حزب الأمة صراع الأمانة والرئاسة

 


 

 

أستميح القارئ عذرا أن اقطع سلسلة ( السودان الجديد من الفكرة إلي الواقع) للتعليق على مجريات الأحداث التي تفرض نفسها على الساحة السياسية، و تحاول ترتيب الأورق بصور مغايرة ربما تربك العقل في عملية استيعاب مجريات العملية السياسية، إلي جانب التغييرات التي تحدث في الخطاب السياسي لبعض القيادات، و التعليق عليها بتصورات مخالفة من قيادات منضوي في تحالف واحد.
السؤال المركب الذي يجب على كل قاريء أن يجاوب عليه بعيدا عن الانحياز السياسي: إذا خرج حزب الأمة من تحالف قوى الحرية المركزي هل القوى الأخرى قادرة أن تسير بالعملية السياسية إلي نهاياتها؟ أم أن الحرية المركزي سوف تفقد سطوتها السياسية؟
عندما تعقدت القضية السياسية داخل تحالف قوى الحرية و التغيير، في عهد عبد الله حمدوك، و حدثت الخلافات في العملية التنظيمية للتحالف، جمد حزب الأمة نشاطه في التحالف. و عندما لم ينصاع حمدوك لقرارات و توصيات لجان التحالف في الاقتصادي و القوانين و غيرها، انسحب الحزب الشيوعي السوداني، لكن ظل التحالف يسير دون ( الأمة و الشيوعي) كان سنده في ذلك المكون العسكري، و استجاب ما تبقى من التحالف الاستجابة لكل مقترحات المكون العسكري، و قبلوا أن يكون هناك مجلس شركاء يتم من خلاله تداول الموضوعات و الذهاب بها إلي الاجتماع المشترك بين مجلس الوزراء و السيادة لإجازتها إلي جانب أصدار القوانين المطلوبة في الفترة الانتقالية. و عندما حلت حكومة حمدوك الأولى و بدأ الخلاف يتوسع بين المدنيين و العسكريين في بعض القضايا، اقتنعت قيادات حزب الأمة الرجوع للتحالف بشروط، أن يمنح 60% من التشكيل الوزاري و المقاعد في المجلس التشريعي و توزيع محاصصات الولايات. و قبلت القوى السياسية المتبقية في تحالف الحرية و التغيير القسمة الضيزى.
عندما وقع الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021م اعتقدت قيادات حزب الأمة هذه معركتهم السياسية مع المكون العسكري و لابد من إنهاء الانقلاب و العودة مرة أخرى للشراكة، لذلك جاء دور رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر لكي يحل القضية من خلال تسوية سياسية تعيد حكم رئيس الوزراء، كانت هيئة الرئاسة في حزب الأمة على علم بحركة رئيس الحزب، و عندما تم إقناع العسكر برجوع رئيس الوزراء و إقناع حمدوك، بذلك. رفضته الإمانة العامة لحزب الأمة التي يقودها الواثق البرير، و اعتقدت أن نجاح هيئة الرئاسة بعيدا عن الأمانة التي تتشكل أغلبية أعضائها من بيت رئيس الحزب الراحل الإمام الصادق المهدي سوف تصبح بادرة تتجاوز الأسرة. لذلك تحالفت مع القوى الريديكالية في التحالف لرفض فكرة رجوع حمدوك، لآن إرجاع حمدوك سوف يتبعه تهميش متوقع للتحالف، لكن قيادات حزب الأمة أرادت من الرفض أن يرجع أي قرار للحزب فيما يتعلق بقضية التحالف و الحكم للأمانة بعيدا عن الرئاسة، و العمل من خلال الأمانة فقط يعني العمل على تهميش العديد من القيادات غير المريحة للبعض في الأمانة.
أن الصراع بين هيئتي الرئاسة و الأمانة في حزب الأمة ليس صراعا تحسمه اللائحة الداخلية للحزب، لأنه صراع ليس مرتبط بقضية الممارسة الديمقراطية، أنما هو صراع حول السيطرة على الحزب و قراراته. حتى لا نسترجع قضايا تاريخية نجهد فيها الذاكرة، قبل يومين صرحت الدكتورة مريم المهدي أن حل الأزمة يمكن أن يكون في تشكيل حكومة تصريف أعمال. و هي مبادرة يمكن أن تخضع للحوار بين قوى الحرية و التغيير. لكن جاء الرد بقوة من قبل بعض قيادات في التحالف يرفضون الفكرة تماما. و الدكتورة مريم هي أكثر أبناء الإمام الصادق المهدي معرفة برؤيته السياسية و خبيرة بتجارب والدها، لذلك دائما تكرر في حديثها و مقابلاتها الإعلامية لابد من تقديم تنازلات من كل المجموعات لكي يحدث الاتفاق حول حل الأزمة. لأن الدكتورة لا تتفق على تطويل الفترة الانتقالية بل انجاز مهامها في أقصر فترة ممكنة و الذهاب مباشرة للانتخابات. و من خلال متابعتي لحركة الدكتورة السياسي و خطابها و رؤيتها لعملية التوافق الوطني؛ هي مؤمنة أن الانتخابات وحدها هي الطريق الوحيد الذي سوف يجمع شتات حزب الأمة في كل ولايات السودان، و يعيد للحزب مكانته و دوره الجماهيري. و أن الدور الفعال في الحزب سوف يبرز في العملية الانتخابية لأنه سوف يقدم قيادات جديدة تمتلك قدرات و معارف تساعد على تحريك الحوار داخل الحزب.
أن القيادات التي تتحكم في الأمانة، أغلبيتهم حديثي عهد بالتجربة السياسية، و يعتقدون أن الفترة القصيرة للمرحلة الانتقالية ليس في صالحهم، هم في حاجة إلي فترة إنتقالية طويلة تجعل السيطرة في يدهم، و يستطيعون التحكم في قرار الحزب و بالتالي يستطيعون خلق كادر سياسي موالي لهم إذا كان في المركز أو في الأقاليم، و أن وجودهم في قيادة التحالف ( الحرية المركزي) سوف يعطيهم نصيب الأسد في المؤسسات الدستورية، و بالتالي تصبح هيئة الرئاسة في حزب الأمة بعيدة عن القرارات المصيرية و تصبح مجرد مواقع تشريفية. هذا الصراع ليس فقط متعلق بالعضوية الحزبية، بل جذور الخلاف ضاربة في بيت الراحل الصادق المهدي. في من يخلفه في زعامة الحزب.
الملاحظ حتى الترشيحات لرئيس الوزراء القادم، و المنتشرة في العديد من وسائل الاتصال الاجتماعي و التي تحمل أسماء شخصيات بارزة من حزب الأمة ( الدكتور بشير عمر و الدكتور إبراهيم البدوي) إلي جانب ترشيح عودة الدكتور عبد الله حمدوك وراءها عضوية حزب الأمة في السودان و الخارج، و هي تعكس الصراع بين هيئة الرئاسة و الأمانة العامة، و هما هيئتان تتشكل عضويتهما من أبناء الإمام الراحل. و الخلاف ليس مستتر بل ظهر بوضوح الآن، جانب أختار ثقافة الإمام و الأخر يريد أن يمزجها بيسارية ريديكالية.
أن الاجتماع الذي عقدته هيئة رئاسة حزب الأمة المكونة من ( فضل برمة ناصر و نايبيه مريم الصادق و الصديق أسماعيل و عبد الرحمن الصادق المهدي مساعد الإمام هيئة شؤون الانصار) مع الكتلة السياسية التي كانت قد اجتمعت في القاهرة في منزل مني أركو مناوي. و وقعت على بيان مشترك تخاطب فيه المكونين العسكري و المدني و مطالبة الجميع بالعمل سويا من أجل حل الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد. و هي الرؤية التي تؤكد مسار الإمام الصادق في حل المشكل من خلال التوافق الوطني و انجاز مهام الفترة الانتقالية و الذهاب الي صناديق الاقتراع، خاصة أن الثلاثين عاما أحدثت تغييرات كبيرة ديمغرافية في البلاد سوف تؤثر على علاقة الأحزاب بعضويتها، و الأحزاب في حاجة أن تعيد بناءها و تنظيمها حسب متطلبات الواقع الجديد في المجتمع.
لكن ستظل قضية الصراع داخل حزب الأمة صراعا من أجل من يرث الإمام الصادق المهدي في موقعيه، المدني و الديني، و هي معركة تحتاج إلي قدرات استثنائية، و حركة دائبة مع الجماهير، و محاولة البعض أن يتلمس مسارات اليسار الريديكالي لعله يجد به طريقا للأجيال الجديدة تصور سوف يخسر أصحابه، لآن اليسار الريديكالي نفسه يعاني من أزمتين تنظيمية و فكرية، و القيادات التي تمثله أكثر القيادات التي قادت عمليات الانشقاقات في تنظيماتها. نسال الله حسن البصير’

zainsalih@hotmail.com
///////////////////////////

 

آراء