رحلة إلى المستقبل بلا جيش !

 


 

 

 

 

الناس قد يعجزون عن تصديق الحقائق المزلزلة التي يفشلون في تفسيرها او تفسير ما يليهم منها فصيبيهم لذلك ريب شديد، فيكرهون الإقرار لعزيز مرغوب او عظيم مرهوب بواقع حقيقته فيرتفع بذلك عنه الحرج و يكشف لهم وجهه الذي لا يرغبون في رؤيته كاملا او وجهه الذي يخشونه فيصيبهم من ذلك عنت.

فيمارونه و يمنون انفسهم ان ربما هو ليس ذلك او كذلك او ربما ان المتحلقين حوله هم من زين له ما هو عليه، أو ربما بدا لنا الامر كذلك و هو على خلاف ما نرى، او انهم، مع قناعتهم التامة بتحقق ما يكرهونه يحفظون شعرة معاوية تزلفا او تقية بدل المكاشفة و المنازلة التامة التي لا يرغبون.

ذلك جرى مع الشعب السوداني وجيشه خلال الثورة المجيدة التي اندلعت نهاية العام الماضي حيث ظلوا يرابطون – بعد ان تعشموا في جيشهم خيرا- امام قيادته العامة، يهتفون له ويتشبثون بايادي العسكر و يلوحون بها في السماء مكبرين ان هاهو جيشنا اخيرا ينحاز لنا و ينصرنا على المستبدين، كانوا يمنون انفسهم الاماني و ربما كانوا يعلمون ذلك لكنهم كما ذكرنا يقولون في قلوبهم : كن ابا ذر!

ليتهم يكونون معنا، ليت ضمائرهم تصحوا الآن !
حتى انبدل الحال على بعض الجنود و الضباط الصغار ثم تبعهم مجموعة متسلقة ترتزق على المفارقات و سوانح الفرص، اعلنت انحياز الجيش للشعب و لكنه لم يكن انحيازا، و في سوداننا الذي نعرف لا يوجد جيش بهذه الصفة و لا أي قوى نظامية تستبطن في وعيها ان واجبها او بعض واجبها هو حماية هذا الشعب و ان كرامة هذا الشعب من كرامتها او مستقبل هذا الشعب من مستقبلها.

هذه هي الحقائق التي يجد السودانيون – حتى الان- عسرا شديدا في تقبلها و لو تقبلوها فهم يستبطنوها ثم يبوحون بغيرها.

يقولون ان قادة الجيش لا يمثلون الجيش و ان صغار القادة و الذين هم في رتب متوسطة كلهم مع الشعب

ذلك فقط من باب استعطافهم او الابقاء على شعرة معاوية في انحيازهم يوما ما، او في اقل تقدير عدم استعداءهم و قد ثبت للقاصي و الداني ان جيشنا الذي سلحناه بجهدنا و عرقنا يروي سلاحه من دماءنا و ارواحنا و يحمي المتسلطين علينا طوال ثلاثة عقود و الان يحمي شذاذ الافاق الهمج الذين تدثروا بردائه و حملوا رتبوا العليا دون أهلية أو كفاءة ثم جثموا بها على صدور الناس في بلدي ظلما و تقتيلا و بربرية لم يشهدها هذا الشعب عبر تاريخه الممتد..
اقول ذلك و قد سقطت رمزية القياة العامة للجيش السوداني التي لاذ بها السودانيون و اعتبروها ضامنا لثورتهم و حاجبا لدماءهم و ملتقى افراحهم و احلامهم، لكن ذلك كله انكشف على صباح المجزرة التي تعلمون، و قد اريقت دماء الشعب و أهينت كرامته و استبيح شرفه امام القيادة العامة للجيش السوداني.
لو كان للجيش يد في ذلك فتلك مصيبة و ان كان واقفا متفرجا على همج الجنجويد و هم يفعلون فعلتهم امام قيادته العامة فالمصيبة الاعظم.
الان و السودانيون يرممون ما انكسر في نفوسهم و يمسحون دموع الحزن على من فقدوا و يسترجعون ثقتهم في انفسهم و في عدالة قضيتهم و في نصر ربهم لهم فإنهم يعودون لساحات التظاهر و الاحتجاجات السلمية تصاعدا مرة اخرى و ليس ثمة مكان يلتمسونه للتجهر و التجمع فيه كذي قبل غير الشوارع العريضة.
لم تعد القيادة العامة بذات المأمول القديم في ان تتحول ساحتها رمزا للثورة و لوحدة السودانيين و لفلسفاتهم و فنونهم و فلكلورهم و تسامحهم و جمال ارواحهم و قبل ذلك رمزا لشرف التلاحم يبن جماهير الشعب و جيشه العظيم.
لا.. لم تعد كدلك.
الان لن نرمز للقيادة العامة بذلك، هي الان رمز للدماء و الارواح التي ازهقت فقط
ستنتصر الثورة السودانية و سنقيم نصبا تذكاريا للارواح الطاهرة التي ازهقتها آلة الهمج الجنجويد
و سنقول للأجيال القادمة بكل مرارة و دهشة : ان ذلك قد حدث أمام القيادة العامة للجيش السوداني، و سيظل في النفس شيء من الجيش و من القيادة .
عبدالله عبدالعزيز الاحمر
ايطاليا، لاتسيو – فروزينوني


alahmer2003@yahoo.co.uk
//////////////////

 

آراء