غازي.. استراتيجية جديدة الآن.. لماذا؟ … بقلم: عادل الباز

 


 

 

في ما يشبه نعيها انتقد الدكتور غازي أمس الأول المبادرة العربية الأفريقية التي احتضنتها الدوحة، والأهم أن غازي كشف عن استراتيجية جديدة تعكف الدولة حاليا على إعدادها للتعامل مع قضية دارفور. قبل بناء استراتيجية جديدة لم يخبرنا الدكتور غازي عما جرى بالاستراتيجية القديمة بالتفصيل؟ كيف ضاعت ملامحها وتاهت في دروب العواصم وصراعاتها؟ هل الخطأ بالاستراتيجية في وسائلها أم في أهدافها النهائية.

لابُدّ من تهنئة دكتور غازي على نحاجات واخترقات هامة أحدثها منذ تولّيه الملف. أهمها استعادة الملف للمربع السياسي، فأصبح القرار الأمني والعسكري تبعا للسياسي، وتلك هي الفكرة التي افتُقدت طيلة الفترات السابقة، إذ كان القرار العسكري والأمني في وادٍ والإدارة السياسية للملف في وادٍ آخر، وهو الشيء الذي أفسد كافة الاتفاقيات مع دول الجوار. استعادة القرار السياسي في مسألة دارفور فتح الباب واسعا للدبلوماسية التي افترعها دكتور غازي بتحسن العلاقة مع دول الجوار، وجر رِجل الأمريكيين ليلعبوا دورا ما، بعيداً عن التربص بالحكومة، واستطاع أن يستفيد من دخول غرايشن كلاعب أساسي في حلبة دارفور بشكل جعل المعارضة تقول إن غرايشن تمّ تجنيده للمؤتمر الوطني!!.

بالجانب الآخر عجزت الاستراتيجية القديمة عن تحقيق السلام المنشود، وبدأت المبادرة العربية الأفريقية التي مسرحها قطر تراوح مكانها لعام رغم أن القطريين قد بذلوا مجهودا خرافيا يُشكرون عليه في سبيل إنجاحها ولكن عوامل شتّى أسهمت في بعثرة الجهود القطرية.

 حركة العدل والمساواة لاترى أحدا غيرها يستحق تمثيل دارفور ولو كانت منظمات المجتمع المدني. هي محقة في أن كثيرا من الحركات التي أتى بها التيجاني السيسي بمساعدة الحكومة لمائدة التفاوض إنما هي حركات مصنوعة وبعضها ظواهر انترنتية لاقيمة لها أصلاً لا في حرب ولا في سلام!!. ولكن تضخيم حركة العدل لذاتها وتجاهل الكل أودى بها لوادٍ سحيق من الغرور، الشيء الذي أفقدها تعاطف المجتمع الدولي والإقليمي. وهي إذ تبحث الآن عن منبر بديل للدوحة لابد أنها أدركت أن الحرب ليست حلا لقضية دارفور ولاحلاً لأية قضية.

من الواضح أن هنالك خللا بالاستراتيجية القديمة أودى بها إلى سكة مغلقة تماما، ومالم يتكشف د. غازي هذا الخلل سيكرّر بناء استراتيجيات تقود لنفس النتيجة. يخيّل لي أن جزءاً من الخلل الذي شاب بناء الاستراتيجية السابقة هو اعتمادها على الخارج أكثر من الداخل. فتصوُّر غازي أن 99% من مفاتيح الحل بيد الخارج لم يكن سليما تماما. صحيح أن الخارج مؤثر بدرجة مقدرة، وخاصة تشاد. وهنالك نجاح في تحييد تشاد ولكن الحل السياسي للقضية ليس بيدها كما اتضح الآن.

الارتباك الذي ساد مراحل التفاوض. ففي مرحلة كان يقوم على وقف إطلاق النار بشكل كامل ونهائي توّج بوقف إطلاق النار فعلا ولكن يبدو أن ذلك كان تكتيكا ولم يكن استراتيجية ثابتة. إذ ما لبث أن عاد القتال، وكأنّ الأمر لم يكن أكثر من هدنة للفترة الانتخابية استفادت منها الحكومة ثم عاودت الضغط العسكري على الحركة بغية تصفية وجودها بالكامل.

الأمر الثالث هو الحشد التفاوضي الذي سعت له الحكومة والوساطة حين تمّ حشد أكثر من ثلاثين حركة بأربعمائة مفاوض، وهو الشيء الذي أفقد العملية التفاوضية معناها ويتحمل مسئولية ذلك، الحكومة والمجتمع الدولي.

الآن يتم بناء استراتيجية جديدة في الغُرف المغلقة!! من الأوفق أن تتم إدارة حوار جدّي بين القوى السياسية والناشطين الدارفوريين لبناء الاستراتيجية الجديدة من القواعد، وبرضى القوى السياسية وإسهامها. ولكن الحكومة تحب دائما أن تعمل بمفردها لا أعرف لماذا في ظل تبنّيها لدعوة عريضة للقوى السياسية للتآزر معها في القضايا الوطنية!!

يبدو لي والله أعلم أن قضية دارفور عُلقت الآن حتى ما بعد يناير 2011 موعد الاستفتاء على تقرير المصير بالجنوب. داخليا لن تنشغل السلطة الآن بأية قضية سوى الاستفتاء، فدارفور الآن ليست أولوية، وليس هنالك من ضغوط جدّية على الحكومة، ولا على الحركات لحسم الملف قبل يناير 2011.

بالخارج لايبدو أن أحدا يتحدث الآن عن قضية دارفور، لقد طُويت صفحتها في الإعلام العالمي، ولم تعد منظمات المجتمع المدني الغربي تضغط في اتجاه إنهاء المأساة، بل كلها اتجهت الآن لقضية تقرير المصير ومآلات الجنوب بعد الاستفتاء. ولذا فالأوفق أن تُطوى الآن الدوحة بشكر عميق للقطريين الذين أنفقوا ولم يستبقوا شيئا، ومن ثم أدعو د. غازي ألا يتعجل في بناء استراتيجية جديدة الآن، إذ يفصلنا عن أي تحرك جدّي بشأن قضية دارفور ما يقرب الستة أشهر ولا أحد يدرك ما سيحدث بالسودان كله بعد تاريخ فاصل هو التاسع من يناير 2011. فالأوفق تأجيل بناء الاستراتيجيات إلى ما بعد معرفة كيف سيكون بناء الوطن نفسه.. فيمَ العجلة؟.

 

آراء