ديمقراطية العنف في أفريقيا

 


 

 



شكّل عنف ما بعد ثورات الربيع العربي نقطة مهمة أصبحت مثار جدل لدى الباحثين والمحللين السياسيين، حيث برز العنف كأحد وسائل المقاومة للإطاحة بالحكومات المستبدة، في استمرار لحالة الدفع لتحقيق التغيير عن طريق الثورة. وليس من قبيل المصادفة أنّ تتفق ثلاث دول تنتمي إلى أفريقيا على مواصلة عنف الثورة من خلال تفريغ العنف المتراكم الذي مارسته السلطات المدحورة ضدها. وقد تحول العنف من ظاهرة مرتبطة بإسقاط النظام إلى حالة مستمرة تستوجب النظر، إذ أنّ مخاض التغيير ومرحلة التحول الديمقراطي شهدت تهيئة وتحفيزاً جعل من العنف ظاهرة مرضية تتغلل في البنى الاجتماعية والسياسية.
يعود الإرث السياسي للدول الأفريقية الثلاث (تونس،ليبيا ومصر) للنظام الأبوي كمنهج سياسي كان سائداً في الأنظمة الأفريقية القديمة . هذا الإرث والتاريخ الأفريقي هو الذي كوّن معنىً خاصاً للديمقراطية تمثّل في وجود شكل قديم من نظام الحكم جاءت تكتلاته – عدا مصر- على شكل تجمعات قبلية يقودها زعيم القبيلة وتتخذ من الشورى منهاجاً يتم التواصل فيه على أسس اجتماعية ووجدانية وثيقة. وإذا نظرنا إلى التداخل في تاريخ القارة بين أزمات العبودية ثم حركات التحرر والنضال الوطني ، نجد أنّ هذا النظام هو ما جعل مفهوم الحرية في أفريقيا، يختلف عن غيره في قارات العالم المختلفة خاصة بعد حصولها على استقلالها من الاستعمار البريطاني والفرنسي خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
اعتمدت الحركات الوطنية الأفريقية على تنافس القوى العظمى متمثلة في الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. كانت أغلب الدول الأفريقية تميل إلى اعتناق الأيدولوجيا الاشتراكية أكثر من غيرها من المذاهب السياسية نسبة لجاذبية المد الاشتراكي ورموزه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، واستمر ذلك الحال حتى انهيار الاتحاد السوفيتي في أواخر ثمانينات القرن الماضي وتلاشي تبعاً لذلك تأثيره علي الأنظمة التي كانت موالية له. بدأت الشعوب الأفريقية تتململ من طغيان أنظمتها الحاكمة .
ولم تكن كل الأنظمة ديكتاتورية قافزة للسلطة بليل، بل منها ماساهم في حركات التحرر الأفريقي حتى وصل إلى السلطة مثل نظام روبرت موغابي في زيمبابوي،حيث قاد الرئيس روبرت موغابي مع رفيق دربه جوشوا انكومو حركة تحرر وطنية كانا على رأسها في النضال، في نفس الوقت الذي ناضل فيه الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا ضد سياسة الفصل العنصري في بلاده . واصل موغابي ورفيقه أنكومو نضالهما ضد حكم الأقلية البيضاء في روديسيا التي عرفت بعد استقلالها عن بريطانيا باسم زيمبابوي عام 1980م ليقصي ويسجن رفيق دربه ليمكث في سدة الحكم حوالي 33 عاماً،ثم سعى بعدها إلى تمديد مدة إقامته على رأس الحكومة بعد تعديل الدستور لإطالة فترة حكمه الذي حول البلاد إلى مستنقع من الفساد السياسي والاقتصادي
بالرغم من وجود حركات سياسية عريقة في أفريقيا ناضلت من أجل  تحرير القارة من الاستعمار عبر النضال السياسي والمسلح ، وتحولت بعدها إلى أحزاب سياسية إلا أنّ عملية التغيير نحو الأفضل في ظل نُظم ديمقراطية حقيقية ما زال يكتنفها كثير من الشك . فقد ارتبطت افريقيا بالانقلابات العسكرية التي وسمت أغلب نظم الحكم وذلك للثقة الكبيرة التي يوليها المواطنون لجيش بلادهم باعتباره منقذ الشعب وحاميه من تسلّط الحكام الذين يستطيل عهدهم في الحكم. ولكن ما إن يستقر أمر الحكم في يد الجيش حتى تصبح مؤسسته أرستقراطية جديدة أكثر ظلماً للمواطنين من الأنظمة السابقة.
ساد في منتصف القرن الماضي جدل في الفكر السياسي حول مصطلح المستبد العادل كشكل مفضّل للحكم على الحاكم المنتخب الذي يأتي عن طريق نظام ديمقراطي . والمستبد العادل كمصطلح يتكون من تعبيرين يثقل كل منهما على الآخر سلباً أو إيجاباً، تم استخدامه ليتجاوز فوضى الديمقراطية وليقيم بالقوة نظاماً مستقراً يحقق السلام والتنمية والعدل الاجتماعي ويضبط إيقاع مؤسسات الدولة المختلفة .
تمثل أحد المقترحات للخروج من الأزمة في مناداة صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية دول الربيع العربي للاستفادة من نموذج التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. الفرق بين هذين النموذجين يكمن في أنّ ما كان سائداً في دول أوروبا الشرقية هو عبارة عن نظم قامت على البيروقراطية بعكس الدول الأفريقية المتسلطة التي تقوم نظمها على الأشخاص والنخب. لذا نجد أنّ تجربة أوروبا الشرقية نجحت في إرساء قواعد الحكم الديمقراطي في عقد واحد من الزمان بينما ساهم التحول المتسارع الذي اتسمت به تجربة دول أفريقيا في استمرار أو إعادة إنتاج حكم الفرد حتى في ظل الديمقراطية 
هذه الصورة عكست صورة الديمقراطية في أفريقيا كديمقراطية مستبدة، والمؤسسات السياسية مثل الأحزاب، نجدها في أفريقيا تختلف عن الأحزاب في دول قارات أخرى، وقادة الأحزاب أنفسهم (هم شيوخ قبيلة) يمثلون نموذجاً آخراَ للديكاتورية. إنّ قارة أفريقيا لاتفتقر إلى مواثيق واتفاقيات تؤطر لإقامة حكم ديمقراطي في دولها،لكن التحدي يتمثل في الإحساس بروح الديمقراطية لتشجيع الالتزام السياسي بتطبيقها .
(عن صحيفة العرب الدولية)



moaney [moaney15@yahoo.com]
///////////

 

آراء