دعوة للتوصل للتراضي الوطني

 


 

 

لعل عدم إدراك مدى ثراء الموارد والمصادر في السودان هو سبب أزماته عبر التاريخ وخاصة بعد الاستقلال في عام 1956م. ان الارض السودانية عرفت منذ عهد بعيد في التاريخ بأنها ارض غنية بالذهب تحت اراضيها الخصبة التي يشقها من جنوبها حتى شمالها النيل الابيض ثم نهر النيل؛ ويشق شرقها النيل الازرق وتشق غربها كثير من الوديان والسهول. كما عرفت بوجود ثروة حيوانية بأعداد ضخمة تكفي حاجة السكان وتزيد من اللحوم والالبان.
إذن كان يكفي الالتفات لهذه المصادر كموارد طبيعية للاكتفاء الذاتي ومن ثم العمل على استثمارها بصورة جيدة وتصدير الفائض لاستيراد ما يساهم في تجهيز بنية تحتية ابتدأ بمد شبكات السكك الحديدية والطرق بطول وعرض السودان بين مناطق الإنتاج والاستهلاك.
لكن حال السودانيين كان كالأبناء الذين ورثوا ثروة طائلة لا يعرفون قيمتها ولا كيفية استثمارها فتكالبوا على «تقطيعها" لتقسيمها بينهما!!! وبالطبع لم تكن قسمة الأرض والثروة لترضي الجميع فأدى الاختلاف للصراع على السلطة سعيا وراء فرض الرؤية الفردية لاقتسام الثروة.
اذن عدم وجود رؤية للاستثمار قاد لخلافات تطورت لازمة تعمقت مع مرور السنين؛ تلك الازمة هي عدم التراضي الوطني!!! يمكن التدليل على تأزم قضية عدم قبول الاخر اثنيا او ثقافيا او فكريا او حزبيا. بحرب الفونج والعبدلاب في عام 1504م، رغم ان المجموعتين هم من سلالة واحدة ويجمعهم الدين واللغة، ولكن حربهم هي أحد نتائج ازمة رفض الاخر والصراع على السلطة. ونجد ان تلك الازمة قد ظهرت مرة اخرى ممثلة في رفض بعض قادة المهدية ان تؤول خلافة محمد احمد المهدي في 1885م الى خليفة من غرب السودان اي عبد الله التعايشي!!!. ثم نجد ان ردة الفعل على ذلك الرفض ساهمت في افساد الزرع ويباس الضرع ووقوع مجاعة سنة 1906م. بل نجد ان عدم القدرة على التوافق والاتفاق انتقلت الى أوائل النخب المتعلمة بالسودان اي خريجي الجامعات منذ مؤتمر الخريجين 1938م؛ ثم بدايات تكوين الاحزاب السياسية وعدم قدرتها على الاتفاق لاستمرارية الحكم المدني بين 1956م-1958م مما أدى لحدوث الانقلاب العسكري الاول اي انقلاب الفريق إبراهيم عبود في 1958م. وتكرر نفس الامر مرة ثانية وثالثة بين 1965م - 1969م ثم بين 1985م-1989م.
المقدمة أعلاه هي محاولة لتسليط الضوء على نقطتين مهمتين هما ان السودان بلد غني بثرواته الطبيعية ولكنه عانى ويعاني من عدم اتفاق أبنائه وصراعهم على السلطة، وان نتيجة ذلك الصراع هي اهدار لتلك الثروات الطبيعية.
قامت الدول الكبرى بتجميع قواها وتوحيد صفها الداخلي ثم راحت تبحث عن مزيد من الحماية فجاءت تحالفات عظيمة مثل حلف الأطلسي واتحادات كبرى مثل الاتحاد الأوربي وغيرها، وعلى العكس تماما كانت اول نقطة ضعف في دول العالم الثالث هي عدم وحدة الصف الداخلي وانقسامه الى قبليات و جهويات وشلليات حزبية وغيرها من الانقسامات!!! وكان نصيب السودان ان يبتلى بأبناء عاقين لا يقبلون التعاون لاستخراج الخير الذي فوق الأرض وتحت اقدامهم لمصلحة الجميع ولكنهم يتقاتلون فيمن يسكن العاصمة و يجلس على الكرسي داخل القصر الجمهوري ليجعل الاخرين تحت خدمته وهي اشبه بلعبة "الكراسي" التي يلعبها الأطفال!!!
تعج الساحة الان بما لا يقل عن 50 حركة مسلحة من دارفور وحدها، وعشرات الأحزاب السياسية والتنظيمات المعلنة وغير المعلنة، وقوات نظامية يرأسها كبار ضباط متعددو الولاءات للقبيلة والدولة وللخارج أيضا!!! وقبل ذلك تعاني من كيد ومؤامرات دولة عميقة من أنصار نظام الانقاذ البائد من "الاسلامويين" وغيرهم، تملك المال الذي "جنبته" وسرقته من عرق الشعب السوداني واودعته بحسابات بنكية بأسماء افرادها في بنوك ماليزيا وتركيا وغيرها من الملآذات الضرائبية!!!
وبالرغم من كل أولئك المتآمرون عن معرفة والانتهازيون وأصحاب المصالح الضيقة وتجار الحروب والرأسمالية الاجيرة وعملاء دول الجوار والدول الطامعة في خيرات السودان، فأن الامل كبير في الأجيال القادمة.
لعله من محاسن التعليم والعولمة وخاصة الانترنت وبالأخص وسائل التواصل الاجتماعي انها جعلت الأجيال الشبابية تستوعب ان التشرزم ضعف وان الوحد قوة فكان شعار "يا عسكري ومغرور كل البلد دارفور". فها هم لجأن المقاومة واغلبهم شباب تحت سن الأربعين ورغم قلة خبرتهم السياسية لأنهم ولدوا وعاشوا تحت نظام عسكري أيديولوجي قمعي، ولكنهم قاوموا بسلمية كاملة وبصدور عارية تصدروا الصفوف وقدموا مئات من الشهداء والالاف من الجرحى والمفقودين ويحدوهم الامل في صناعة المستقبل الزاهر لهم ولأبنائهم. ومهما تعثرت خطواتهم وأخطأوا بعض القرارات ولكنهم يتعلمون من وجودهم في ميدان المقاومة وفي الساحة السياسية وستزداد قناعتهم بأن كل من يسعى لتفريق السودانيين هو خائن وعميل او صاحب مصلحة ضيقة او معتنق فكر عقيم وغير واقعي.
دعوتي للشباب داخل لجان المقاومة وخارجها بالتقدم في ثورتهم وتوحيد قواهم داخل كل الاحياء والقرى والمدن وداخل احزابهم وتنظيماتهم وابعاد كل من يشق الوحدة الوطنية بأي دعوة كانت قبلية او جهوية او سياسية حزبية وتشكيل مجلس تشريعي منهم وكذلك تشكيل حكومة ظل شبابية واعلانها وإعلان حل المجلس السيادي وتعيين بديلا عنها مجلس تشريفي من اسر الشهداء.
هذه الحكومة المدنية الشبابية المستقلة يمكن ان تجد التفاف ودعم كل الشعب السوداني وكذلك دعم الدول المحبة للسلام ودعم المنظمات الدولية. بل واحترام الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين واوربا. ودليلي على ذلك ان دول مثل البرازيل والهند وجنوب افريقيا ودول النمور الاسيوية وحتى كوبا وراوندا بوحدتها الداخلية قد حققت استقرار سياسي ونمو اقتصادي هائل دون ان يكون لها تلك الموارد التي يتمتع بها السودان.
إذن سر تقدم الشعوب هو الوحدة الداخلية والتعاون البناء والتداول السلمي للسلطة وأسباب التخلف هي التشرذم والصراع على السلطة والحكم الاستبدادي.

تغنت فرقة عقد الجلاد
"ايدينا يا ولد ايدينا للبلد
كان أخويا البره جانا والله يصلح الحال معانا
ننتج بي ايدينا والله نخلص العلينا
شان تشيل امريكا دينا
نبني دارنا وتبقى لينا
اخلاصنا في العمل يسوقنا للأمل
حكومة كان تنصلحي كان تعرفي عيشي وملحي
كان تشوفي تزحي
ما تباري القول تلحي
كان الحكم صلح سودانا صار مليح".

wadrawda@hotmail.fr

 

آراء