عبد العزيز الحلو عليه العوض.. فالقول ما قالته رشا عوض

 


 

 

يقول علماء النفس، أنّ الإنسان مهما اجتهد، فليس بإمكانه التجّرد التام عن أهوائه، لذا يرون أن الموضوعية، أمر نسبيّ، يستحيل تحقيقه بصورة كاملة. الأستاذ عبدالعزيز آدم الحلو في رده عل الأستاذة رشا عوض بمقال تحت عنوان "من الذي صنع حركات الكفاح المُسلَّح في دارفور؟" أكد حقائق معروفة، إلاّ أنه أخفق في التزام الموضوعية، بمحاولته تجيير نضالات حركات الكفاح المسلحة لصالح "مانفست" حركته الداعية للعلمانية، المعادية للإسلام السياسي صراحةً، للعروبة بصورة مبطنة.
لا خلاف أنّ الأستاذ عبدالعزيز الحلو شاهد عصر علي كفاح أبناء الهامش ضد سطوة الدولة المركزية السودانية، رغم ذلك أحتوى مقاله المشار إليه على مغالطات جمّة، ما يهمنا في هذا المقال، رعمه أنّ دافع أبناء دارفور لرفع السلاح في وجه الدولة هو توجه النخب المركزية بإصرار نحو تعريب الدولة السودانية منذ بواكير الاستقلال، حيث أورد: "ونتيجة لإصرار نخب المركز على التمسُّك بالهوية العربية للسُّودان المذكورة أعلاه والعمل بكافة السبل لتعريبه، تم دفع شعب دارفور للمقاومة والدفاع عن النفس أسوة ببقية شعوب الهامش الزنجية التي قاومت الاستعراب."
ولحسن الحظ، السيد الحلو، أغنانا معونة البحث عن شواهد عدم صحة زعمه، بإيراده إفادات في متن مقاله، يبين دوافع اندلاع حركات الكفاح المسلح الدافورية منذ بواكيرها حيث أورد:
"أما من جانب تاريخ دارفور السِّياسي بعد 1956 فنذكر بعض التنظيمات السياسية المطلبية التي أنشأها أهل دارفور لحل إشكالات التهميش والإقصاء بالطرق السلمية منذ وقت مُبكِّر ولكن تم قمعها جميعها – وهي:
ــــ حركة اللهيب الأحمر التي تأسَّست عام 1958 بقيادة (مصطفى باشا) للمطالبة بالتنمية والتمثيل العادل في هياكل السُلطة.
ــــ حركة سوني في عام 1965 بقيادة كل من (عباس عبدالله أبوشوك / و أحمد محمد نور) بهدف إسترداد سلطنة الفور والتحرُّر من الإستعمار الداخلي.
ــــ جبهة نهضة دارفور عام 1965 بقيادة (أحمد إبراهيم دريج) للمطالبة بالعدالة في تقسيم السلطة والثروة."
هكذا يشهد السيد عبدالعزيز الحلو على نفسه ببطلان رغمه أن أهالي دارفور رفعوا السلام لوقف تعريب الدولة السودانية، وهو كلام لم نسمع به في آبائنا الأولين.
وفيما تخص الحركات المسلّحة الدارفورية الحالية (حركة جيش/ تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة السودانية) فإن القول إلي حدٍ كبير ما قالته الأستاذة رشا عوض التي أوردت حيث إفادة السيد الحلو "الحركات المُسلَّحة في دارفور بعضها صنعها الترابي لتصفية حساباته مع المؤتمر الوطني بعد المفاصلة. وبعضها صنعها جون قرنق في إطار مشروعه لإحكام الحصار على المركز من الغرب والشرق"
لكن بالطبع هذه الصناعة، وجدت هوىً في نفوس أبناء دارفور، نتيجة الظلم التراكمي اجتماعياً وتنموياً وثقافياً، اتكاءً على الإرث النضالي عبر التاريخ لذات الأسباب والدوافع.
ورغم أنّ السيد الحلو كان مرافقا للمهندس داؤود يحي بولاد لتدشين نشاط حركة تحرير السودان في دارفور، إلاّ أنّ زعمه أنّ دافع بولاد للالتحاق بـ SPLAM هي مناصرة أهله أو الدفاع عن حقوقهم غير دقيق، وهذه مغالطة أخرى حيث أورد: "إنضم إبن الحركة الإسلامية المناضل/ داؤود يحيى بولاد إلى الحركة الشعبية لتحرير السُّودان عام 1990 بعد أن إكتشف خطة الإنقاذيين لإبادة قبائل (الزُرقة) بدارفور وتنزيح من بقى حيا منهم إلى هوامش المُدن لأغراض التدجين .. وذلك بموجب سياسة التخطيط الإجتماعي لـ (علي عثمان محمد طه). وقد رافقت المناضل (بولاد) بنفسي على رأس كتيبة الحركة الشعبية (الجيش الشعبي) لدارفور عام 1991"
مع مرور الوقت، وبعد أن جرت مياه كثيرة تحت الجسور، اكتشف الشعب أنّ دوافع داؤود بولاد للتمرد على شيخه الترابي، ورفع السلاح في وجه منظومة حركته الإسلامية، ليس أكثر من مجرد غبن سياسي، وتهميش تنظيمي، على غرار ما فعل رفاقه من بعده، بعد المفاصلة بين البشير والترابي.
على ذمة الأستاذ ياسر عرمان، في مقال مطّول منشور له في صحيفة سودان تربيون قال: "في عام 1990، إلتقى داؤود يحي بولاد بالدكتور جون قرنق ديمابيور في مدينة مريدي بغرب الاستوائية، في بداية اللقاء بادره دكتور جون قرنق بالسؤال حول ماهية الأسباب التي دعت شخصا قياديا مثله لترك الحركة الإسلامية والانضمام للحركة الشعبية؟
جاء رده كما يلي: "إنني قد أكتشفت بان الدم أكثر كثافة من الدين في الحركة الإسلامية."
هذا الرد مفحمي، ذاتي إلى حدٍ بعيد، ولا علاقة له بقول السيد الحلو انه إكتشف خطة الإنقاذيين لإبادة قبائل (الزُرقة) بدارفور، بمعنى إنه إن وجد الحظوة من شيخه ومن حركته مثلما وجد عثمان كبر من نافع على نافع وعلى عثمان طه، لما تمّرد، وهو يتكلم بالتحديد عن الحركة الإسلامية، وليس عن الدولة السودانية!
السودان فيه الأنصار والختمية وفيه اليسارين، وليس الإسلامين وحدهم، فالأستاذ صالح محمود القيادي البارز بالحزب الشيوعي، بلديات م. داؤود بولاد، وابن عشيرته، ليس لديته ذات الشعور تجاه زملائه في الحزب الشيوعي.
وبدلا عن الإفتئات على أهالي دارفور، ومحاولة دغمسة قضيتهم ومظالمهم الواضحة والعادلة، علي السيد الحلو أن يوّضح للشعب السوداني، كيف تمكنت الحركة الشعبية، من إجلائه من دارفور، ولماذا تركت م. داوود بولاد يواجه مصيره المأساوي؟ ولماذا صفّت حركته صديق عبدالكريم (صديق مساليت) رئيس هيئة أركان حركة تحرير السودان ـ جناح أحمد عبدالشافي مع 14 من رفاقه عام 2008م، ولماذا ضايقت حركات دارفور في جنوب كردفان بعد أحداث أبو كرشولة؟
نقول للأستاذ عبدالعزيز الحلو، تحّرى قدرٍ من الموضوعية يا رفيق، فدارفور وجبال النوبة، كليهما مهمّش، ولكن لكلٍ خصوصيته. و"نطرش" أن سمعنا أنّ أهل دارفور قاوموا الاستعراب!
فالعرب في دارفور، أكثر من الإقليم الشمالي، وأهالي دارفور لهم الشرف أنهم من أمة الإسلام، ويتحدثون بلغة القرآن الكريم، وأن أسلافهم كانوا رواد المحمل، وكاسوا الكعبة المشّرفة.
ebraheemsu@gmail.com

 

آراء