حول تقرير لجنة مراجعة الأداء بمشروع الجزيرة أو حول كيفية إصلاح الخطأ عند الطغاة

 


 

 




حول تقرير لجنة مراجعة الأداء بمشروع الجزيرة

أو

حول كيفية إصلاح الخطأ عند الطغاة.

Siddiq01@gmail.com

الحلقة (3)

هذه محاولة لتقييد الجريمة ضد مجهول/


واحدة من إيجابيات هذا التقرير انه يكاد ان يكون لامس كل قضايا المشروع، ولكنه في نفس الوقت لم يمض في إستكمال طرح الحلول حتى النهاية، ففي كثير من الاحيان يظهر التردد والانكماش  بل والعدول عن إتخاذ موقف واضح، وفي ذلك نضرب مثلاً بموقف لجنة التقرير من قضية او جريمة الاعتداء على اصول المشروع وسرقتها في وضح النهار. اوصت اللجنة بتكوين لجنة قانونية للتحقيق في التجاوزات والمخالفات، وهذا امر حسن، بالرغم من انها لم تطالب صراحةً، وكما تفعل اللجان عادةً، بضروة تقديم منْ قاموا بالإعتداء على هذه الممتلكات للمحاكم وسوح العدالة لأجل المساءلة القانونية. وليتها آثرت الإكتفاء بتكوين تلك اللجنة وبالصمت عن تلك المطالبة، ولكن الأدهى انها، أي لجنة دكتور تاج السر، كانت حريصة على صون حقوق أولئك الذين تحصلوا  ووضعوا يدهم على بعض اصول وممتلكات المشروع  عن طريق ما اسمته بـ"الطرق القانونية". على كل عاقل ان يتصور ان هذه  اللجنة تعتقد بأن إستلام وشراء الممتلكات المسروقة هو مسلك قانوني يترتب عليه حق يجب صونه بالقانون!!!، إذ اوردت وبالحرف الواحد، "وتثبت حقوق الجهات والاشخاص الذين آلت إليهم بعض الأصول بطرق قانونية" (التقرير ص 10)، نعم، أي والله، هذا ما تراه لجنة دكتور تاج السر "الثانية"!!!. إذن فإذا كان الامر كذلك فلماذا تطالبون بتكوين لجنة قانونية؟!!!. وذلك تساؤل بدهي قد يقول به الشخص العادي!!!.
إن العلة من وراء كل ذلك التخليط والتشويش والمزج بين "الغث والثمين" واضحة، وهي انه معلوم للعامة من الناس، دعك من خاصتهم، ان منْ تلوثتْ ايديهم بجريمة الإعتداء على ممتلكات مشروع الجزيرة هم اعوان النظام الحالي، ممثلين في أعضاء حزب المؤتمر الوطني وقيادات نقابة العاملين وإتحاد المزارعين. وحتى لا يكون إلقاء "الإتهام" جزافاً فللنظر لنقابة العاملين لامر العقارات التي آلت لقياداتها، وكذلك لإتحاد المزارعين ولامر الممتلكات التي ألت إلى قياداته حتى بعد ان تمَّ حلُه، وكذلك الاصول التي إنتهت إلى حيازاتهم !!!.
إن اعضاء اللجنة، وخاصةً رئيسها، يعلمون بأن جهات عليا ومؤسسات راسمالية طفيلية إسلامية عديدة متورطة في جرائم نهب اصول مشروع الجزيرة، وعلى رأسها مؤسسة "جياد" المشبوهة. فلقد كانت، ومن بين جملة جهات، هي المقصودة بنص "ثبيت حقوق المشترين الجدد" الذي إبتدعته لجنة دكتور تاج السر، كما ورد أعلاه.    
غاب عباس عبد الباقي الترابي، رئيس إتحاد مزارعي الجزية والمناقل، وبلال عوض الله محمد، رئيس إتحاد مزارعي السودان، وكمال محمد محمود النقر، ممثل نقابة العاملين بمشوع الجزيرة عن إجتماعات هذه اللجنة لانهم كانوا يتوقعون إثارة جرائم الإعتداء على اموال واصول المشروع وممتلكات المزارعين داخل إجتماعات اللجنة، ومن ثمَّ طرحها في المداولات بقدر حجمها وفظاعتها، إلا ان ذلك لم يحدث!!!. فلو انهم كانو يعلمون بأن دكتور تاج السر سيصون "حق منْ إستلم المال المسروق"، لما كان غابوا!!!. انهم وبحق قد اضاعوا فرصة خلع رداء الشبهة، لان اللجنة بالفعل أخذت الخطوة الأولى في "تقييد الجريمة ضد مجهول"!!!.   
إنه، ومن الجهة المقابلة، نجد إن تقرير لجنة بروفسير عبد الله عبد السلام، في شأن الموقف تجاه هذه القضية الكبرى، كان اكثر وضوحاً وأمانةً وشجاعةً، إذ اورد "فرأينا كيف بيعت قاطرات عاملة (بنظام طن الحديد الخردة؟) فتم تدمير مرفق حيوي هام يصعب إعادته ثانية، فأعقب هذا سرقة منظمة ونهب لكل مقتنيات سكك حديد الجزيرة والآن البلاغات بالمئات. إنها النهاية المؤلمة والمأساوية" (تقرير مشروع الجزيرة الحالة الراهنة وكيفية الإصلاح، ص 18). بل انه، اي نفس التقرير، كان اكثر تحديداً حين أشار باصابع المسئولية ودون مواربة، قائلاً، "اللجنة تحمل إدارة المشروع قبل وبعد صدور قانون 2005م المسئولية التامة عما وصل اليه المشرروع من حالة متردية وهذا بالطبع لا يعفي الادارة التنفيذية بأي حال من الاحوال، ونحسب ان إتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل يتحمل عظم المسئولية فيما حدث". (تقرير مشروع الجزيرة الحالة الراهنة وكيفية الإصلاح، ص 38).  
لا نود إجراء مقارنة، ولكن حين النظر لتقريري اللجنتين نجد ان لجنة بروفسير عبد الله عبد السلام  كانت اكثر رصانة وعلمية من لجنة دكتور تاج السر مصطفى، وفي هذا المقام فقط يكفي القارئ قدر ودقة الإحصائيات التي إعتنت بها اللجنة الاولى في حين انه، اي غياب الاحصاءات ودقتها، كان يمثل اميز سمات ضعف تقرير لجنة دكتور تاج السر. وقد يكون واحداً من الاسباب التي تكمن من وراء الفرق بين اللجنتين، ان كل اعضاء اللجنة الاولى كان ان ارتبطوا بالمشروع وعملوا فيه وفي مناصب مهنية قيادية، ولذلك جاءت كتابتهم ، إن اتفقنا او إختلفنا، بهذا المستوى المختلف لان المشروع كان يمثل جزءاً من تاريخهم الشخصي ، ولانه من جهة ثانية يشكل جزءاً من وجدانهم بإعتبار انهم من ابناء المنطقة  وإنحدروا من أسر فلاحية. إنهم، وبالرغم من ارتباطهم بالنظام، والذي لا يخف على احد، لقد كانوا أمينين في تقريرهم ذلك.  
ونواصـــــــــــــــل....

 

آراء