دور الجيش السوداني في صيانة السيادة الوطنية: مقارنة لسبعة مؤشرات نظرية والواقع الفعلي

 


 

 

د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

الجيش السوداني من أقدم واقوى مؤسسات الدولة السودانية وأكثرها أثرا في مسار الدولة ومصير الشعب. راكم هذا الجيش خبرات في حكم الدولة لم تتوفر لأي قوة مدنية أو عسكرية أخرى. وواجه هذا الجيش حروبا أهلية طويلة وتململ في فترات ديمقراطية قصيرة وتحكم في كل فترات الانتقال من حكمه إلى الحكم الديمقراطي.

يرفع الجيش السوداني شعارات الحفاظ على السيادة الوطنية وصيانة الأمن القومي وضمان وحدة الأرض والشعب وينصب نفسه حاميا لمصالح البلاد العليا.

في هذا المقال نحاول أن نقارن بين مؤشرات السيادة النظرية وواقع كفالة الجيش وحمياته لها فعليا.

الجيش السوداني والسيادة الوطنية بين النظرية والتطبيق

تشير سيادة الدولة إلى قدرة الدولة على حكم نفسها دون تدخل من الجهات الخارجية. أدناه مقارنة بين سبعة من المؤشرات النظرية لسيادة الدولة والواقع الفعلي لنجاح الجيش السوداني في صونها.

1. اعتراف الدول الأخرى:

المؤشر النظري
الاعتراف الرسمي من قبل الدول الأخرى ذات السيادة يدل على شرعية الدولة واستقلالها وسيادتها.

الواقع الفعلي
تمتع السودان بالاعتراف الدولي منذ استقلاله وحتى نهاية فترة الحرب الباردة في بداية تسعينيات القرن الماضي. تعرض السودان تحت حكم الجيش لعقوبات دولية وأمريكية واوربية رسمية وعزلة إقليمية غير رسمية منذ النصف الأول لتسعينيات القرن الماضي. وقاد انقلاب البرهان – حميدتي الاخير إلى عدم اعتراف المجتمع الدولي بشرعية حكم الجيش ووقف التمويل الدولي عن الدولة وتجميد الاتحاد الافريقي لعضوية السودان.

2. السلامة الإقليمية:

المؤشر النظري

تعتبر السيطرة والسلطة على كامل أراضي الدولة دون احتلال أو انتهاك خارجي أمرًا بالغ الأهمية للسيادة.

الواقع الفعلي

فقد السودان أثناء حكم الجيش سيادته على مثلث حلايب وأبو رماد وشلاتين لصالح مصر، منذ النصف الأول لتسعينيات القرن الماضي وحتى الان، وتواصل تفريط الجيش في بسط سيادة الدولة على أراضي منطقة الفشقة على الحدود مع إثيوبيا حتى فترة الانتقال الديموقراطي الاخير. كما لم يحسم الجيش سيطرة السودان على مناطق حدودية متنازع عليها مع جنوب السودان مثل أبيي وكفيا كنجي. وظلت الحدود بين السودان وتشاد وبين السودان وجمهورية افريقيا الوسطى تعاني من فقدان سيطرة الجيش وتفشي حركات التمرد وعصابات النهب المسلحة.

3. القدرة على الحكم:

المؤشر النظري

قدرة الدولة على وضع القوانين وإنفاذها، والحفاظ على النظام، وتوفير الخدمات العامة، والتفاعل مع مواطنيها بشكل مستقل عن التدخلات الخارجية.

الواقع الفعلي

تميز حكم الجيش بغلبة القوانين المقيدة للحريات والحقوق وضعف المساواة أمام القانون. وتركز حفظ النظام على حماية السلطة الحاكمة. وشهدت الخدمات العامة في أغلب الأحيان تدهورا. وضعفت المقبولية الشعبية للحاكم وزادت التدخلات الخارجية خاصة في قضايا الحرب والسلام.

4. الاستقلال الدبلوماسي:

المؤشر النظري

حرية إدارة العلاقات الخارجية، والتفاوض على المعاهدات، والمشاركة في الدبلوماسية الدولية دون تأثير غير مبرر من جهات خارجية.

الواقع الفعلي

منذ النصف الأول لتسعينيات القرن الماضي تعرض السودان تحت حكم الجيش، كما ذكر آنفا، لعقوبات دولية وحصار إقليمي وضعف وزنه الإقليمي وتأثيره الدولي بالتالي.

5. الاستقلال الاقتصادي:

المؤشر النظري

السيطرة على السياسات الاقتصادية، والاتفاقيات التجارية، والموارد الطبيعية، والقرارات المالية دون إكراه أو تبعية خارجية كبيرة.

الواقع الفعلي
منذ النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي تحول السودان تحت حكم الجيش إلى الصين ودول جنوب شرق آسيا في شراكاته الاقتصادية وتبادلاته التجارية الخارجية وذلك على إثر اغلاق باب التمويل والأسواق الغربية في وجهه بعد اتهامه برعاية الإرهاب الدولي. قاد التوجه شرقاً إلى آسيا ايجابيا لاستخراج النفط والنمو الاقتصادي في العشرية الأولى لهذا القرن ولكنه قاد سلبيا لتراجع دور الزراعة في الاقتصاد الكلي ونمو الديون الخارجية.

6. القدرة العسكرية:

المؤشر النظري

القدرة على الدفاع عن أراضيها، وحماية مواطنيها، وردع العدوان الخارجي أمر ضروري لتأكيد السيادة.

الواقع الفعلي

لم يتعرض السودان لعدوان خارجي منذ الاستقلال سوى احتلال مثلث حلايب وابو رماد وشلاتين من قبل مصر. ولم يتحرك الجيش عسكريا ضد هذا الاحتلال حتى الان. وسمح الجيش السوداني بتدخل قوات اليوناميد في دارفور وقوات اليونسفا في أبيي. وفشل الجيش في حماية مواطنيه من جرائم قوات الدعم السريع أثناء الثورة والحرب الحالية. وتتضمن خطة الاتحاد الأفريقي لوقف الحرب الجارية تدخل قوات أفريقية.

7. الهوية الثقافية والسياسية:

المؤشر النظري

يساهم الإحساس المتماسك بالهوية الوطنية والتماسك السياسي في قدرة الدولة على الحفاظ على سيادتها.

الواقع الفعلي

زادت النعرات الجهوية والعرقية والقبلية أثناء حكم الجيش وانخفض التماسك الاجتماعي وضعف الانتماء القومي واللحمة الوطنية خاصة لدي المواطنين والمواطنات في الأقاليم البعيدة من العاصمة.

خلاصة

تحدد المؤشرات النظرية المذكورة أعلاه مجتمعة مدى قدرة الدولة على ممارسة السلطة والاستقلال داخل النظام الدولي، اي سيادتها. أما الواقع الفعلي لحكم الجيش للسودان فيشير بوضوح إلى ضعف في جميع مؤشرات السيادة السبعة، وان كان ذلك بدرجات متفاوتة.

moniem.mukhtar@googlemail.com

 

آراء