دكاترة وبروفيسرات في الدين (3) !! . بقلم: خالد الحاج عبد المحمود

 


 

 

المركز الاسلامي بالسودان للدعوة والدراسات المقارنة والهجوم الجائر على الفكرة الجمهورية

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

دكاترة وبروفيسرات في الدين !!

المقالة الثانية

الحلقة (3)

خالد الحاج عبد المحمود

الدكتور يكفر الأستاذ، ويتهمه بما اتهمه به ابتداء، وقبل ان يعلم أي شيء عن دعوته، ثم يذهب ليبحث عن الاقوال التي يعتقد انه يستطيع أن يحرفها، لتدل على ما قرره ابتداء.. اسمعه يقول: "اما مصطلح الذات المطلقة الذي يشير به الى الذات الالهية انما هو مجرد لفظ دون مضمون.. فالذات المطلقة ذات لا اسم لها اوصفة بل هي فوق العبارة وفوق الاشارة ..ذات يجردها محمود حتى من صفة الاطلاق حين يقول: "ابداء ذات الله لخلقه انما يتم عن طريق تقييد الانسان الكامل للمطلق"وهو يقرر أن" ..البحث في مضمون هذه المقولات يقودنا الى ان محمود محمد طه لا يؤمن اصلا بوجود الله سبحانه وتعالى بالصورة المتفق عليها بين المسلمين".. انظر الى هذه الربوبية!! لا يؤمن اصلا بوجود الله سبحانه وتعالى بالصورة المتفق عليها بين المسلمين!!
ورد أن اسامة بن زيد قتل رجلاً من المشركين بعد أن قال: لا اله إلا الله.. وحكى ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم)، فَقالَ له يا اسامة: أقَتَلْتَهُ بعد ان قال لا اله الا الله؟! قلتُ: يَا رسولَ اللَّهِ! إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاحِ، قَالَ: أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لا؟! فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَومَئذٍ... وفي رواية أخرى سَأَلَهُ النبي: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ! أَوْجَعَ في المُسْلِمِينَ، وقَتلَ فُلانًا وفُلانًا - وسَمَّى لَهُ نَفرًا - وإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لا إِله إِلَّا اللَّهُ، قَالَ رسولُ اللَّه: أَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: نَعمْ، قَالَ: فَكيْفَ تَصْنَعُ بلا إِله إِلَّا اللَّهُ إِذا جاءَت يوْمَ القيامَةِ؟!
عن عبدِاللَّه بنِ عتبة بن مسعودٍ قَالَ: سمِعْتُ عُمَر بْنَ الخَطَّابِ يقولُ: إِنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بالوَحْي في عَهْدِ رَسُول اللَّه ، وإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنا خَيْرًا أَمِنَّاهُ، وقرَّبناه، وَلَيْس لنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شيءٌ، اللَّهُ يُحاسِبُهُ فِي سرِيرَتِهِ.. هذا هو الاسلام، حتى في مستوى الشريعة، أما اسلام العلماء بزعمهم، فلا يتورع من تكفير أكبر الموحدين!!
قوله عن الذات الالهية عند الاستاذ: "انما هو مجرد لفظ دون مضمون" هو كذب وبهتان عظيم، عن علم، فهو يعلم تماما مضمون الذات الالهية عند الاستاذ .. هو يعلم ان الذات الالهية عند الاستاذ محمود هي حقيقة الوجود الوحيدة.. فهي الواجدة التي ليس معها واجد آخر، فكل الموجودات انما هي موجودة به، وليست معه.. وهو يعلم أن كلمة التوحيد عند الاستاذ تعني : ان الله تعالى هو الفاعل الوحيد في الحقيقة، لكبير الأشياء وصغيرها.. هذا يعلمه بدليل انه تعرض اليه في نفس اقواله.. ثم قوله عن الذات عند الاستاذ محمود: " فالذات المطلقة ذات لا اسم لها او صفة بل هي فوق العبارة وفوق الاشارة ..ذات يجردها محمود حتى من صفة الاطلاق حين يقول ابداء ذات الله لخلقه انما يتم عن طريق تقييد الانسان الكامل للمطلق" اليس هذا هو الحق؟! الصورة كما وردت عند الجمهوريين تقول مثلا: "فالله تعالى من حيث ذاته الصرفة، المطلقة، فوق أن يعرف، او يوصف، او يشار اليه، فهو مطلق يتسامى عن كل قيد او تحديد.. ثم انه تعالى لكي يعرف تنزل الى منطقة القيد" وتم ايراد الحديث: "كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق، فتعرفت إليهم فبي عرفوني".. وجاء في الشرح "فـ(كنت كنزا مخفيا)، يعنى في حضرة إطلاق لا تعرف، وهذا معنى (مخفيا).. فهو من حيث ذاته المطلقة، كان، ولا يزال، ولن ينفك، في حضرة خفاء، تجلّ عن أن تعرف.. ولكن لكي يعرف، تنزل إلى مرتبة الخلق، وإلى ذلك الإشارة بقوله (فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق).. فالله تعالى إنما يعرف بخلقه.. وخلقه ليسوا غيره، وإنما هم هو في تنزل.. هم فعله، وفعله ليس غيره" هذا ما ورد في كتاب ادب السالك، وفي عديد الكتب الأخرى، وهو كافي جداً في دحض زعم الدكتور ان الذات(لفظ دون مضمون).
وجاء من نفس الكتاب: " وعن كون ذات الله الصرفة لا تعرف، ولا توصف، ولا يشار إليها، يجيء قوله تعالى في القرآن: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين).. فـ(سبحان ربك رب العزة عما يصفون) يعنى تنزه الله في ذاته عن كل وصف، (وسلام على المرسلين) يعنى أن خير من وصف الله هم المرسلون، لأنهم وصفوه بما وصف به نفسه، وفق ما تقتضيه حكمته في التنزل، ومن هنا يأتيهم السلام.. وفي هذا المعنى أيضا يأتي قول المعصوم: (تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا)، فذات الله لا يحويها الفكر، لأنها مطلقة، والفكر محدود، ولأنها وحدة، والفكر يقوم على الثنائية، ولذلك قيل (كل ما خطر ببالك فالله من حيث ذاته، بخلاف ذلك)".. فإذا كان الشيخ الدكتور يرى ان الذات مقيدة، ولذلك يعارض ما قلناه عن اطلاقها، فهو من يحتاج الى مراجعة دينه، فهو في هذه الحالة لا دين له!!
على كل، حجته هذه هي ما ورد عن الملحدين، وقمنا نحن بالرد عليهم.. وردت عند د. مصطفى محمود - قبل أن يتجه للإسلام- فقد قال في كتابه (الله والانسان): "إن الله الذي لا يحترم عقلاً صنعه بيديه يعطيني العذر في أن لا اعبده" وتم الرد عليه..
وقالها بنفس صورة الشيخ، د. جلال العظم في كتابه (نقض الفكر الديني).. قد قال عن ذات الله: ""يقول أصحاب هذا المذهب أن العقل الإنساني قاصر عن أن يعرف طبيعة الإله وعن أن يحيط به ولو إحاطة جزئية. إنه عاجز عن تصوره، وعن التعبير عن طبيعته، عبر البعض عن هذا الرأي بقولهم عن الله: (كل ما خطر ببالك فهو خلاف ذلك). توجد عدة اعتراضات على هذا الموقف: أولا هل بإمكاني أن أقيم أية علاقات جدية بيني وبين هذا الإله الذي تتجاوز طبيعته تجاوزاً مطلقاً منطقي ومشاعري وأفكاري ومثلي وآمالي؟ هل بإمكاني أن أجد عزاءً في إله جل ما أعرف عنه هو أنه مهما خطر في بالى من أفكار وصفات فهو يختلف عنها اختلافا مطلقا؟ إن وجود مثل هذا الإله، وعدم وجوده سيان بالنسبة لي. إن هذا الإله ليس إلا تجريداً فارغاً من كل معنى ومحتوى".. تقريبا كلام الشيخ الدكتور، وكلام جلال العظم يتطابقان.. فالشيخ الدكتور يزعم ان الحديث عن الذات (هو مجرد لفظ دون مضمون) وهذا ما يقوله د. العظم (إن هذا الإله ليس إلا تجريداً فارغاً من كل معنى ومحتوى)، وقد قمنا بالرد على د. جلال العظم، في كتابنا( العصر الذهبي للاسلام امامنا)، وجاء في الرد: "إن أفكار د. العظم هذه ليست أكثر من مغالطات، ركيكة، ليست لها علاقة بالفكر الديني الذي ينتقده، فالمطلق الذي يتحدث عنه، تجلى في تجسيد، هو هذا العالم وأحداثه، ثم هو أرسل رسلَ ملائكةٍ ورسل بشرٍ.. وكل الدين قائم على خلق العلاقة بالله، التي ينفي د. العظم إمكانيتها"، ونفس هذا الرد نقوله للشيخ الدكتور.
ود. العظم صادق مع نفسه، فهو ملحد، ولكن الشيخ الدكتور، كاذب، فهو يعلم ما تقوم عليه دعوة الاستاذ من محتوى تجعل الذات وحدها هي الحقيقة، وهي وحدها الفاعل في الوجود.. وكل الدين هو حركة من المحدود نحو المطلق.. من العبد نحو الرب في اطلاقه.. وهي حركة سرمدية، لا انتهاء لها، لأن الذات مطلقة.. والشيخ يعلم تماماً حديثنا عن ان الله تعالى انما يعرف، المعرفة العقلية، عن طريق خلقه.. فهو اشار الى مصادر ورد فيها هذا الحديث، ولكنه كعادته في الاخفاء تجاوزه ولم يشر اليه.
اسوأ من ذلك بكثير، الشيخ الدكتور يقول نفس الكلام الذي يعترض عليه، وفي نفس الحديث الذي نحن بصدده.. فهو قد قال: "ولا مجال للتصور البشري أن ينشيء صورة لذات الله الا عبر ......... فكل التصورات البشرية اذا انما تنشأ في حدود المحيط الذي يستخلصه العقل البشري مما حوله من اشياء.. فإذا كان الله سبحانه وتعالى( ليس كمثله شيء) توقف التصور البشري اطلاقا عن انشاء صورة معينة لذاته تعالى.. اذا كيف نعرف الله سبحانه وتعالى ؟ لكي نعرف الله سبحانه وتعالى علينا أن نتعرف على قوانينه المبثوثة في الكون والنفس.. فإذا سلمنا بأن الله (سبحانه وتعالى) ليس كمثله شيء توقف التصور البشري اطلاقا عن انشاء صورة معينة لذاته تعالى.. ومتى توقف عن انشاء صورة معينة لذاته العلية فإنه يتوقف تبعا لذلك عن تصور كيفيات افعاله جميعا بالتأكيد.
ولم يبق اذاً امامنا الا مجال تدبر اثار هذه الافعال في الوجود من حولنا".. فالشيخ اذن يقول نفس كلامنا الذي كفرنا فيه، وزعم ان الذات عندنا ليست اكثر من تجريد.. فعلى هذا، هو عمليا يتهم نفسه انه لا يؤمن بذات الله، حسب زعمه.. فقوله عاد اليه.. ولكن اهم من ذلك، واخطر، هو ان من كفر مؤمنا، اما ان الامر كما قال، او التكفير يعود عليه.. وهو هنا في هذا الحديث الذي نقلناه اعلاه، يثبت بنفسه ان الامر ليس كما قال، فالتكفير عائد عليه لا محالة.. ولكن انا يعنيني بصورة خاصة القيم، فهل يمكن ان تكون هذه قيم الاسلام؟! على كلٍّ، هذه قيم الشيخ الدكتور، وصحبه، التي لا يعرفون غيرها، فهم كما قال صاحبه بالنص: (فنحن بنفصل ما بين الصفات الشخصية وما بين الفكر)!!
رأينا أن الدكتور يقول: "البحث في مضمون هذه المقولات يقودنا الى ان محمود محمد طه لا يؤمن اصلا بوجود الله (سبحانه وتعالى) بالصورة المتفق عليها بين المسلمين".. اولا هذ قياس معكوس، فالإيمان بالله لا يقاس بما عليه المسلمون.. العكس هو الصحيح: ايمان المسلمين يقاس على مصادر الدين الاساسية، القرآن والسنة النبوية.. ثم من هم المسلمون، وهل لهم صورة واحدة في أي جانب من جوانب الاسلام؟! المسلمون اليوم ليسوا على الاسلام، هم على قشور من الدين، وقشور من المدنية الغربية، فقد ادركتهم النذارة النبوية، فتقسموا الى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها الناجية، كما اخبر المعصوم.. وانت بقولك هذا تزعم أن جميع المسلمين، ما عدا الجمهوريين فرقة واحدة، وعلى اتفاق بينهم في التصورات، وهذا كذب، ومغالطة للواقع، ومخالفة للمعصوم في نذارته.. المسلمون اليوم، تأتينا اخبارهم، يوميا يقتل بعضهم البعض، ويكفر بعضهم البعض، وهذا ما تفعلونه انتمً.. وفي موضوع القتل، اخبار ما تقوم به داعش، وطالبان، وبوكو حرام، وبقية الفرق التكفيرية، من قتل للمسلمين المسالمين، الغافلين، حتى في المساجد، هذا خبر يكاد يكون ثابتاً.. فهل هؤلاء هم المسلمون الذين علينا ان نتصور الاسلام وفق تصوراتهم؟! لا؟! نحن ضدهم تماماً، ونرى بوضوح انهم خرجوا عن الاسلام ويشوهونه.. واساسا في الدين، الناس لا يكونون على صورة واحدة من المعرفة بالله، ففوق كل ذي علم عليم.. وكما يقول المعصوم: "إن من الدين كهيأة المكنون، لا يعلمه إلا اهل العلم بالله .. فإذا تحدثوا به، لا ينكره إلا اهل الغرة بالله".. فالإنكار هو ديدنكم انتم!!
نحن نزعم أننا الفرقة الناجية ونقيم الدليل على ذلك.. ومن حق اي فرقة ان تزعم أنها الفرقة الناجية، وتقيم الدليل الواضح القاطع على زعمها هذا، لنفسها وللآخرين.. فالموضوع خطير جداً، إما نجاة، أو هلاك، فلا مجال فيه للتهاون.. يمكن لمن شاء أن يراجع كتابنا (الفرقة الناجية)..
وللنجاة، نحن نقدم "طريق محمد" (صلى الله عليه وسلم)، ونحن على يقين تام، أن المعصوم هو الدليل الذي لا يضل ولا يضلل، وهذا لا يتوفر لغيره.

مدينة رفاعة

نواصل

 

آراء