رسالتي الأولى لياسر العطا

 


 

شهاب طه
30 March, 2024

 

sfmtaha@msn.com

شهاب طه

اليوم أقول لك الحقيقة، ومعرفة الحقيقة، في حد ذاتها، تشعر الإنسان القوي بالإرتياح حتى لو كانت حقيقة قاسية، أما الضعيف العاجز فهو يفضل الهروب من الحقيقة.

الحقيقة الأولى: هي التشخيص العلمي والمنطقي، لأسباب حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣ وهو تحليل لم تسمعه من قبل، ولن تسمعه من بعد، عن أسباب تلك الحرب التي تدمر سوداننا الآن حيث تعتقد الغالبية من شعبنا، الغير معنية بالسياسة، أنها حرب صراع على السلطة والديمقراطية وغيره، أما السذج والبسطاء من المثقفاتية فهم يؤمنون أن السبب هو الإتفاق الإطاري حيث إنقسمت القوى السياسية والمثقفاتية الركيكة السطحية ما بين مؤيد ورافض لذلك الإتفاق السمج الذي كان من المستحيل أن ينجح أو يفيدنا حتى لو تنازل الرافضون وتوافقوا مع كل القوى السياسية على تنفيذه، لأن الأسباب الحقيقة الوحيدة لهذه الحرب والتي لم تذكر من قبل: {هي نفس الأسباب التي أوجدت السودان نفسه كوليد معوق ومشوه للمحتل البريطاني الذي جمع التباينات العرقية والقبائلية والجهوية والعقائدية والثقافية ورصها في الخارطة التي رسمها وسمّاها السودان} ثم رحل الإنجليز لتؤول إدارة الدولة للكوادر الوطنية التي لم تكن مؤهلة بالقدر المناسب ولم تنل الحظ الكافي من التعليم الأكاديمي والمعرفي إضافة لقلتها. وبالرغم من أن تلك الكوادر كانت تكفيها وطنيتها اللّامحدودة بجانب مؤهلاتها البسيطة لحكم وإدرة وطن إن كان هو وطنها، ولكن سودان الإنجليز لم يكن هو سودانها ولا هو وطنها والذي أصلاً لم يكن له وجود ما قبل الإحتلال فكان المستحيل هو النجاح في إدارة ذلك التنوع الممعن في التنافر فظلت الحروب هي الآلية الوحيدة لإدارة الدولة من المركز ومحاولة الحفاظ على وحدتها من منظور عاطفي ساذج وغاشم حيث الحروب تشتعل منذ ١٩٥٥م وحتى اللحظة، بغوغائية لم يشهد العالم لها مثيل، تفضح فشل الرعيل السياسي الأول وكل من حكم ما بعد الإستقلال. فإن لم يتم النظر لأسباب هذه الحرب وسابقاتها وفق هذا التحليل المتفرد الأصح فلن يكون بمقدور هذا البلد تجاوز محن هذه الحرب ومنع الحروب الحتمية القادمة.

والحقيقة الثانية: التي يجب أن تعرفها أنت وكل فرد في الجيش السوداني هي أن المتأسلمون الإنقاذيون هم من حقنوا جسد الوطن بسم المليشيات و اليوم يمارسون عادتهم الخبيثة، غير السرية والمفضوحة، بسعيهم لتحميل وزر أفعالهم لشعبنا بل يجاهدونه على أن يشعر بعقدة الذنب حيال تلك الخطيئة بديلاً عنهم لا لسبب إلا لأنه صحي من غفوته وفجر ثورة ديسمبر المجيدة الخالدة مناضلاً للخروج من الظلمات للنور كما بقية الشعوب التي تنعم بالسلام المستديم. والذي يجب معرفته أن السلام نوعان، سلام سلبي تفرضه البندقية وسلام إيجابي تحرسه الديمقراطية. أي بإختصار، سلام العالم الثالث المتخلف وسلام العالم الأول المتحضر، وحتى هذا السلام السلبي فقد عجز الجيش عن فرضة ودرء تلك الكارثة في الوقت الوجيز المتوقع بسبب نكوصه عن واجبه الوطني الدستوري والقبول بامتهان كرامته بالإذعان للخوض في مستنقعات السياسة الآسنة حيث جُرد من هيبته ورضخ لغرس النبت الجنجويدي حتى أصبح سرطاناً قضى على الأخضر واليابس في بلدنا المنكوب.

والحقيقة الثالثة: التي يجب أن تعرفها أنت وكل الشعب هي أن البعض من قيادات قوى الحرية التغيير قد لجأؤا للإعتماد على حميدتي، كنائب لرئيس مجلس السيادة، شرعنتموه أنتم، ليكون نصيراً لهم ضد صلف سدنة الإنقاذ وخيانة ميثاق الوثيقة الدستورية، وإنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ حيث تم جرّهم من كراسيهم الملاصقة لكراسيكم و زُج بهم في السجون، بل لا يجب إن يستغرب أحد إن كانوا يدعمون إنقلاب حميدتي في صباح ١٥ أبريل للاستيلاء على السلطة، فالإنقلابات المسلحة هي شيمة جيش سوداننا المبررة بفرية الحفاظ على أمن الوطن لأن المدنيّون، وكما يعتقد العسكر، هم أصلاً فاشلون بطبيعة كونهم مدنيّون. أما من يناصر الجنجويد، بعد نشوب الحرب الغاشمة، إن كان من قيادات الحرية والتغيير، أو منسوبيها أو غيرهم، فهو مسئول مسئولية فردية عن موقفه دون تمييع للقضية بتشتيتها على الشيوع فينفذ المجرم الحقيقي من العقوبة. فهناك من يدعم الجنجويد من منطلق عرقي أو مكاسب مادية، أو كراهية في الكيزان. أما الغباء الأكبر فهو يتجسد في تلك الفئة الضالة التي تحاول إستهداف ثورة ديسمبر ٢٠١٨ المجيدة بالإدعاء الباطل بأن قوى الحرية والتغيير (قحت) كلها وبرمتها ما هي إلا جناح سياسي للجنجويد، فليعلم الناس أن قحت هي ليست توجه فكري أو عقائدي موحد أو حزب سياسي بل هي فقط حالة توافق ثوري جمعت كل أطياف القوى الوطنية المناهضة لنظام الإنقاذ المتطرف الإرهابي الذي لا زلنا نكتوي بجحيمه حتى لحظة كتابة هذه الأسطر. إذن إتهام كل منسوبي قوى الحرية والتغيير يعني بالضرورة إتهام كل أفراد قبيلتي الرزيقات والمسيرية وهذا أمر غير منطقي ولا عقلاني. والأشد نكاءةً أن البعض من المثقفاتية ينادون بضرورة أن يتفدم كل فرد من قوى الحرية والتغيير بإبراء ذمته من الجنجويد وذلك يعني أن يتقدم كل ضباط وجندي في الجيش لإبراء ذمته من الكيزان.

الحقيقة الرابعة: هي نصيحتي لسيادتكم بالبعد التام عن السياسة والكف عن إصدار أي تصريحات أو تقديم وعود لأي جهة أو حزب بل التفرع التام للواجب المقدس وهو إعادة الأمن الكامل بدحر الجنجويد وإزالة كل المخاطر وإسترداد هيبة الدولة وكذلك الإمتناع عن توجيه أي إتهام لأي مواطن ما لم يكن ذلك مصحوب بأدلة دامغة وأحراز قضائية ثابته ضد من شارك الجنجويد في جرائم الحرب لأن ما نحتاجه، ما بعد مرحلة الجنجويد، هو تجريم الأبرياء تحت مسمى قوى الحرية والتغيير وغيره حتى ننعم بحرب أهلية مستديمة لكي تتم الناقصة وتقضي على ما تبقى من نسيج مجتمعي مهترئ.

الحقيقة الخامسة: هي نصحتي بضرورة القبول بالتدخل الأممي الخارجي، الذي لا بديل له ولا مفر منه حيث يتوجب مخاطبة الأمين العام للأمم المتحدة لتخصيص لجنة دولية من مجموعة خبراء يكون بمقدورهم وضع التصورات المطلوبة لحلحلة مشكلات سوداننا بمهنية وحيادية للفصل في النزاعات الأزلية المزمنة والتخطيط لمنظومة الحكم الأمثل، إن كان فدرالياً أو كونفدرالياً وترسيخ مبدأ حق تقرير المصير ، وهنا وجب التنويه أن ليس بالضرورة أن يكون المنتدبين هم موظفين في الأمم المتحدة بل من الممكن إختيار شخصيات دولية وترشيحهم لتلك اللجنة ومن ثم يقوم الأمين العام بإعتمادهم وتكليفهم وفق صلاحيات الأمم المتحدة وتحت مظلتها وتلك نصيحة ستندمون عليها إن لم يتم تنفيذها، كما ندمتم على تسمين غول الجنجويد. أما النصيحة الأغلى كنت قد قدمتها للبرهان في ١٠ يوليو ٢٠٢٣ بتسليم دارفور للأمم المتحدة لتأمبن شعبها وكل السودان بحماية الحدود ومنع تدفق الإمدادات الغير محدودة للجنجويد، ولكن لقد أسمعت لو ناديت حياً.

أما قضية المتبرعون بالحيوانات المنوية فهي الكارثة القومية التي أقعدت وطننا منذ نشأته، ولم يفكر فيها احد، سأوضحها فيما بعد وأقدم الحل الأوحد.

أحي صمود كل شرفاء الجيش الفقراء البسطاء الذين لا همّ لهم غير حماية هذا الشعب والوطن.
٢٩ مارس ٢٠٢٤
‏stmtaha@msn.com

 

آراء