كل من يسر له الله تعالى الحج فرضاً أو نافلة يعلم أن الحج عبادة بدنية شاقة وخاصة للمرضى وكبار السن الذين وهنت أجسامهم وهم دوماً الغالبية في الحج، ومعظم هؤلاء يؤدون الفرض الا قليلاً منهم متنفلون. وبفضل الله تعالى اصبحت استجابة النداء الإبراهيمي في زيادة مطردة كل عام مما يضطر بلدية مكة المكرمة وبلدية المدينة المنورة من مضاعفة الجهد عاماً بعد عامٍ للتوسعة المكانية وتحسين الخدمات لخدمة هذا الكم الهائل من ضيوف الرحمن الذين جاءوا بالفعل من كل فج عميق من هذا العالم المترامي الأطراف.
هذه الجهد في التوسعة المكانية والخدمات المادية يحتاج لجهد موازٍ في الفقه لتيسير الحج وتخفيف الزحام الذي يشكل خطراً على أرواح المسلمين التي هي أغلى من أداء سنة أو فعل مستحب أو خلافٍ فقهي. ومن الأشياء التي يجب أن يعيد فقهاء الحرمين الشريفين فيها النظر الأشياء التالية: 1- رمي الجمرات: بالرغم من أن كثير من الفقهاء المعاصرين والقدماء جوزوا رمي الجمرات في أي وقت على شرط أن يكون في اليوم المحدد لذلك إلا أننا ما زلنا نقرأ في كتب إرشاد الحجاج ونسمع من شيوخهم في الحرم أنَّه لا يجوز الرمي إلا بعد الزوال!!. وفي الحقيقة "عدم الجواز" أمرٌ لا دليل عليه البتة من ناحية الجدل الفقهي. فأن الدفع باربعة ملايين من الحجاج للرمي في وقت ضيق كهذا هو رمي بهم للتهلكة المحققة، وبالفعل قد رأينا في الماضي من الكوارث ما يدمي القلب حزناً. فعليه يجب الفتوى بجواز الرمي في أي وقت من يوم الرمي، وتعميمها ونشرها كتابة وشفاهة ومنع الشيوخ من الإفتاء بغيرها. والجدير بالذكر أن فطرة المسلمين السليمة الآن قد تجاوزت تلك الفتوى المتشددة فتراهم يرمون بعد صلاة الفجر في أعداد مهولة ذهابا وإياباً ولا يمكن أن يكون كل هذا السواد على خطأ. فاذن المطلوب هو توافق الفتوى النظرية مع الواقع العملي لحسم الخلافات ولتخفيف الزحام حفاظا على ارواح المسملين.
2- صلاة الجمعة في الحرم المكي: كل الحجيج الذي يزور مكة للمرة الأولى - وقد تكون الأخيرة له - يحرص كل الحرص على صلاة الجمعة في الحرم المكي فلذلك تجدهم يسارعون لحجز أماكنهم من بعد صلاة الفجر أو يأتون الحرم مبكراً منذ السابعة صباحاً، وغالباً ما يقفل الحرم في وجه القادمين إليه ويمنعوا من الدخول مبكراً منذ الساعة العاشرة صباحاً. ينتظر الناس جلوساً على الأرض منذ السابعة صباحاً وحتى نهاية الصلاة في حوالي الساعة 2:30 بعد الظهر. وكما ذكرنا سابقا أن معظم الحجاج من كبار السن والمرضى والنساء وهذه فترة طويلة جدا لأنتظار الصلاة من غير أن يفقد الإنسان وضؤه عدة مرات ليجد مشقة في الخروج للحمام وحينه يستحيل الرجوع لمكانه الأول الذي جاهد من أجله كل اليوم.
والحل لهذه القضية هو الآتي: أ- أن تقام أكثر من صلاة جمعة في الحرم. الأولى تكون مبكرة مع الزوال مباشرة أو قبله بقليل، والثانية بعد ساعة ونصف من إنتهاء الأولى، والثالثة بعد ساعة من إنتهاء الثانية. ب- يطلب من أهل مكة المقيمن فيها أن يفسحوا الحرم لضيوف الرحمن أيام الحج فكل مكة بالنسبة لهم حرما. (وإذا قيل لكم أفسحوا في المجالس فافسحول يفسح الله لكم) ت- يطلب خطيب الجمعة الأولى والثانية من المصلين الذين ليس لديهم إكمال سعي أو طواف قد بدأوه قبل الصلاة مغادرة الحرم ليفسحوا الحرم لغيرهم من المصلين لأداء شعيرة الجمعة واكمال الطواف والسعي. ث- التواصل مع كل بعثات الحج في العالم لشرح هذه النقطة لكل الحجاج ليساعدوا في انجاحها. ج- في حالة رفض المقترح أعلاه على إمام الحرم إعتلاء المنبر في أول الوقت طالما أن الحرم ممتليء وأن الوقت للجمعة قد دخل تخفيفا على الناس.
3- تقديم السعي على الطواف لحظة الزحام: في كثير من الأحيان يجد الحاج أن ساحات الطواف ممتلئة وعليها زحمة شديدة في الوقت الذي تخلو فيه ساحة السعي من الزحام فيجد في ذلك فرصة للاستفادة من الوقت وتقديم السعي على الطواف فيسأل مفتي الحرم بالتلفون فيأتيه الجواب "لا يجوز" في الوقت الذي أفتى فيه الشيخ بن باز رحمة الله عليه بجوازه فاقل للسائل: "الصواب أنه لا حرج عليه، ولا حرج في تقديم السعي على الطواف، والسنة أن يكون بعد الطواف كما طاف النبي ﷺ وسعى، هذه السنة، لكن من جهل أو نسي؛ صحت عمرته وصح حجه، فإذا سعى قبل الطواف في العمرة أو سعى قبل الطواف في الحج؛ أجزأه ذلك لأمرين: أحدهما: قول النبي ﷺ لما سئل عن أعمال الحج يوم العيد: افعل ولا حرج افعل ولا حرج سئل عن التقديم والتأخير فكان يقول: افعل ولا حرج قال الراوي: فما سئل يؤمئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج، وهذا يعم الطواف والسعي، وإذا جاز في الحج جاز في العمرة؛ لأن أحكامهما سواء والحج أعظم.
الأمر الثاني: أنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام بإسناد صحيح عند أبي داود أن رجلًا سأل النبي ﷺ فقال: «يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف، قال: افعل ولا حرج، لما سأله عن السعي قال: لا حرج يعني: السعي قبل الطواف، قال: لا حرج وهذا نص صحيح صريح يؤيد العموم السابق، وهذا قول جماعة من أهل العلم، والأكثر على أنه لا بد من تقديم الطواف على السعي. ولكن الصحيح هو جواز تقديم السعي وإن كان خلاف قول الأكثر؛ لأن المعول هو الدليل، المعول عليه هو الدليل، والله يقول سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} النساء:59]الآية،ويقول: {: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]الآية."
وقد صدق الشيخ بن باز وأصاب فتقديم الطواف على السعي هو سنة ولا تعني بالضرورة منع السعي أو الإفتاء ببطلانه قبل الطواف لضرورة من الضرورات وكفى بالزحام وما يجره من مشاكل ضرورة تحتاج لنظر.
4- أصحاب العجلات: هذه العجلات مع أنها تساعد أخوة وأخوات لنا عجزوا عن المشي لسبب من الأسباب، إلا أنَّها في واقع الأمر تشكل خطراً كبيراً من الناحية الأخرى على أصحاب مرضى السكري وغيرهم من المرضى وكبار السن الذين كثيرا ما تصيبهم هذه العجلات بجروح خطيرة وعميقة، فوجب إعمال الفقه لتخصيص طابق بعينه أو مسارات بعينها للعجلات حتى لا تأذي الآخرين فلا ضررٍ ولا ضرار في الحج وغير الحج.
5- تضييق شرطة الحرم للمسارات: في كثير من الأحيان بل في معظمها تتسبب شرطة الحرم في خلق زحام غير مبرر بقفلها لمسارات وطرق يمكن أن تفسح المجال وتخفف الزحام، إلا أنّ الشرطة تتسبب في الزحام من حيث لاتشعر ولا تريد ولا تخطط. هذا المجال يحتاج لكثير من الجهد والتدريب والاستشارات لتطوير مقدرات الشرطة لإدارة الزحام وتوجيه المسارات.
6- الصلاة أمام الإمام في ساحة المسجد النبوي: هذه نقطة أيضاً تحتاج لمراجعة فقهية عاجلة لأنها تتسبب في تضييق ساحة المسجد النبوي وتفويت الصلاة على كثير ممن يأتي من جهة القبلة مهرولا يحاول اللحاق بالركعة الأخيرة. فطالما أن الجميع يأتمون بالإمام ركوعا وسجودا وقعودا وسلاما فلا حرج في وقت الضرورة والزحام أن يتقدم المأموم على الإمام وخاصة أذا فصل بينهم حائط أو أي شيء. فعلى القائمين على أمر المسجد النبوي مراجعة هذا الأمر توسعة على المسلمين وتخفيفا لهم.
7- البقيع: من يزور البقيع لا يجد اسما مكتوباً على أي قبر من قبور الصحابة والعلماء والصالحين والأقرباء واذا سألت شرطياً أو مرشداً دينياً عنهم يأتيك الرد مُراً جافاً يتهمك في عقيدتك وعقلك ورشدك.... أيش تستفيد من أسمائهم؟ ماذا ينفعك هؤلاء؟ هؤلاء موتى يا شيخ....روح يا شيخ روح...الخ. فأذا كانت كتابة أسمائهم تدعونا لعبادتهم كمال تظنون... فلماذا لم نعبد محمد رسول الله وصاحبيه وقبورهم معلومة للجميع ومؤكدة لا خلاف عليها البتة ومكتوب عليها أسماءهم وهي تبعد من البقيع عدة أمتار؟!!!
ولماذا لم نعبد الصحابة الذين دفنوا في العراق ومصر وسوريا والأردن وغيرها من البلدان وقبورهم معلومة ومكتوب عليها أسماءهم...فلماذا لم نعبدهم وقبورهم معلومة لدينا؟ وهل رأيتم في يوم من الأيام وأنتم تخدمون المسجد النبوي -زاده الله وصاحبه شرفاً -أو سمعتم بمسلم جاء وسجد لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل سمعتم أو رأيتم أحداً من المسلمين وقف أمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وخاطبه أنت ربي الأعلى ولا نعبد إلا إياك؟ فإذا هذا لم يحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يحدث فما الذي يجعله يحدث لأصحاب البقيع؟ هل هم فوق رسول الله صلى االله عليه وسلم فيهرع إليهم المسلمون الموحدون بالعبادة؟ أليس في هذا ظن سيء بعقيدة التوحيد وأثرها في النفوس؟ أليس في هذا ظن سيء بالمسلمين؟ أليس في هذا استخفاف بعقول المسلمين التي تنحدر من كل جنس وأرض؟
إذا كتبت الأسماء أو لم تكتب فهي معلومة مشافهة بين الناس يتناقلونها بالتواتر وهناك خرطة في النت توضح قبر كل صحابي ولا شك عندي أنها ستتطور لتخلق للبقيع مقبرة إفتراضية Albaqie Virtual cemetery يزورها كل المسلمون من أي مكان في العالم في أي وقت يتعرفون من خلالها على قبور الصحابة والعلماء والشهداء المدفونين هناك. ومع كل هذه العلم والمعلومات المتوفرة والتي ستتوفر عن موتى البقيع لم ولن نسمع بأحدٍ من المسلمين أشرك مع الله الحي القيوم أحداً من موتى البقيع. فهذا فقه يحتاج لمراجعة عاجلة لأنه يستفز كل المسلمين وإستفزاز السواد الأعظم من المسلمين ليس من الفقه في شيء
5- الضياع في مخيمات منى: بالرغم من الجهد الضخم المبذول في منى إلا أن الحجاج ما زالوا يضيعون في منى لساعات طوال وذلك بسبب عدم شرح المطوفين للحجاج كيفية استخدام الخريطة والعنوان. وفي الحقيقة الأمر بسيط جدا لمنع هذا التيه المتجدد كل عام. وأنا أقترح على المسؤليين على أمر المخيمات الآتي:
أ- استخدام الألوان في أعلى خيم كل معسكرٍ تطابقاً مع الخريطة التي يستخدمها المرشدون. فإذا كان المخيم لونه أحمر في الخريطة تكون تلبيسة الخيم التي على أعلى الخيم حمراء... وإذا كان المعسكر لونه أزرق تكون تلبيسة الخيم زرقاء وهكذا .....الخ وفي هذه الحالة سيرى الحاج الضائع لون مخيمه وسيتجه إليه وهناك يمكنه الذهاب لمكتب ارشاد المخيم لمساعدته للوصول لمكانه المخصص له. ب- كل مخيم يوزع بطاقة عنوان فيها لون المخيم ورقم التلفون ورقم المخيم ورقم الشارع ليحتفظ بها الحاج في جيبه أو يصورها بجواله.
8- طواف الوداع: من الأشياء التي يسأل عنها الحجاج بشدة وفي الغالب الأعم تأتيهم الإجابة متشددة هي حكم طواف الوداع، هل هو واجب أم سنة؟ وإذا طاف الحاج طواف الوداع كم يجوز له أن يبقى بمكة؟ وهذا السؤال الأخير مزعج جداً للحجاج لأنّ وقت وقرار رحيلهم من مكة وفنادقها ليس بأيديهم كم كان في الماضي. وفي الحقيقة فقه طواف الوداع لم ينشأ في سياق الحج والعمرة حتى يعتبر واجباً فيهما وانما نشأ خارج هذا السياق أدبا مع بيت الله المكرم فسنَّ رسول الله صلى االه عليه وسلم هذا الطواف تيمناً وتعظيما للبيت الحرام ولم يفرضه وانما حث عليه. فمن فعله فله أجره ومن لم يفعله فلا إثم عليه فقد أدى طواف الإفاضة من قبل. والقول الوسط المقبول للحجاج أن يقال لهم طوفوا طواف الوداع في آخر سويعات تظنون فيها أنكم مغادرون لمكة ولا ترجعون للحرم مرة أخرى حتى تسافروا فإذا تأخر سفركم فلا حرج عليكم حتى تسافروا ما لم ترجعوا الحرم في هذه الفترة...فإذا رجعتم للحرم بعد طواف الوداع الأول فالأفضل تجديده طالما لديهم الوقت من غيرإلزام لهم.