كان د جون غرنق جادا في طرحه لسودان جديد، موحد علماني، ديمقراطي

 


 

 

كان د جون غرنق جادا في طرحه (لسودان جديد /موحد علماني /ديمقراطي/.. في حين الأزهري كان مناورا في دعوته لوحدة وادي النيل.. وهذه هي الادلة:
هذا هو الفصل الثامن من كتابنا (التمرد والتغيير.. منذ حامية توريت وحتى الدعم السريع (8-10) وسوف نعالجه بحول الله تحت رؤوس المواضيع التالية :
++ التمرد بجناحيه : (توريت) و (الناصر) ،كل بطريقته ، ينتزع (حق تقرير المصير) من سلطة الإنقاذ والتجمع الوطني الديمقراطي على السواء!!

++ السودان الجديد هو خيار تفاوضي متحرك، مثل مطلب (الفيدرالية) في وقت ما.. الدولة الدينية الإنقاذية وضعت السودانيين امام خيارين: وحدة الدين أم وحدة الوطن!!:

++ سقوط نظام منقستو هيلا مريم في أثيوبيا واثره على وحدة الحركة الشعبية والدعوة الى تقرير المصير والانفصال؟

++ اتفاقية فرانكفورت بين حكومة الإنقاذ وفصيل الناصر نقطة تحول في تاريخ نضال شعب جنوب السودان نحو تقرير المصير والانفصال !
++ ما هي القيمة التاريخية لإعلان أسمرا للقضايا المصيرية؟ وما هو المقابل الذي دفعته الحركة الشعبية مقابل حصولها على حق تقرير المصير من جميع اطراف التجمع الوطني الديمقراطي؟!

(١) مشروع السودان الجديد بين الثابت والمتغير :

(أ) مشروع السودان الجديد ليس مشروعا ايديولوجيا جامدا.. وانما هو موقف سياسي تفاوضي في الزمان والمكان المحددين، بل طبقا للأوضاع المحلية والإقليمية والدولية. من ضمن إشكالياتنا في السودان أن الحكم علي (نجاح او فشل مشروع السودان الجديد) ياتي من شخص (مؤدلج) جامد يقوم (باسقاط منهجة الجامد هذا علي مشروع سياسي مرن بطبيعته) كمشروع السودان الجديد الذي هو (انتقال من من (مطلب الفيدرالية التي طالب بها الجنوبيون عشية الاستقلال عام ١٩٥٥ ووعد الحزبان الاتحادي والآمة بوضع هذا المطلب في الاعتبار عند وضع الدستور ولكن مطلب الفيدرالية رفض ، ثم رفضت الاحزاب الشمالية كلها مجتمعة مطلب الفيدرالية في مؤتمر المائدة المستديرة في عهد حكومة سر الختم الخليفة في الحكومة الانتقالية في عهد ثورة اكتوبر. . وللامانة اقول ان الحزب الشيوعي اقترح في المائدة المستديرة (الحكم الذاتي الاقليمي لجنوب السودان) ولكنه رفض ايضاً.
في عهد مايو ١٩٦٩ قبل الجنوبيون بالحكم الذاتي لجنوب السودان (وهو ذات المقترح الذي تقدم به الحزب الشيوعي في مؤتمر المائدة المستديرة) وكان شكلا من أشكال الفيدرالية.. ولكن النميري قرر تقسيم الجنوب بهدف ضم مناطق اكتشاف النفط الواقعة في الجنوب- ضمها للشمال وبذلك نقض اتفاقية اديس ابابا رغم توصية لجنة التحقيق برئاسة مولانا خلف الله الرشيد بعدم المساس بالحدود،والحفاظ على الحدود كما هي في عام ١٩٥٦ تاريخ الاستقلال . وبسبب نقض النميري لاتفاقية اديس ابابا رجع الجنوبيون لمربع الحرب عام ١٩٨٣ بقيادة د جون غرنق ولكنهم (رفعوا سقوف طلباتهم) .. بمعنى انهم تجاوزوا (الفيدرالية كموقف تفاوضي) وانتقلوا إلى (مشروع السودان الجديد) .. فالسياسة هي فن الممكن .. ولكل مقام مقال.

(ب) تمت كتابة منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان في يوليو ١٩٨٣ اي قبل اصدار تشريعات قوانين سبتمبر ١٩٨٣ .. ولم يكن خافيا ابداً على الجنوبيين او الشماليين ان النميري سيقدم في القريب العاجل على تطبيق الشريعة الاسلامية .. فالشعب السوداني كله يعلم ان الهدف المشترك الأساسي من المصالحة الوطنية عام ١٩٧٧ بين نظام مايو من طرف وبين الجبهة الوطنية وقياداتها (الصادق المهدي والميرغني والترابي ) هو تطبيق الشريعة الإسلامية.. وظل النميري يلهج بالنهج الاسلامي لماذا.. الي النهج الاسلامي كيف ؟ الي ان قام بتشريع قوانين سبتمبر ١٩٨٣ .. شاهدنا ان المتغيرات أتت متوالية بعد كتابة منفستو الحركة الشعبية اهمها تشريع قوانين سبتمبر ١٩٨٣ .. ثم سقوط نظام مايو في ٦ / ابريل ١٩٨٥.. ثم مماطلة الصادق المهدي في تنفيذ اتفاقية الميرغني غرنق التي /المماطلة ترقي الي رفضها .. الي ان جاءت الطامة الكبرى وهي انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ الذي اتي بالمتشددين بدرجة الطالبان الي الحكم .. كل هذه المتغيرات (المتوقعة نظريا) لها تاثيرات على (تكتيكات الحركة الشعبية) وعلى (مشروع السودان الجديد ) الذي يعني الاتفاق على (تاسيس دولة موحدة ديموقراطية علمانية لا مركزية) تستند إلى مرجعية (المواطنة المتساوية) بغض آلنظر عن العنصر او الدين او اللون او الجنس من ذكر او أنثى او الموقع الجغرافي.

(٢) الدولة الدينية في السودان بدأت فعليا بتحالف (الجبهة الوطنية- حزب الأمة/الحزب الاتحادي/ الاخوان المسلمين) من طرف مع نظام مايو في المصالحة الوطنية عام ١٩٧٧ التي كان اساسها (الشريعة):

تحالف حزب الامة والحزب الاتحادي الديمقراطي والحركة الإسلامية/تحالف الجبهة الوطنية مع نظام مايو عبر المصالحة الوطنية في اجتماع السفينة عام ١٩٧٧ والذي كان ركنه الأساسي هو (تطبيق الشريعة الاسلامية) وتعديل الحدود المنصوص عليها في اتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢ .. هذه المتغيرات الجوهرية في بنية نظام مايو (الاتجاه نحو التحول من دولة علمانية طبقا للدستور الدائم لسنة ١٩٧٣ الي دولة دينية اسلامية قائمة على تطبيق الشريعة الإسلامية) هذا الواقع الجديد قد فرض على الجنوبيين تشخيص جذور المشكلة السودانية وهو ما نسميه (العودة إلى منصة تاسيس الدولة السودانية) .. وبمجرد الغاء النميري لاتفاقية أديس أبابا (عمليا) وذلك من خلال تقسيم الاقليم الجنوبي بقرارات فوقية من النميري دون اتباع للاجراءات المنصوص عليها في اتفاقية أديس أبابا قرر الجنوبيون العودة إلى مربع الحرب.. والعودة إلى (منصة تاسيس الدولة السودانية) .. لقد درس الجنوبيون جذور المشكلة السودانية دراسة علمية واقعية وخرجوا (برؤية) تبلورت في (مشروع السودان الجديد) .. شاهدنا.. ان الدولة الدينية التي تجسدت اخيرا فى انقلاب الأنقاذ في ٣٠ يوليو ١٩٨٩ المشؤوم.. هذه الدولة الدينية بدأت فعليا باجتماع السفينة عام ١٩٧٧ / المصالحة الوطنية- الذي كان اساسه الشريعة الإسلامية . باختصار.. المصالحة الوطنية ومخرجاتها كانت بالنسبة لدولة الجلابة عودة إلى منصة التاسيس من منظورهم الإقصائي الذي لا يتسع لغير المسلمين والعرب!!

(٣) بالمقابل جرت مياه كثيرة تحت جسر الحركة الشعبية لتحرير السودان ترقي الى (الطامة الكبرى) ايضاً.. متغيرات إقليمية ودولية (اهمها سقوط نظام منقستو هيلا مريم في مايو ١٩٩١ .. وسقوط الاتحاد السوفييتي:
لقد حددت الحركة الشعبية اهدافها وبرنامجها طبقا للاوضاع السياسية داخل الدولة السودانية من خلال تجربة الجنوبيين منذ الاستقلال حيث نقضت الأحزاب الشمالية وعدها بالفيدرالية.. ومن خلال تجربة نظام ١٧ نوفمبر/ نظام عبود وهو اول نظام يسخدم مشروع الأسلمة والتعريب القسريين.. ثم من واقع تجربة الجنوبيين مع الشمال في عهد ثورة أكتوبر.. حيث رفضت جميع الاحزاب الشمالية النظام الفيدرالي.. ومن واقع تجربتهم مع نظام مايو خاصة بعد المصالحة الوطنية التي قامت علي الشريعة كما سبق البيان في الفقرة (٢) اعلاه .. هذه الظروف المحلية والداخلية هي التي الهمت الجيل الثاني من المتمردين الجنوبيين الذين استلموا راية النضال من حركة انانيا ون ألهمتهم (مشروع السودان الجديد) .. ومع مراعاة كل ما سبق ذكره فان هناك عوامل أخرى خارجية كان لها تاثير كبير على تكتيكات الحركة الشعبية مثل علاقة الحركة الشعبية بنظام منقسمون هيلا مريم في أثيوبيا وأيدلوجيته اليسارية انذاك:

.. استاذنا د سلمان محمد آحمد سلمان يشرح لنا في مقاله الذي بعنوان ( التجمع الوطني الديمقراطي ومسؤولية انفصال الجنوب ٥ - ٨ صحيفة الراكوبة) الآثار السالبة لسقوط نظام منقستو علي الحركة الشعبية في المقتطف التالي:

( ويعتقد الكثيرون أن شعار السودان الجديد المُوحّد فرضته وأملته العلاقة مع نظام منقستو. إذ لايعقل أن تتوقع الحركة الشعبية عوناً متكاملاً من اثيوبيا التي كانت تحارب الحركات الاريترية المنادية بالانفصال إذا كانت الحركة نفسها تطالب بالانفصال أو حتى حقّ تقرير المصير. عليه فقد نتج عن سقوط نظام منقستو هايلي مريم في مايو عام 1991 دويٌّ هائلٌ داخل الحركة الشعبية. فجأةً توقفت الإمدادات العسكرية والمادية، وكان على الحركة إغلاق معسكرات التدريب الواقعة داخل اثيوبيا والبحث عن حلفاء جدد لن تتوفر في أيٍ منهم الميزات الاثيوبية. من الجانب الآخر سعدت الخرطوم كثيرأ للتغيير في أديس أبابا (والذي كانت قد ساهمت فيه)، وفتح هذا التغيير فصلاً جديداً للعلاقات بين الحكومة والحركة من جهة، وداخل الحركة نفسها من الجهة الأخرى.) آنتهى.
المرجع: د سلمان محمد آحمد سلمان/ التجمع الوطني الديمقراطي ومسؤولية انفصال الجنوب (٥-٨) / صحيفة الراكوبة / ٢٧ يونيو/٢٠١٢ .

طوال الفترة منذ صياغة منفستو الحركة الشعبية في يوليو ١٩٨٣ وحتى سقوط نظام منقستو في أثيوبيا كنا نفهم ان (السودان الجديد ) يعني النقيض من الدولة الدينية.. المحكومة بالدستور الإسلامي وذلك وفقاً للبدعة المصرية التي تقول (الشريعة/ مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي او الوحيد للتشريع) .. هذا هو التعريف السلبي لمشروع السودان الجديد.. أما التعريف الايجابي .. فان مفهوم السودان آلجديد يعني ( دولة المواطنة المتساوية القائمة على دستور علماني صريح يعالج التنوع السوداني، ويساوي بين الناس في السودان بغض النظر عن الدين او العنصر او اللون او اللغة او الجنس (من ذكر او أنثى) او الموقع الجغرافي). . ولم ترد في ادبيات الحركة الشعبية اي اشارة لتقرير المصير او الانفصال عند كتابة منفستو التاسيس عام ١٩٨٣ (أدبا وذوقا) .. لان تداول مثل هذه الكلمات ذات الدلالة الانفصالية سيحرج الدولة الإثيوبية انذاك التي كانت تحارب الحركات الانفصالية الإرترية التي تجد الدعم اللوجستي الكامل من الحكومة السودانية في نكران صارخ منها لجميل الدولة الإثيوبية التي رتبت اتفاقية أديس أبابا لسلام جنوب السودان عام ١٩٧٢ ! وكرد فعل طبيعي لدعم نظام الخرطوم للثورة الإرترية شرع نظام منقستو في إثيوبيا في دعم الحركة الشعبية عند عودتها لمربع الحرب .. معاملة بالمثل لدعم الحكومة السودانية للثورة الإرترية. ويجب أن يكون واضحا أن دعم نظام منقستو للحركة الشعبية بالتأكيد له تأثير على تكتيكاتها وشعاراتها التي تناسب المرحلة.. ولكن ليس له تاثير على (جوهر مشروعها) .. لقد كان (من غير اللائق - ومنافي للذوق) ان ترفع الحركة الشعبية شعار (تقرير المصير) في وقت تحارب الدولة الإثيوبية وترفض انفصال الحركات الإرترية .

(٤) كان د جون غرنق جادا في طرحه (للسودان الجديد الموحد/العلماني / الديمقراطي) .. ولم يكن يناور .. لانه كان واثقا من أن الديمقراطية ستوصله شخصيا وأي جنوب آخر مؤهل للحكم .. بالمقابل فقد كان الازهري مجرد مناور في طرحه لوحدة وادي النيل .. وذلك ليقينه بان الوحدة تجعله ( تابعا) الي الابد لمصر ويستحيل توصله هو او اي سوداني اخر للحكم عبر الانتخابات .. وهذه هي الادلة:
(أ) الأدلة والبراهين على ان جدية د جون غرنق في طرح (السودان الجديد/ الموحد / الديمقراطي/العلماني ) ؟
من معرفتنا بالنفس البشرية اننا نعلم ان اي زعيم سياسي يطرح اي مشروع سياسي فانه بوعي او بغير وعي يفصل هذا المشروع على نفسه.. بمعنى انه لا يتبنى اي مشروع سياسي إلا اذا ضمن ان هذا المشروع يمكن أن يوصله هو شخصيا (او اي شخص آخر من حزبه او مجموعته التي ينتمي إليها) للسلطة عبر صناديق الانتخابات .. وبتطبيق هذه القاعدة العامة على د جون غرنق نجد انه ينتمي إلى اكبر قبيلة في السودان وهي قبيلة الدينكا .. فهو الزعيم السياسي الذي يمكن أن يصوت له كل الجنوبيين خاصة حين يكون الاختيار بين مرشح الجنوب ضد مرشح الشمال بكل صفاته الجهوية التاريخية المعلومة.. انه جون غرنق ابو مشروع التحرير لكل المهمشين في السودان لاسيما في جبال النوبة، والانقسنا ودارفور والكوشيين في اقصى الشمال.. بمعنى أن لديه (كتلة انتخابية سوداء كاسحة واعية بذاتها يمكن أن تصوت لصالحه) .. و أكبر دليل على ذلك ان د جون غرنق قد دفع حيّاته ثمنا لهذه النزعة الوحدوية الجادة.. فالذين اغتالوا د جون غرنق اغتالوا الوحدة الطوعية الجاذبة.
(ب) بالمقابل إذا طبقنا ذات القاعدة على دعوة وحدة وادي النيل نستطيع الاستنتاج بان الازهري لم يكن جادا وانما كان مناورا .. وذلك لسبب بسيط هو أن الازهري شخصيا يعلم انه لن يفوز في أي انتخابات ديمقراطية تجري على مستوى وادي النيل حتى إذا صوت له مطلق سوداني وهذا غير وارد .. لان عدد سكان مصر يساوي تقريبا ثلاثة أضعاف سكان السودان مع ملاحظة ان الشعب المصري متجانس (عرقيا) والدم اكثر كثافة من الدين كما قال الشهيد داود بولاد.. وعلى صلة فقد كان هدف الحزب الاتحادي في السودان هو الاستقواء بمصر الدولة ضد خصومه في حزب الامة .. وليكون الحزب الاتحادي الديمقراطي هو الممثل والضامن لمصالح مصر في السودان!!

(٥) كيف استقبلت الحركة الشعبية الام بقيادة د جون غرنق طرح (جناح الناصر ) بقيادة رياك مشار ولام أكول لفكرة تقرير المصير؟

ومن المتغيرات الهامة التي جرت لاحقا بعد صياغة منفستو الحركة الشعبية الأساسي عام ١٩٨٣ انشقاق الحركة الشعبية بتاريخ ٢٧ اغسطس ١٩٩١ من خلال المحاولة الانقلابية للدكاترة الاجلاء (د رياك مشار ودكتور لام أكول ) بعيد سقوط نظام منقستو وما نرتب عليها من (رفع سقوف المطالب الي المطالبة بحق تقرير المصير) . بالقطع فان مطالبة جناح الناصر بقيادة رياك مشار المنشق عن الحركة الشعبية بحق تقرير المصير قد احدثت ثورة وفرقعة في آذان الجنوبيين المتمردين منذ حامية توريت ١٩٥٥ .. هذا ان لم نقل ان جناح الناصر نجح في سحب البساط من تحت اقدام الحركة الشعبية الأم بقيادة د جون غرنق التي مازالت متمسكة بمشروع الوحدة مع الشمال. السؤال: ما هي ردة فعل الحركة الشعبية الام بقيادة د جون غرنق على طرح جناح الناصر لفكرة تقرير المصير؟ يجيب على هذا السؤال استاذنا د سلمان محمد آحمد في المرجع السابق بالاتي :

( في السادس من شهر سبتمبر عام 1991، أي بعد أقل من أسبوعين من الانقسام، عقدت الحركة الشعبية الأم اجتماعاً لمكتبها السياسي بمدينة توريت التي كانت تحت سيطرتها. وأصدرت الحركة عدّة قرارات أهمها القرار رقم (3) الذي نصّت الفقرة الثانية منه على الآتي:

النظام المركزي للحكم في السودان والذي يستند على دعائم العروبة والإسلام مع إتاحة الحق بإقامة نظمٍ لحكمٍ محليٍ ذاتي أو دولٍ فيدرالية في الجنوب (أو أي أقاليم أخرى) تمّ تجربته ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، لذلك تأرجح السودان بين الحرب والسلام منذ الاستقلال، وأخذت الحرب 25 من 36 عاماً من هذه الفترة. في أية مبادرةٍ للسلام مستقبلاً سيكون موقف الحركة الشعبية من نظام الحكم هو وقف الحرب باعتماد نظامٍ موحّدٍ وعلمانيٍ وديمقراطي، أو نظامٍ كونفيدرالي أو تجمعٍ لدولٍ ذات سيادة أو تقرير المصير.” . انتهى .
المرجع السابق/ د سلمان محمد آحمد.

وبهذا الإعلان او التعديل الذي تم في مدينة توريت ذات الرمزية التاريخية (وسعت الحركة الشعبية بقيادة د جون غرنق من خياراتها واضعة في المقدمة خيارها الأساسي الوارد في اول منفستو لها في يوليو ١٩٨٣ وهو (نظام موحد وعلمائي وديموقراطي) .. وبهذا الخيار الوحدوي العلماني الديموقراطي طمّنت الحركة الشعبية حلفاءها في التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة الميرغني .. وسوقت نفسها لامريكا واوروبا الحلفاء المحتملين بعد سقوط نظام منقستو والمعسكر الشرقي كله وتحول العالم الي نظام القطب الواحد.. والاهم من كل اولئك انها جردت غريمتها الجديدة المنشقة عنها وهي فصيل الناصر بقيادة وياك مشار ولام أكول .. جردت هذا الفصيل (من احتكار الدعوة لحق تقرير المصير) .. تجدر الإشارة إلى ان هذا الفصيل (فصيل الناصر) يجد التشجيع والدعم المادي من نظام الإنقاذ في الخرطوم الذي يجيد سياسة فرق تسد الأستعمارية ونجح في تقسيم جميع الاحزاب السياسية والكيانات الاجتماعية بغرض اضعافها كلها.. وفي النهاية وقع في شر أعماله فلحقه الانقسام الذي عرف في تاريخ السودان (بالمفاصلة) التي قسمت الحركة الإسلامية (عنصريا وجهويا) .. الي أبناء النيل (من الجيلي إلى حلفا) في حزب المؤتمر الوطني.. وابناء الهامش العريض (من ابناء دارفور وكردفان والجنوب والشرق) .. الذين نظموا انفسهم في حزب المؤتمر الشعبي.

(٦) الخيارات الاخرى للحركة الشعبية كما وردت في اجتماع الحركة الشعبية بتورين عقب سقوط نظام منقستو في أثيوبيا المشار اليه في الفقرة أعلاه .. والتي تاتي بذات درجة الخيار الاول هي (او نظام كونفيدرالي او تجمع لدول ذات سيادة او تقرير المصير) .. وبالرغم من ان عبارة (او تقرير المصير) تبدو كانها الخيار الاخير إلا انها طبقا لقواعد التفسير تقع في نفس الدرجة مع خيار (نظام موحد وعلمائي وديموقراطي) لان اداة الربط بين جميع الخيارات هي (أو ) وتعني (المساواة بين هذه الخيارات بدون ترتيب) . وسوف تكشف الايام ان انشقاق الحركة الشعبية الي فصيلين احدهما بقيادة د جون غرنق، والآخر بقيادة رياك مشار لم يضعف أبدا من الموقف التفاوضي للجنوبيين.. بل على العكس تماما.. فقد ساهم في انتزاع مكاسب ايجابية لصالح (قضية التحرير.. القضية الكلية للجنوبيين ) والتي لم يختلفوا حولها أبدا بسبب الانشقاق.. في حين ان (المفاصلة في الحركة الإسلامية قد ساهمت في اشتعال الحرب في دارفور الأمر الذي تسبب في زوال وسقوط نظام الانقاذ الاسلاموعروبي غير مأسوف عليه!

(٧) كيف نجح التمرد بجناحيه (توريت بقيادة د جون غرنق .. والناصر بقيادة رياك مشار) في انتزاع ( حق تقرير المصير ) من حكومة الإنقاذ في الخرطوم من طرف ومن المعارضة- التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة الميرغني على السواء ؟

(اولاً ) نجاح الحركة الشعبية المنشقة (جناح الناصر) في انتزاع حق تقرير المصير من حكومة الأنقاذ في الخرطوم من خلال (إعلان فرانكفورت) الموقع عليه من قبل دكتور على الحاج عن حكومة الإنقاذ، ود لأم أكول عن الحركة الشعبية جناح الناصر :

(أ) اعتقدت حكومة الإنقاذ في الخرطوم والتي تعتمد كعادة احزاب الجلابة الثلاثة (الحزب الاتحادي الديمقراطي/ حزب الامة / الاخوان المسلمين) على سياسة فرق تسد الاستعمارية مع كل شعوب الهامش السوداني- اعتقدت أنها حققت اختراقا تاريخياً وسجلت هدف جكسا الأسطوري في روسيا في أولمبياد برلين ١٩٧٠ حين نجحت فى زرع الفتنة بين قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان مما ترتب عليه انشقاق الحركة الي جناحي (توريت والناصر) وقد نسبت هذا الانتصار العظيم لنفسها (وسوف يتضح لنا لاحقا في هذه الفقرة أن هذا الإنجاز (انشقاق الحركة = صفر على الشمال) .. يعنينا بيان انه سعيا من حكومة الإنقاذ للنكاية بالحركة الشعبية الام ، ولجعل حالة الانقسام حالة دائمة قدمت حكومة الأنقاذ التي كان يرفض قادتها (الفيدرالية البسيطة منذ مؤتمر المائدة المستديرة في عهد ثورة اكتوبر- قبلت حكومة الإنقاذ في فرانكفورت ( بحق تقرير مصير ) خجول بطريقة الكوز الذي يرقص ويحاول أن بيغطي دقنه ) ! يلخص لنا استاذنا د سلمان محمد احمد محتويات إعلان فرانكفورت في المقتطف التالي:

( تمّ التوصل في يوم 25 يناير عام 1992 إلى إعلان فرانكفورت والذي تضمّن سبع فقرات. نصّت الفقرتان الأولى والثانية من الإعلان على أنه ستكون هناك فترة انتقالية يتفق عليها الطرفان من يوم توقيع اتفاقية السلام بين الطرفين، يتمتّع جنوب السودان خلالها بنظامٍ قانونيٍ ودستوريٍ خاص في إطار السودان الموحّد. وتتضمّن الفقرة الثالثة من إعلان فرانكفورت مبدأ حقّ تقرير المصير وتنصّ على الآتي: “بعد نهاية الفترة الانتقالية يُجرى استفتاء عام في جنوب السودان لاستطلاع آراء المواطنين الجنوبيين حول نظام الحكم الذي يناسب تطلعاتهم السياسية دون استبعاد أي خيار.” ولتجنّب النزاع المسلّح مستقبلاً بين الجنوب والحكومة المركزية اتفق الطرفان على وضع قواعد دستورية وقانونية لحل الخلافات عبر
المؤسسات السياسية والدستورية .) آنتهى.
المصدر: المرجع مقال د سلمان محمد آحمد سلمان/ الدكتور علي الحاج : إعلان فرانكفورت ومسؤولية انفصال جنوب السودان (٢) / الراكوبة / ١٧ يونيو ٢٠١٢ .

(ب) متابعة لتنفيذ ما ورد في اعلان فرانكفورت المبين في الفقرة (أ) أعلاه اجتمع طرفا اعلان فرانكفورت في ابوجا في ابريل ١٩٩٣ تحت وساطة الرئيس النيجيري انذاك.. وقد وجّهت الدعوة للحركة الشعبية جناح توريت بقيادة دكتور جون غرنق.. لوحدة القضية.. وقد وضع جناح الناصر اعلان فرانكفورت علي اجندة المفاوضات.. هنا ادركت حكومة الانقاذ انها وقعت في شر أعمالها.. وحاولت ان تتملص من أعلان فرانكفورت بحجة ساذجة جدا هي ان الحركة الشعبية جناح توريت بقيادة د جون غرنق لم تكن طرفا في اعلان فرانكفورت.. فقام جناحا الحركة الشعبية (باعلان إندماجهما الكامل وقتيا في ابوجا) .. وبذلك سقطت حجة حكومة الإنقاذ.. ورغم ذلك تمادت حكومة الأنقاذ في رفضها.. وقد سبق السيف العزل اذ لم تحظ حكومة الأنقاذ باحترام احد .. لان ( بواعث Motives حكومة الإنقاذ في توسيع هوة الخلاف بين اجنحة الحركة الشعبية هذه البواعث قانونا ليست جزءا من اعلان فرانكفورت. والنتيجة التي أغاظت سلطة الانقاذ هي أن نضج الجنوبيين ووعيهم قد أفسد النوايا الفاسدة لحكومة الإنقاذ.. فقد حقق اعلان فرانكفورت (وحدة الحركات الجنوبية بدلا من تمزيقها ) .. ونالت احترام الدنيآ بأجمعها لإنها تناست في لحظة وتنازلت عن كل خلافاتها الشخصية وتوحدت (حول القضية ) .. وتجرعت حكومة الإنقاذ مرارة الهزيمة في أبوجا امام ايمان الجنوبيين بقضيتهم وترفعهم عن خلافاتهم الشخصية ! هلللويا ( هتاف مسيحي = الله أكبر عند الكيزان!) .

(ج) منظمة الإيغاد تتخذ من اعلان فرانكفورت مرجعية لمبادئ الإيغاد بخصوص مشكلة الجنوب عام ١٩٩٤ :
( لشلاقتها) طلبت حكومة الإنقاذ من منظمة الإيغاد- منظمة تتبع للاتحاد الأفريقي معنية بالتصحر ، وغير سياسية، طلبت منها حكومة السودان الانقاذية التوسط في حل مشكلة الجنوب فرحبت منظمة الإيغاد بطلب الحكومة السودانية ، ودرست ملف السلام في السودان وقدمت اعلان مبادئ تاريخي ومن ضمن ما استند اليه هو اعلان فرانكفورت الموقع بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية جناح الناصر بقيادة رياك مشار ولام أكول عام ١٩٩٢ . استاذنا د سلمان محمد احمد يلخص لنا فحوي (إعلان مباديء الإيغاد ١٩٩٤ ، وعلاقته بإعلان فرانكفورت في المقتطف ادناه :

( ثانياً: مبادئ الإيقاد – يوليو 1994:
انبنت مبادئ الإيقاد للسلام في السودان والتي صدرت في 20 يوليو عام 1994 على إعلان فرانكفورت الذي أشارت إليه في ديباجتها. وقد تضمّنت الفقرة الثانية من مبادئ الإيقاد إشارةً صريحةً إلى مبدأ حق تقرير المصير ونصّت على الآتي: “يجب التأكيد على حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان لتحديد وضعه المستقبلي عن طريق الاستفتاء.”
وذهبت مبادئ الإيقاد خطوةً أبعد حين أعطت نفس الحق للأقليات الأخرى في السودان إذا تمَّ خرق لمبدأ علمانية الدولة السودانية أو لأيٍ من حقوق هذه الأقليات.
يجب التذكير هنا أن حكومة الإنقاذ هي التي طلبت وساطة منظمة ودول الإبقاد.) انتهى.
المرجع: د سلمان محمد احمد سلمان/ لماذا وكيف وصلت قضية جنوب السودان إلى حق تقرير المصير؟ (5_5) تعقيب على د عبدالله علي ابراهيم/ الراكوبة /٢٣ يوليو ٢٠١٨ .

انطلاقا من البيان أعلاه يمكن تلخيص اعلان مباديء الإيغاد في نقطتين:
الاولى: هي حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان.
الثانية: علمانية الدولة السودانية كحل لبقية شعوب السودان بخلاف شعب جنوب.. ثم حق تقرير المصير لشعوب السودان الاخرى (مثل شعوب جبال النوبة/الانقسنا ..الخ ) إذا تم خرق لمبدا علمانية الدولة السودانية او لاي من حقوق هذه الاقليات او الشعوب.
في البداية رفضت حكومة السودان الانقاذية مبادئ الإيغاد عند صدورها بالرغم من انها استندت على اعلان فرانكفورت الذي تضمن حق تقرير المصير كاعلي سقف .. وسوف نرى لاحقا انها رجعت وقبلت بهذه المبادئ وأدخلتها (تحديدا حق تقرير المصير) في دستور ١٩٩٨ الذي كتبه د الترابي بيده .

(د) دستور ١٩٩٨ الإسلامي /التوالي الذي تضمن حق تقرير المصير .. وتوج جميع اتفاقيات السلام من الداخل بين سلطة الإنقاذ والفصائل الجنوبية المنشقة عن الحركة الشعبية الام بقيادة د جون غرنق :

رفضت حكومة الأنقاذ (مبادئ الإيقاد) لانها تضمنت (حق تقرير المصير والعلمانية) .. ومن ثم رفضت الوساطات الخارجية وابتدعت (فكرة السلام من الداخل) .. وهدفها الأساسي هو تكريس الانقسام داخل الحركة الشعبية الذي بدا منذ عام ١٩٩١ .. فدخلت سلطة الإنقاذ في سلسلة من الاتفاقيات مع الحركات الجنوبية المنشقة عن الحركة الشعبية الام تركزت كلها على هدف اساسي هو (حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان يمارسه عبر استفتاء) اكتفي بالاشارة الي هذه الاتفاقيات في النقاط التالية:

** الميثاق السياسي بين الراحل الزبير محمد صالح عن حكومة الإنقاذ وبين الفصائل الجنوبية المنشقة عن الحركة الشعبية آلام (مجموعة بحر الغزال) بتاريخ ١٠ أبريل ١٩٩٦ .

** اتفاقية الخرطوم للسلام بين حكومة الإنقاذ والفصائل الجنوبية المنشقة عن الحركة الام - رياك مشار والقائد كارببينو كوانين- بتاريخ ابريل ١٩٩٧ .

** اتفاقية فشودة التي وقعها د لام أكول عن الفصيل المتحد المنشق عن الحركة الشعبية من طرف، ووقعها عن حكومة الأنقاذ موسي المك كور بتاريخ ٢٠ سبتمبر ١٩٩٧ .

(٨) الحركة الشعبية الأم تنتزع حق تقرير المصير من احزاب الجلابة المعارضة لسلطة الإنقاذ والمنضوية تحت لافتة التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة الميرغني من خلال (اعلان أسمرا للقضايا المصيرية ١٩٩٥):

(أ) اتفاقية اسمرا للقضايا المصيرية ١٩٩٥ المبرمة بين الحركة الشعبية الام بقيادة د جون غرنق ١٩٩٥ ) وبين التجمع الوطني الديمقراطي اتت كتتويج لاتفاقيتين ثنائيتين هامتين.. الاولى هي اعلان القاهرة بين الحركة الشعبية بقيادة د جون غرنق وبين الحزب الاتحادي الديمقراطي.. وقعها عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الدكتور احمد السيد حمد وعن الحركة الشعبية يوسف كوة مكي بتاريخ ١٣/ يوليو ١٩٩٤ نص على حق تقرير المصير، والثاني بين الحركة الشعبية وحزب الامة دخل التاريخ باسم اتفاقية شقدوم ديسمبر ١٩٩٤ وقعها عن حزب الامة د عمر نور الدائم ومبارك الفاضل وعن الحركة الشعبية سلفا كير نصت ايضاً على حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان.

(ب) ما هي القيمة التاريخية لإعلان أسمرا للقضايا المصيرية ١٩٩٥ ؟

أولاً : نظريا يبدو ظاهرا أن (شعب جنوب السودان قد حصل على حق تقرير المصير موثق بموجب اتفاقيات غير قابلة للإنكار مستقبلا، وقد تم تضمين هذه الاتفاقيات لاحقا في دستور عام ١٩٩٨ . نقطة الضعف في هذه الاتفاقيات ودستور ١٩٩٨ تكمن في (شرعية نظام الإنقاذ نفسه) .. فنظام الإنقاذ هو ( نظام انقلابي على الدستور .. وبالتالي فاقد للشرعية الدستورية والقانونية) .. باطل من الاساس .. وما قام علي باطل فهو باطل .
ثانيا : حكم الإنقاذ هو (الجبهة القومية الاسلامية) التي حازت على (٥١ مقعدا في انتخابات ١٩٨٦ ) وهي آخر انتخابات برلمانية حرة جرت في السودان.. اكثر من ٥٠٪؜ من هذه المقاعد اتت من (دوائر الخريجين) .. وقد سارعت الجبهة الاسلامية بتنفيذ انقلابها لإنهاء كانت على يقين بان البرلمان كان سيلغي نظام دوائر الخريجين لانه ثبت ان الجبهة الاسلامية هي المستفيد الوحيد من هذا النظام.
ثالثا: الفيدرالية كانت مرفوضة في الديموقراطية الاولى من اباء الاستقلال عام ١٩٥٦ ، ثم كانت مرفوضة-الفيدرالية- في الديموقراطية الثانية في عهد اكتوبر في المائدة المستديرة باجماع الاحزاب الشمالية بما فيها جبهة الميثاق الاسلامي، وبالتالي فإن موافقة حزب انقلابي صغير فاقد للشرعية على حق تقرير المصير الذي كان (من التابوهات/ المحرمات) بمنطق (من باب اولى) - بمعنى رفض الفيدرالية التي هي اقل من تقرير المصير يتضمن بالضرورة رفض حق تقرير المصير.
رابعا: تأتي اهمية اعلان أسمرا للقضايا المصيرية من. اهمية أطرافه من الاحزاب السياسية الشمالية وهي (الحزب الاتحادي الديمقراطي/ حزب الأمة القومي/ الحزب الشيوعي السوداني) .. اضافة إلى كيانات التجمع التي صارت من حلفاء الحركة الشعبية باعتبارها قوى هامش مثل ابناء جبال النوبة، ونهضة دارفور بقيادة الراحل احمد ابراهيم دريج .
خامسا: اخلص من النقاط الاربعة اعلاه الى ان إعلان أسمرا للقضايا المصيرية يقفل الباب مستقبلاً تماماً في وجه كل احزاب المعارضة المنضوية في التجمع الوطني الديمقراطي وكل من يتسول له نفسه في التشكيك في شرعية الاتفاقيات المبرمة بين حكومة الإنقاذ والأحزاب الجنوبية المنبثقة عن الحركة الشعبية آلام بقيادة د جون غرنق.. بحجة عدم شرعية نظام الإنقاذ نفسه. وهكذا لعبت الحركات الجنوبية ادوارا تكاملية صبت كلها في صالح قضية الجنوب واستقلاله عبر ممارسة حق تقرير المصير.

(٩) ما هو المقابل الذي دفعته الحركة الشعبية لأحزاب الجلابة نظير حق تقرير المصير في اعلان أسمرا للقضايا المصيرية؟ هل كان حق تقرير المصير تنازلا مجانيا ؟
للتوضيح نبين أن الصفقة التي تمت بين الفصائل الجنوبية المنشقة عن الحركة الشعبية آلام بقيادة د جون غرنق من طرف وبين سلطة الإنقاذ كانت عبارة عن (تقرير المصير مقابل السلام).. هذه صفقة مفهومة في إطارها مع تغافلنا التام عن (بواعث حكومة الأنقاذ الخبيثة وهي توسيع هوة الخلافات الشخصية ذات الطابع القبلي بين د جون/دينكا .. د رياك مشار نوير / .. د لام أكول /شلك وهكذا.
بالمقابل: علي صعيد احزاب الجلابة (الحزب الاتحادي/حزب الامة/ الحزب الشيوعي) ما هو المقابل/ الثمن الذي دفعته الحركة الشعبية بقيادة د جون غرنق في صفقة (أسمرا للقضايا المصيرية) لتحصل على تقرير المصير؟
الحقيقة المؤسفة هي أن احزاب الجلابة (الاتحادي/الامة/الشيوعي) لا تتذكر ان هناك جنوبيين لهم خصوصياتهم واختلافاتهم الدينية والعرقية واللغوية، ولا تتذكر مطلبهم العادل (الفيدرالية) إلا عندما تفقد هذه الأحزاب السلطة!! وتتحول إلى المعارضة.. اذن المقابل الذي تريده احزاب الجلابة من الحركة الشعبية مقابل تقرير المصير هو (ان تركب هذه الاحزاب على ظهر الحركة الشعبية لتصل إلى سلطتها المسلوبة والمغتصبة من قبل الجبهة القومية الاسلامية في ٣٠ / يونيو ١٩٨٩ . ونذكر في هذا الخصوص بان احزاب التجمع الشمالية قد فشلت كلها في تاسيس حركات مسلحة علي قرار جيش الجبهة الوطنية (حزب الامة + الحزب الاتحادي + الأخوان المسلمين ) بقيادة العميد محمد نور سعد والذي غزا الخرطوم في صبيحة ٢ /يوليو ١٩٧٦ . لقد احترمت الحركة الشعبية نفسها حين طلبت من جميع فصائل التجمع الوطني الديمقراطي أن تجهز جيوشها (لتحرير الشمال) .. وان المطلوب من الجنوبيين والشماليين التعاون والتنسيق مع بعض لان العدو واحد هو نظام الإنقاذ الاسلاموي . طبعاً فشلت احزاب الجلابة (المصنوعة من عجينة البسكويت) في تاسيس جيوش مقاومة للنظام.. وصار الجيش الشعبي يحارب النظام في جبهة الشرق نيابة عن احزاب التجمع الوطني الديمقراطي! باختصار الثمن او المقابل الذي دفعته الحركة الشعبية لأحزاب الجلابة في تجمع الميرغني هو ان تحارب الحركة الشعبية حكومة الإنقاذ (نيابة عن تجمع الميرغني) حتى اسقاطها.. او ان تشارك احزاب التجمع في قسمة السلطة بموجب اتفاقية السلام الشامل.. وبالفعل نالت احزاب التجمع حصتها من السلطة عبر اتفاقية القاهرة ومارست الهبوط الناعم على قدر مساهمتها المتواضعة في المعارضة!!
(١٠) بروتوكول منتجع مشاكوس ٢٠٠٢ بين الحركة الشعبية الام وحكومة الإنقاذ والذي انتزعت الحركة الشعبية/الجيش الشعبي بموجبه حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان ينهي (مشكلة جنوب السودان) .. ويفتح افاق الدارفوريين لشيء مماثل!!
بروتوكول مشاكوس كان قمة الانتصار لإنسان جنوب السودان الذي ظل يحارب منذ عام ١٩٥٥ من اجل الكرامة والمساواة والعزة في وطنه.. ففي بروتوكول مشاكوس انتزعت الحركة الشعبية بقيادة د جون غرنق لشعب جنوب السودان حقه في تقرير مصيره (للمرة الألف.. ولكن هذه المرة بطعم خاص) .. على يد الحركة الشعبية بقيادة د جون غرنق الذي تمت شيطنته لزمن طويل.. لقد حصل (شعب جنوب السودان) على حق تقرير المصير منذ عام ١٩٩٢ بموجب إعلان فرانكفورت.. ولكن حكومة الإنقاذ تعتبر حق تقرير المصير كانّه حق شخصي تمنحه لدكتور رياك مشار او دكتور لام أكول .. لذلك ارادت ان تناور وتفاصل مرة اخرى في مشاكوس حول حق تقرير المصير فواجهها الوسطاء والمسهلون الاجانب بالاتفاقيات التي وقعت عليها حكومة السودان والتي تمنح (شعب جنوب السودان) حق تقرير المصير.. فلم تجد حكومة السودان في منتجع مشاكوس بدا من التوقيع على بروتوكول مشاكوس.. وبذلك حصل شعب جنوب السودان على كل الخيارات ومنها حق تقرير المصير والانفصال.. وبذلك فتحت حكومة السودان أبواب جهنم على نفسها.. وتحديدا في اقليم دارفور.. وغني عن البيان ان اي شعب من شعوب السودان حمل السلاح (يريد اما الوحدة الجاذبة (وفقا لشروطه) أو تقرير المصير والانفصال..
في الفصل التاسع من كتابنا (التمرد والتغيير.. منذ حامية توريت وحتى الدعم السريع.. (٩-10). سوف نتناول تمرد الزرقة في دارفور عبر حركتي العدل والمساواة والتحرير عام ٢٠٠٣ عقب توقيع بروتوكول مشاكوس ٢٠٠٢ .
ابوبكر القاضي
نيوبورت /ويلز UK
١٥ ابريل ٢٠٢٤

aboubakrelgadi@hotmail.com

 

آراء