في الذكرى 67 لاستقلال السودان – الثَّورة وفُرُوض التَّغْيير (4)

 


 

بلّة البكري
11 January, 2023

 

10 يناير 2023م

من لا يتقدّم للأمام يتراجع للخلف وإن ظلّ واقفا في مكانه لأن العالم من حوله يتحرك"!
قولٌ مأثور

(الحل السياسي الجذري)
في 17 يونيو 2018م نشرتْ صحيفتا سودانايل وسودانيزأونلاين مقالنا بعنوان: " لا بديل للحل السياسي الجذري ----" وقد جاء مقالنا في الرد على كاتب صحفي مرموق يحظى باحترام الجميع في الأوساط الصحفية والذي نشر، في ذات الوقت، مقالا تساءل فيه عن سوء الوضع الاقتصادي، وقتها، قائلا: "من الذي اختار لنا وزير المالية الحالي وماهي دوافع هذا الاختيار؟"؛ مشيرا للوزير المعني في ذلك الوقت وكيف إنه ينقصه التأهيل وقلة الخبرة في مجال الإقتصاد. كان هذا في منتصف يونيو 2018م، قبل قيام ثورة ديسمبر 2018م. رددنا عليه في مقالنا المذكور بقولنا: "في الحقيقة هذا هو مربط الفرس. فالحديث عن مؤهلات السيّد الوزير يشابه الطعن في ظل الفيل لا أظن أن الأستاذ (---) أراده أو قصده. فقد انهدَّ البناء الاقتصادي المتهالك أصلا ولم يبق منه شئ. والحل يكمن في النظر الى (جذر المشكلة) الذي هو قطعا ليس مؤهل الوزير الأكاديمي والمهني. أفهم أن تساؤل الأستاذ (---) هو تساؤل "استغرابي" ربما، إن جازت العبارة، لم يكن يقصد منه أن وزيرا بمؤهلات أفضل كان سينجح فيما فشل فيه (---). فقد تعدت المسألة حدود المؤهلات الأكاديمية والمهنية المعروفة وأصبح الحل أحد أمرين: (1) تعيين وزير له مؤهلات خارقة مسنودة بالجن الأحمر أو السِحر (إن وُجد)؛ أو (2) معالجة (جذرية) لأزمة الوطن (السياسية). فأنا اختلف مع الأستاذ (--) في أن الأزمة اقتصادية (على الرغم من الانهيار الإقتصادي الماثل أمامنا الآن) بل هي أزمة (سياسية) تحتاج إلى حل سياسي (جذري). هذا الحل – على حد قول الأستاذ (--) "يستوجب اتخاذ قرارات صعبة، لا بديل لها، وبدونها سيكون كل المطروح مسكنات ذات أبعاد آنية، لا تخاطب جذور الأزمة". انتهى الاقتباس من مقالنا أعلاه؛ وقد حجبنا فيه اسمي الكاتب والوزير لدواعي الخصوصية ويمكن مراجعة المقال في مصدره لمن أراد.

بحلول يونيو هذا العام 2023م نكون قد أكملنا خمسة أعوام على القول بضرورة )الحل السياسي الجذري( كمصطلح سياسي للتداول حوله قبل قيام ثورة ديسمبر 2018م. هذا بغض النظر عن ما سبقه من مقالات وما كتبه آخرون ربما. خمسة أعوام انقضت أو كادت منذ عهد وزير المالية الجالس على المنصب في ذلك التاريخ من يونيو 2018م. وها قد جاء الآن وزير مالية، من طرازٍ آخر، نمتنع عن التعليق على خبرته ومؤهلاته المهنية والتي تتحدث عن نفسها. هذا دليل آخر، إن كان الأمر في حاجة إلى أدلة، ينبئنا إنه في غياب (الحل الجذري) سنظل نسير إلى الخلف وبوتيرة تراجعية مخيفة. (الحل الجذري) هو أوّل فروض الثورة حتى نوقف سلسلة المسكنات التي لا تخاطب جذور أزمة الوطن منذ الاستقلال. فعلى القوى السياسية الجادة في أمر (التغيير الجذري) طرح خارطة طريقها وبرنامجها للنقاش للوسط السياسي كله. هذا فرضٌ آخر من فروض التغيير لا يحتمل الإرجاء. نعم سيأخذ الأمر وقتا قبل أن ينضج كمشروع مستقبلي مستوفي الدراسات للعمل به. فتلك طبيعة العمل الجماعي العام. فهو صعبٌ وبطئ، يتطلب الصبر والصدق وحُسن النية والمقدرة على الأخذ والرد وتحمل الأذى. بل إن الإجماع على أمر ما يأخذ، بالضرورة، وقتا أطول، لكنه، في الغالب، يأتي بأفضل الحلول. وهذه من محاسن "الديمقراطية" التي لم يتمكن العقل السياسي البشري باقتراح ما هو أفضل منها. فقد جاء أن سير ونستون شيرشل، رئيس وزراء بريطانيا، والذي قاد بلاده للنصر ضد النازية في الحرب العالمية الثانية، قد قال ذات مرة: "الديمقراطية هي أسوأ نُظم الحكم الى أن تنظر الى البدائل"! والبدائل، منها بالطبع الأنظمة الدكتاتورية العسكرية وهذه أسوأها على الإطلاق؛ لأنها ترتكز على نظام الأمر وطاعة ولي الأمر. فإذا قال القائد العام أفعلوا كذا صار قوله أمرا واجب التنفيذ لكل من يليه رتبة وهنا تكمن الكارثة إذا أخطا سيادته؛ وما أكثر أخطائهم السياسية. هذا فضلا عن نزعة التسلط التي تغري بها (السلطة المطلقة) والتي يتحول معها الحاكم الى فرعون متكبر يرى المسائلة تطاولا على سلطته. ولنا في سودان نميري والمخلوع الأخير عبرة لمن يعتبر.

في هذه المقالات نود مخاطبة الجميع كمساهمة في (مشروع الاستنارة) العريض الذي هو من أوجب واجبات الثورة بل من أهمّ فروضها على كل مقتدر. نخاطب أيضا، وخُصوصا، (المنظومة السياسية) كلها بمختلف مشاربها وأحزابها والتي نَصّبت نفسها وصية على الشعب السوداني كله دون تفويض في الوقت الراهن. وقد وضح جليا أنّ بعضهم أو جُلّهم طلاب سلطة فقط؛ يعملون لحساب أحزابهم أولا، هذا إن أحسنت بهم الظن. لا يقدمون برامج حزبية بلغة واضحة مفهومة ولا يسمعون رأيا مخالفا من مئات المهمومين بمصيبة هذا الوطن المبتلى، والذين بحت أصواتهم وهم يصيحون "الحِصّة وَطن يا عالم" ولكن ولا حياة لمن تنادي!

-ونواصل -

(*) مهندس (CEng FICE) وكاتب في الشأن السوداني
ballah.el.bakry@gmail.com

 

 

آراء