حوار مع حمدي وخالد … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
21 October, 2010

 


في محاضرة قيّمة نظمها بنك فيصل الإسلامي الأسبوع الماضي؛ وهي ليست المساهمة الأولى لبنك فيصل في الشأن العام، في وقت تنشغل فيه بنوك كثيرة بتعظيم أرباحها، يبحث بنك فيصل في هم إيجاد حلول لهموم الوطن الكبرى.
في تلك المحاضرة أطلق الأستاذ عبد الرحيم حمدي كعادته دائماً حزمة من الأفكار المبدعة.. وأفكار حمدي كثيراً ما تثير الجدل في الأوساط الصحفية والسياسية.. دعا حمدي لعدم الإصرار على إجراء استفتاء حر ونزيه، والقبول بنتيجته على علاته المتوقعة، ثم دعا لعدم المماحكة في مسألة الحدود قائلا: (من مصلحة الشمال الذي يدعو نظامه لمشروع حضاري ألا تنشأ حدود تمنع أولاً استمرار الإشعاع الفكري والتمازج الطبيعي بين سكان الدولتين، وألا ينشأ ستار حديدي فكري سياسي اقتصادي يمنع التمازج الذي يؤطر لوحدة طبيعية في التوجه وليس بالضرورة لوحدة سياسية(. في ذات الأسبوع دعا الدكتور خالد التيجاني في إيلافه الغرّاء، المؤتمر الوطني لاستباق نتائج الاستفتاء، والاعتراف بانفصال الجنوب أو استقلاله دون الحاجة للمرور بمحطة استفتاء معروفة النتائج مسبقاً.
ما يعجبني فيما طرحه الأستاذان حمدي وخالد؛ الأفكار الجريئة التي بدأت تُطلق في سماء السياسة السودانية المتكلّسة، والأفكار دائماً لها قدرة على التغيير، أكثر من تصريحات السياسيين التي تعاني من حالة مزمنة من عدم القدرة على طرح أي فكرة جديدة.
أتفق مع الأستاذ عبد الرحيم حمدي أن الدولة التي تدعو لمشروع حضاري؛ وهو مشروع دعوة لا يمكن أن تتبنى ستاراً حديدياً بين جيرانها، فالأفضل هو أن يسعى الدعاة للتواصل مع جيرانهم الأقربين. على مرّ التاريخ لم تكن الحدود السودانية تعني شيئاً لكل الذين استعمروه، ولا حتى للدولة التي أعقبت الاستقلال.
ولكن بإمكاننا فهم الدعوة لترسيم الحدود قبل الاستفتاء في إطار سعي المؤتمر الوطني بغرض احتمالات تضييق فرص الحرب. وهو تقدير سياسي سليم، فما معنى أن توقع اتفافية للسلام لخمس سنوات ثم تعود بسبب الحدود للحرب مرة أخرى. من الأجدى نزع ألغام الحرب المحتملة بسبب الحدود، دون أن يؤدي ذلك لإقامة ستار حديدي بين الدولتين، والذي هو مستحيل عملياً، إذ ليس بالإمكان حراسة الحدود، كما لا يمكن السيطرة على حركة السكان والبضائع عبر ألف وستمائة كيلو متر.
فكرة دكتور خالد التيجاني أيضا صحيحة في جوهرها، ولكننا بصدد وضع معقّد تتداخل فيه عوامل عديدة، وتحكمه متغيرات لا يمكن التكهن بمآلاتها، وحتى إمكانية حدوث مفاجآت غير محسوبة تحوم في الأجواء، ويتحدث عنها كثيرون تحت تحت!! أي سيناريو آخر لتنفيذ الاتفاقية بغير الطريقة التي حددتها الاتفاقية الآن يقود لأوضاع غير مأمونة العواقب، فالاتفاقية الآن ليست ملزمة لطرفيها فحسب، بل للعالم الذي انخرط الآن في عمليات شتّى لإنفاذ آخر بنود الاتفاقية، ويصعب التراجع عن هذا الالتزام، وبالأمس أعلنت مفوضية الاستفتاء التزامها بإقامة الاستفتاء في موعده.
المؤتمر الوطني الذي أعلن التزامه مراراً بإقامة الاستفتاء في موعده، يؤكد أن نتيجة الاستفتاء إذا كان نزيهاً ستأتي لصالح الوحدة. وهذا التقدير السياسي رغم ضعف فرصه، ولكنه ظل متواترا في تصريحات قيادات الدولة والحزب، دون أن ندرك المعلومات التي تستند عليها تلك التصريحات. على كلٍّ مثل هذه الآمال تجعل مجموعات من قيادات المؤتمر الوطني التي تؤمن بالوحدة متمسكة بإجراء الاستفتاء بغض النظر عن نتيجته. وهي نظرة في تقديري بها شيء من الصحة من زاوية استراتيجية، فالمطلوب معرفة الرأي الجنوبي الغالب من موضوع الوحدة مع الشمال، بعيداً عن التكهنات التي لا تستند لحقائق راسخة. التاريخ لن يتوقف عند محطة الاستفتاء والانفصال؛ فمهما يكن هنالك إمكانية وأمل لا يزال في المستقبل مهما كان الحاضر محبطاً.
 

 

آراء