في ظل هذا الغبن والاحتقان الغاضب: سيناريوهات الحلول المطروحة لن تقود إلى أي مكان !!
عز الدين صغيرون
21 May, 2023
21 May, 2023
8
أول ما ينبغي التأكيد عليه، ونحن نتهيأ لوضع خارطة طريق لمسار ثورة سبتمبر2018 ، أنها، وإن كانت تختلف عن ثوراتنا السابقة في 1924، و 1964، و1985. إلا أنها استكمال لها.
فقد تفتح الوعي بضرورة بناء دولة سودانية مدنية حديثة، تتأسس على مبدأ المواطنة والمساواة والحرية والعدالة مع مولد القوى الحديثة التي تشكلت من خريجي كلية غردون التذكارية وضباط الجيش وصغار ومتوسطي التجار لتلحق بهم بعد قليل، وبتأثير منهم طبقات من العمال والمزارعين.
الجانب الثانوي والتأثير الأقوى لثوار 1924 لم يكن النشاط التحرري الذي ينادي بالاستقلال، ولكنه كان في غرس بذور "القومية" بمفهومها الحديث والتأكيد على وحدة الشعور الوطني وبلورته في المجتمع، عابرا طبقاته المختلفة.
9
وتواصل هذا الجهد الشعبي لبناء الدولة الحديثة، الذي كان يستقطب طاقات مختلف الفئات والطبقات في ثورة أكتوبر 1964 التي شهدت للمرة الأولى زخماً وتلاحماً شعبياً، مثل فيه الطلاب والعمال والمزارعين ذرة سنامه.
وللمرة الثانية انطلقت شرارة ثورة مارس/ أبريل 1985 من اتحاد الطلاب لتنتقل شرارتها إلى بقية الطبقات عبر نقاباتها.
في كل تلك التجارب، كانت صراعات الأحزاب السياسية على السلطة، والطموحات السياسية لضباط المؤسسة العسكرية، هما العامل المشترك في فشل تلك الثورات الثلاث عن تحقيق أهدافها. ولا نظن أن السبتمبريون من شباب هذه الثورة التي نعيش أحداثها اليوم في حاجة لمن يؤكد لهم هذه الحقائق وهم يعيشون نتائجها وتداعياتها، وما تطرحه عليهم من تحديات.
10
هذا الثنائي ظل يحتكر اللعب بكرة السلطة بنفس الآليات المتكررة مع كل فصل من فصول الثورات التي تفجرها "قواعد" القوى الاجتماعية المدنية. وذلك على النحو التالي:
- تطيح هذه القوى الثائرة بنظام ديكتاتوري، فتسارع الأحزاب السياسية إلى اختطاف السلطة من أيدي مفجري الثورة الذين دفعوا ثمنها بدمائهم، وتحولها إلى "غنيمة" يتصارعون عليها وتصبح هي هدف برامج هذه الأحزاب التي لا يعلوها أو يسبقها هدف.
- يأتي ضابط من المؤسسة العسكرية ليضع حداً لهذا التلاعب بالسلطة، ثم يتضح فيما بعد أنه موالٍ للحزب المهزوم، أو المهدد بفقدان كرة السلطة في الصراع السياسي، وفي تلك الصفقة بين الحزب وممثل المؤسسة العسكرية يتعهد الأخير بتسليم السلطة للحزب، إلا أن اغراء السلطة الذي لا يقاوم يحول بين العسكري والوفاء بوعده وتعاهده.
- لتبدأ دورة من الحكم العسكري الديكتاتوري، يثور الشعب عليها بعد أن يضيق صدره، ويطيح به في ثوره يمهرها بدماء شهدائه، لتختطف سلطتها الأحزاب، وتتقاذفها أقدامهم، لتأتي ثلة من الضباط، وبتحريض وإيعاز من أحد المبعدين، على ظهر دبابة يقتحمون الملعب السياسي ...
ويتكرر المشهد هكذا دخلت نملة وأخذت حبة وخرجت إلى ما نهاية.
ترى هل فهم ذلك واستقراء تداعياته ونتائجه يحتاج كان إلى فهامة، حتى لا يتكرر على هذا النحو الممل ؟!.
11
حسناً: ما الجديد الآن في هذه التجربة الرابعة من سلسلة محاولات تأسيس الدولة السودانية الحديثة البديلة ؟.
- الجديد في ثورة الشباب (ديسمبر 2018) انها انطلقت من الشارع، ورغم محاولة الأحزاب اختطافها والانفراد بها مثل المرات السابقة. إلا أن الثوار هذه المرة لم يفلتوا حبل المبادرة من أيديهم.
- كما أن قيادة عسكر النظام المؤدلجين أيضاً لم تغادر المسرح مثل المرات السابقة لتفسحه للأحزاب.
هل هذا كل شيء من عوامل تعقيد المشهد، وخطورة احتمالات نتائجه؟.
لا !.
فما يزيد المشهد تعقيداً أن كل كتلة منها انشطرت على نفسها إلى عنصرين تتناقض أهدافهما وتتضارب مصالحهما:
انشطر العسكر لفصيلين متقاتلين، وانشطرت معهما القوى السياسية لتكون أشكال تحالفات جديدة/ منطقية إلى حد كبير:
فريق القيادة العامة للجيش الذي وقع على الاطاري ثم "نطَّ"، وانضم إلى فلول النظام الإسلاموي السابق وبعض الحركات السلفية والجهادية مثل داعش.
وفريق الدعم السريع، الذي أعلن انحيازه للاطاري، منضماً إلى أحزاب مركزية الحرية والتغيير.
12
وكما ترى فإن فريق البرهان/ الفلول أدخل نفسه في نفق من التناقضات المربكة، أدخلت حليفه الخارجي/ مصر في ربكة من المواقف المتناقضة مسببة له حرجاً مضاعفاً.
فما بين نظام مصر السيسي وبين تنظيم الإخوان حرب وثأر لن تخمد ناره أو تنطفئ. كما هو يعلم أن حليفه في السودان على حلف وثيق مع اخوان السودان، وهو تحالف وجودي لا غنى لأي منهما عنه.
وإخوان مصر قلبهم مع إخوانهم في السودان للعودة إلى الحكم والسيطرة عليه وفتح ملاذ آمن ومركز انطلاق استراتيجي لأعمالهم العدائية ضد نظام السيسي في مصر، خاصة ومصر تحتضن الآن رجل الاستخبارات الإسلاموية كورقة ضغط يمكن تحريكها لصالح "العسكر" في السودان ضد حميدتي ومركزية الحرية والتغيير، وضد "مدنية" الحكم الديمقراطي في السودان.
وكما ترى فإن هذه "شربكة" لا يمكنك أن تتنبأ بمآلاتها ونتائجها النهائية !.
لقد اشتعل فتيل الحرب العبثية وسط كل هذه الفوضى والربكة في مواقف الأطراف الداخلية والخارجية التي قاربت هذه الأزمة، سواء كان تداخلها بالتحريض وصب الزيت على نارها، أو بمحاولة "حلحلتها" سياسياً.
13
وأوضح مثال على شكل التدخل الأخير هو موقف الإدارة الأمريكية التي اتهمتها جهات غربية وأمريكية بالمسؤولية عن طاحونة العنف التي أدارها الجنرالين، وفي تقرير لشبكة “سي أن أن” الأمريكية حول دور الغرب قالت إليزا ماكينتوش وجينفر هانسلر إن العنف الذي انفجر في السودان بين الجنرالين المتصارعين على السلطة كان مرعباً، ولكنه متوقع ويتم التجهيز له منذ فترة، وهو تتويج للجهود الدولية، خلال السنوات الماضية، من أجل منح الشرعية للجنرالين وتقديمهما كلاعبين شرعيين في السياسة، وتحميلهما مسؤولية العملية الانتقالية في السودان، بعد الإطاحة بنظام عمر البشير. وبرغم كل الإشارات إلى أنه لم تكن لديهما نية لدعم عملية التحول الديمقراطي.
وقال كاميرون هدسون، المحلل السابق في “سي آي إيه" والذي عمل مدير طاقم المبعوثين الأمريكيين للسودان والإبادة في دار فور " إن الذين راقبوا منا هذا من الخارج، أو أولئك الذين تعاملوا مع القوات المسلحة أو قوات الدعم السريع، يعرفون أن هؤلاء الناس يقولون شيئاً ويفعلون أمراً آخر”.
14
ما نخلص إليه في ظل هذه المعطيات أن الأفق مسدود أمام أي حل سلمي وغير سلمي، وفق السيناريوهات المطروحة من مختلف الأطراف، داخلية سواء كانت هذه الأطراف أم خارجية.
فالجنرالين يخوضان حرباً وجودية لا تنتهي بمجرد استسلام أحدهما، وإنما بمحوه من الوجود.
فبعد ساعات من اندلاع المواجهات وصف حميدتي على قناة "الجزيرة" حليفه السابق البرهان، بالمجرم الذي دمّرَ السودان، وهدّدَ باعتقاله وتسليمه للعدالة قائلاً: "نعرف مكانك، وسنلقي القبض عليك ونسلمك للعدالة، وإلا فستموت مثل الكلب" !.
وقال البرهان، في حديث لـ “سي أن أن”، إن حميدتي “متمرد”، وسيحاكم أمام القانون، و"هذه محاولة انقلاب وتمرد ضد الدولة"!. وجرده بالأمس من كل صفة رسمية (مستنداً على أي وثيقة دستورية لا أحد يعلم !!). وموقف الجنرالين يكشف لك عن مدى "اللهوجة" والرعونة التي تدار بها شؤون دولة على حافة الانهيار، بطريقة تفتقر إلى الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والتجرد من أبسط القيم الانسانية.
15
ليس البرهان و حميدتي وحدهما.
فالمؤسسة العسكرية التي تعرض ضباطها وأفرادها لامتحان قاس وفاضح في مواجهة "مليشيا"، بسبب غفلة ولامبالاة قيادتها، لتؤخذ على حين غرة، وتجرعت مرارة الاهانة والإذلال، لن تغفر لمن أهان كرامتها، ومن تسبب في ذلك.
أن يؤخذ على حين غرة هكذا وتعتقل رتبه العليا على هذا النحو الذي يدعو للسخرية، ويجرده من أبسط قواعد الحرفية، ويجعله جيشاً مغمض العينين، هذا كثير بالفعل على جيش عريق له تاريخ يفخر به يمتد لأكثر من قرن!!.
هذا الغبن والاحتقان الغاضب لن يمر هكذا بلا تداعيات، من ناحية، كما لن يساعد في عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب من ناحية أخرى.
أما من جانب حميدتي فقد تم احراق مراكب العودة تماماً.
هل يبدو لك المشهد متداخل الخطوط، يلفه الغموض شديد التعقيد ؟!!.
نعم. بالفعل هو كذلك، وما من طريق يبدأ بالعودة إلى ما قبل الحرب.
إذن ما الحل ؟!!.
izzeddin9@gmail.com
أول ما ينبغي التأكيد عليه، ونحن نتهيأ لوضع خارطة طريق لمسار ثورة سبتمبر2018 ، أنها، وإن كانت تختلف عن ثوراتنا السابقة في 1924، و 1964، و1985. إلا أنها استكمال لها.
فقد تفتح الوعي بضرورة بناء دولة سودانية مدنية حديثة، تتأسس على مبدأ المواطنة والمساواة والحرية والعدالة مع مولد القوى الحديثة التي تشكلت من خريجي كلية غردون التذكارية وضباط الجيش وصغار ومتوسطي التجار لتلحق بهم بعد قليل، وبتأثير منهم طبقات من العمال والمزارعين.
الجانب الثانوي والتأثير الأقوى لثوار 1924 لم يكن النشاط التحرري الذي ينادي بالاستقلال، ولكنه كان في غرس بذور "القومية" بمفهومها الحديث والتأكيد على وحدة الشعور الوطني وبلورته في المجتمع، عابرا طبقاته المختلفة.
9
وتواصل هذا الجهد الشعبي لبناء الدولة الحديثة، الذي كان يستقطب طاقات مختلف الفئات والطبقات في ثورة أكتوبر 1964 التي شهدت للمرة الأولى زخماً وتلاحماً شعبياً، مثل فيه الطلاب والعمال والمزارعين ذرة سنامه.
وللمرة الثانية انطلقت شرارة ثورة مارس/ أبريل 1985 من اتحاد الطلاب لتنتقل شرارتها إلى بقية الطبقات عبر نقاباتها.
في كل تلك التجارب، كانت صراعات الأحزاب السياسية على السلطة، والطموحات السياسية لضباط المؤسسة العسكرية، هما العامل المشترك في فشل تلك الثورات الثلاث عن تحقيق أهدافها. ولا نظن أن السبتمبريون من شباب هذه الثورة التي نعيش أحداثها اليوم في حاجة لمن يؤكد لهم هذه الحقائق وهم يعيشون نتائجها وتداعياتها، وما تطرحه عليهم من تحديات.
10
هذا الثنائي ظل يحتكر اللعب بكرة السلطة بنفس الآليات المتكررة مع كل فصل من فصول الثورات التي تفجرها "قواعد" القوى الاجتماعية المدنية. وذلك على النحو التالي:
- تطيح هذه القوى الثائرة بنظام ديكتاتوري، فتسارع الأحزاب السياسية إلى اختطاف السلطة من أيدي مفجري الثورة الذين دفعوا ثمنها بدمائهم، وتحولها إلى "غنيمة" يتصارعون عليها وتصبح هي هدف برامج هذه الأحزاب التي لا يعلوها أو يسبقها هدف.
- يأتي ضابط من المؤسسة العسكرية ليضع حداً لهذا التلاعب بالسلطة، ثم يتضح فيما بعد أنه موالٍ للحزب المهزوم، أو المهدد بفقدان كرة السلطة في الصراع السياسي، وفي تلك الصفقة بين الحزب وممثل المؤسسة العسكرية يتعهد الأخير بتسليم السلطة للحزب، إلا أن اغراء السلطة الذي لا يقاوم يحول بين العسكري والوفاء بوعده وتعاهده.
- لتبدأ دورة من الحكم العسكري الديكتاتوري، يثور الشعب عليها بعد أن يضيق صدره، ويطيح به في ثوره يمهرها بدماء شهدائه، لتختطف سلطتها الأحزاب، وتتقاذفها أقدامهم، لتأتي ثلة من الضباط، وبتحريض وإيعاز من أحد المبعدين، على ظهر دبابة يقتحمون الملعب السياسي ...
ويتكرر المشهد هكذا دخلت نملة وأخذت حبة وخرجت إلى ما نهاية.
ترى هل فهم ذلك واستقراء تداعياته ونتائجه يحتاج كان إلى فهامة، حتى لا يتكرر على هذا النحو الممل ؟!.
11
حسناً: ما الجديد الآن في هذه التجربة الرابعة من سلسلة محاولات تأسيس الدولة السودانية الحديثة البديلة ؟.
- الجديد في ثورة الشباب (ديسمبر 2018) انها انطلقت من الشارع، ورغم محاولة الأحزاب اختطافها والانفراد بها مثل المرات السابقة. إلا أن الثوار هذه المرة لم يفلتوا حبل المبادرة من أيديهم.
- كما أن قيادة عسكر النظام المؤدلجين أيضاً لم تغادر المسرح مثل المرات السابقة لتفسحه للأحزاب.
هل هذا كل شيء من عوامل تعقيد المشهد، وخطورة احتمالات نتائجه؟.
لا !.
فما يزيد المشهد تعقيداً أن كل كتلة منها انشطرت على نفسها إلى عنصرين تتناقض أهدافهما وتتضارب مصالحهما:
انشطر العسكر لفصيلين متقاتلين، وانشطرت معهما القوى السياسية لتكون أشكال تحالفات جديدة/ منطقية إلى حد كبير:
فريق القيادة العامة للجيش الذي وقع على الاطاري ثم "نطَّ"، وانضم إلى فلول النظام الإسلاموي السابق وبعض الحركات السلفية والجهادية مثل داعش.
وفريق الدعم السريع، الذي أعلن انحيازه للاطاري، منضماً إلى أحزاب مركزية الحرية والتغيير.
12
وكما ترى فإن فريق البرهان/ الفلول أدخل نفسه في نفق من التناقضات المربكة، أدخلت حليفه الخارجي/ مصر في ربكة من المواقف المتناقضة مسببة له حرجاً مضاعفاً.
فما بين نظام مصر السيسي وبين تنظيم الإخوان حرب وثأر لن تخمد ناره أو تنطفئ. كما هو يعلم أن حليفه في السودان على حلف وثيق مع اخوان السودان، وهو تحالف وجودي لا غنى لأي منهما عنه.
وإخوان مصر قلبهم مع إخوانهم في السودان للعودة إلى الحكم والسيطرة عليه وفتح ملاذ آمن ومركز انطلاق استراتيجي لأعمالهم العدائية ضد نظام السيسي في مصر، خاصة ومصر تحتضن الآن رجل الاستخبارات الإسلاموية كورقة ضغط يمكن تحريكها لصالح "العسكر" في السودان ضد حميدتي ومركزية الحرية والتغيير، وضد "مدنية" الحكم الديمقراطي في السودان.
وكما ترى فإن هذه "شربكة" لا يمكنك أن تتنبأ بمآلاتها ونتائجها النهائية !.
لقد اشتعل فتيل الحرب العبثية وسط كل هذه الفوضى والربكة في مواقف الأطراف الداخلية والخارجية التي قاربت هذه الأزمة، سواء كان تداخلها بالتحريض وصب الزيت على نارها، أو بمحاولة "حلحلتها" سياسياً.
13
وأوضح مثال على شكل التدخل الأخير هو موقف الإدارة الأمريكية التي اتهمتها جهات غربية وأمريكية بالمسؤولية عن طاحونة العنف التي أدارها الجنرالين، وفي تقرير لشبكة “سي أن أن” الأمريكية حول دور الغرب قالت إليزا ماكينتوش وجينفر هانسلر إن العنف الذي انفجر في السودان بين الجنرالين المتصارعين على السلطة كان مرعباً، ولكنه متوقع ويتم التجهيز له منذ فترة، وهو تتويج للجهود الدولية، خلال السنوات الماضية، من أجل منح الشرعية للجنرالين وتقديمهما كلاعبين شرعيين في السياسة، وتحميلهما مسؤولية العملية الانتقالية في السودان، بعد الإطاحة بنظام عمر البشير. وبرغم كل الإشارات إلى أنه لم تكن لديهما نية لدعم عملية التحول الديمقراطي.
وقال كاميرون هدسون، المحلل السابق في “سي آي إيه" والذي عمل مدير طاقم المبعوثين الأمريكيين للسودان والإبادة في دار فور " إن الذين راقبوا منا هذا من الخارج، أو أولئك الذين تعاملوا مع القوات المسلحة أو قوات الدعم السريع، يعرفون أن هؤلاء الناس يقولون شيئاً ويفعلون أمراً آخر”.
14
ما نخلص إليه في ظل هذه المعطيات أن الأفق مسدود أمام أي حل سلمي وغير سلمي، وفق السيناريوهات المطروحة من مختلف الأطراف، داخلية سواء كانت هذه الأطراف أم خارجية.
فالجنرالين يخوضان حرباً وجودية لا تنتهي بمجرد استسلام أحدهما، وإنما بمحوه من الوجود.
فبعد ساعات من اندلاع المواجهات وصف حميدتي على قناة "الجزيرة" حليفه السابق البرهان، بالمجرم الذي دمّرَ السودان، وهدّدَ باعتقاله وتسليمه للعدالة قائلاً: "نعرف مكانك، وسنلقي القبض عليك ونسلمك للعدالة، وإلا فستموت مثل الكلب" !.
وقال البرهان، في حديث لـ “سي أن أن”، إن حميدتي “متمرد”، وسيحاكم أمام القانون، و"هذه محاولة انقلاب وتمرد ضد الدولة"!. وجرده بالأمس من كل صفة رسمية (مستنداً على أي وثيقة دستورية لا أحد يعلم !!). وموقف الجنرالين يكشف لك عن مدى "اللهوجة" والرعونة التي تدار بها شؤون دولة على حافة الانهيار، بطريقة تفتقر إلى الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والتجرد من أبسط القيم الانسانية.
15
ليس البرهان و حميدتي وحدهما.
فالمؤسسة العسكرية التي تعرض ضباطها وأفرادها لامتحان قاس وفاضح في مواجهة "مليشيا"، بسبب غفلة ولامبالاة قيادتها، لتؤخذ على حين غرة، وتجرعت مرارة الاهانة والإذلال، لن تغفر لمن أهان كرامتها، ومن تسبب في ذلك.
أن يؤخذ على حين غرة هكذا وتعتقل رتبه العليا على هذا النحو الذي يدعو للسخرية، ويجرده من أبسط قواعد الحرفية، ويجعله جيشاً مغمض العينين، هذا كثير بالفعل على جيش عريق له تاريخ يفخر به يمتد لأكثر من قرن!!.
هذا الغبن والاحتقان الغاضب لن يمر هكذا بلا تداعيات، من ناحية، كما لن يساعد في عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب من ناحية أخرى.
أما من جانب حميدتي فقد تم احراق مراكب العودة تماماً.
هل يبدو لك المشهد متداخل الخطوط، يلفه الغموض شديد التعقيد ؟!!.
نعم. بالفعل هو كذلك، وما من طريق يبدأ بالعودة إلى ما قبل الحرب.
إذن ما الحل ؟!!.
izzeddin9@gmail.com