خواطر رغائبية في المسالة الانتخابية
aelhassan@gmail.com
أحسستُ بغبطة غامرة لاقتراب موعد انتخابات عام 2015 ذلك لأنها ستمكنني من الاستمتاع بالاستحقاق الدستوري الوحيد والذي لا يتيسر إلا كل خمس سنوات. وشعرت في نفس الوقت بندم شديد لعدم مشاركتي في انتخابات 2010 والتي لم يخبرونا بأنها كانت استحقاقا دستوريا وواجبا وطنيا (ربما لان تمويلها جاء أساسا من المانحين الأجانب، والله اعلم).
وبغية إعطاء الاستحقاق الدستوري حقّه، آليتُ على نفسي ان أخذ موضوع الانتخابات مأخذ الجدية التي يستحقها، وعزمتُ على ان أمنح صوتي فقط للمرشح الرئاسي الذي يحوز برنامجه الانتخابي على رضائي وتأييدي.
نثرتُ كنانة المرشحين، وعجمتُ أعوادها (على كثرتها) لأرى أيهم يستحق تاييدي. وقررتُ، توخياً للجدية اللازمة في أمر مصيري مثل الاستحقاق الدستوري، أن أستبعد كل البرامج الانتخابية التي تشبه أخبار الإذاعة والتلفزيون (بحث معه العلاقات الثنائية، وسبل دعمها وتطويرها، والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك)، والتي لا تشفي غليلك من التفاصيل الحقيقية والمهمة. ساستبعد نوع البرامج التي يسميها الفرنجة مواضيع "الحليب والامومة" من أمثال السلام وآلتتنمية، ورتق النسيج الاجتماعي، وتحقيق التنمية المستدامة، والنهوض بالزراعة والصناعة والتعدين، وسلة غذاء العالمين العربي والإسلامي، والكباري والسدود (للأسباب انفة الذكر)، وجعل السودان في مصاف الدول العظمى من خلال الاستراتيجية ربع القرنية (الثانية)، وغير ذلك من البرامج التي هي من باب الأماني الخُلّب، بدليل فشلها حتى الآن.
استبعدتُ كل هذه البرامج ولم يبق لي من برامج المرشحين الرئاسيين سوى أربعة برامج انتخابية تنطبق عليها المعايير الصارمة التي وضعتها لمن سامنحه صوتي، وهي ان يكون برنامجه الانتخابي جادا، وعمليا، وقابلا للتحقيق، وفيه صلاح للبلاد والعباد.
أجلتُ النظر في هذه البرامج فوجدتُ أكثرها قُربا من معاييري إنهاء المقاطعة الامريكية الجائرة ضد السودان، وإعفاء الديون، وتأجيل (إلغاء) إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، والتخلص نهائيا من الغبار والأتربة التي تقض مضاجع السودانيين كلما هبت ريح، وتتسرب الى خياشيمهم، وأفواههم، وصدورهم، وأعينهم، ودورهم.
تمعنتُ ملياً في هذه البرامج الإنتخابية، وبدا لي أول وهلة أن البرامج الثلاثة الأولى أيسر في التحقيق من البرنامج الأخير، إلى جانب أنها تبدو اكثر فائدة في حل مشاكل السودان الاقتصادية والسياسية والاجتماعية باطلاقها للطاقات الاقتصادية التي أقعدها، كما قيل لنا مرارا، الحظر الأمريكي الجائر. بيد أنني حين أمعنتُ النظر فيها، أصبحت أشك في حُكمي المبدئي بشأنها، حتى اتضح لي جليا أن تحقيق البرنامج الرابع (القضاء على الأغبرة والزوابع الترابية في السودان) – على الرغم من صعوبة تحقيقه البادية – أكثر حظاً في التحقيق من انهاء المقاطعة الأمريكية.
وحين أمعنتُ النظر أكثر في برنامج القضاء على الغبار، بدا لي ممكنا إذا توفرت الإرادة السياسية، والموارد المالية، والماء، إذ يُمكن حينئذ رش كامل التراب السوداني، من الحدود الليبة والمصرية، شمالا، إلى حدود دولة جنوب السودان، جنوبا؛ ومن حدود تشاد غربا، إلى البحر الأحمر شرقا، كل صباح، باستخدام وحدات الري المحوري الضخمة، وخراطيم المياه العملاقة التي تضخ الفائض من حصة السودان غير المُستغلة في مياه النيل، والمخزون الهائل للمياه الجوفية الذي يفوق حجم مياه النيل، بالإضافة للمياه المتوفرة عن طريق حصاد المياه كل خريف.
ولن يفلح الرش المتواصل لكل البلاد في تثبيت الأغبرة فحسب، بل سينتج عنه تغيير إيجابي في المناخ أهم سماته وقف الزحف الصحراوي، وتغطية كافة أطراف البلاد بحشائش المراعي وشجيرات الهشاب، مما يسهم في تنمية الثروة الحيوانية، وزيادة انتاج الصمغ العربي، ومختلف أنواع الحبوب، وصولا إلى تحقيق الأمن الغذائي، وزيادة حصيلة البلاد من العملات الصعبة، إلى جانب تحقيق السلام في دارفور بفصل الرعاة عن المزارعين، وإنهاء الصراع المحموم على الموارد الذي هو لُب أسباب النزاع في ذلك الإقليم، كما قالوا لنا.
أنتظر على أحرّ من الجمر بداية الحملة الانتخابية في الرابع والعشرين من هذا الشهر حين تنهمر علينا الشعارات والصور واللافتات الضخمة، تُعلن اسماء المرشحين وشعاراتهم وبينها شعار مُرشحي المُفضل الذي سيقول، لا شك: "انتخبوا قاهر الكتّاحة!"