في سؤال العقل في الفكر السودان(3-3)

 


 

 



خامسا: يحاول(خالد) اثبات هزيمة دعاة الفكر النقدي بادوات علمية، فيصل الي استنتاجات تبدو وكأنها ذات أرضية علمية لأنها لجأت للأرقام والاحصائيات.وهذا مايسمي "وهم الارقام" أو الارهاب بالارقام باعطائها سلطة حسم الجدل.فهو بدعوى العقلانية يكتب
"ولعل نتيجة هذا الجهد الثقافي والعلمي في تحقير الدين في حياة المسلمين أصبحت مخيبة لآمال العقلانيين، وأدت الي نتائج عكسية تماما، حيث إزدادت وتيرة التدين بصورة كاسحة في المجتمعات الإسلامية والعربية  ،مما أنعكس علي جوهر عملية الحراك السياسي والديمقراطي الراهن في المنطقة، وارتفعت معدلات انتشار الدين الإسلامي بصورة غير مسبوقة ليصبح الديانة الثانية في العالم من حيث عدد معتنقيه وأسرع الديانات إنتشارا في العالم، بل أصبح هوية ثقافية وحضارية لكثير من الشعوب، حيث وصلت نسبة من يعتنقونه حسب آخر إحصاء 19.8% من جملة سكان العالم".وفي موضع آخر يري ان الكتاب لا يشكل خطرا:- "لأنه أعاد إنتاج المزاعم الإلحادية القديمة بالطعن في حقانية النبوة المحمدية و ماهية الدين في حياة الناس، وضرورة تجاوز الدين وتحقيره في حياة البشر بدعوي العقلانية، وستتصدي لدعوي هذا الكتاب مراصد الوعي والحداثة الدينية، ومواطن التدين التقليدية القوية في العالمين العربي والإسلامي مما يجعل صوت من ينادون بمنهجه ويتبنون أفكاره بدعوي الإستنارة والعقلانية يتوارون حرجا وخجلا من مواجهة الجماهير الهادرة دون تخويف أو حجر بل بطريقة ديمقراطية شفافة وعادلة، طالما كانت الديمقراطية هي الخضوع لرأي الأغلبية دون مصادرة لحق الأقلية".
اتوقف قليلا لمجاراة الأخ(خالد) في منطق اثبات التدين بالأرقام .ففي عدد يوم 11 مايو2013 من "الاهرام العربي"ملفا كاملا عن انتشار ظاهرة الالحاد في مصر. وقد استعانت المجلة بأرقام من مصادر علمية أجنبية موثوقة مثل معهد(قالوب). والأهم من ذلك،أليس من المثير للدهشة أن تنشر مثل هذا التقرير اصدارة عربية في بلد يحكمه حزب اسلامي؟وهذا أمر شديد الدلالة في التعامل مع قدسية الدين والمحرمات. فقد أعلن المعهد في استطلاع لقياس الرأي، وهو الذي يجري مثل هذه القياسات في140بلدا،أن عدد الملحدين في مصر زاد بصورة كبيرة. وقد قدرها استشاري الطب النفسي (ماهر صموئيل) بحوالي 2مليون ملحد. ثم ما رأي الأخ (خالد موسي) في  التقرير الذي نشرته صحيفة (الموجز) المصرية يوم 6مايو 2013 في الصفحة16 والذي يستهل بالقول:-" رغم أن النظام الحاكم في مصر محسوب علي التيار الديني إلا أن الفترة الماضية شهدت تزايدا في اعداد الملحدين المصريين خاصة بين الشباب سواء بالنسبة للدين الإسلامي أو المسيحي حتي أن كثيرا منهم أصبح يعبر عن نفسه صراحة علي شبكة الانترنت بعدما أصبح لهؤلاء الملحدين منتديات وصفحات خاصة بهم يعبرون من خلالها عن آرائهم".وورد في التقرير أنه تم عقد اجتماعات سرية بين ممثلين من الازهر والكنيسة من أجل إعداد خطة لمواجهة هذا الفكر الالحادي.
وفي نفس السياق،تقول المصادر سابقة الذكر،في احصائيات عن الالحاد والتدين تنفي وهم أن بلادنا محصنة من الالحاد رغم شدة التدين الظاهري. ففي عام1900 كان91% من الملحدين يعيشون في أوربا، وبقية العالم9% فقط. ولكن في سنة2000 صارت نسبة الملحدين في أوربا 15% فقط،بينما يعيش85% في بقية العالم.وهذا يدحض اسطورة الغرب واوربا المادية المنحلة.كما أن نسبة الملحدين في العالم سنة1900 كانت1% من سكان العالم،وصارت في عام2000نحو 15% من البشر أي قرابة مليار شخص.وهذا يجعل الالحاد أكثر الديانات نموا في القرن العشرين.(راجع التقرير سابق الذكر).ولا يتوقف نموهم عند الحد الكمي بل لاحظت التطور الحادث في افكارهم ونشاطهم "الدعوي؟".ولديهم في السنوات الاخيرة عدد من المفكرين والكتاب،والي جانب الانترنت رفدوا المكتبة الورقية باصدارات هامة.فقد حصلت في زيارتي العام الماضي لاوربا علي كتابين في غاية الاهمية والتشويق،الأولي(The Portable Atheist-Essential Readings for Nonbeliever)وهي تحرير(Christopher Hitchens)
والكتاب في 499صفحة عن دار(Da Capo Press) أما الثاني،فقد كان من الكتب الأكثر مبيعا لعام2012 عنوانه(Religion for Atheist)ومؤلفه(Allain de Botton)وصدرت له طبعة عن(Penguin)رخيصة الثمن9.99 أقل من عشرة جنيهات.وله عنوان فرعي لطيف ومغري(A none-believer’s guide to the uses of religion )والشاهد ان الالحاد  لم يعد مجرد موضة رفض.فقد صدر"مانيفستو الالحاد" أو"البيان الالحادي"مثلما صدر من قبل"البيان الشيوعي".فاصدر الفرنسي(Michal Onfray)ما ترجم الي الانجليزية(Atheist Manifesto:The Case  against Christianity,Judaism and Islam)وذلك عام2007وفي نسخة اخري(In defense of Atheism)وقد وزع فور صدوره200  الف نسخة.
اعود لأخطر ما في رد(خالد) السابق أي الحجاج بالقياس الكمي في التعامل مع ظاهرة روحية هي الدين.فهو يستعمل معايير مادية تبرع فيها الامم المتحدة في قياس النمو،لكي يدعم الدين(غير المادي).فقد كنت أظن أن التدين تعبر عن نموه انتشار القيم السامية وتمام مكارم الاخلاق،والتي تتفوق علي اي رقم. وبالمناسبة كيف يفسر هذه الزيادة الهائلة في اعداد المتدينين مع زيادة معدلات الجريمة والانحراف بل صارت الدول الإسلامية هي الاولي حسب "مؤشرات التحرش الجنسي".وفي السودان تمت أكبر عملية نصب ديني في التاريخ.وقبل فترة،كتب أحد منظريّ المشروع الحضاري،مدللا علي نجاح المشروع بزيادة عدد المساجد. ولكن لم بتطرق لزيادات-في نفس الفترات- لنسبة أطفال المايقوما، ولانتشار المخدرات في دور التعليم،والزواج العرفي،ولاغتصاب الاطفال،واختلاسات المال العام،والغش والتزوير..الخ.وذهب بي الخيال لكي  اتصور في مجتمع المدينة عندما جاءت الرسالة النبوية،لو لجأ "الكفار"للاحصائيات لاثبات قلة عدد المسلمين كدليل ضعف أو لاصدقية إسلام .وذلك لانه لم يجذب اناسا كثر وسجل نسبة احصائية عالية. وفي النهاية ،يعلم(خالد)أن  لسنا امام قضايا سياسية انتخابية تحتاج للجماهيرية والحشد،بل قضايا فكر، وتأمل،وروح.قد تتبني عقيدة ما فئة قليلة ولكن تغلب فئة كبيرة بسبب رجحان ميزان العقل والارادة (الصبر). ونحن اصحاب الآيات الكريمة وليس النسب المئوية:"وكم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة باذن الله والله مع الصابرين". (البقرة:249).وفي آية اخري:-" إن يكون منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وأن يكن منكم مائة يغلبوا الفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون".(الانفال:65).أتمني أن يدقق ويحدد الاخ(خالد)منهجه بحسم والا ينجر مع توفيقية مهلكة.فهو تارة (ابن تيمية) واخري (اوغست كونت).
سادسا: من الخطأ إدراج الكتاب في زكيبة الكتابات النقدية او الليبرالية؛والتي اقحم  فيها  المعقب جميع الاسماء المبتكرة بدءا من طه حسين وعلي عبدالرازق حتي أركون وأبوزيد وجمال البنا.وهذا الجمع حكم تعسفي وغير دقيق ولا يجمع بينهم غير بغض وكراهية الإسلامويين لهم! فهناك اختلافات كبيرة في ميدان الاهتمام الدقيق، والمفاهيم، والفرضيات، و اللغة ،وبالتأكيد الغايات النهائية.وما يجمع بين هؤلاء مقصد  وظيفي وليس علميا أو فكريا؛أعني الدعوة لتجديد الفكر الديني واطلاق حرية التفكير بين المسلمين.لذلك فكتاب(محمد احمد محمود)لا يدخل في أي من الفئات والتصنيفات التي اوردها المعقب،رغم الحشر القسري المستمر فيها.إذ يقع هذا الكتاب ضمن مدرسة تعيد قراءة السيرة النبوية أو النبوة،تاريخيا وانسانيا (انثروبولوجيا). وهذا يجعل السيرة  نسبية وبشرية،وبالتالي يدخل الدارس في صراع  أو تناقض ظاهري مع فكرة المتعالي والمطلق.ويقول (خالد) أن موضوع النبوة والنظر في السيرة قديم،رغم أن بعض الاكاديميين يرفض صفة القدم لان طريقة أو مناهج كتابته ستكون جديدة بالضرورة بحكم ظرف او زمن الكتابة.فالاهتمام قديم ولكن النعالجات جديدة.واعتقد أن المدخل لهذا القديم-المتجدد،هو محاولة الإجابة عن حاجة البشرية لانبياء مع اسقاط الحاضر علي الماضي.فيري الكثيرون أن ختم النبوة دليل علي اكتمال العقل الانساني وعدم حاجته لها. ويري(محمد اقبال):-" أن النبوّة في الإسلام لتبلغ كمالها الاخير في إدراك الحاجة إلي إلغاء النبوّة نفسها.وهو أمر ينطوي علي إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا الي الابد علي مقود يقاد منه،وأن الإنسان،لكي يحصّل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية علي وسائله هو".(تجديد الفكر الديني في الإسلام.ترجمة عباس محمود.القاهرة،2010،ص179).وكان (ابن الراوندي)يري بأن العقل يكفي وحده أو هو قادر علي معرفة الخير والشر،فلا مدعاة لإرسال الرسل،إذ يقول:-"أن العقل أعظم نعم الله سبحانه علي خلقه،وإنه هو الذي يُعرف به الرب ونعمه ومن اجله صح الأمر والنهي والترغيب والترهيب.فإن كان الرسول يأتي مؤكدا لما فيه من التحسين والتقبيح والايجاب والحظر فساقط عنّا النظر في حجته واجابة دعوته،إذ غنينا بما في العقل عنه؛والإرسال علي هذا الوجه خطأ".(عبدالرحمن بدوي:تاريخ الالحاد في الإسلام.القاهرة،دار سينا،1993:95).قد لا تكون هناك علاقة شرطية بين النبوّة والعقل،فقد كان الناس يطلبون من الرسول "معجزة"وليس برهانا عقليا لدعم رسالته.
يمكن  أن ينسب كتاب"نبوة محمد" بالفعل ضمن اجتهادات (مونتقمري واط )
خاصة كتابيّ: محمد في مكة، ومحمد في المدينة (جملة اعتراضية ضرورية: بالمناسبة للمستشرق القس هذا كان له شرف مدنا برئيس هيئة علماء السودان:محمد عثمان مجمد صالح،الذي يقوم بصرف صكوك الكفر والايمان في السودان.فقد اشرف عليه في رسالتيّ الماجستير والدكتوراة!!). كذلك كتاب (مكسيم رودنسون): محمد،باعتبار الكتابين من كلاسيكيات هذا النوع من السيرة.ولكن في العربية ظهرت كتابات هامة، مثل: الإسلام بين الرسالة والتاريخ لمؤلفه عبدالمجيد الشرفي(دار الطليعة،بيروت،2001)وهشام جعيط:في السيرة النبوية-1(بيروت،1999).ومعروف الرصافي:كتاب الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس(منشورات الجمل،2002).وهناك كتاب:علي مبروك- النبوّة .وعبدالهادي عبدالرحمن :جذور القوة الإسلامية.هذا وقد أشرف الاكاديمي التونسي (الشرفي)علي عدد من الاطروحات في نفس المدرسة ،بالاضافة لتأسيس سلسلة الإسلام واحدا ومتعددا و:"معالم الحداثة". وقد اصدرت(رابطة العقلانيين العرب) عددا من الكتابات في نفس الاتجاه.وهناك قول مأثور يفسر تنامي هذا التوجه في نظرة جديدة للسيرة والنبوّة:-"إن الله ينطق العلماء في كل زمان بما يشاكل أهل هذا الزمان".
سابعا:- تقود الملاحظة السابقة الي ما كتبه(خالد موسي) عن التجاوز،وبالغ لدرجة  الحديث عن(فلسفتة التجاوز)و(مانيفستو  تجاوز الاديان) .رغم أنه يفترض في أي فلسفة أن تطرح فكرة أساسية (concept) ومصطلحاتها،ومؤسسيها،وتياراتها ومدارسها.وهذا ما لم يقدمه أو يشير اليه المعقب.فهو يتحدث في الحقيقة- حسب ما اورد- عن اتجاه أو نزعة فقط في نقد الدين،وليس فلسفة.ولكن استخدام كلمة "تجاوز" –عند خالد-يقصد به الايحاء بالالغاء أو الأبعاد،وهذه تهمة في العالم الإسلامي بينما هي واقع في الغرب انتجه التاريخ والتقدم العلمي.إذ لم يعد الدين قادرا علي تلبية كل الحاجات الروحية والعقلية والنفسية المستجدة بعد الثورة الصناعية.لذلك ،لم يكن غريبا أن يتوقع المفكرون والفلاسفة وعلماء الاجتماع، نهاية الدين في المرحلة الوضعية(دوركايم،اوغست كونت)،وأن يتجرأ(نيتشة)ويكتب عن موت الإله.فقد قدم الفكر الاوربي نظريات جديدة هزت أعمدة الدين وثوابته.إذ كان علي الفكر الديني مقارعة نظرية التطور (الدارونية)، والماركسية، والتحليل النفسي(فرويدية).ولكن اهمال الدين في أوربا لم يكن بسبب معارك فكرية أي لم تكن الحرب بين العقول بل علي الارض في المصانع، وعلاقات الانتاج، والصراع الطبقي، وبسبب الهجرة للمدن،ونمو الأسرة الصغيرة كبديل للأسرة الممتدة، وتقلص السلطة  الأبوية،بالاضافة للفردية والانسية.وبالمناسبة،لا يعني تجاوز الدين –بالضرورة- احلال دين جديد أو اصلاح الدين القديم وتجديده،بل قد يعني رفضه أو حتي هدمه.فناقد الدين لا يقوم-حتما- بمهمة المبشر أو الداعية لدين جديد أو مذهب أخر.ولهذا لا معني بوصم الناقد بأنه يريد تجاوز الدين أوهدمه،فقد يكون هذا هو الهدف الاصيل للنقد.وقد أراد المفكرون الاوربيون فعلا:-"قتل النبوة في ذاكرة المسيحيين وعقولهم وافئدتهم" بعد تغير الواقع والحياة.ولكن المشكلة في العالم الإسلامي أن الواقع راكد، ومتخلف اقتصاديا وتقنيا ، ولذلك تجد جميع محاولات"التجاوز"الصعوبات والاضطهاد الفكري. وهذا سبب الاغتراب لدي اصحاب المحاولات، لأن "الاغلبية" راضية بعقلها وايمانها وترفض التشويش والازعاج في النوم العقلي.وقد تقبل هذه المجتمعات ب:"الالحاد الاجتماعي أو الاخلاقي" أو العلمانية الاجتماعية ولكن تقف بشدة ضد الالحاد أو العلمنة الفكرية أو العقلية.وعلي سبيل المثال،قد تتساهل بلداننا في بيع وتوزيع الخمور أو حركة الدعارة السرية والعلنية.ولكن تتشدد سلطات هذه البلدان في ملاحقة كتاب ناقد للدين أو تعليق يرفض الدستور الإسلامي  أو تطبيق الشريعة مثلا.
ثامنا:لابد لي قرب النهاية أن اتساءل مجددا:هل يمكن اخضاع الدين للدراسة العلمية الموضوعية ،رغم ما قلته عن اختلاف طبيعة العلم والدين ،وذلك بالتركيز علي جانب كونه ظاهرة اجتماعية وانسانية؟ أم يظل الدين متعاليا(transcendental)وبالتالي لا يخضع للدراسة المنهجية والعلم والعقل ثم تحتكره علوم اللاهوت فقط؟وقد اختار(محمد احمد محمود) بشجاعة وجرأة المغامرة الأولي ،ولم يخضع لأي ابتزاز بل افتدي كل المفكرين بشق الطرق الخطرة.فقد اختار"انسنة"موضوع الدين من خلال اخضاع النبوة والسيرة لمناهج وطرائق بشرية تقوم علي التساؤل والشك والتأويل واعادة قراءة النصوص.                            
من زاوية علم اجتماع الدين يري(جيرتز)(Geertz)أن هدف اي دراسة منهجية للدين،يجب أن تكون –ليس دراسة الافكار والأفعال والمؤسسات فقط-ولكن عليها أن تحدد كيف وبأي طريقة يمكن لأفكار بعينها أو أفعال أو مؤسسات،يمكن أن تستمر أو تفشل أو حتي تعوق العقيدة الدينية؟وهذا يعني أن نفرق بين الاتجاه الديني نحو التجربة،ونوع الجهاز الاجتماعي الذي استطاع خلال فترة من الزمن،وفي المكان ،أن يرتبط بهذا الاتجاه.وفي هذه الحالة،ماذا يحدث للعقيدة حين تتغير ادواتها أو ماكينتها؟ومن المعروف أن أي عقيدة تكرس نفسها في هذا العالم(المحسوس)من خلال اشكالها الرمزية والترتيبات والتنظيمات الاجتماعية.وفي هذه الحالة تنزل من الأعلي الي الناس علي الارض،وبالتالي تصبح جزءا من صراعاتهم وطموحاتهم وخيرهم وشرهم.
هذه هي الوضعية والموقف التاريخي الذي كتب فيه(محمد أحمد محمود)عن النبوّة وعقب عليه(خالد موسى دفع الله)،كل منهما قدم لنا الجزء الذي ادركه من فيل الحكمة الهندية المعروفة. فالعقيدة الإسلامية لم تعد ذات رموز في عصر العلم والعولمة، قادرة علي منح نفس عنفوان الروح وحدها.كما أن ادواتها وماكينتها الاحتماعية لم تعد في ذات الفعالية والكفاءة السابقة.وهنا يقوم الأول بالنقد وحتي الهدم-لو أمكن،ويحاول الثاني وضع المتاريس واكياس الرمل لوقف الفيضان.وفي هذه الحالة تحاول العقيدة الاستنجاد بالاصول وان تصلح بما صلح به السلف.والخيار الآخر ان تجدد العقيدة نفسها، وهذا طريق صعب علي أي عقيدة مطلقة التفكير وتؤمن بأنها صالحة لكل زمان ومكان،ألا يتناقض التراجع والتجديد مع هذا اليقين الذي يميز هذه العقيدة من غيرها.واظننا نتذكر من قرر قطعيا:
(A reformed religion is not a religion) وذلك لسبب بسيط هو أن الدين المُصلّح أو المعدل حرك اصولا(fundamentals)يفترض فيها  الثبات والاطلاقية،لأنها من عندالله.وهذا هو الفرق بين الدين من جهة،وبين العلم والفسلفة وغيرها من الابداعات البشرية.
اخيرا،وفي النهاية،وعلي المستوي الشخصي البحت لابد من شكر الاخوين (محمد وخالد) لفتح هذا الحوار الذي استطاع أن يخرجني من العالم السفلي للسياسة السودانية الأقرب لجحيم (دانتي) في الكوميديا الإلهية. واحمد لهما أن أعادا لي مزاجي للكتابة مرة أخري ولكن في ما ينفع الناس.فقد آليت علي نفسي عدم الولوج في الكتابة السياسوية السودانية التي ترفض –بعناد -العقلانية والعقل.وتصر علي أن تكون من اساطير الأولين، ومضرة بالعقل والروح مثل التدخين.أو أن تكون من صميم فكر اللامعقول مكتسبة صفة السيريالية السياسية السودانية منافسة لاعتي المدارس الفنية.ففي الابتعاد عنها،فن من اقتصاد الحياة أي عدم تبذير السنوات المتبقية من العمر وهي في الأصل"علاوة عمر" – وليس من المرتب الأساس -فيجب ترشيدها.وهذا رشد جاء متأخرا تجنبا لسوء الخاتمة في مستنقعات السياسة السودانية.
وللجميع كثير الود المستحق.                                      
e-mail: hayder.ibrahim.ali@gmail.com

 

آراء