The Sudan of the Three Niles: The Funj Chronicle هيذر شاركي Heather Sharkey ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي مقدمة: هذه ترجمة لعرض بقلم البروفسيورة الأمريكية هيذر شاركي لكتاب عن تاريخ الفونج (حوليات الفونج) للشيخ أحمد بن الحاج أبو علي، ترجمه البروفيسور الإنجليزي بيتر هولت إلى الإنجليزية. صدر الكتاب عن دار نشر بيريل في مدينة لايدن الهولندية عام 1999م. عين البروفسور المؤرخ هولت (1918 – 2006م) عقب تخرجه في جامعة أكسفورد أستاذا للتاريخ بالمدارس الثانوية السودانية، ثم عمل مفتشا بين عامي 1941 – 1953م. وأنشأ من بعد ذلك دار الوثائق وترأسها، وعمل محاضرا غير متفرغ في جامعة الخرطوم بين عامي 1952 – 1953م. وعاد بعد ذلك إلى بلاده وعمل في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية بين عامي 1955 – 1982م إلى حين تقاعده. ونشر الرجل في خلال مسيرته الأكاديمية أعمالا أصيلة عديدة عن تاريخ السودان (خاصة في عهد المهدية) ومصر (في عهد المماليك) وسوريا، وشارك في كتابة فصل عن العرب والإسلام في موسوعة كمبردج عن الاسلام. وكان آخر أعماله، هذا الكتاب الذي قدمت له هيذر شاركي عرضها هذا، الذي صدر تحت عنوان The Sudan of the Three Niles: The Funj Chronicle. تعلم هولت اللغة العربية في غضون سنواته في السودان، وترجم كتابين من الألمانية والفرنسية (انظر نعي بروفيسور هولت في صحيفة الاندبندنت (http://www.independent.co.uk/news/obituaries/professor-p-m-holt-426133.html) نشر العرض عام 2000 في العدد الثاني والثلاثين من المجلة العالمية لدراسات الشرق الأوسط (IJMES). أما كاتبة العرض (هيذر شاركي) فقد حصلت على درجة البكالوريوس في الأنثروبولوجيا من جامعة ييل الأميركية، ودرجتي الماجستير والدكتوراه من جامعتي درم البريطانية وبريستون الأميركية، على التوالي، ولها عدة كتب ومقالات عن السودان ومصر منها كتاب "العيش مع الاستعمار: الوطنية والثقافة في السودان الإنجليزي المصري"، وكتاب "الإنجيليون الأمريكيون في مصر"، و"الهوية والمجتمع في الشرق الأوسط المعاصر"، و” تاريخ الصحافة العربية في السودان". وكنت قد عرضت لعدد من كتابات الدكتورة شاركي في مقالات مترجمة سابقة. ونشر مؤخرا دكتور خالد محمد فرح عرضا شاملا لتحقيق نشره مؤخرا بروفيسور يوسف فضل لتاريخ كاتب الشونة بعنوان "تاريخ كاتب الشُّونة مُحقَّقا: وقفات وخواطر مع المتن والتحقيق"، أشار فيه إلى من سبق لهم تحقيق هذه المخطوطات مثل السير هارولد ماكمايكل الذي حقق وترجم غالب صفحات المخطوطة وزاد عليها بالكثير من الحواشي، ثم تلاه في التحقيق بروفيسور مكي شبيكة (1947م)، ومن بعده الأستاذ الشاطر بصيلي عبد الجليل (1961م). المترجم ******* ****** ***** ***** إن كتاب "سودان الأنيال الثلاثة" هو ترجمة مذيلة بشروحات لمخطوطات الفونج، التي تناولت تاريخ عهد سلطنة الفونج (1504 – 1821م) وعاصمتها سنار، الواقعة على النيل الأزرق، والعهد التركي – المصري الذي أعقب سلطنة الفونج. وتعد مخطوطات الفونج مع كتاب "طبقات ود ضيف الله"(الذي تناول تاريخ الأولياء الصالحين بالسودان في نهاية القرن الثامن عشر) أهم مصدرين عربيين لشمال السودان النيلي في عهد سلطنة الفونج، ذلك العهد الذي انتشر فيه الإسلام على نطاق واسع، وكانت المنطقة في غضون سنواته تشكل هويتها العربية – الإسلامية. وكان الكاتب الأساس لتلك المخطوطات هو شيخ أحمد بن الحاج أبو علي (المولود في 1784 أو 1785م)، المعروف بكاتب الشونة، لسابق عمله ككاتب لشونة (صومعة) الغلال بالخرطوم في العهد التركي – المصري (1924 – 1834م). وبلغ كاتبنا الحلم في نهايات عهد الفونج، حين سادت سيطرة الهمج، وفقد سلاطين الفونج أي سلطة فعالة لهم. وشهد كاتب الشونة الكثير من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية الدراماتيكية، وأدرك أن أيام ملوك الفونج قد صارت محض "حكايات ومواعظ" (صفحة 77 من الكتاب)، فشرع في تسجيل تاريخهم واستخلاص العبر والدروس منها. واعتمد كاتب الشونة في الأساس على ما كان رائجا من قصص وحكايات متداولة بين الناس في عهده، وعلى ملاحظاته الشخصية، وعلى ما ورد في "طبقات ود ضيف الله" من قوائم بأسماء سلاطين الفونج، وكان ذلك هو مصدره المكتوب الوحيد. وعلى الرغم من أن الكاتب توقف عن تسجيل قصصه في عام 1838م، حين كان الحكم التركي – المصري قد وطد من دعائم حكمه، إلا أن آخرين تولوا مراجعة وتنقيح ما كتبه شيخ أحمد بن الحاج أبو علي، وزادوا عليه حتى بلغوا في تسجيل الوقائع إلى عام 1871م (ذكر د/ خالد محمد فرح في مقاله المذكور آنفا أسماء هؤلاء، وهم أحمد الحاج محمد جنقال، والزبير عبد القادر ود الزين (الزبير ود ضوَّة)، وإبراهيم عبد الدافع، والأمين محمد الضرير. المترجم). وبهذا لا يمكن أن نعتبر أن لذلك السجل للأحداث نصا واحدا، بل هو نصوص متتابعة، بأقلام كتاب عديدين. ولم تسلم كل تلك النسخ من المخطوطات من فقدان لبعض صفحاتها، فبعضها وجد مبعثرا ومتفرقا. وحتى إذا أخذنا رواية "كاتب الشونة" نفسها، فمن المشكوك فيه وجود النسخة "الأصلية" للمخطوطة. واعتمادا على بعض الأدلة من داخل النص نفسه، خلص بيتر هولت إلى أن كتاب الشونة قد أنجز عمله هذا في غضون عقدين من الزمان. وبالإضافة لذلك، توصل هولت إلى أن النسخة الموجودة من تلك المخطوطات، والتي دونها شيخ أحمد الحاج محمد جنقال (أول من زاد على نسخة كاتب الشونة) كانت تحتوي على قطع بدت وكأنها سابقة للنصوص الموجودة في إسطنبول والقاهرة، حيث توجد نسخ عديدة للمخطوطة. وخلص هولت إلى نتيجة مفادها أن كاتب الشونة قد أعاد النظر في محتويات كتابه بنفسه وحررها لسلطات الحكم التركي – المصري. غير أن تلك النسخة المنقحة ما تزال مفقودة. وواجه هولت معضلة تعدد نسخ المخطوطة وضرورة مقارنتها ومضاهاتها، وفي بعض الحالات انتقاء قطع من كل نسخة منها وتجميعها مع بعضها البعض. وأعتمد هولت في المقام الأول على نسخة المخطوطة الصادرة بالخرطوم عام 1947م من تحقيق مكي شبيكة، وعلى النسخة المطبوعة في القاهرة الصادرة عام 1963م للشاطر البصيلي (وهي الأقرب للأصل) إضافة للمخطوطات المحفوظة في إسطنبول ونوتينغهام وفيينا. (الصحيح هو أن تحقيق البصيلي لحوليات الفونج كانت قد صدرت عام 1961م وليس 1963م كما ذكرت الكاتبة. المترجم). وقسم هولت كتابه إلى ثلاث أقسام أساسية. أولها قسم بديع أسهب فيه الكاتب في مناقشة التاريخ النصي في "حوليات الفونج" وأصل الكتاب ومؤلفه. أما القسم الثاني فهو ترجمة (مذيلة بشروح وافية) من قطع مجمعة من نسخ متعددة للكتاب، قام هولت بذكر مصادرها جميعا (من غير مصدره الأساس وهي النسخة التي حققها الأستاذ البصيلي). غير أن هولت استبعد تماما في ترجمته الأبيات الشعرية التي تضمنها الكتاب بدعوى أنها ذات أهمية أدبية فحسب، وليست مهمة تاريخيا. وتضمن القسم الثالث من الكتاب مواد إضافية شملت الملاحق، ونصوص ذات علاقة بالكتاب (مثل مقدمات طبعاته المنقحة الأولى والثانية)، وجداول بالأنساب وأسماء السلاطين الذين تعاقبوا على حكم السلطنة، وقاموس للمصطلحات، وقائمة بالمراجع، وفهرس للأسماء والأماكن ومجموعات اجتماعية. وتعد "حوليات الفونج" فوق كل شيء سجلا للتاريخ السياسي (لسلطنة سنار) فيه تفصل قيام وسقوط سلاطين سنار من الفونج والهمج لاحقا وحكام وإداريي العهد التركي – المصري، وحروبهم، وعلاقاتهم الخارجية. وسجل المؤلف – بكثير من الإجلال – سير الأولياء الصالحين، وقدراتهم الاعجازية الخارقة (أي كراماتهم). وفي هذا الجانب، يعكس النص نمو وانتشار الثقافة الإسلامية في المنطقة. وتوضح بعض التفاصيل المتفرقة في المخطوطة الأبعاد والنظرات النافذة في الكوارث الطبيعية التي حاقت بالسلطنة (مثل الجفاف والمجاعات والفيضانات والزلازل)، والأمراض المتوطنة (مثل الطاعون والجدري ودودة غينيا)، والحياة المدنية (مثل أربجي، مدينة سلطنة الفونج المدمرة، التي أشاد كاتب الشونة بمبانيها الجميلة وأطعمتها الشهية وشيوخها وكتابها)، ونوع الملابس التي كان يرتديها السكان، وحركتهم وتنقلهم (مثل نقل النوبة المسترقين المجندين، وحجاج غرب أفريقيا)، والظواهر الطبيعية (خاصة الخسوف والنيازك والنجوم المتساقطة). لا شك عندي أن هذا الكتاب موجه في الأساس لقراء متخصصين في تاريخ تلك الفترة في السودان. لذا ينبغي على من ليست لهم معرفة كبيرة بتاريخ سلطنة الفونج والحكم التركي – المصري أن يبدأوا بالاطلاع أولا على المراجع والكتب العامة المتعلقة بذلك التاريخ قبل الشروع في قراءة ترجمة هولت هذه. ولم يورد هولت في ترجمته غير قليل من المراجع، أهمها كتاب كروفورد عن "سلطنة الفونج في سنار" الصادر عام 1952م، وكتاب ريتشارد هيل "مصر في السودان بين عامي 1820 – 1881م" الصادر في عام 1959م. غير أنه أغفل تماما كتابا مهما وسهل القراءة هو ما ذكره جاي اسبولدينق – بالاشتراك مع أوفاهي عن الفونج في كتاب "ممالك السودان"، الصادر عام 1974م، وأغفل أيضا ذكر الكتاب الحديث نسبيا للكاتب نيل ماكهيو (المعنون "الأولياء الصالحون في النيل الأزرق")، الذي تناول ازدياد انتشار الهوية العربية – الإسلامية في عهد الفونج، والصادر عام 1994م. ولم يسبق هذه الترجمة الانجليزية لـ "مخطوطة الفونج " سوى ملخص لها نُشر بالإنجليزية في عام 1922م (ورد في كتاب السير هارولد مكمايكل المعنون "تاريخ العرب في السودان". المترجم). ولا ريب أن هولت قد قدم للمؤرخين بترجمته هذه فضلا عظيما، فهي عمل محكم التوثيق، وبها حواشٍ غاية في الإفادة. وهذه ليست المرة الأولى التي يغني فيها هولت الكتابات التاريخية عن السودان بمؤلف عظيم. فله كما هو معروف كتابه العمدة "دولة المهدية في السودان ،1881 و1898م"، وكتابه العام الآخر "تاريخ السودان"، الذي صدرت أولى طبعاته في عام 1961م، وتلته طبعات راجعها مارتن دالي، نشرت أولها في عام 1979م. وبهذه الترجمة لكتاب "حوليات الفونج" ختم هولت كتاباته عن تاريخ السودان، وترك لنا مساهمة مهمة وخالدة في هذا المجال.