عدوى أزمة الهوية في السودان تنتقل إلى (كديسة) أميركية . بقلم: عبد الفتاح عرمان

 


 

 


من واشنطن للخرطوم
عبد الفتاح عرمان
fataharman@hotmail.com
يا للي بتبحث عن إله تعبده”
بحث الغريق عن أي شيء ينجده
الله جميل و عليم و رحمن رحيم
إحمل صفاته ... و انت راح توجده
"!عجبي
صلاح جاهين

تداولت وسائل الإعلام الأميركية اليوم الأربعاء ما أسمتها بـ"أزمة هوية قطة"، حيث يكشف فيديو مصور (كديسة) أميركية اعتلت شرفة منزل لتنبح في المارة مثل الكلاب بدلا عن المواء؛ وكانت القطة المعنية تنبح لإرهاب المارة، وعندما لاحظت بأن هناك حركة داخل منزل مالكوها، وأن الأعين ترقبها عادت إلى المواء ثم ما لبثت أن بان عادت إلى النباح مجددا.   وصفت وسائل الإعلام الأميركية "أزمة" القطة بأنها تعاني من أزمة هوية. لاسيما أن القطة تتنازعها مشاعر متناقضة من كونها قطة تريد أن تصبح كلباً.
عجبت لوسائل الإعلام الأميركية التي أفردت مساحة واسعة لتغطية "أزمة هوية" هذه القطة، وكأنها لا ترى بلد مثل السودان تم تقطيع أوصاله بفعل أزمة هوية لازمته قبل إعلان استقلاله، وأودت بأرواح أكثر من مليوني شخص، وتشريد ما يفوق الأربعة ملايين سوداني، معظمهم من جنوب السودان.
أرهق ساستنا أنفسهم منذ ثورة اللواء الأبيض في 1924م في (لت وعجن) حول هوية السودان: هل هو بلد عربي؟ أم أفريقي؟ وبعد الاستقلال مباشرة دخل العامل الديني إلى حقل السياسة؛ وبدل إهتمام قادتنا السياسيين بعملية بناء الأمة غرقوا في معارك أخذت جل وقتهم في الصراع حول الدستور الإسلامي من عدمه. وتمظهر الخلاف بين المثقفين  في مدرستي الغابة والصحراء. إلى أن جاءت "الإنقاذ" وأرخت بنوقها في القصر الجمهوري، معلنة عن قدوم صحابة جدد، لتطبيق الشريعة الإسلامية في كل ربوع السودان؛ وقامت بهدم بيع وكنائس يذكر فيها إسم الله، وحلت مكانها مآذن لامست المظهر الذي كان يخبئ وراءه جوهرا متصدعاً. وما إعلان الجهاد على الجنوب السوداني، ذو الأقلية المسيحية والمسلمة- سكان الجنوب غالبيتهم تدين بالديانات الأفريقية لكن وسائل الإعلام العربية تفضل وصفهم باللادينيين. وشمل الجهاد كذلك، مجموعات مسلمة مثل النوبة وأهل النيل الأزرق، بالإضافة إلى تكفير جهابزة النظام لشخصيات دينية تقف على قاعدة صلبة من فهم عميق للدين، مثل الإمام الصادق المهدي، ومولانا محمد عثمان الميرغني اللذان وقفا ضد إسباغ الجهاد على الحرب الأهلية في الجنوب.
وهنا، لا أريد تحميل الجبهة  الإسلامية أو المؤتمر الوطني حالياً وزر الدفع بالجنوبيين لإختيار الإنفصال بديلا للوحدة، خصوصا بأن كل الأحزاب السياسية تتحمل الوضع الحالي للسودان، بما في ذلك الحركة الشعبية لتحرير السودان. فكل الكل شريك في حالة الفشل التي لازمت السودان، ولا مانع أن تختلف حول درجة المسؤولية، وفي أن المؤتمر الوطني هو أكبر من يتحمل وزر ما يحدث للسودان اليوم، لكن هذا قطعا لا يجعل الآخرين في وضع يغسلون فيه أيديهم من كل شىء (كمن أكل كسرة بموية).
أنظر معي طال عمرك إلى تصريحات مستشار رئيس الجمهورية، بونا ملوال حول اعتزاله للسياسة، ناخذ منها، أن دعمه لإنفصال الجنوب بعضا منه يعود إلى: "المجتمع الشمالي مرتب بشكل جيد، لكن ليس فيه قبول لغير الشماليين لطبيعة النظام العربي الإسلامي السائد فيه". نقلا عن صحيفة الصحافة الصادرة صباح اليوم الأربعاء 22 يونيو 2011م. إذا كان هذا رأي بونا ملوال الذي عاش كل شبابه في شمال السودان معتلياً لأرفع المناصب الدستورية، فماذا يكون رأي بيتر قديت الذي عاش في الخرطوم لبضعة أشهر؛ وتقوم الخرطوم الآن بدعمه عسكريا لهدم المعبد على رأس سلفاكير؟

عملية الشد والجذب بين جناحي العروبة والإسلام مقابل الأفريقانية والمسيحية كلفت السودان وحدته، وما زالت الساقية لسه مدورة. إلا يكفي أننا سودانيين فقط؟ دون التوسل إلى ربط أنفسنا بالعالمين العربي والإسلامي، ودون الحاجة إلى ربط أنفسنا بالأفريقانية والمسيحية. فالأميركي يتحدث اللغة الإنجليزية لكن هذا لا يعني أنه "إنجليزي" ينتمي إلى بريطانيا. علينا التركيز فيما يجمع بيننا كسودانيين، وليس إلى ما يفرقنا. بعد تجربة إنفصال الجنوب، يجب الحفاظ على ما بقي تحت خيمة شمال السودان، بالبناء على القواسم المشتركة بين كافة أبناء شمال السودان، ومحاولة ردم الفوارق. وأي محاولة لبيع النبيذ القديم في زجاجات جديدة لن تؤدي سوى إلى مزيداً من التشظي والحروب الأهلية. ورفع المصاحف على أسنة الرماح وإعلان دولة الشريعة الإسلامية التي تمارس الحرب ضد مواطنيها في دارفور وجبال النوبة بإسم الله، لا يجعل منها دولة إسلامية بل دولة فاشية مصيرها الزوال الحتمي.
لمشاهدة أزمة الهوية لدى الكديسة والأميركية نقلا عن قناة (سي إن إن)، على الرابط التالي:
http://www.cnn.com/video/#/video/bestoftv/2011/06/22/exp.am.barking.cat.busted.cnn?hpt=hp_c2

 

آراء