فلاش باك – الازمة الشاملة عشية التغيير (1)

 


 

 

tai2008idris@gmail.com

المبتدأ: -
(الدموع لا تسترد المفقودين ولا الضائعين ولا تجترح المعجزات. كل دموع الارض لا تستطيع ان تحمل زورقا صغيرا يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود) تشي جيفارا
الخبر: -
(1)
شهدت بلادنا مع اندلاع ثورة 19 ديسمبر 2018م؛ احداثا وتطورات غير عادية كان أبرزها، انهيار نظام الحركة الاسلامية الدكتاتوري تحت ضربات معاول القوى الثورية؛ وانتهاء حقبة حفلت بالمظالم والفساد؛ وبالحروب الداخلية والموت والخراب، وبحملات الإبادة والمقابر الجماعية والاعدامات؛ والتهجير ومصادرة حقوق الانسان، وبالتخلف والتراجع في كافة الميادين وعلى كافة الصعد.
(2)
مثلت لحظة انهيار دكتاتورية الحركة الإسلامية؛ لحظة فارقة في تاريخ شعبنا؛ فإضافة لزوال هم الدكتاتورية التي جثمت على صدر الوطن زهاء الثلاثة عقود؛ فتحت تلك اللحظة الباب واسعا امام ظهور، تعقيدات وتناقضات الوضع الراهن؛ وهذا ما يدفعنا للرجوع في الأجزاء الأولى من هذا المقال لاستعراض مخازي الثلاثة عقود من حكم الحركة الإسلامية للسودان؛ فلكي نفهم تعقيدات وتحديات فترة الانتقال الماثلة كان لزاما علينا العودة (فلاش باك) فأحداث التاريخ ليست منفصلة عن احداث الحاضر بل هما في ترابط جدلي وثيق ؛ عموما ومهما يكن من امر فقد انفتح امام البلاد بعد الخلاص من نظام الاستبداد؛ آفق جديد وإمكانية حقيقية لإرساء أسس الدولة المدنية الديمقراطية في السودان.
(3)
بانفصال جنوب السودان في العام 2010م وصلت الازمة الشاملة في البلاد؛ لمرحلة الذروة في ظل تسلط النظام الدكتاتوري وازدياد ازمات حكمه تعقيدا، بفعل تراكم الفساد وحدة الصراع المندلع بين مراكز القوى داخله؛ ومع تطاول عزلته اقليميا ودوليا تفاقمت حدة الازمة العامة المخيمة على البلاد، واشتدت مأساة الشعب ومحنة الوطن مما أسهم في تعميق عزلته داخليا أيضا؛ فتوسع رفض قطاعات عريضة من الشعب لاستمراره، واتسعت رقعة المعارضة الجماهيرية لنهجه الفاسد، وازدادت روح التحدي والمقاومة له رغم الامعان في البطش والقمع.
(4)
جوهر الازمة العامة في البلاد تمثلت في احتكار السلطة والثروة بيد قلة قليلة من منسوبي الحركة الإسلامية؛ وفي الاستبداد والظلم وتسخير اجهزة الدولة ومؤسساتها لتحقيق ذلك، لتتحول الدولة من دولة الوطن لدولة الحزب الواحد، وتحرم الغالبية الساحقة من الشعب من حقوقها وحرياتها الاساسية، كما تمثلت أيضا في تردي الاحوال المعيشية، وافتقاد المواطن للأمن والاستقرار، واتساع رقعة الحرب الاهلية في دار فور والنيل الأزرق وجبال النوبة؛ وما خلفته من دمار وخراب وخسائر بشرية، وما احدثته من تشوهات قيميه واخلاقية؛ وما افرزته من ظاهرة عسكرة المجتمع.
(5)
لقد مثلت طبيعة النظام البائد وممارساته محور الازمة الشاملة التي عانت منها البلاد، حيث شكلت عاملا رئيسيا؛ في توالد الكوارث التي تعرض لها الوطن؛ في كافة اقاليمه ونجوعه؛ وتأثرت بها جميع مكونات المجتمع؛ وفئاته المختلفة؛ وقواه ومنظماته واحزابه السياسية. طبيعة السلطة الدكتاتورية واساليبها الفاشية وتعبيرها عن مصالح البرجوازية الطفيلية قاد لاستشراء الازمة في سائر الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية؛ وقد تجلت الازمة بأوضح اشكالها في التدهور المتواصل لأحوال المواطنين المعيشية والصحية والعلاقات الاسرية، بسبب إصرار شيوخ الحركة الإسلامية؛ على نهجهم الاقتصادي، الذي وضع اقتصاد البلاد وثرواتها رهين خدمة نظامهم ومصالحهم فقط.
(6)
ظلت الغالبية العظمى من الشعب تعاني شظف العيش وارتفاع الاسعار وتفاقم البطالة وشح وندرة الخدمات والكثير من المواد الغذائية، كما تعاني من ايقاف الدعم للعديد من السلع والخدمات مقابل بقاء المداخيل على مستواها المتدني، بما فيها رواتب الاغلبية الساحقة من موظفي الدولة، في حين تبتلع الرسوم والضرائب المتنوعة وما انتشر من ظواهر الفساد كظاهرة الرشوة في اجهزة الدولة ومؤسساتها دخل المواطن الشحيح في الاساس. وفي المقابل اتاحت سياسات السلطة واجراءاتها لمنتسبي الحزب الحاكم وحاشيتهم من الطفيليين، الاستحواذ على ثروات طائلة، ما ادى لتعميق التفاوت والاستقطاب الاجتماعيين في البلاد، وتكريس هيمنة البرجوازية الطفيلية على مقدرات البلاد ومصالح المجتمع.
(8)
خـلف نهج النظام الفاسد آثارا سلبية عميقة في واقع المجتمع السوداني، وتشويهات في حياته وبنيته ومثله، وأفضى الى تحلل في النسيج الاجتماعي والأسري، وتصدع في منظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية، وانتعاش في الروابط والانتماءات التقليدية وتدهورت، على نحو كبير احوال الطبقة العاملة؛ والفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا، وتلاشى دور الطبقة الوسطى، التي كانت تشكل مكونا اساسيا من مكونات المجتمع.
(9)
ولم ينجو من نير هذه السياسات الظالمة أيا من طبقات المجتمع وفئاته، باستثناء القلة المرتبطة بالنظام، إلا أن النساء والشباب وبصفة خاصة الطلاب قد كانوا من أكبر ضحايا الوضع البائس القائم؛ حيث رفع الدعم عن الطلاب وتم تشريدهم من السكن الجامعي وحصر هذه الامتيازات في منسوبي الجماعة واستغلالها بصورة بشعة في استقطاب المزيد من العضوية دعما لشعبيته مما أدى لتراجع كبير في مستويات الدراسة، وتسرب التلاميذ والطلاب من المدارس والجامعات وانتشار الامية.
(10)
في اجواء الازمة العامة، ونتيجة لاستمرار مناخ البطش والقمع، وتواصل الضائقة المعيشية والمعاناة الحياتية اليومية، وانتشار البطالة، تواصلت الهجرة الى خارج الوطن بحثا عن ملاذ آمن وكريم، خاصة من جانب الشباب والأكاديميين والخريجين والفنيين؛ وفي حين تعمقت مظاهر الازمة تواصلت مظاهر الرفض للسلطة ومعارضتها والنشاط ضدها بشكل مباشر وغير مباشر، وانخرطت في ذلك أوسع قاعدة جماهيرية وبات واضحا ان القضاء على مظاهر المعارضة بات مستحيل، وهو ما دل على عمق الهوة التي غدت تفصل غالبية الشعب عن نظام الحركة الاسلامية، وبلوغ مرحلة التغيير الثوري نقطة اللا عودة التي لا يجدي معها اعتماد البطش والإرهاب كوسيلة لردع الجماهير ولا التضليل والخداع والمناورة؛ لتتسع أزمة النظام وتعبر الجماهير الثائرة حاجز الخوف وتكمل رص وتنظيم صفوفها إيذانا برحيل نظام الاستبداد.
نواصل.

 

آراء