غندور والقفز فوق حقائق التاريخ 

 


 

 

قام إبراهيم غندور، وبدون ان تغمض له عين، بتزوير تاريخنا السياسي المعاصر، في محاولة غير ذكية لتمرير خط الاسلامويين الحالي، الرامي لفك عزلتهم الراهنة، وبأي ثمن. خطهم السياسي الداعي لان تكون كل منظمات الشعب السوداني هي حاضنة الفترة الانتقالية، مثلما حدث في ثورة أكتوبر وانتفاضة ابريل. وهي دعوة لإشراك الاسلامويين في كل مؤسسات الانتقال، وهو الغاء لاحد اهم اهداف ثورة ديسمبر بتفكيك دولة الحزب، وتأسيس دولة الوطن. ها هو فشل الحكومة الانتقالية في اصلاح المنظومة العدلية يؤتي ثماره المرة. وتتواصل، حاليا، قرارات المحاكم بإرجاع كوادر التمكين الذين فصلتهم الحكومة الانتقالية، وتسليم الشركات والممتلكات المصادرة لمن نهبوا خيرات بلادنا وثروات شعبنا، ليتواصل المسلسل بإطلاق سراح غندور وانس عمر والجزولي. سأحاول في هذا المقال ان أوضح بأن ما قاله غندور هو تزوير حقيقي لتاريخ ثورات، لا تزال حية في أذهان العديد من أبناء شعبنا.

شاهد شعبنا غندور، وهو يشيد، بقوة عين وبلا خجل، باستقلال القضاء السوداني. ثم، يمضي الي بيت القصيد، ليقول بأنه يجب أن تكون كل منظمات وتنظيمات الشعب السوداني هي حاضنة الفترة الانتقالية، مثلما حدث في ثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985. هناك مسائل متعددة يثيرها إطلاق سراح غندور وصحبه، وشطب القضية، لن اخوض فيها. فقط ادعو القراء لقراءة ما كتبه الصحفي الاستقصائي المتميز عبد الرحمن الأمين، عن فساد غندور، وبتوثيق دقيق ومفحم. كما ان الذين عددوا مواقفه وممارساته كرئيس مفروض على اتحاد العمال، فيها ما يكفي. وأيضا أولئك الذين عددوا جرائم السلطة التي كان غندور أحد قادتها ومسئوليها الأساسيين.

هذا المقال يتعلق ويركز على قضية الحاضنة التي ذكرها غندور. وهي جزء محوري من خطة متعددة الأوجه. من أوجه تلك الخطة السياسية تكوين ما سمي بالتيار الإسلامي العريض، واتفاق البرهان وكرتي على خطوات اجهاض ثورة ديسمبر وكلفتة انتخابات لتعطيهم شرعية مشتراة بأموال الشعب التي نهبوها وبجهاز الدولة الذي لايزال تحت سيطرتهم، وأيضا ما ذكره غندور عن الحاضنة الشاملة التي لا تعزل أحدا. وهذه الحاضنة (المصالحة او الوفاق الوطني) هي ما ظل يردده اعلام الاسلامويين طيلة الفترة السابقة، وسوف يكرره في الفترة القادمة بأساليب واطروحات متنوعة لكنها متناغمة مع بعضها البعض. ولإفشال هذه المحاولة، غير الذكية، للحصول على الشرعية، سأتعرض لدور الاسلامويين في التآمر على ثورة أكتوبر وعلى انتفاضة أبريل، رغم الادعاء، غير الصادق، بانه كل منظمات الشعب السوداني كانت حاضنة الثورتين.

ذكر غندور ان كل منظمات الشعب السوداني كانت حاضنة ثورة أكتوبر لذلك نجحت الثورة، لذلك يدعو لتكرار الحاضنة التي تجمع ولا تفرق. سأوضح ان ثورة أكتوبر هي ثورة شعبنا، ولكن بعض القوى تآمرت على الثورة وانتكست بها، وفي مقدمة تلك القوي تنظيم الاسلامويين، الذي كان يحتمى بالأحزاب التقليدية، آنذاك.

• ايدت جريدة الميثاق الناطقة باسم الاسلامويين انقلاب عبود، فور حدوثه، وسمته بالثورة المباركة.

• مثلت جبهة الهيئات، التي قادت الثورة، كل القوي النقابية، وضمت حتى اسلامويين (مثل محمد صالح عمر)، ورغم ذلك عمل الاسلامويين على عزلها واسقاط حكومتها. بل وجه الترابي عبد الرحيم حمدي بتكوين تنظيم جديد

• موقف الاخوان من ليلة المتاريس وتحركهم لإخماد حركة الجماهير بالادعاء انها مؤامرة شيوعية.

• رفض الاخوان محاكمة قادة انقلاب 17 نوفمبر.

• هجوم جرائد الاخوان ضد الوزير في حكومة ثورة اكتوبر خلف الله خالد بعد بيانه الذي كشف التآمر ضد الثورة، وأتهمت الوزير بأنه يعمل لصالح دوائر أجنبية.

• تم ارغام سر الختم الخليفة، رئيس وزراء حكومة الثورة، على الاستقالة، التي تمت بدون معرفة الوزراء. وكلف بتشكيل حكومة جديدة غالبيتها من الأحزاب.

• الموقف المتعنت في مؤتمر المائدة المستديرة تجاه مطالب الجنوبيين.

• استجلاب الالاف من الأنصار من الأقاليم لإرهاب سكان العاصمة وارغام سر الختم الخليفة علي الاستقالة.

• التعجل في اجراء الانتخابات ورفض مقترحات جبهة الهيئات بتأجيلها حتى الوصول لاتفاق مع الجنوبيين. الأمر الذي عزل ثلث سكان الوطن من المشاركة في الجمعية التأسيسية.

• رفض مقترحات جبهة الهيئات لإصلاح النظام الانتخابي.

المثال الثاني الذي حاول غندور استخدامه لتمرير خط حزبه هو انتفاضة أبريل 1985.

كان الاخوان حلفاء خلص لنظام نميري، وشاركوا بحماس في كل جرائمه، خاصة فترة قانون الطوارئ، بعد صدور قوانين سبتمبر، ذاق خلالها الشعب السوداني أفظع أنواع الانتهاكات لحقوق الانسان. وواصلوا تهليلهم للسفاح نميري، حتى ازاحهم، في محاولة لكسب ود الشعب السوداني، تم ذلك قبل أيام قليلة من انتصار الانتفاضة. ورغم انهم لم يشاركوا في معارك التحضير للانتفاضة، التي استمرت لأعوام طويلة، وخاضت فيها الحركة النقابية معاركة جسورة ضد النظام. فلنقرأ ماذا فعلوا بالانتفاضة، لنعرف حقيقة ادعاء غندور، عن الحاضنة التي شملت كل أحزاب ومنظمات الشعب السوداني. يجدر بنا ملاحظة ان الاسلامويين مارسوا تخريبهم للانتفاضة بعدة أدوات، في مقدمتها المجلس العسكري بقيادة سوار الدهب وتاج الدين، ثم الكوادر التي ادخلوها الوزارة وفي مقدمتها الجزولي وحسين أبو صالح ووزير التربية، بالإضافة لتنظيم الجبهة الإسلامية التي كونت فور انتصار الانتفاضة.

• إعلان قيادة الجيش تكوين المجلس العسكري الانتقالي كحكومة تتسلم مقاليد الأمور، في الوقت الذي كان فيه التجمع النقابي والأحزاب السياسية يتفاوضا حول تشكيل الحكومة.

• ارسال المجلس العسكري، فور تكوينه، طائرة خاصة لإحضار الترابي من سجن الأبيض.

• تفاجأ أعضاء التجمع النقابي عند حضورهم لاجتماع مع المجلس العسكري لوجود على عثمان وعثمان خالد في اجتماع مع المجلس العسكري.

• تكوين الاسلامويين لما أسموه الجبهة القومية للنقابات والاتحادات، التي سيرت موكبا تدعم فيه المجلس العسكري دعما غير محدود، وتطالب برفع الاضراب الذي لم تشارك فيه. والهدف هو اظهار التجمع النقابي بانه لا يمثل الحركة النقابية، ويجب عدم التفاوض معه.

• دور الاسلامويين في تصعيد عداء المجلس العسكري للنقابات والنقابيين، مما أدى لتهديد بالعسكر لتهديد مندوبي التجمع النقابي، ومطالبتهم بإنهاء الاضراب السياسي، خلال اجتماعات الأيام الأولى لانتصار الثورة.

• إصرار المجلس العسكري، بدعم من الاسلامويين، على عدم الغاء قوانين سبتمبر.

• مواصلة المجلس العسكري لسياسات مايو تجاه الجنوب وتعيين حكام عسكريين لأقاليم الجنوب الثلاثة، والتلكؤ في الاتصال بالحركة الشعبية. الأمر الذي أدى للقراءة الخاطئة للحركة الشعبية بان ما حدث في الخرطوم بأنه مايو تو. الأمر الذي استفاد منه المجلس العسكري في تصعيد العداء ومحاصرة قوى الانتفاضة.

• رفض كل مقترحات اصلاح النظام الانتخابي في السودان. ووضع قانون للانتخابات كان يصب في مصلحة الاسلامويين، مثل تقسيم دوائر الخريجين، حسب الأقاليم، ولكن التسجيل قيها قومي، مما أدي لان ينجح الفيلق الطائر في احراز دوائر كثيرة للاسلامويين ، بما فيها دائرة في الإقليم الاستوائي.

• التلكؤ والتباطؤ المتعمد في تصفية آثار مايو، وفي نفس الوقت تجاهل ارجاع المفصولين من الخدمة لأسباب سياسية، خلال عهد مايو.

هذه بعض ممارسات الاسلامويين لتخريب الانتفاضة عن طريق حليفهم المجلس العسكري، وهو ما يتكرر الآن، مما يؤكد انهم يقرأون من نفس الكتاب القديم، ورغم ذلك يحاولون خداع الشعب السوداني بفرية الحاضنة الشاملة للكل، كأنما ثورة ديسمبر لم تقم ضد نظامهم وممارساتهم.


siddigelzailaee@gmail.com

 

آراء