاة الحريه والأنسانيه لرفع الحصار عن غزه بأيدى عربيه واسلاميه ؛ تتقدم مصر – مبارك الصفوف لِتُحْكَمَ الحصار باقامة جدارٍ من الفولاذ السميك تحت مزاعم السياده والذى منه ! ثلاث سنوات وما يربو على المليون ونصف المليون فلسطينى محاصرين فى سجنٍ كبير أقامته أسرائيل المعتديه ، والتى لا يتوقع عاقل أن تقوم هى ذاتها برفعه. وكما صرح أحد القيادات السياسه المصريه أن الهدف من الجدار هو الضغط على حماس للتوقيع على وثيقة المصالحه التى وقعت عليها حركة فتح فى النصف الثانى من أكتوبر الماضى ؛ الأ أن تجويع الشعب بأكمله لا يكتسب شيئا من المنطق السياسى والأخلاقى لهكذا فعل. وألأثر الذى سيتركه مثل هذا الجدار فى نفوس الشعب الفلسطينى لن يمحى بسهولة. خاصةً ، لا يعلم أحد على وجه الدقه كيف سيكون حال أهلنا فى غزه بعد عام من اليوم أو عام من أكمال هذا المشروع الخبيث. وهل أذا أكملت مصر بناء الجدار الفولاذى العازل – كما صرح وزير الخارجيه المصرى أحمد أبو الغيط من أن مصر لن توقف بناء الجدار- وأستجابت حركة حماس للضغوط- مع أن هذا شيئا بعيد المنال- هل ستقوم مصر بفكفكته بأعتبار أن مهمته قد أنتهت؟
يجمع كثير من المراقبين والمحللين على أن جدارا فولاذيا بين مصر الدوله ، وقطاع غزه ذى الأمكانيت المحدوده والمحاصر من البر والبحر والجو لا يعدو أن يكون غير خدمة تسديها مصر الى أسرائيل وتدفع فاتورتها الأدارة الأمريكيه. وليس هذا بمستغرباً على مصر مبارك وقد قدمت خدماتها تترى من قبل لأسرائيل أثناء الحرب عندما أصرت أن تُبْقِى معبر رفح مغلقا معظم الوقت ومنعت كثيرا من المعونات أن تصل الى مستحقيها الغزاويين. ها هى قافلة شريان الحياة فى انتظار أذن الدخول الى غزه منذ أسبوع والتى يصر الجانب المصرى أن لا تدخل الّا من ميناء العريش وقبل الثالث من شهر يناير كما أكد ذلك أيضا وزير الخارجيه المصرى. مجموعه من الناشطين الأجانب جاءوا الى القاهره لأحياء ذكرى الحرب على غزه يتظاهرون مطالبين الحكومه المصريه السماح لهم بالذهاب الى غزه من معبر رفح وفتح المعبر فتحا كاملا ودائما؛ ومئات قبلهم حاولوا الدخول ومؤازرة شعب غزه المكلوم ولكن لم تشأ مصر أن تسمح لهم. حكمت المحاكم المصريه على الأمين العام لحزب العمل مجدى حسين بسنتين سجن لأنه تسلل جيئة وذهابا الى غزه ليقف على حال أهلها كما أملاه عليه ضميره الوطنى وحسه الأسلامى ومهنيته كصحفى. ولن ينسى الناس ما كشفته صحيفة الأسبوع فى حينه من أن شركة مصريه كانت تمد الجنود الصهاينه بالغذاء أثناء الحرب ولم نسمع أن تحقيقا حكوميا قد تم فى هذا الشأن ؛ ولم يكن لتلك الشركه المصريه ان تقوم بهذا الفعل الجبان دون علم وموافقة الحكومه وأمنها الذى كان يطارد خلية حزب الله الموكل لها محاولة مساعدة أخوة العقيده والدين فى محنتهم بما تستطيع. ومن المعروف أن المسؤلين على معبر رفح يتلقون تعليماتهم من القياده السياسيه العليا للبلاد والتى لا تهتم كثيرا فى أخفاء حالات التعاون مع العدوء الأسرائيلى حتى وهو يرتكب المذابخ فى حق الشعب الأعزل فى غزه والضفه الغربيه. ولن ينسى أحد أجتماع تسيبى ليفنى ، وزيرة خارجية أسرائيل اثناء الحرب وعضو الحكومه الأسرائيليه المصغره التى أتخذت قرار الحرب وادارتها ، مع الرئيس مبارك ورئيس ووزير خارجيته فى أخر محطه لها قبل أن تتوجه لتل ابيب لتعلن بدء الحرب فى اليوم التالى- غدرا - على حماس وأهل غزه المدنيين العزل. ومما يحز فى النفس ألماً أن يؤازر مواقف القياده السياسيه المصريه بعض الزعماء العرب. فلم نسمع أن رئيس دولة عربيه أدان الفعل المصرى حتى هذا اليوم أو توجه بالطلب لمصر لوقف بناء الجدار الفولاذى أو سعى لرفع الحصار أو وجه الدعوة لرئيس الحكومه أسماعيل هنيه لزيارته أو طالب بتعجيل خطط أعادة الأعمار . وبالطبع حكومتنا الميمونه فى الخرطوم ليست أستثناءا فقد غضت الطرف بالأمس القريب عن تصريحات مصريه بخصوص ملكية منطقة حلايب المتنازع عليها؛ فلما تستثير الحكومة المصريه فى أمر غزه وشعبها وهى فى أمس الحاجه لتعاونها فى قضية المحكمه الجنائيه وأن كان ذلك يعنى التنازل عن القيم والمبادى المعلنه. فمما لا أختلاف حوله أن مصرقج أضحت منتجعا أساسيا للريئس البشير. وفى المقابل، لننظر للفرق فى المواقف والتبديل الذى طرأ عليها. كان موقف البشير شجاعا أثناء الحرب على غزه فى مثل هذه الأيام من العام الماضى عندما أختار أن يحضر المؤتمر الذى دعت له دولة قطر وأميرها الشجاع لنصرة غزه رغم معارضة مصر الشديده له والتى لم يهدأ بالها الآ بعد أن افشلته ومنعت محمود عباس من حضوره بجوار خالد مشعل والذى ربما كان كافيا بأنهاء حالة الأنقسام الفلسطينى فى ذلك الوقت. كان موقف البشير مُشَرِفاً على نقيض رئيس مصر ولكن بيت القصيد ؛ أنْ كان موقفه ذلك قبل قرار الجنائيه باعتقاله والذى صدرفى مارس السابق ؛ أى بعد قرابة الشهرين من تاريخ أنعقاد المؤتمر. وربما عنى ذلك أن الرئيس البشير والمرشح الفائز فى انتخابات أبريل القادم وحكومته مضطريين لتغيير وتبديل كثير من المرتكزات الفكريه والسياسيه لتتواءم مع مستجدات ما بعد مارس 2009 لتذهب أبعد من غزه ونصرة أهلها.
المثير للريبه أن مصر قد حاولت منذ البدايه أن تخفى أمر البناء لولا أن كشفت ذلك مفوضة الأنوروا كارين أبوزيد فى الخامس عشر من هذا الشهر كما نشرته صحيفة المصرى اليوم المصريه. ومن ثم توالت الأستفسارات والأسئلة الصحفيه والبرلمانيه على مسئؤلى الحكومه حتى أعترفت مصر بأنها فعلا بدأت فى اعمال الحفر والبناء على طول الحدود مع القطاع تحت مزاعم السياده ومنع التهريب. ووسط هذه الجو الغائم بمزيد من التآمر على الشعب الفلسطينى بدأت تحركات دوليه وأقليميه ومحليه مكثفة لمحاولة التأثير على القياده المصريه لوقف أعمال البناء للجدار الفولاذى. ورغما على أننى لست متفائلا أن ذلك سيحدث أرى كما هذا المقال ؛ أن تلك التحركات هى من قبيل التضامن مع شعب غزه الصامد. فقد بلغت المطالبات أوجها لفتح معبر رفح أثناء الحرب العام الماضى دون أن تستجيب مصر وقيادتها لذلك. ولكن يبقى الأمل معقودا على أن تسهم مثل هذه الجهود فى رفع الحصار كليةً على غزه وشعبها فى القريب العاجل حتى يكون ذلك عونا لهذه الشعب فى أن تستمر مقاومته لأسترداد حقوقه المشروعه. ولكن يبقى الحال بائسا أمام كل الشعوب العربيه والأسلاميه أن ترى الغزاويين يذبحون مرة بألة الحرب العام الماضى ومرة بحصار ظالم وجدار فولاذى هذا العام تقيمه دولة كانت فى القريب حامية للأسلام والعروبه وداعمه للمقاومه و التحرر.
mekkimusa@aol.com