عبد الواحد نور.. ما الجديد؟ … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
11 July, 2010

 

 

أمس الأول فوجئت بالخبر.. عبد الواحد نور شخصياً يطل من على قناة الجزيرة بعد أن تم تشفيره لشهور.. ما الجديد؟ فجأة وصل آل محمود وباسولي إلى فرنسا دون سابق مقدمات للقاء السيد نور!!. يبدو أن مياه السياسة تجري بعيداً عن أعين أجهزة الإعلام كعادتها دائما.

بدا التحول في الموقف التشادي من حكومة الخرطوم من العداء المطلق الى ما يشبه التحالف يشي بأن شيئاً ما قد تحرَّك في باريس. فرنسا بدأت في أكثر من مرحلة منزعجة من وجود قوات أوربية على حدود تشاد الشرقية محميتها المفضلة، ولذا ساهمت في الضغط والإسراع لإنهاء وجود القوات عند الحدود. ولكن لأن التهديد الأمني لا يزال قائماً على انجمينا.. كان على فرنسا إيجاد معالجة ما لتأمين الحدود الشرقية لحليفتها التشادية بشكل كامل. ويستحيل أن يتم ذلك في وسط علاقات متدهورة مع الخرطوم. فبدأت المساعي الفرنسية نهاية العام الماضي عبر عواصم  متعددة لطي ملف الخلاف السوداني التشادي انتهت بإبعاد المعارضة التشادية عن الحدود وإبعاد العدل والمساواة عن تشاد. بزيارة السيد دبي الخرطوم وتوقيع الاتفاق الأمني طوت فرنسا صفحة الخلافات بين الخرطوم وانجمينا تماماً واتجهت لبناء علاقات جديدة مع الخرطوم.

أواخر العام الماضي شهدنا تحركات متنوعة للفرنسيين أهمها كان لقاء الأستاذ علي عثمان بـ»كوشنير» بترتيب سعودي في الرياض. كانت تلك خطوة أولى سبقتها زيارة نافع ودكتور غازي إلى باريس. في مايو الماضي قاد الأستاذ علي عثمان نائب رئيس الجمهورية وفد السودان إلى باريس لحضور القمة الفرنسية الإفريقية، وكانت هذه الزيارة غريبة بالنظر للموقف المتشدد الذي تقفه فرنسا في قضية الجنائية. كان المتوقع أن يقاطع السودان القمة بناء على خلفية ذاك الموقف. ولكن الخرطوم رأت أن تفرز الموقفين وتعاملت بذكاء مع الدعوة الفرنسية ولم تشأ أن تعزل نفسها وشاركت في القمة. المهم أن فرنسا بدأت راغبة في التعامل عبر خطوط متعددة مع الخرطوم.

لم تفصح جهة ما عن أجندة الزيارة التي قام بها الأستاذ علي عثمان إلى باريس ولكن من خريطة الوفد المرافق لسيادته يمكن استنتاج أن الزيارة لها علاقة بملف دافور مع السيد نور نفسه. فغازي صلاح الدين كان ضمن الوفد وهو الشخصية التي تمسك بالملف الآن.

يبدو أن مياهاً كثيرة قد جرت إلى أن تم الإعلان عن لقاء الأمس بين عبد الواحد وآل محمود وباسولي. ولا يمكن تصور أن ذلك جرى بعيداً عن فرنسا وهذا ما أكدته تصريحات السيد «كونشير» الذي التقى عبد الواحد بالأمس حين قال «أكد عبد الواحد خلال لقائنا مساء الخميس في وزارة الخارجية رغبته المشاركة في عملية السلام الخاصة بدارفور، بصورة شخصية، وعبر ممثلين) وأضاف كوشنير إن «هذا الموقف الجديد الذي يتخذه عبد الواحد هو ثمرة أشهر من المباحثات التي أجرتها وزارة الخارجية مع عبد الواحد.. يسعدني أنه اختار السلام في نهاية المطاف».

يتضح من تصريحات «كوشنير» أن فرنسا لعبت دوراً أساسياً لدفع عبد الواحد نحو طاولة المفاوضات بالدوحة.. بالطبع ليس هناك من نتائج مؤكدة للجهود الفرنسية الآن، خاصة وأن عبد الواحد لا يزال يتحدث عن موضوع الأمن دون توضيح ودون إحراز تقدم في عملية السلام (العربة قبل الحصان). بجانب هذا الدور الفرنسي هناك ثلاثة أسباب رئيسة دفعت عبد الواحد للتفكير في إعادة حساباته من السلام في دارفور.

 الأول هو خلو الساحة من المنافس التاريخي لعبد الواحد عن ساحة التفاوض وهو حركة العدل والمساواة التي (قِنِع) العالم من أي سلام يمكن أن يأتي عبرها لدارفور. العالم الآن لا ينشغل بالحرب في دارفور, وتورقه قضية النازحين في المعسكرات، وهذه قضية لعبد الواحد فيها كروت مهمة وحاسمة.

 الثاني أن السيد عبد الواحد رأى كيف أن كرت ضغطه الوحيد هم اللاجئون والنازحون قد بدأ يتسرب من بين يديه. فقد استطاع التجاني السيسي وكثير من أولاد الفور أن يجتذبوا أعداداً ليست قليلة من مشائخ المعسكرات لمفاوضات الدوحة.. الآن بالدوحة هناك أكثر من ثلاثمائة مفاوض من المجتمع المدني ومعسكرات النازحين، جيئ بهم الأسبوع الماضي لحضور المفاوضات حول تقسيم الثروة, فإذا ما نجحت المحاولة وتمت تسوية لقضية المعسكرات بعيداً عن حركة عبد الواحد، فلن تصبح لعبد الواحد أو حركته أية قيمة في عالم السياسة.

الثالث هو تحرك الحكومة لبناء إستراتيجية جديدة شبيهة بما عُرف في السياسة السودانيَّة بالسلام من الداخل شرحها بالأمس غازي صلاح الدين قائلاً: (إن حل القضية يكمن في استتباب الأمن وتنفيذ المشروعات التنموية بالإقليم بإرادة داخلية يسهم فيها أهل دارفور بكياناتهم كافة). هذا التحرك قد يسحب كثيراً من رصيد جماهير عبد الواحد بالداخل.

هذه العوامل الخارجية والداخلية الضاغطة هي التي دفعت نور لإعاد التفكير في مواقفه من إجراء مفاوضات. يبدو أن عبد الواحد قد تعلَّم أن الثبات على موقف واحد في عالم السياسة  وسط بحر من الأحداث والمواقف المتحركة محلياً وإقليمياً ودولياً يكاد يكون مستحيلا.

 

آراء