عودة دجانقو وحل مسألة النهايات (دقلوقراطية البلابسة) (4/4)
منعم عمر
21 June, 2023
21 June, 2023
أصدقاء المقال -كمراجع وحق أدبي ومقتطفات وليس بالضرورة اتفاق رؤى- عمرو صالح يس/ د. الواثق كمير/ د. محمد جلال/ رشا عوض/ د. بكري الجاك/ د. عبد الله علي إبراهيم/ فيصل محمّد صالح/ حمّور زيادة/عزّت الماهري وربّما آخرين لهم التحية والتقدير
____________________
لم نتقصّد في المقال بكل أجزائه، أكثر من البحث عن الحقيقة، دون تعتيم أو تغبيش يحجب الرؤية عن علاقة (الكيزان) بالجنجويد، وسلوك الكذب والتخوين والتخويف طريقاً لنفي هذه العلاقة، ولم نقل أنّ ترتيباً مسبقاً تم إعداده مع (كل) اللاعبين في الحرب، بل على العكس أن رؤوس المؤامرة تآمروا في المقام الأوّل على إخوانهم ورفاقهم قبل أن يتآمروا على الجنود كافّة، وعدم توضيح الأمر لهم، لدرجة لا يصدّقها عقل، يتفكّر في كل هذا القتل وهذا الدمار. وبالطبع، هذا لا ينفي مرحلة تكسير العظم -"وسحنه وسفّه"- فالطرفان تحت قيادة (الكيزان)، مما يجعلهما طرفاً واحداً؛ على الأقل في بداية المؤامرة وفي نهاية الحرب -وليس بالضرورة ما بينهما- وانتصار إيٍ منهما هو لمصلحة (الكيزان) وذلك يؤكّد -عملياً- أنّه انتصار لطرف واحد، فالفكرة هدف واحد محدّد -غضّ النظر عن توزيع الادوار المتفق عليه- وهذا الهدف هو عودة الكيزان إلى الحكم وإبعاد الوطنيين وكل من يريدون تفكيك تمكينهم، مسبقاً، وهذا ليس بالضرورة أن يمنع صراع المصالح بين مراكز القوى داخل (الكيزان).
تتمدّد الآن الفتنة والنيران والحرب لتشمل ولاية شمال كردفان، ويجئ نقل (الجنجويد) الحرب إلى دارفور وكردفان - مخطّطاً - وليس اعتباطاً، فبالإضافة إلى أنهم يعرفون تضاريس هذه المناطق، سيتاح لهم أن يُهاجموا من كل الاتجاهات، ويتمدّدوا في كُتُم ونيالا وزالنجي، فلهم سيطرة حدودية مع أفريقيا الوسطى مما يمكنهم الاستعانة بالحلفاء و(فاغنر) الروسية التي زوّدت (الجنجويد) بصواريخ أرض جو، وتنشط معها في نشر معلومات مضللة لمساعدتها. إنّ دمار الجنينة التي تُخرص كل سوداني وسودانية، وتصيب بخزي الصمت العاجز قليل الحيلة، لم يكن صدفة، وإنّما مخطط لتوفير ممر آمن للإمدادات القادمة من تشاد ومن حفتر ليبيا، مما أقلق قوات ماكرون الفرنسية وأجبرها على حراسة حدود تشاد مع السودان، فهم يعلمون أنّ الآلاف من المعارضة التشادية يقاتلون مع (الجنجويد) وطالما أنّ البيت الأبيض قد أعلن تصنيف (فاغنر) كمنظمة إجرامية دولية، فيجب تكثيف العمل على تصنيف (الدعم السريع) منظمة إجرامية، وإرهابية، وملاحقتها لدى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابها جرائم تطهير عرقي وإبادة الجماعية.
وعلى (الجيش) السوداني واجب دستوري بحماية المواطنين؛ وليضطلع بدوره، عليه قبل كل شيء تنحية (البرهان)، فلا يستطيع (الجيش) أن يضمن الاصطفاف السياسي معه إلا بتغيير قيادة (الجيش) الحالية بقيادة جديدة؛ وبغير ذلك لا يمكن الحفاظ على الأمن القومي، فماذا ينتظر (الجيش) السوداني؟! وكيف لم تجتمع هيئة القيادة العليا للجيش حتى الآن لتنحية (البرهان) وطاقمه؟ ولماذا لم تقدّم الاستخبارات العسكرية تقريرها قبل الحرب بأنّ هنالك تحرّكات مريبة من (الدعم السريع)؟ وإذا قدّمت تقاريرها بذلك، لماذا لم يردّ (البرهان)، وأين هي هيئة القيادة حال عدم استجابته، وماذا فعلت إذا كانت تقاريرها مؤكّدة؟! وأيّهما أقل تكلفة أن يتنحّى (البرهان) وطاقمه أم إزهاق أرواح الناس مدنيين وعسكريين؟ ألا تحتاج القوات المسلّحة، لهذه اللحظة التاريخية التي تستعيد بها ثقة شعب السودان فيها؟! ألا يحتاج الشعب لهذه اللحظة التاريخية ليقضي فيها على (الكيزان) مرّة وإلى الأبد وأن ينتهي فيها من الانقلابات العسكرية مرّة وإلى الأبد؟!!
لكل ذلك، لن يمنعنا أحد عن رؤية مخرجنا من الحرب، ولن يُلهينا عن تمحيص الدافع لمن أشعلها وأطرافها المزعومة، ولن يشغلنا بالانخراط في دعم ورفض المواقف المتباينة تجاهها، ولن يستطيع أن يُثنينا عن تبنّي موقف سياسي يوقف الحرب بتجهيز أدوات المقاومة، وبالاستقواء ببعضنا مع كلّ وطني، حتى الوطنيين داخل (الجيش)، من الذين هم ضد أيّ انحراف أو طمع في ممارسة السياسة والحكم. ولن يسلب شعبَنا أحدٌ حق تطوير مشروع سياسي لوقف الحرب، بتحفيز الدول والمنظّمات، الأحزاب والجماعات، العساكر والمدنيين، وكل صاحب مصلحة في وقف الحرب، حتى لو بضمانات الإشراك في مشروعات ما بعد الحرب، إذا اشتركوا في الضغط على المتحاربين ورعاتهم! ولن يوقف السودانيين والسودانيات أحدٌ عن تطوير مشروع شعبي لوقف الحرب، بالعمل الجادّ، فالسند الشعبي هو مناط البحث حالياً من المتحاربين، فلنعزل الحرب، ونعزلهم، وليمضي السند الشعبي ضاغطاً ببوصلة العملية السياسية الحقيقية والفعّالة، التي ترى الجيش القومي الواحد وتعمل له، وهذا لوحده هدفٌ هادٍ.
وعلى الشعب السوداني الحذر من دخول (الكيزان) من بوابة أخيرة نطلق عليها "بوّابة ما بعد الحرب"، فإن فشلت الحرب في إعادتهم الى السلطة مباشرة عبر مسرحية "الانقلابين في واحد" أو "رأس الشيطان" واستحال الانفراد بالحكم، ستأتي نغمات وحدة جميع المدنيين ضد (الجيشويد)، وترتيب المصالحة الشاملة، لانتزاع الحكم المدني من العساكر، باستخدام "كروت" التفاوض والوسطاء (أعداءً كانوا أم أصدقاء، خونةً كانوا أم أمناء)، فهؤلاء هم (الكيزان) يتنقّلون دون خجل بين (الجيش) و (الجنجويد) و (المدنيين)؛ قصموا (الجيش) بــــ(الجنجويد)، وسحقوا (الجنجويد) بالحرب، وضربوا الحركات المسلّحة بالحرية والتغيير، وضعضعوا الحرية والتغيير بتجزئتها، ،واستخدموا لجان المقاومة وقوى الثورة في التقطيع وسيُهيّئون المواطن لقبول أيّ خيار - ولو كان معدوماً - على الحرب، وحينئذٍ ستصحب نشيدَ المصالحةِ أغنيةُ الانتخابات دون شكّ.
(الكيزان) ينتظرون (دقلوقراطية البلابسة) هذي كلحظة تاريخية فارقة، وسيجلسون في مقاعد (الدعم السريع) محاورين، كطرف مساوٍ لكيزان (الجيش)، بدستورهم وقانونهم وتصريحات قيادة (الجيش) المشرعنة لهم، ولا يرد على قلوبهم للحظة دم طفل برئ أو طفلة مغتصبة، أو شيخ مقتول، فالحذر كل الحذر" أنّهم سيحاولون حتى أن يخلقوا قوّات مسلّحة (كيزانية) موحّدة، إن فشلوا في اقناع الوسطاء والمجتمع الدولي بالاعتراف بجيشين متصالحين لفترة مؤقّتة؛ على غرار الحركة الشعبية - وإن اختلف المقام والقياس والجناس- فهم في طاولة المفاوضات -ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون- فرحين بانتصار مقولتهم (إما أن نحكم، أو نقود البلاد للدمار)"! وما يجدر ذكره هنا أنّ منبر جدّة أعطى الأولوية للمحادثات بنية التفاوض على وقف إطلاق نار قصير الأمد، إلا أنّ الإعلان نفسه لم ينصّ على وقف إطلاق النار ولم يقدّم شيئًا جديداً لناحية الالتزامات أو الضمانات؛ وانتُهك ما بعده من اتفاقات وقف إطلاق النار؛ فيجب على المجتمع الدولي محاسبتهما لدورهما في تدمير البلاد، وأن يمنع سيطرتهما بعد انتهاء الصراع.
إنّ استقرار السودان على المدى الطويل يتطلب نهاية سريعة للقتال ، وجيشاً واحداً محترفاً، وحكومة مدنية خاضعة للمساءلة؛ ويتطلب إنهاء هذا القتال تجويع (حميدتي) وقواته للمال – فــــــــ(الجنجويد) يقاتلون من أجل المال وسيختفون باختفائه. فإن كنّا نطوّر موقفاً، وسندعو للخروج – حينها أو الآن- وحتى لا تأتي المفاوضات باتفاق يغضّ الطرف عن مصير قوات (الدعم السريع) والميليشيات الأخرى؛ ولا يتوفّر على آليات تحصّن الانتقال؛ ويكافئ الانقلاب وسفاكي الدماء، ويُرسّخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويُكرّس لحكمٍ عسكريٍ استبداديٍ واجهته مدنية! وكل ما نعيناه من قبل في بيان استقالة حمدوك بقرار شباب ثورة ديسمبر: "ألّا يُرحّلوا المشاكل إلى المستقبل"؛ فيجب ان نراعي أمن وسلامة المتظاهرين قبل الدعوة للخروج، لأنّ خروجنا في مظاهرات ضد الحرب هو صوتنا، وهتافنا هو رسالتنا، أو كما قال صديقي د. بكري الجاك. والذي قال أيضاً: "قد حان الوقت للخروج من حالة النواح والذهول والعجز إلى فعل إيجابي لملء فراغ القيادة".
وإذا كان أبو الكوارث الآن هو (الجنجويد) وعسكرة الحياة -إن تبقّت حياة- فالسودان كأحد الملفّات المتحكّم بها في طاولات العلاقات القارّية، هو أمّ الكوارث فالإمارات تلغي الشراكة البحريَّة مع أمريكا ليس فقط بسبب علاقتها مع الصين، والمخاطر المحتملة على التكنولوجيا العسكرية الأمريكيَّة، أو إزالة هواوي من شبكة الاتصالات الإماراتية وإنّما للضغوط الامريكية على الإمارات ومصر لمعالجة وجود مجموعة (فاغنر) في ليبيا والسودان، علاقة صميمة بالأمر، وإذا استمرّ الضغط فربّما يصل الأمر لتخوّف أمريكا من خرق الإمارات للعقوبات المفروضة على روسيا، مما يعني تقلص النفوذ الأمريكي المحتمل في المشهد الجيوسياسي، وهنا قد يمكن العبث بملف السودان بأي طريقة، فالكل يضغط على الكل لتأمين التزامات أقوى، ومقايضات. فالإمارات لن ترضى بالهزيمة ولن ترضى بوجود كبير وواضح (للكيزان)، برغم خلافها مع مصر التي لن تسمح بتسيّد (الجنجويد) للمشهد السوداني لأنها تعتبر (الجيش) السوداني -ورغم كل ما تعلمه عن ضعفه- مؤسسة Professional وعريقة لا يمكن السماح بتدميرها.
لكن.. هل لازال تموضع ((الجنجويد)) غير مربكاً لمصر، ولم يزعجها بعد؟!!، فإذا كان ذلك كذلك، فهي إذاً تُراقب وصفَتَها بدقّة؛ ولعلّ وقت دعوة الآخرين للترتيبات النهائية لمجلس الأمن والدفاع الوطني، قد حان، وأيضاً ترتيبات (البرهان) و ((حميدتي)) قد حانت، حيث أنّها أشارت في العام الماضي إلى أنّ احتمال اختفاء (البرهان) من المشهد يتصاعد! وفي تناقض غريب كانت القاهرة مصرّة على أنه ما من مستقبلٍ مستقرٍّ للسودان في حال تمّت الإطاحة بــــــ(البرهان)؟!وأنّها لا تقبل أبداً أن يُعرّض (حميدتي) مصالحها للخطر ناهيك عن الضرر؟! سيّما وإنّ كليهما يرغبان في عمليات غسيل السمعة فمصر ترسل للمدنيين السودانيين نزاهتها بانتزاع تنازلات من العساكر، و(دقلو) يطمح في قبول مصر له، وعدم إبعاده من المشهد!! ألم تُحذّر أماني الطويل من الحرب الأهلية ومواجهة الإسلاميين في (الجيش) وانخراط الحركات المسلحة معهم، إذا اختار (دقلو) "اللعب بالنار" ومواجهة المؤسسة العسكرية، وبعثت برسالة واضحة إلى حلفائه الإقليميين، "أنّهم لن يستطيعوا إنقاذه على أي نحو"!
فهل هي عودة مصر -دجانقو-كلاعب أقوى في الإقليم؟ أم هي مجرّد (دقلوقراطية البلابسة)؟ أيّاً كان .. فنحن قلناها سابقاً، والآن، وسنظل نردّدها حتى الاستجابة: "أن لا مُنقذ للأمريكان أو الإقليم أو السودان من (الجنجويدية) الروسية، إلّا بالهزيمة الساحقة (للجنجويدية) السودانية. وتظل مخاوف (القاهرة) غير خفيّة، بشأن أمن البحر الأحمر وإدارة وتشغيل الموانئ، والقاعدة البحرية الروسية وكل ما من شأنه أن يهدد أمن الملاحة ويؤثر على قناة السويس؛ ولحسن حظّها أن الكثيرين يشاركونها هذي المخاوف، ويجمعون على أنّ الموقع الاستراتيجي للسودان يهدّد بناء الدولة المدنية الديمقراطية -عجبي!!
وما يجعل المشهد معقّداً من زوايا الحلول، هو الموقف الأمريكي، الذي يقول كل شيء ولا يفعل شيء، لماذا تتعامل الولايات المتّحدة مع المشهد بهذه الطريقة؟! هل يؤكّدون ما ذهبنا إليه في هذا المقال من مؤامرة، ولو على طريقة أنّها غير مستبعدة؟! أم يعدّون مؤامرتهم الخاصّة وطبختهم التي يعتقدون أنّها أطعم (وقد تُستساغ) وبها يمكن ترضية ما تبقّى من كيزان، أي ألّا يتم "اقتلاعهم" بالكامل، كما تنبأ الشهيد الأستاذ محمود محمد طه. وإذا استبعدنا موضوع الديمقراطية، فإنّ أميركا تنظر إلى السودان كبلد يتمتع بموقع استراتيجي هام على الصعيد الإقليمي، إضافة إلى الموارد الطبيعية. ولن تقبل وجوداً عسكرياً روسياً دائماً في السودان، يهدّد خططها الاستراتيجية. بيد أنّ موسكو تنظر إلى ما وراء السودان من دول الساحل الإفريقي - في ظل صراع محموم مع فرنسا التي تخشى على مصالحها ووجودها التقليدي الاستعماري في الدول الفرانكفونية والنفوذ في هذه الدول، وعلى وجهٍ أخص تشاد -كنز فرنسا المقفول-؛ فأيّ وضع قد يؤدي لنظام بانجمينا غير موالٍ لها لن تسمح به.
كيف نمنع استمرار الحرب ونحد من إمكانية جهويتها الجغرافية والعرقية، واقليميتها وتدويلها، ونزعتها الانفصالية وتوجّهاتها الإرهابية، وانهيار السودان بالكامل على إثرها، وليس لدينا تصوّراً واضحاً لمواجهة الكيزان في (الجيشويد)، ولا قدرة على الحدّ من انتهاكات (الجنجويد) سوى ببياناتٍ هزيلة مستحية، وليس لدينا سدّاً دولياً منيعاً "مانعاً" -نثق فيه- ويخشى تمددها وتدويلها. لمن يرى صاروخية الانتهاكات والسرعة الفلكية للدمار وسلحفائية تكوين الجبهة المدنية الواسعة المناهضة للحرب، وعدمية التواصل الإقليمي والدولي، وصفرية التواصل مع (الجيش) و(الدعم السريع)، يبعد بذات سرعة الانتهاكات عن الحل السلمي، وبذات سرعة بطء تكوين الجبهة الواسعة عن الحدّ من أضرار الحرب على الشعب ويتوقف بذات العدمية عن معالجة الأوضاع الإنسانية.. وكل ما يتبقى أمنيات الحل وهي الحل في حدّ ذاتها توقف إطلاق النار، وتفتح الطريق للمساعدات الإنسانية، وتدمج الجيوش، وتعيد العملية السياسية للوصول لحكومة يقودها المدنيين.
إنّ سفه الحاكمين والرشاوي السياسية، والفساد هي التي أنتجت مسخ (الجنجويد)، والجنجويدية على وشك أن تحل محل المؤسسة العسكرية، والفساد الشامل نمط حكمها وهي نظام يُسرطن الناس و "لا خيار أمام شعب السودان سوى هزيمتها هزيمة ساحقة". لكنّ مجرّد الاستهزاء والسخرية والتندّر، لا يهزمها الهزيمة الساحقة؛ فقطع الطريق عليها يبدأ بمعرفة طريق حقوق ومصالح المحكومين، فهي التي تُفقِد وتُكسِب الشرعية..
aboann7@hotmail.com
/////////////////////////
____________________
لم نتقصّد في المقال بكل أجزائه، أكثر من البحث عن الحقيقة، دون تعتيم أو تغبيش يحجب الرؤية عن علاقة (الكيزان) بالجنجويد، وسلوك الكذب والتخوين والتخويف طريقاً لنفي هذه العلاقة، ولم نقل أنّ ترتيباً مسبقاً تم إعداده مع (كل) اللاعبين في الحرب، بل على العكس أن رؤوس المؤامرة تآمروا في المقام الأوّل على إخوانهم ورفاقهم قبل أن يتآمروا على الجنود كافّة، وعدم توضيح الأمر لهم، لدرجة لا يصدّقها عقل، يتفكّر في كل هذا القتل وهذا الدمار. وبالطبع، هذا لا ينفي مرحلة تكسير العظم -"وسحنه وسفّه"- فالطرفان تحت قيادة (الكيزان)، مما يجعلهما طرفاً واحداً؛ على الأقل في بداية المؤامرة وفي نهاية الحرب -وليس بالضرورة ما بينهما- وانتصار إيٍ منهما هو لمصلحة (الكيزان) وذلك يؤكّد -عملياً- أنّه انتصار لطرف واحد، فالفكرة هدف واحد محدّد -غضّ النظر عن توزيع الادوار المتفق عليه- وهذا الهدف هو عودة الكيزان إلى الحكم وإبعاد الوطنيين وكل من يريدون تفكيك تمكينهم، مسبقاً، وهذا ليس بالضرورة أن يمنع صراع المصالح بين مراكز القوى داخل (الكيزان).
تتمدّد الآن الفتنة والنيران والحرب لتشمل ولاية شمال كردفان، ويجئ نقل (الجنجويد) الحرب إلى دارفور وكردفان - مخطّطاً - وليس اعتباطاً، فبالإضافة إلى أنهم يعرفون تضاريس هذه المناطق، سيتاح لهم أن يُهاجموا من كل الاتجاهات، ويتمدّدوا في كُتُم ونيالا وزالنجي، فلهم سيطرة حدودية مع أفريقيا الوسطى مما يمكنهم الاستعانة بالحلفاء و(فاغنر) الروسية التي زوّدت (الجنجويد) بصواريخ أرض جو، وتنشط معها في نشر معلومات مضللة لمساعدتها. إنّ دمار الجنينة التي تُخرص كل سوداني وسودانية، وتصيب بخزي الصمت العاجز قليل الحيلة، لم يكن صدفة، وإنّما مخطط لتوفير ممر آمن للإمدادات القادمة من تشاد ومن حفتر ليبيا، مما أقلق قوات ماكرون الفرنسية وأجبرها على حراسة حدود تشاد مع السودان، فهم يعلمون أنّ الآلاف من المعارضة التشادية يقاتلون مع (الجنجويد) وطالما أنّ البيت الأبيض قد أعلن تصنيف (فاغنر) كمنظمة إجرامية دولية، فيجب تكثيف العمل على تصنيف (الدعم السريع) منظمة إجرامية، وإرهابية، وملاحقتها لدى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابها جرائم تطهير عرقي وإبادة الجماعية.
وعلى (الجيش) السوداني واجب دستوري بحماية المواطنين؛ وليضطلع بدوره، عليه قبل كل شيء تنحية (البرهان)، فلا يستطيع (الجيش) أن يضمن الاصطفاف السياسي معه إلا بتغيير قيادة (الجيش) الحالية بقيادة جديدة؛ وبغير ذلك لا يمكن الحفاظ على الأمن القومي، فماذا ينتظر (الجيش) السوداني؟! وكيف لم تجتمع هيئة القيادة العليا للجيش حتى الآن لتنحية (البرهان) وطاقمه؟ ولماذا لم تقدّم الاستخبارات العسكرية تقريرها قبل الحرب بأنّ هنالك تحرّكات مريبة من (الدعم السريع)؟ وإذا قدّمت تقاريرها بذلك، لماذا لم يردّ (البرهان)، وأين هي هيئة القيادة حال عدم استجابته، وماذا فعلت إذا كانت تقاريرها مؤكّدة؟! وأيّهما أقل تكلفة أن يتنحّى (البرهان) وطاقمه أم إزهاق أرواح الناس مدنيين وعسكريين؟ ألا تحتاج القوات المسلّحة، لهذه اللحظة التاريخية التي تستعيد بها ثقة شعب السودان فيها؟! ألا يحتاج الشعب لهذه اللحظة التاريخية ليقضي فيها على (الكيزان) مرّة وإلى الأبد وأن ينتهي فيها من الانقلابات العسكرية مرّة وإلى الأبد؟!!
لكل ذلك، لن يمنعنا أحد عن رؤية مخرجنا من الحرب، ولن يُلهينا عن تمحيص الدافع لمن أشعلها وأطرافها المزعومة، ولن يشغلنا بالانخراط في دعم ورفض المواقف المتباينة تجاهها، ولن يستطيع أن يُثنينا عن تبنّي موقف سياسي يوقف الحرب بتجهيز أدوات المقاومة، وبالاستقواء ببعضنا مع كلّ وطني، حتى الوطنيين داخل (الجيش)، من الذين هم ضد أيّ انحراف أو طمع في ممارسة السياسة والحكم. ولن يسلب شعبَنا أحدٌ حق تطوير مشروع سياسي لوقف الحرب، بتحفيز الدول والمنظّمات، الأحزاب والجماعات، العساكر والمدنيين، وكل صاحب مصلحة في وقف الحرب، حتى لو بضمانات الإشراك في مشروعات ما بعد الحرب، إذا اشتركوا في الضغط على المتحاربين ورعاتهم! ولن يوقف السودانيين والسودانيات أحدٌ عن تطوير مشروع شعبي لوقف الحرب، بالعمل الجادّ، فالسند الشعبي هو مناط البحث حالياً من المتحاربين، فلنعزل الحرب، ونعزلهم، وليمضي السند الشعبي ضاغطاً ببوصلة العملية السياسية الحقيقية والفعّالة، التي ترى الجيش القومي الواحد وتعمل له، وهذا لوحده هدفٌ هادٍ.
وعلى الشعب السوداني الحذر من دخول (الكيزان) من بوابة أخيرة نطلق عليها "بوّابة ما بعد الحرب"، فإن فشلت الحرب في إعادتهم الى السلطة مباشرة عبر مسرحية "الانقلابين في واحد" أو "رأس الشيطان" واستحال الانفراد بالحكم، ستأتي نغمات وحدة جميع المدنيين ضد (الجيشويد)، وترتيب المصالحة الشاملة، لانتزاع الحكم المدني من العساكر، باستخدام "كروت" التفاوض والوسطاء (أعداءً كانوا أم أصدقاء، خونةً كانوا أم أمناء)، فهؤلاء هم (الكيزان) يتنقّلون دون خجل بين (الجيش) و (الجنجويد) و (المدنيين)؛ قصموا (الجيش) بــــ(الجنجويد)، وسحقوا (الجنجويد) بالحرب، وضربوا الحركات المسلّحة بالحرية والتغيير، وضعضعوا الحرية والتغيير بتجزئتها، ،واستخدموا لجان المقاومة وقوى الثورة في التقطيع وسيُهيّئون المواطن لقبول أيّ خيار - ولو كان معدوماً - على الحرب، وحينئذٍ ستصحب نشيدَ المصالحةِ أغنيةُ الانتخابات دون شكّ.
(الكيزان) ينتظرون (دقلوقراطية البلابسة) هذي كلحظة تاريخية فارقة، وسيجلسون في مقاعد (الدعم السريع) محاورين، كطرف مساوٍ لكيزان (الجيش)، بدستورهم وقانونهم وتصريحات قيادة (الجيش) المشرعنة لهم، ولا يرد على قلوبهم للحظة دم طفل برئ أو طفلة مغتصبة، أو شيخ مقتول، فالحذر كل الحذر" أنّهم سيحاولون حتى أن يخلقوا قوّات مسلّحة (كيزانية) موحّدة، إن فشلوا في اقناع الوسطاء والمجتمع الدولي بالاعتراف بجيشين متصالحين لفترة مؤقّتة؛ على غرار الحركة الشعبية - وإن اختلف المقام والقياس والجناس- فهم في طاولة المفاوضات -ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون- فرحين بانتصار مقولتهم (إما أن نحكم، أو نقود البلاد للدمار)"! وما يجدر ذكره هنا أنّ منبر جدّة أعطى الأولوية للمحادثات بنية التفاوض على وقف إطلاق نار قصير الأمد، إلا أنّ الإعلان نفسه لم ينصّ على وقف إطلاق النار ولم يقدّم شيئًا جديداً لناحية الالتزامات أو الضمانات؛ وانتُهك ما بعده من اتفاقات وقف إطلاق النار؛ فيجب على المجتمع الدولي محاسبتهما لدورهما في تدمير البلاد، وأن يمنع سيطرتهما بعد انتهاء الصراع.
إنّ استقرار السودان على المدى الطويل يتطلب نهاية سريعة للقتال ، وجيشاً واحداً محترفاً، وحكومة مدنية خاضعة للمساءلة؛ ويتطلب إنهاء هذا القتال تجويع (حميدتي) وقواته للمال – فــــــــ(الجنجويد) يقاتلون من أجل المال وسيختفون باختفائه. فإن كنّا نطوّر موقفاً، وسندعو للخروج – حينها أو الآن- وحتى لا تأتي المفاوضات باتفاق يغضّ الطرف عن مصير قوات (الدعم السريع) والميليشيات الأخرى؛ ولا يتوفّر على آليات تحصّن الانتقال؛ ويكافئ الانقلاب وسفاكي الدماء، ويُرسّخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويُكرّس لحكمٍ عسكريٍ استبداديٍ واجهته مدنية! وكل ما نعيناه من قبل في بيان استقالة حمدوك بقرار شباب ثورة ديسمبر: "ألّا يُرحّلوا المشاكل إلى المستقبل"؛ فيجب ان نراعي أمن وسلامة المتظاهرين قبل الدعوة للخروج، لأنّ خروجنا في مظاهرات ضد الحرب هو صوتنا، وهتافنا هو رسالتنا، أو كما قال صديقي د. بكري الجاك. والذي قال أيضاً: "قد حان الوقت للخروج من حالة النواح والذهول والعجز إلى فعل إيجابي لملء فراغ القيادة".
وإذا كان أبو الكوارث الآن هو (الجنجويد) وعسكرة الحياة -إن تبقّت حياة- فالسودان كأحد الملفّات المتحكّم بها في طاولات العلاقات القارّية، هو أمّ الكوارث فالإمارات تلغي الشراكة البحريَّة مع أمريكا ليس فقط بسبب علاقتها مع الصين، والمخاطر المحتملة على التكنولوجيا العسكرية الأمريكيَّة، أو إزالة هواوي من شبكة الاتصالات الإماراتية وإنّما للضغوط الامريكية على الإمارات ومصر لمعالجة وجود مجموعة (فاغنر) في ليبيا والسودان، علاقة صميمة بالأمر، وإذا استمرّ الضغط فربّما يصل الأمر لتخوّف أمريكا من خرق الإمارات للعقوبات المفروضة على روسيا، مما يعني تقلص النفوذ الأمريكي المحتمل في المشهد الجيوسياسي، وهنا قد يمكن العبث بملف السودان بأي طريقة، فالكل يضغط على الكل لتأمين التزامات أقوى، ومقايضات. فالإمارات لن ترضى بالهزيمة ولن ترضى بوجود كبير وواضح (للكيزان)، برغم خلافها مع مصر التي لن تسمح بتسيّد (الجنجويد) للمشهد السوداني لأنها تعتبر (الجيش) السوداني -ورغم كل ما تعلمه عن ضعفه- مؤسسة Professional وعريقة لا يمكن السماح بتدميرها.
لكن.. هل لازال تموضع ((الجنجويد)) غير مربكاً لمصر، ولم يزعجها بعد؟!!، فإذا كان ذلك كذلك، فهي إذاً تُراقب وصفَتَها بدقّة؛ ولعلّ وقت دعوة الآخرين للترتيبات النهائية لمجلس الأمن والدفاع الوطني، قد حان، وأيضاً ترتيبات (البرهان) و ((حميدتي)) قد حانت، حيث أنّها أشارت في العام الماضي إلى أنّ احتمال اختفاء (البرهان) من المشهد يتصاعد! وفي تناقض غريب كانت القاهرة مصرّة على أنه ما من مستقبلٍ مستقرٍّ للسودان في حال تمّت الإطاحة بــــــ(البرهان)؟!وأنّها لا تقبل أبداً أن يُعرّض (حميدتي) مصالحها للخطر ناهيك عن الضرر؟! سيّما وإنّ كليهما يرغبان في عمليات غسيل السمعة فمصر ترسل للمدنيين السودانيين نزاهتها بانتزاع تنازلات من العساكر، و(دقلو) يطمح في قبول مصر له، وعدم إبعاده من المشهد!! ألم تُحذّر أماني الطويل من الحرب الأهلية ومواجهة الإسلاميين في (الجيش) وانخراط الحركات المسلحة معهم، إذا اختار (دقلو) "اللعب بالنار" ومواجهة المؤسسة العسكرية، وبعثت برسالة واضحة إلى حلفائه الإقليميين، "أنّهم لن يستطيعوا إنقاذه على أي نحو"!
فهل هي عودة مصر -دجانقو-كلاعب أقوى في الإقليم؟ أم هي مجرّد (دقلوقراطية البلابسة)؟ أيّاً كان .. فنحن قلناها سابقاً، والآن، وسنظل نردّدها حتى الاستجابة: "أن لا مُنقذ للأمريكان أو الإقليم أو السودان من (الجنجويدية) الروسية، إلّا بالهزيمة الساحقة (للجنجويدية) السودانية. وتظل مخاوف (القاهرة) غير خفيّة، بشأن أمن البحر الأحمر وإدارة وتشغيل الموانئ، والقاعدة البحرية الروسية وكل ما من شأنه أن يهدد أمن الملاحة ويؤثر على قناة السويس؛ ولحسن حظّها أن الكثيرين يشاركونها هذي المخاوف، ويجمعون على أنّ الموقع الاستراتيجي للسودان يهدّد بناء الدولة المدنية الديمقراطية -عجبي!!
وما يجعل المشهد معقّداً من زوايا الحلول، هو الموقف الأمريكي، الذي يقول كل شيء ولا يفعل شيء، لماذا تتعامل الولايات المتّحدة مع المشهد بهذه الطريقة؟! هل يؤكّدون ما ذهبنا إليه في هذا المقال من مؤامرة، ولو على طريقة أنّها غير مستبعدة؟! أم يعدّون مؤامرتهم الخاصّة وطبختهم التي يعتقدون أنّها أطعم (وقد تُستساغ) وبها يمكن ترضية ما تبقّى من كيزان، أي ألّا يتم "اقتلاعهم" بالكامل، كما تنبأ الشهيد الأستاذ محمود محمد طه. وإذا استبعدنا موضوع الديمقراطية، فإنّ أميركا تنظر إلى السودان كبلد يتمتع بموقع استراتيجي هام على الصعيد الإقليمي، إضافة إلى الموارد الطبيعية. ولن تقبل وجوداً عسكرياً روسياً دائماً في السودان، يهدّد خططها الاستراتيجية. بيد أنّ موسكو تنظر إلى ما وراء السودان من دول الساحل الإفريقي - في ظل صراع محموم مع فرنسا التي تخشى على مصالحها ووجودها التقليدي الاستعماري في الدول الفرانكفونية والنفوذ في هذه الدول، وعلى وجهٍ أخص تشاد -كنز فرنسا المقفول-؛ فأيّ وضع قد يؤدي لنظام بانجمينا غير موالٍ لها لن تسمح به.
كيف نمنع استمرار الحرب ونحد من إمكانية جهويتها الجغرافية والعرقية، واقليميتها وتدويلها، ونزعتها الانفصالية وتوجّهاتها الإرهابية، وانهيار السودان بالكامل على إثرها، وليس لدينا تصوّراً واضحاً لمواجهة الكيزان في (الجيشويد)، ولا قدرة على الحدّ من انتهاكات (الجنجويد) سوى ببياناتٍ هزيلة مستحية، وليس لدينا سدّاً دولياً منيعاً "مانعاً" -نثق فيه- ويخشى تمددها وتدويلها. لمن يرى صاروخية الانتهاكات والسرعة الفلكية للدمار وسلحفائية تكوين الجبهة المدنية الواسعة المناهضة للحرب، وعدمية التواصل الإقليمي والدولي، وصفرية التواصل مع (الجيش) و(الدعم السريع)، يبعد بذات سرعة الانتهاكات عن الحل السلمي، وبذات سرعة بطء تكوين الجبهة الواسعة عن الحدّ من أضرار الحرب على الشعب ويتوقف بذات العدمية عن معالجة الأوضاع الإنسانية.. وكل ما يتبقى أمنيات الحل وهي الحل في حدّ ذاتها توقف إطلاق النار، وتفتح الطريق للمساعدات الإنسانية، وتدمج الجيوش، وتعيد العملية السياسية للوصول لحكومة يقودها المدنيين.
إنّ سفه الحاكمين والرشاوي السياسية، والفساد هي التي أنتجت مسخ (الجنجويد)، والجنجويدية على وشك أن تحل محل المؤسسة العسكرية، والفساد الشامل نمط حكمها وهي نظام يُسرطن الناس و "لا خيار أمام شعب السودان سوى هزيمتها هزيمة ساحقة". لكنّ مجرّد الاستهزاء والسخرية والتندّر، لا يهزمها الهزيمة الساحقة؛ فقطع الطريق عليها يبدأ بمعرفة طريق حقوق ومصالح المحكومين، فهي التي تُفقِد وتُكسِب الشرعية..
aboann7@hotmail.com
/////////////////////////