ديمقراطية توكفيل وديمقراطية النخب السودانية
طاهر عمر
18 August, 2022
18 August, 2022
من الملاحظات الملفتة للنظر أن مكتبتنا السودانية تكاد تكون ضعيفة بشكل كبير و انعكس ضعفها على مستوى وعي النخب السودانية و هي منحبسة في نطاق ضيق من وعي ريادات وطنية تصنف غير واعية و هذا الضعف يكاد يكون موروث منذ أيام أتباع مؤتمر الخريجيين و يتجلى في عدم قدرتهم على تحديد مستوى وعي العالم الحر و كيفية تحديد سرعة مسيرتنا حتى نستطيع اللحاق بمواكب البشرية.
مثلا في ثلاثنيات القرن المنصرم أيام نشاط أتباع مؤتمر الخريجين كان يشغل ضمير النخب في العالم الحر أن فلسفة التاريخ التقليدية قد وصلت لمنتهاها و قد تبدّت في ظاهرة الكساد الاقتصادي العظيم و بالتالي أن الليبرالية التقليدية قد كانت في آخر أنفاسها و عالم جديد يتخلق ليولد من جديد و قد أحتاجت النخب لخمسة سنوات منذ بداية الكساد الاقتصادي العظيم 1929 الى سنة 1935 لتظهر أفكار جون ماينرد كينز لتفسر مسألة الكساد الاقتصادي و حينها قد أصبحت مسألة قرأة فكرة اليد الخفية لادم اسمث تحتاج الى أفكار ادم اسمث في كتابه الآخر نظرية المشاعر الأخلاقية و من هنا جاءت أفكار كينز و مسألة التدخل الحكومي و مسألة إعادة التوازن الاقتصادي.
ما أود قوله هو المدة التي قضاها كينز اي خمسة سنوات لكي يقدم تفسير الى أن فكرة اليد الخفية قد وصلت لمنتهاها و تحتاج لمسألة التدخل الحكومي و أن مسألة العرض يخلق الطلب كقانون لساى قد وصل الى منتهاه و قد أصبحت الأهمية تدور حول الاهتمام بكيفية خلق الطلب و هنا تظهر عبقرية كينز هذا على جانب الفكر و على جانب السياسة كان روزفلت كسياسي قد أحاط نفسه بمشرعيين في مسالة إدخال فكرة التدخل الحكومي و عندما قابل كينز قد قال عنه كينز قد وجده سياسي ملم بالكثير فيما يتعلق ما تحتاجه المرحلة و ما فيها من كساد اقتصادي و تشظي اجتماعي هائل.
هذا ما فات على أتباع مؤتمر الخريجين و ليس غريب أن يفوت عليهم و هم أول جيل قد نال تعليم حديث إلا أن عقل الخلوة و القراءة التقليدية هو المسيطر على حالهم و مسيطر حتى اللحظة اي لحظة ظهور مبادرة ود بدر مما يدل أن النخب السودانية حتى اللحظة لم تتخلص من عقل الخلوة و الخنوع لرجال الطرق الصوفية و ما ظاهرة مبادرة ام صوا بان إلا إعادة الى لحظة انشقاق مؤتمر الخريجين و تفرقهم ما بين أحزاب الطائفية كبيوتات دينية مثل حالهم الآن و هم يتحلقون حول مبادرة أم ضوا بان مما يدل على حال النخب السودانية و كسادهم الدائم بسبب أنساق مضمرة تلعب دور مهم في كساد الفكر في السودان و إنعكاسه على النشاط السياسي.
كساد أتباع مؤتمر الخريجين قد أبّده المثقف السوداني و هو مقيد بأنساقه الثقافية المضمرة و لهذا ما زالت أحزاب الطائفية قائمة و حزب شيوعي بنسخة شيوعية سودانية لا يقل كساد نخبها عن نخب أحزاب الطائفية و لهذا قد انقضى ما يقارب القرن و المثقف السوداني محصور في مستوى الشعر و نقد الشعر و نقد النقد كما يقول علي الوردي عالم الاجتماع العراقي متهكم على حال المثقف في العالم العربي و الاسلامي.
نقول هذا القول و على بالنا وصية عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي و هو من القلائل في العالم العربي و الاسلامي و قد استطاع أن يفرق ما بين خيانة أوروبا للتنوير و ما قدمته أوروبا من عقلانية في مقارباتها لظاهرة المجتمع البشري و على نفس فكره قد قدم محمد اركون إضاءت حول الخلط ما بين محاربة ظاهرة الاستعمار و تحت غبارها إختفت فكرة الاهتمام بفكرة التنمية الاقتصادية بسبب نخب و ريادات وطنية غير واعية فوّتت الكثير من الفرص لكي تلحق بمواكب البشرية.
وصية هشام شرابي هي الاهتمام بتاريخ و فكر الشعوب الأوروبية و كيفية مقارباتها لظاهرة المجتمع البشري و هذا ما نجده في حيز المنسي عند النخب السودانية و يتجسد في كتابات المفكرين السودانيين حيث ما زالت أغلب النخب السودانية لا تؤمن بنمط الانتاج الرأسمالي على صعيد النشاط الاقتصادي و كثر يغيب عن أفقهم انتصار الليبرالية الحديثة و انتصار توكفيل على ماركس و أن أقصر الطرق لتحقيق التنمية الاقتصادية هو فكر ليبرالي حديث و ليس طريق الفكر الاشتراكي كما يظن المثقف السوداني و هو واهم في خصومة غير مبررة للفكر الليبرالي.
لهذا قد غاب عن أغلب النخب السودانية أن أحزاب الشيوعية في الغرب و الأحزاب الاشتراكية و منذ ثلاثينيات القرن المنصرم قد رضيت بنمط الانتاج الرأسمالي إلا نسختنا الشيوعية السودانية ما زالت أسيرة لن يحكمنا البنك الدولي و قد طغى فكرها على غير الشيوعيين في السودان حيث نجد عندهم وهم أن تحقيق التنمية لا يتم يغير طريق الاشتراكية و هذه واحدة من محن النخب السودانية.
و بسبب سيطرة الشيوعيون السودانيون على مشهد الفكر في السودان فقد إنشغل المثقف السوداني بالشعر و نقد الشعر و نقد النقد كما يقول علي الوردي حيث نجد تحت عريشة الشيوعين و أمجادهم بشعراء و فنانيين و غيره من اهتمامات تضحك علي الوردي كثيرا و نحن نحتاج لفكر يهتم بالسياسة و الاقتصاد و علم الاجتماع بدلا من الاهتمام بشعر قد نصب له الشيوعيون خيمة شعراهم لكي تطغى على الفكر بظلال شعر و نقده و نقد نقده و هذا لا يقلل احترامنا لشعراء الشيوعيين.
لكن حال السودان يحتاج لفكر تحتاجه الساحة الفكرية و ليس أشعار يحاصر بها الشيوعين الساحة و هي خاوية على عروشها و نجد مثلا على ذلك أن مكتبتنا السودانية خاوية من فكر يقاوم الشموليات من نازية و فاشية و شيوعية فلا نجد أثر لأفكار حنا أرنت عن طبيعة النظم الشمولية و لا أفكار كلود لوفرت عن الفكر الشمولي و لا أفكار علماء اجتماع كان اهتمامهم كبير بمكافحة فكر الشموليات و لهذا نجد الفرق بين الشيوعي السوداني و شيوعيي الغرب و اشتراكييه في قدرة استيعاب ورثة عقل الأنوار لنمط الانتاج الرأسمالي و عدم مقدرة الشيوعي السوداني في التجاوب مع فكرة نمط الانتاج الرأسمالي كتاريخ طبيعي للبشرية.
لهذا نجد تأثيرهم أي الشيوعيين السودانيين على غير الشيوعيين السودانيين في إعلان بعضهم بأن ليبرالية الغرب لا تتماشى مع مجتمعنا السوداني لأنها نتاج تاريخ شعوب أخرى و نسوا أن ظاهرة المجتمع البشري فيما يتعلق بفكرة الدولة الحديثة و مفهوم السلطة لا تعرف التفريق ما بين شعوب أوروبية و شعوب أخرى لأن في جميع المجتمعات البشرية ما يشغل ضمير الانسان مسألة الحرية و العدالة و أن تاريخ الفكر الليبرالي يمثل التاريخ الطبيعي للانسانية كافة و ليس كتاريخ خاص للأمم الاوروبية.
فهي أي الشعوب الأوروبية في تجربتها قد قدمت فقط مختصر لتاريخ الانسانية و علينا الاستفادة من تجربتها كما يوصي هشام شرابي فيما يتعلق بمسألة الحرية و العدالة و هذا هو البعد الذي لا يريد الشيوعي السوداني و لا الكيزان بأن يطل عبره المثقف السوداني من أجل مقاربات تجسر ما بيننا و تجارب الشعوب الحية و بسبب وقوف الشيوعيون و الكيزان قد كسدت الساحة الفكرية و الآن لا يستطيع المثقف السوداني التفكير خارج إطار وحل الفكر الديني أو بعيدا عن وحل ما خلفه الشيوعيين السودانيين من تلوث فكري جعل كثر من المثقفين السودانيين يؤمنون بأن أقرب الطرق لتحقيق التنمية هو طريق الاشتراكية و هذا من الأخطاء المميتة للنخب السودانية و قد جعلها تتجافى مع التاريخ الطبيعي للانسانية و طريق الفكر الليبرالي.
هذا الكساد الفكري المتجسد في عدم قدرة النخب السودانية على استيعاب فكرة نمط الانتاج الرأسمالي جعلهم يغصون في وحل حلقتهم الجهنمية و عدم مقدرتهم على قيادة التحول الاجتماعي و بالتالي نجاحهم فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي و لهذا تجد الشيوعي السوداني يتحدث عن الديمقراطية ولا يقصد غير الشيوعية كنظام شمولي و هذه واحدة من عدمية النخب السودانية و مجافاتها للاشراق و الوضوح و قد تجسد في عدم مقدرتهم في توحيد صفوف المعارضة من أجل إزالة أفشل إنقلاب.
و كله بسبب غياب إدراك النخب السودانية لتنظيم صفوفها وفقا لظاهرة المجتمع البشري و الهدف منها الانتصار للفرد و ليس للطائفة و لا للعرق و لا الجهوية بل أن يصبح الاعتقاد الديني شأن فردي و تصبح علاقة الفرد بالدولة فيما يتعلق بالحق في الحقوق و لكن كيف يكون الى ذلك سبيل و ما زال المثقف السوداني في ايمانه التقليدي؟ الذي يدفعه دفعا الى أن يقدم خطاب ديني بديلا لخطاب الكيزان لأنهم لم يفهموا بعد بأن مسألة العرق و الدين لا تلعب أي دور و تجاوزتها فكرة النشؤ و الارتقاء و قد أصبح ما يشغل ضمير الانسانية هو الحريات و ليست الهويات.
بسبب غياب فكر يقوم على النزعة الانسانية و غيابه يجعل كثير من النخب السودانية في أحزاب الطائفية و السلفية و غيرها من أحزاب السودان ذات البعد الديني تظن انها بديلا دينيا لخطاب الكيزان و في الحقيقة لا نحتاج لخطاب ديني أي كان نوعه بل نحتاج لفكر نزعة انسانية نتاج تجربة الانسان و ضمير الوجود و غياب فكر ذو نزعة انسانية يفتح الطريق للكيزان للتخفي خلف مبادرة ود بدر و كله بسبب الانساق الثقافية المضمرة و أثرها على انتاج الأفكار السياسية. على النخب السودانية أن تعلم أن العالم قد فارق مثل فكرهم المتكلس سواء كان فكر أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب وحل الفكر الديني أو أفكار أيديولوجية حاولت يائسة تقديم بديل ديني أي دين بشري كان أفشل من الأديان فيما يتعلق بجلب سلام العالم.
المهم في الأمر نرجع لعنوان المقال ديمقراطية توكفيل كمنتصر على ماركس في جميع أنحاء العالم ما عداء السودان و ديمقراطية النخب السودانية و هذا سيكون مدار اهتمامنا في المقالات القادمة و أتمنى ان نقدم شئ من فكره يساعدنا على تخطئ وقوف النخب السودانية على عتبة أحزاب اللجؤ الى الغيب و أحزاب الايدولوجيات المتحجرة.
taheromer86@yahoo.com
///////////////////////
مثلا في ثلاثنيات القرن المنصرم أيام نشاط أتباع مؤتمر الخريجين كان يشغل ضمير النخب في العالم الحر أن فلسفة التاريخ التقليدية قد وصلت لمنتهاها و قد تبدّت في ظاهرة الكساد الاقتصادي العظيم و بالتالي أن الليبرالية التقليدية قد كانت في آخر أنفاسها و عالم جديد يتخلق ليولد من جديد و قد أحتاجت النخب لخمسة سنوات منذ بداية الكساد الاقتصادي العظيم 1929 الى سنة 1935 لتظهر أفكار جون ماينرد كينز لتفسر مسألة الكساد الاقتصادي و حينها قد أصبحت مسألة قرأة فكرة اليد الخفية لادم اسمث تحتاج الى أفكار ادم اسمث في كتابه الآخر نظرية المشاعر الأخلاقية و من هنا جاءت أفكار كينز و مسألة التدخل الحكومي و مسألة إعادة التوازن الاقتصادي.
ما أود قوله هو المدة التي قضاها كينز اي خمسة سنوات لكي يقدم تفسير الى أن فكرة اليد الخفية قد وصلت لمنتهاها و تحتاج لمسألة التدخل الحكومي و أن مسألة العرض يخلق الطلب كقانون لساى قد وصل الى منتهاه و قد أصبحت الأهمية تدور حول الاهتمام بكيفية خلق الطلب و هنا تظهر عبقرية كينز هذا على جانب الفكر و على جانب السياسة كان روزفلت كسياسي قد أحاط نفسه بمشرعيين في مسالة إدخال فكرة التدخل الحكومي و عندما قابل كينز قد قال عنه كينز قد وجده سياسي ملم بالكثير فيما يتعلق ما تحتاجه المرحلة و ما فيها من كساد اقتصادي و تشظي اجتماعي هائل.
هذا ما فات على أتباع مؤتمر الخريجين و ليس غريب أن يفوت عليهم و هم أول جيل قد نال تعليم حديث إلا أن عقل الخلوة و القراءة التقليدية هو المسيطر على حالهم و مسيطر حتى اللحظة اي لحظة ظهور مبادرة ود بدر مما يدل أن النخب السودانية حتى اللحظة لم تتخلص من عقل الخلوة و الخنوع لرجال الطرق الصوفية و ما ظاهرة مبادرة ام صوا بان إلا إعادة الى لحظة انشقاق مؤتمر الخريجين و تفرقهم ما بين أحزاب الطائفية كبيوتات دينية مثل حالهم الآن و هم يتحلقون حول مبادرة أم ضوا بان مما يدل على حال النخب السودانية و كسادهم الدائم بسبب أنساق مضمرة تلعب دور مهم في كساد الفكر في السودان و إنعكاسه على النشاط السياسي.
كساد أتباع مؤتمر الخريجين قد أبّده المثقف السوداني و هو مقيد بأنساقه الثقافية المضمرة و لهذا ما زالت أحزاب الطائفية قائمة و حزب شيوعي بنسخة شيوعية سودانية لا يقل كساد نخبها عن نخب أحزاب الطائفية و لهذا قد انقضى ما يقارب القرن و المثقف السوداني محصور في مستوى الشعر و نقد الشعر و نقد النقد كما يقول علي الوردي عالم الاجتماع العراقي متهكم على حال المثقف في العالم العربي و الاسلامي.
نقول هذا القول و على بالنا وصية عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي و هو من القلائل في العالم العربي و الاسلامي و قد استطاع أن يفرق ما بين خيانة أوروبا للتنوير و ما قدمته أوروبا من عقلانية في مقارباتها لظاهرة المجتمع البشري و على نفس فكره قد قدم محمد اركون إضاءت حول الخلط ما بين محاربة ظاهرة الاستعمار و تحت غبارها إختفت فكرة الاهتمام بفكرة التنمية الاقتصادية بسبب نخب و ريادات وطنية غير واعية فوّتت الكثير من الفرص لكي تلحق بمواكب البشرية.
وصية هشام شرابي هي الاهتمام بتاريخ و فكر الشعوب الأوروبية و كيفية مقارباتها لظاهرة المجتمع البشري و هذا ما نجده في حيز المنسي عند النخب السودانية و يتجسد في كتابات المفكرين السودانيين حيث ما زالت أغلب النخب السودانية لا تؤمن بنمط الانتاج الرأسمالي على صعيد النشاط الاقتصادي و كثر يغيب عن أفقهم انتصار الليبرالية الحديثة و انتصار توكفيل على ماركس و أن أقصر الطرق لتحقيق التنمية الاقتصادية هو فكر ليبرالي حديث و ليس طريق الفكر الاشتراكي كما يظن المثقف السوداني و هو واهم في خصومة غير مبررة للفكر الليبرالي.
لهذا قد غاب عن أغلب النخب السودانية أن أحزاب الشيوعية في الغرب و الأحزاب الاشتراكية و منذ ثلاثينيات القرن المنصرم قد رضيت بنمط الانتاج الرأسمالي إلا نسختنا الشيوعية السودانية ما زالت أسيرة لن يحكمنا البنك الدولي و قد طغى فكرها على غير الشيوعيين في السودان حيث نجد عندهم وهم أن تحقيق التنمية لا يتم يغير طريق الاشتراكية و هذه واحدة من محن النخب السودانية.
و بسبب سيطرة الشيوعيون السودانيون على مشهد الفكر في السودان فقد إنشغل المثقف السوداني بالشعر و نقد الشعر و نقد النقد كما يقول علي الوردي حيث نجد تحت عريشة الشيوعين و أمجادهم بشعراء و فنانيين و غيره من اهتمامات تضحك علي الوردي كثيرا و نحن نحتاج لفكر يهتم بالسياسة و الاقتصاد و علم الاجتماع بدلا من الاهتمام بشعر قد نصب له الشيوعيون خيمة شعراهم لكي تطغى على الفكر بظلال شعر و نقده و نقد نقده و هذا لا يقلل احترامنا لشعراء الشيوعيين.
لكن حال السودان يحتاج لفكر تحتاجه الساحة الفكرية و ليس أشعار يحاصر بها الشيوعين الساحة و هي خاوية على عروشها و نجد مثلا على ذلك أن مكتبتنا السودانية خاوية من فكر يقاوم الشموليات من نازية و فاشية و شيوعية فلا نجد أثر لأفكار حنا أرنت عن طبيعة النظم الشمولية و لا أفكار كلود لوفرت عن الفكر الشمولي و لا أفكار علماء اجتماع كان اهتمامهم كبير بمكافحة فكر الشموليات و لهذا نجد الفرق بين الشيوعي السوداني و شيوعيي الغرب و اشتراكييه في قدرة استيعاب ورثة عقل الأنوار لنمط الانتاج الرأسمالي و عدم مقدرة الشيوعي السوداني في التجاوب مع فكرة نمط الانتاج الرأسمالي كتاريخ طبيعي للبشرية.
لهذا نجد تأثيرهم أي الشيوعيين السودانيين على غير الشيوعيين السودانيين في إعلان بعضهم بأن ليبرالية الغرب لا تتماشى مع مجتمعنا السوداني لأنها نتاج تاريخ شعوب أخرى و نسوا أن ظاهرة المجتمع البشري فيما يتعلق بفكرة الدولة الحديثة و مفهوم السلطة لا تعرف التفريق ما بين شعوب أوروبية و شعوب أخرى لأن في جميع المجتمعات البشرية ما يشغل ضمير الانسان مسألة الحرية و العدالة و أن تاريخ الفكر الليبرالي يمثل التاريخ الطبيعي للانسانية كافة و ليس كتاريخ خاص للأمم الاوروبية.
فهي أي الشعوب الأوروبية في تجربتها قد قدمت فقط مختصر لتاريخ الانسانية و علينا الاستفادة من تجربتها كما يوصي هشام شرابي فيما يتعلق بمسألة الحرية و العدالة و هذا هو البعد الذي لا يريد الشيوعي السوداني و لا الكيزان بأن يطل عبره المثقف السوداني من أجل مقاربات تجسر ما بيننا و تجارب الشعوب الحية و بسبب وقوف الشيوعيون و الكيزان قد كسدت الساحة الفكرية و الآن لا يستطيع المثقف السوداني التفكير خارج إطار وحل الفكر الديني أو بعيدا عن وحل ما خلفه الشيوعيين السودانيين من تلوث فكري جعل كثر من المثقفين السودانيين يؤمنون بأن أقرب الطرق لتحقيق التنمية هو طريق الاشتراكية و هذا من الأخطاء المميتة للنخب السودانية و قد جعلها تتجافى مع التاريخ الطبيعي للانسانية و طريق الفكر الليبرالي.
هذا الكساد الفكري المتجسد في عدم قدرة النخب السودانية على استيعاب فكرة نمط الانتاج الرأسمالي جعلهم يغصون في وحل حلقتهم الجهنمية و عدم مقدرتهم على قيادة التحول الاجتماعي و بالتالي نجاحهم فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي و لهذا تجد الشيوعي السوداني يتحدث عن الديمقراطية ولا يقصد غير الشيوعية كنظام شمولي و هذه واحدة من عدمية النخب السودانية و مجافاتها للاشراق و الوضوح و قد تجسد في عدم مقدرتهم في توحيد صفوف المعارضة من أجل إزالة أفشل إنقلاب.
و كله بسبب غياب إدراك النخب السودانية لتنظيم صفوفها وفقا لظاهرة المجتمع البشري و الهدف منها الانتصار للفرد و ليس للطائفة و لا للعرق و لا الجهوية بل أن يصبح الاعتقاد الديني شأن فردي و تصبح علاقة الفرد بالدولة فيما يتعلق بالحق في الحقوق و لكن كيف يكون الى ذلك سبيل و ما زال المثقف السوداني في ايمانه التقليدي؟ الذي يدفعه دفعا الى أن يقدم خطاب ديني بديلا لخطاب الكيزان لأنهم لم يفهموا بعد بأن مسألة العرق و الدين لا تلعب أي دور و تجاوزتها فكرة النشؤ و الارتقاء و قد أصبح ما يشغل ضمير الانسانية هو الحريات و ليست الهويات.
بسبب غياب فكر يقوم على النزعة الانسانية و غيابه يجعل كثير من النخب السودانية في أحزاب الطائفية و السلفية و غيرها من أحزاب السودان ذات البعد الديني تظن انها بديلا دينيا لخطاب الكيزان و في الحقيقة لا نحتاج لخطاب ديني أي كان نوعه بل نحتاج لفكر نزعة انسانية نتاج تجربة الانسان و ضمير الوجود و غياب فكر ذو نزعة انسانية يفتح الطريق للكيزان للتخفي خلف مبادرة ود بدر و كله بسبب الانساق الثقافية المضمرة و أثرها على انتاج الأفكار السياسية. على النخب السودانية أن تعلم أن العالم قد فارق مثل فكرهم المتكلس سواء كان فكر أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب وحل الفكر الديني أو أفكار أيديولوجية حاولت يائسة تقديم بديل ديني أي دين بشري كان أفشل من الأديان فيما يتعلق بجلب سلام العالم.
المهم في الأمر نرجع لعنوان المقال ديمقراطية توكفيل كمنتصر على ماركس في جميع أنحاء العالم ما عداء السودان و ديمقراطية النخب السودانية و هذا سيكون مدار اهتمامنا في المقالات القادمة و أتمنى ان نقدم شئ من فكره يساعدنا على تخطئ وقوف النخب السودانية على عتبة أحزاب اللجؤ الى الغيب و أحزاب الايدولوجيات المتحجرة.
taheromer86@yahoo.com
///////////////////////