ظلت مشكلة دارفور تراوح مكانها بدون حل ( 2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الهجوم الذى قام به جيش تحرير السودان على مدينة الفاشر في 25/4/2003م مثلَّ خطوه عسكرية وسياسية جريئة من وجهة نظر قادة جيش التحرير قياساً بمقدراته الذاتية ، استطاع هذا الجيش أن يدخل عاصمة الإقليم وسيطر على المطار وأسر بعض الجنود ولواء طيار من الجيش السوداني مما دفع الحكومة الى إقالة حاكم الاقليم وشكلت الحكومة المركزية لجنة طوارئ وعينت اللواء عثمان محمد كبر حاكماً جديداً للإقليم -إقليم شمال دارفور- فأصدر أمراً رسمياً بناءً على توجيهات الحكومة المركزية بتجنيد القبائل العربية وتسليحها لكى تقاتل الى جانب الجيش النظامي ، ومن هنا بدأت المشكلة تتوسع وكثر عدد الفارين من الجيش السوداني وبخاصة من ذوي الأصول الدار فورية للانضمام في صفوف المتمردين كما سمتهم الحكومة علماً بأن 40%من الجيش السوداني من أبناء الإقليم الغربي للسودان هذا الوضع دفع الحكومة الى فتح مفاوضات سرية في 3/9/2003م مع جيش تحرير السودان بوساطة الرئيس التشادى ادريس ديبي وقد نجحت الوساطة وتم التوصل الى اتفاق على وقف اطلاق النار في 6/9 في ابشي التشادية . وترأس وفد الحكومة مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية وهذا بالطبع يعتبر أول اعتراف بالحركة من قبل الحكومة ، إلا أن الاتفاق خُرق وتجدد القتال في 16/12 من نفس العام وحققت الحكومة انتصاراً وقتل قائد عمليات الحركة وتولى احمد جبريل قيادة جيش تحرير السودان علما بأن جيش الحكومة فشل في السيطرة على مقر القيادة في جبل مرة ، رغم اعلان الحكومة في 9/2/2004م المتضمن القضاء على التمرد مما اضطر الحكومة الى التنازل مرة أخرى والعودة الى التفاوض ، خاصة بعد انضمام جيش تحرير السودان الى مؤتمر التحالف الوطني الديمقراطي مع استمرار الضغط العسكرى من قبل حركتي دارفور والمعارضة السودانية في الجنوب ، هذا في ذات الوقت الذى كانت تجري فيه مفاوضات نيفاشا في كينيا في 13/2/2004م رغم تحفظات رئيس المؤتمر في التحالف الديمقراطي على انضمام جيش تحرير السودان اليها . أما حركة العدل والمساواة فتأتي في المرتبة الثانية بعد جيش تحرير السودان من حيث نشاطها العسكري والسياسي وقد أسسها د.خليل ابراهيم وهو طبيب من قبيلة الزغاوة ومن اسرة السلطان تيني وسبق له أن شغل منصب وزير التعليم العالي في الحكومة المركزية وتقدم باستقالته عام 1999م . وحركة د.خليل حركة زغاوية ويشاع في الأوساط السياسية السودانية أنها كانت من فكر د.حسن الترابي إلا أنه أى الترابي أكد في حوار معه في صحيفة الشرق الأوسط أنه مع تظلمات أهل دارفور ولكنه يرفض العمل العسكري في معالجة القضية ، بل معهم في الوسيلة السياسية فقط ، وقد ألقي باللوم الشديد على الحكومة المركزية لانها حرمت هؤلاء الناس حقهم وفضلت على اقليمهم اقاليم أخرى ويعتقد الشيخ أن القضية ليست وليدة اليوم بل ورثتها الحكومة منذ استلامها السلطة وكان الشيخ رئيساً ومفكراً فيها وطبيعي هو يعلم خبايا وأسرار الاقليم اكثر من غيره من الساسه ، والشاهد انه لم يقدم قبل خروجه من السلطة على أيه خطوه لمعالجة المشكلة رغم أنه كان صاحب القرار الأول ، بدأت حركة العدل والمساواة نشاطها عام 1993م وتم اعلانها الرسمي عام 2003م وهى حركة تميزت بنشاطها الاعلامي أكثر من العمليات العسكرية قياساً بجيش تحرير السودان ، من الجانب الآخر اتهمت الحكومة د.الترابي بأن له علاقة بالأحداث الجارية في دارفور ، وظلت الخلافات بين الترابي والحكومة وتطورت المسألة وحملت الحرب شعار التطهير الاثني مما دفع الى ارسال قوات دولية للإقليم وفي نهاية المطاف تحولت القضية تدريجياً الى "مسمار جحا" كما يقال في المثل الشعبي السوداني المعروف وبدأ التدخل في شئون البلاد الداخلية وتم تدويل القضية ثم بذلت جامعة الدول العربية جهداً لدعم الاتحاد الافريقي في جهوده لحل الازمة وتم استئناف المفاوضات في ابوجا بين الحكومة وحركتي التمرد بمشاركة ممثلين عن الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والولايات المتحدة وممثلين من ليبيا وتشاد ورغم الطرح الذى تبناه الاتحاد الافريقي الا أن المفاوضات وصلت الى طريق مسدود واخيراً عُقدت جولة جديدة من مفاوضات ابوجا حيث طرح الاتحاد الافريقي طرحاً جديداً مستفيداً من تجربة مفاوضات نيفاشا . وهذا يعني تدرج القضية الى مسألة أكثر تعقيداً مما كانت عليه سابقاً وتعذرت الحلول ووضعت الحواجز بغرض عدم الوصول لاتفاق يساعد على الحل الايجابي للقضية ، وقبل مواصلة الحديث علينا أن نتساءل : ألم تكن القضية الدارفورية صنعة سودانية ؟ ألم يكن تدويل القضية خطيراً على وحدة البلاد على المدي البعيد ؟ من المستفيد من هذا الصراع . هذا سوف نواصل الحديث عنه ان شاء الله ، وبه التوفيق وهو المستعان .
Elfatih eidris [eidris2008@gmail.com]