أحد الأخطاء الشائعة في الخطاب الاقتصادي هو الادعاء المتكرر باستمرار بأن سعر صرف الجنيه ضعيف ومتهاوي بسبب ضعف أداء قطاع التصدير وما يترتب على ذلك من عجز في الميزان التجاري.
هذا الادعاء خاطئ وغير مقبول من كائن درس الاقتصاد أو تولي زمام ادارته بما إنه يعكس العلاقة بين سعر الصرف والصادرات.
ظل سعر الصرف في السودان يتدهور لا بسبب سوء أداء الصادرات ولكن بسبب التضخم الناجم عن الطباعة غير المنضبطة للنقود لتمويل عجز الموازنة. واستمر أداء الصادرات ضعيفًا لأسباب عديدة ، من بينها سعر الصرف الذي عجز عن مواكبة التضخم بشكل فوري.
وارتفاع التضخم بمعدلات أعلى من معدلات التغير في سعر الصرف يخلق وضع يصير فيه سعر الصرف الحقيقي أقوى, وغير تنافسي وغير صديق للتصدير, على الرغم من تدهور سعر الصرف الاسمي. في عهد هذه الحكومة فاقت معدلات التضخم درجة تدهور سعر الصرف لذلك ارتفعت قيمة سعر الصرف الحقيقي مما ساهم في اضعاف تنافسية الصادر وزيادة الواردات.
لنرى كيف يعكس الخطاب الاقتصادي المضروب العلاقة بين سعر الصرف والصادرات ويقلبها رأساً على عقب كما نسمع من أعلى مستويات اتخاذ القرار الاقتصادي في الجمهورية ، يكفي أن نلاحظ أن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري هائل لأن قيمة الدولار قوية - نسبة لضخامة تدفقات الاستثمار المالي الأجنبي لووول ستريت وكون الدولار هو عملة التجارة والاحتياطات الدولية - في حين أن ألمانيا والصين دولتان مصدرتان رئيسيتان لأن كلاهما يتمتع بعملة منخفضة القيمة نسبيا ومقيمة بأقل من قيمتها – بفضل اليورو القوي بالنسبة لاقتصادات مثل اليونان واسبانيا ولكن ضعيف في سياق أسس الاقتصاد الألماني.
أما في الحالة الصينية فان انخفاض سعر الصرف يأتي بسبب تصميم سياساتي متعمد في إطار السياسة الصناعية. وقد ظلت الولايات المتحدة تشكو لطوب الأرض من انخفاض قيمة اليوان/الرمبيني بصورة مصطنعة بما يوفر للصين ميزة تصديرية معتبرة وحماية من الواردات ولم تكل عن التهديد ومطالبة الصين بتقوية عملتها.
يجب التمييز بين المتغيرات التابعة والمستقلة والمتغيرات السياسياتة. لا توجد حكومة لديها سيطرة تلقائية على مستوى الصادرات ، ولكن يمكن لجميع الحكومة دفع سعر الصرف إلى أي مستوى مرغوب فيه من خلال تدابير سياسة مالية مناسبة – عرض النقود مثلا أو أسعار الفائدة.
يمكن بسهولة احتواء أي ضغط على سعر الصرف يأتي من جانب الميزان التجاري أو ضغوط ميزان المدفوعات من خلال سياسة نقدية و / أو سياسة تجارية مناسبة. هذا ما تفعله جميع البنوك المركزية حول العالم.
في السودان ، سبب التدهور الحلزوني لقيمة الجنيه هو الطباعة التضخمية للنقود. لا علاقة لضعف أداء التصدير بانهيار سعر الصرف في السودان. في الحقيقة تحركات سعر الصرف هي التي اعاقت قطاع الصادر.
خلال حقبة النفط 2000-2011 ، لم تستقر قيمة الجنيه بسبب صادرات النفط ، ولكن بسبب أن الحكومة توقفت عن طباعة النقود ، فعائدات النفط كانت كافية لتمويل الإنفاق العام. هذه النقطة حاسمة الأهمية: جاء استقرار الجنيه نتيجة للتوقف عن طباعة النقود ، وليس بسبب زيادة الصادرات.
هذا يعني أنه إذا استمرت الحكومة في طباعة النقود بجنون حتى لو تضاعفت الصادرات ، فسوف يستمر سعر صرف الجنيه في الانخفاض. والعكس أيضا صحيح, فانه حتى في ظل ضعف الصادر فان التوقف عن طباعة النقود سيخفف الضغط علي سعر صرف الجنيه.
على أي حال ، حتى لو أن هناك تحديد متعدد الاتجاهات ،إلا انه في السودان المتعين ، على مدى الثلاثين عامًا الماضية ، ظل سعر الصرف محكوما بطباعة النقود لا بأداء الصادرات.
رغم ان الصادرات تستجيب لسعر الصرف ولا تحدد قيمته وحدها بـأي درجة الا ان الخطاب الرسمي يلقي باللوم علي الصادرات, عن جهل أو عمد, ويتناسى ان الشيطان الحقيقي هو طباعة العملة رب رب لان تزييف الحقيقة نوع من الخلط المريح الذي ينفي مسؤولية الحكومة ويعلق الجرس علي رقبة الشعب السوداني بتصويره ضمنيا وزورا علي انه الكسول الجهول العاجز عن التصدير المهدر لقيمة العملة الوطنية.