قصائد مختارة من “الديوان الشرقي للشاعر الغربي”
عبد المنعم عجب الفيا
26 January, 2023
26 January, 2023
مقدمة:
(الديوان الشرقي للشاعر الغربي) اسم اختاره جوته واطلقه على مجموعة من القصائد كتبها وقد تجاوز الستين من العمر.
وكان جوته قد نشر بجريدة (الصباح) في أواخر شهر فبراير سنة 1816 تعريفا قصيراً بالديوان قبيل صدوره جاء فيه:
"إيصور الشاعر هنا نفسه على هيئة رحالة. وها هو ذا قد بلغ الشرق. وهو يريد أن يتملى بعوائد الشرق وأحواله. وما به من موضوعات خاصة تميزه. وما شاعت فيه من أفكار دينية وأراء. وإنه لا يكره أن يقال عنه مسلم. ومن هذه الأحوال نسج الشاعر موضوعات قصائده". بدوي ص 57
واسم (الديوان) في اللغة الألمانية هو Der West-Ostliche Diwan فقد استعمل جوته كلمة "ديوان" نفسها بلفظها العربي وهي في الأصل كلمة فارسية.
وقسم الشاعر الديوان إلى كتب أو فصول كل فصل احتوى على عدد من القصائد وأعطى كل فصل اسماً. وبلغت الفصول ثلاثة عشر وهي: كتاب المُغَنِي، وكتاب حافظ، وكتاب زليخا، وكتاب العشق، وكتاب التفكير، وكتاب الحكمة، وكتاب الحزن أو الضيق (رنج نامة) وكتاب تيمور، وكتاب الساقي، وكتاب الأمثال، وكتاب البارسي، وكتاب الفردوس.
والحق أن جوته استعمل كلمة (نامة) الفارسية بمعنى كتاب. فاسم الكتاب الأول من الديوان هو (مُغنِي نامة) وهكذا. وقد تأسى جوته في ذلك بشاعره الصوفي المفضل، حافظ الشيرازي الذي سمى أول باب من ديوانه (مُغنِى نامة) أي كتاب الشاعر.
والديوان كما ظاهر من اسمه يغلب عليه "التناص" مع آداب الشرق وبخاصة الأدبين العربي والفارسي، إذ يكتنز باقتباسات وإشارات وإحالات إلى شعراء الجاهلية العرب وفي مقدمتهم امرؤ القيس، وشعراء الغزل العذري مجنون ليلى وجميل بثينة، وشعراء التصوف الإسلامي وعلى رأسهم حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي وجلال الدين الرومي وعبد الرحمن الجامي وغيرهم.
وقد ذيّل جوته الديوان بملاحظات وبحوث قصيرة جاءت تحت عنوان: "تعليقات وأبحاث تعين على فهم الديوان الشرقي". واشتملت هذه البحوث والملاحظات على ملامح من تاريخ العرب والفرس وإشارات موجزة عن الإسلام والنبي محمد (ص) وحديث عن أسلوب القرآن وخصائص اللغة العربية ومزايا الشعر العربي. هذا إضافة إلى الحديث عن بعض شخصيات التصوف الإسلامي وبعض أعلام المستشرقين الذين أفاد منهم في معرفته بالشرق الإسلامي والذين وصفهم بـ"أساتـذتنا".
ويفتتح الشاعر الديوان بقصيدة تحمل عنوان (هجرة) وقد كتبها بلفظها العربي ورسمها الفرنسي Heigre جاءت بمثابة تصدير لغرض الشاعر من الديوان. يقول في أولها: "..فهاجر أنت للشرق الطاهر، لتستروح نسيم الآباء، وليجدد فيك الشباب نبع الخَضِر، بين الحب والشرب والغناء". (يقصد نبي الله الخضر).
وهنا باقة مختارة من القصائد أخذناها من الترجمة العربية للديوان عن الأصل الألماني. وبحسب علمنا هناك ترجمتان كاملتان: الأولى أنجزها العلامة الدكتور عبد الرحمن بدوي ونشرها في الستينيات.
والثانية قام بها (تلميذه في الجامعة) الدكتور عبد الغفار مكاوى، أستاذ الفلسفة والشاعر والناقد الأدبي المعروف. والاثنان ضليعان في اللغة الألمانية، وقد نقل كل منهما عنها إلى العربية العديد من الكتب والدراسات في الفلسفة والفكر والأدب.
وقد عقدنا مقارنة بين الترجمتين ولم نجد اختلاف في المعاني والأفكار. الاختلاف فقط في الصياغة والأسلوب والمفاضلة بين الألفاظ المترادفة. وهذا أمر طبيعي جداً في الترجمة والتي هي مثل البصمة لا تتكرر ولا تتطابق.
*
القصيدة المختارة الأولى هي القصيدة رقم "13" من كتاب المُغنِي بعنوان (أغنية وتكوين) بترجمة عبد الغفار مكاوي. ونحن نرى أن الشاعر يعلن فيها بأسلوب رمزي عن ضيقه بالقيود التي فرضها الأدب الكلاسيكي (الإغريقي والروماني) على الكاتب الأوربي ويعبر عن رغبته الانغماس في ماء (الفرات) وذلك في إشارة إلى الشعر العربي وروحه الغنائية الطليقة. يقول:
ليبدع الإغريقي من الصلصال
ما يشاء من (النماذج) والأشكال،
وليفتتن ما وسعه الافتتان
بالمخلوق الذي سوته يداه،
*
أما نحن فمتعتنا هي الغوص
في مياه الفرات
والسباحة هنا وهناك
في هذا (العنصر) الدفاق.
*
لو استطعت بهذا أن أطفي لهيب الروح
لتجاوبت ألحان أغنيتي بالرنين
وإذ يغرف الشاعر بكفه الطهور
من هذا الماء تكورت فقاعات (كالبلور).
ومن كتاب (الحزن أو الضيق) نختار القصيدة رقم "13" ترجمة عبد الغفار مكاوي:
عندما كان المسلمون يستشهدون بالقرآن الكريم
كانوا يذكرون السورة والآية،
وكان كل مسلم، بما ينبغي عليه من توقير،
يشعر بالإجلال والطمأنينة في أعماق الضمير.
ولكن الدراويش المحدثين لا يفضلونهم في شيء
فهم يثرثون عن القديم ، فضلاً عن الجديد.
وفي كل يوم يزداد التشويش والاضطراب الشديد،
أيها القرآن الكريم! أيتها الطمأنينة الخالدة!
وهذه أول قصيدة بـ"كتاب حافظ" بعنوان (لقب) والإشارة هنا إلى الشاعر الصوفي العرفاني، محمد شمس الدين حافظ الشيرازي، والترجمة لعبد الغفار مكاوي:
الشاعر:
قل لي يا محمد شمس الدين،
لِمَ أطلق عليك شعبك المجيد
لقب "حافظ"؟
حافظ:
أحمد لك سؤالك،
وأجيبك عنه،
فلأني أحفظ في ذاكرتي الواعية
إرث القرآن الكريم
وأحافظ عليه
كما ينبغي على كل مؤمن أمين
حتى لا تمسني بسوء عوادي السنين
أو تمس كل من يرعى ويصون
كنز التنزيل الحكيم،
لهذا خلعوا عليَّ هذا اللقب (العظيم)
الشاعر:
ولهذا أود يا حافظ، كما يبدو لي،
ألا أقل عنك (في هذا السبيل)
فنحن حين نفكر كما يفكر الآخرون
نصبح معهم متشابهين،
وهكذا أشبهك تمام الشبه
أنا الذي طبعت نفسي
بالصورة الرائعة لكتبنا المقدسة،
كما انطبعت صورة السيد (المسيح)
على قماش ذلك الثوب (المشهور) بثوب الثياب،
وملأت صدري رضاً وسكينة
بصورة الإيمان الخالصة
رغم (ما لقيت) من جحود وتعطيل واستهزاء.
ومن (كتاب الساقي) نختار القصيدة رقم "4" ترجمة عبد الغفار مكاوي:
هل القرآن قديم؟
شيءٌ لا أسأل عنه!
هل هو مخلوق؟
شيءٌ لا أدريه.
أما كون القرآن كتاب الكتب
فهذا ما أعتقد ويفرضه واجبي كمسلم.
أما أن الخمر قديم قِدم الأزل
فذلك شيءٌ لا أتشكك فيه.
ولعل القول بأن الخمر خُلِقتْ قبل ملائكة الله
ليس خيالاً وحديث خرافة،
فالشارب، مهما يكن الحال،
يعاين وجه الله بعين أكثر نُضرة.
القصيدة التالية أيضا من "كتاب الساقي" وهي القصيدة "6" ترجمة عبد الغفار مكاوي:
لا شك هناك ، لا سؤال،
حُرِمتْ علينا الخمرَ لا جدال.
فإن قضى بشربها (القدر) المقدور،
فاشرب إذاً من أجود الخمور!
فإذا شربت وكان السكر بين بين
فسوف تستحق اللعنة كالزنديق مرتين.
القصيدة المختارة التالية من "كتاب الفردوس" وهي القصيدة رقم "3" بعنوان: (صفوة النساء) وهن في نظر الشاعر: زليخا، ومريم العذراء، وخديجة بيت خويلد، وفاطمة بنت محمد (ص). الترجمة لعبد الغفار مكاوي:
لا يصح أن يضيع شيءٌ على النساء
فالإخلاص الطاهر خليق بالأمل والرجاء،
لكننا لا نعرف إلا أربعا منهن،
قد وصلن إلى جنة الفردوس.
*
أما الأولى فهي زليخا، شمس الأرض،
التي تُيّم فؤادها بيوسف حباً واشتهاء
وها هي ذي الآن قد صارت بهجة الفردوس،
تسطع فيه زينةً للزهد والعزوف والعفاف.
*
ثم تأتي المباركة من الجميع،
التي ولدت المُخلِّص للكافرين
ولما اكتشفت الغدر رأت في حزن مرير
ابنها (الحبيب) ضائعا على الصليب.
*
وكذلك زوجة محمد التي أفاضت عليه الحنان
وأعانته على تحقيق أروع الأمجاد،
وأوصت في حياتها بألا يكون
إلا رب واحد وزوجة واحدة.
*
ثم تأتي فاطمة الزهراء،
الابنة الطاهرة والزوجة المصون
ذات الروح النقية كملائكة السماء
في جسم من عسل ذهبي.
*
هؤلاء هن اللواتي نجدهن هناك،
وكل من لهج بالحمد والثناء ورفع من ذِكر النساء
استحق هناك في خالد الجنان
أن يطوف مبتهجا بصحبة أولئك النساء.
ومن كتاب (االضيق أو الحزن) أيضاً نختار القصيدة رقم "13". وفي تعليق على هذه القصيدة يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي إن جوته "يهاجم فيها أولئك الذين يلهثون وراء البدع (الومضات الأدبية) بدافع الغرور وتعلقا بالجدة الزائلة. وجوته ينصحهم بعدم التعلق بما هو جديد، فقط لأنه جديد، وإلا صاروا نهبا لكل نزوة أدبية طارئة. فالذي لا يستطيع استيعاب ثلاثة آلاف عام من التطور الأدبي سيظل دائما غارقا في التفاهة، ويعيش من يومه ليومه". بدوي، ص 178-179 . وترجمة القصيدة لعبد الغفار مكاوي:
من يحاكي الفرنسيس أو البريطان
أو يجاري الطليان أو الألمان
فإنما يريد كل واحد منهم،
ما تتطلبه (المصلحة) وحب الذات.
وليس في ذلك اعتراف
لا بالكثير (منهم) ولا بالواحد،
مادام لا يظهر في ضوء النهار،
ما يحب الإنسان نفسه أن يبدو عليه.
*
ولكن في غدٍ يجدُ الحقُ
أعوانَه المخلصين،
وإن كان الشر قد ساد اليوم
واكتسب المكانة والحظوة.
*
من لا يستطيع أن يقدم لنفسه الحساب
(عما تمّ) خلال ثلاثة آلاف عام،
فليبق معدوم الخبرة يتخبط في الظلام
وليعش من ليومٍ ليوم (ويتنقل من باب لباب).
ومن القصائد التي أضيفت إلى الديوان ونشرت بعد وفاة جوته القصيدة رقم "1" ، ترجمة عبد الغفار مكاوي:
من يعرف نفسه
ويعرف غيره،
فسيعرف أيضاً:
أنّ الشرقَ والغربَ،
لن يفترقا
أو يبتعدا.. أبدا أبداً.
*
سأظل أغني
وأردد لحني
وأهدهد نفسي
بين الشرق
وبين الغرب
وليصبح جهدي
هو غاية مجدي!
مصادر ومراجع:
1- عبد الرحمن بدوي، جيته، الديوان الشرقي للمؤلف الغربي، ترجمة وتقديم، المؤسة العربية للدراسات والنشر. (صدرت الطبعة الأولى عن دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1967 ).
2- عبد الغفار مكاوي، جوته: النور والفراشة- مع النص الكامل للديوان الشرقي للشاعر الغربي، ترجمة وتقديم، منشورات الجمل، الطبعة الأولى 2006.
3- كاتارينا مومزن، جوته والعالم العربي، ترجمة عدنان عباس، مراجعة د. عبد الغفار مكاوي، سلسلة عالم المعرفة، رقم 194، الكويت، فبراير 1995
عبد المنعم عجب الفَيا
26 يناير 2023
abusara21@gmail.com
(الديوان الشرقي للشاعر الغربي) اسم اختاره جوته واطلقه على مجموعة من القصائد كتبها وقد تجاوز الستين من العمر.
وكان جوته قد نشر بجريدة (الصباح) في أواخر شهر فبراير سنة 1816 تعريفا قصيراً بالديوان قبيل صدوره جاء فيه:
"إيصور الشاعر هنا نفسه على هيئة رحالة. وها هو ذا قد بلغ الشرق. وهو يريد أن يتملى بعوائد الشرق وأحواله. وما به من موضوعات خاصة تميزه. وما شاعت فيه من أفكار دينية وأراء. وإنه لا يكره أن يقال عنه مسلم. ومن هذه الأحوال نسج الشاعر موضوعات قصائده". بدوي ص 57
واسم (الديوان) في اللغة الألمانية هو Der West-Ostliche Diwan فقد استعمل جوته كلمة "ديوان" نفسها بلفظها العربي وهي في الأصل كلمة فارسية.
وقسم الشاعر الديوان إلى كتب أو فصول كل فصل احتوى على عدد من القصائد وأعطى كل فصل اسماً. وبلغت الفصول ثلاثة عشر وهي: كتاب المُغَنِي، وكتاب حافظ، وكتاب زليخا، وكتاب العشق، وكتاب التفكير، وكتاب الحكمة، وكتاب الحزن أو الضيق (رنج نامة) وكتاب تيمور، وكتاب الساقي، وكتاب الأمثال، وكتاب البارسي، وكتاب الفردوس.
والحق أن جوته استعمل كلمة (نامة) الفارسية بمعنى كتاب. فاسم الكتاب الأول من الديوان هو (مُغنِي نامة) وهكذا. وقد تأسى جوته في ذلك بشاعره الصوفي المفضل، حافظ الشيرازي الذي سمى أول باب من ديوانه (مُغنِى نامة) أي كتاب الشاعر.
والديوان كما ظاهر من اسمه يغلب عليه "التناص" مع آداب الشرق وبخاصة الأدبين العربي والفارسي، إذ يكتنز باقتباسات وإشارات وإحالات إلى شعراء الجاهلية العرب وفي مقدمتهم امرؤ القيس، وشعراء الغزل العذري مجنون ليلى وجميل بثينة، وشعراء التصوف الإسلامي وعلى رأسهم حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي وجلال الدين الرومي وعبد الرحمن الجامي وغيرهم.
وقد ذيّل جوته الديوان بملاحظات وبحوث قصيرة جاءت تحت عنوان: "تعليقات وأبحاث تعين على فهم الديوان الشرقي". واشتملت هذه البحوث والملاحظات على ملامح من تاريخ العرب والفرس وإشارات موجزة عن الإسلام والنبي محمد (ص) وحديث عن أسلوب القرآن وخصائص اللغة العربية ومزايا الشعر العربي. هذا إضافة إلى الحديث عن بعض شخصيات التصوف الإسلامي وبعض أعلام المستشرقين الذين أفاد منهم في معرفته بالشرق الإسلامي والذين وصفهم بـ"أساتـذتنا".
ويفتتح الشاعر الديوان بقصيدة تحمل عنوان (هجرة) وقد كتبها بلفظها العربي ورسمها الفرنسي Heigre جاءت بمثابة تصدير لغرض الشاعر من الديوان. يقول في أولها: "..فهاجر أنت للشرق الطاهر، لتستروح نسيم الآباء، وليجدد فيك الشباب نبع الخَضِر، بين الحب والشرب والغناء". (يقصد نبي الله الخضر).
وهنا باقة مختارة من القصائد أخذناها من الترجمة العربية للديوان عن الأصل الألماني. وبحسب علمنا هناك ترجمتان كاملتان: الأولى أنجزها العلامة الدكتور عبد الرحمن بدوي ونشرها في الستينيات.
والثانية قام بها (تلميذه في الجامعة) الدكتور عبد الغفار مكاوى، أستاذ الفلسفة والشاعر والناقد الأدبي المعروف. والاثنان ضليعان في اللغة الألمانية، وقد نقل كل منهما عنها إلى العربية العديد من الكتب والدراسات في الفلسفة والفكر والأدب.
وقد عقدنا مقارنة بين الترجمتين ولم نجد اختلاف في المعاني والأفكار. الاختلاف فقط في الصياغة والأسلوب والمفاضلة بين الألفاظ المترادفة. وهذا أمر طبيعي جداً في الترجمة والتي هي مثل البصمة لا تتكرر ولا تتطابق.
*
القصيدة المختارة الأولى هي القصيدة رقم "13" من كتاب المُغنِي بعنوان (أغنية وتكوين) بترجمة عبد الغفار مكاوي. ونحن نرى أن الشاعر يعلن فيها بأسلوب رمزي عن ضيقه بالقيود التي فرضها الأدب الكلاسيكي (الإغريقي والروماني) على الكاتب الأوربي ويعبر عن رغبته الانغماس في ماء (الفرات) وذلك في إشارة إلى الشعر العربي وروحه الغنائية الطليقة. يقول:
ليبدع الإغريقي من الصلصال
ما يشاء من (النماذج) والأشكال،
وليفتتن ما وسعه الافتتان
بالمخلوق الذي سوته يداه،
*
أما نحن فمتعتنا هي الغوص
في مياه الفرات
والسباحة هنا وهناك
في هذا (العنصر) الدفاق.
*
لو استطعت بهذا أن أطفي لهيب الروح
لتجاوبت ألحان أغنيتي بالرنين
وإذ يغرف الشاعر بكفه الطهور
من هذا الماء تكورت فقاعات (كالبلور).
ومن كتاب (الحزن أو الضيق) نختار القصيدة رقم "13" ترجمة عبد الغفار مكاوي:
عندما كان المسلمون يستشهدون بالقرآن الكريم
كانوا يذكرون السورة والآية،
وكان كل مسلم، بما ينبغي عليه من توقير،
يشعر بالإجلال والطمأنينة في أعماق الضمير.
ولكن الدراويش المحدثين لا يفضلونهم في شيء
فهم يثرثون عن القديم ، فضلاً عن الجديد.
وفي كل يوم يزداد التشويش والاضطراب الشديد،
أيها القرآن الكريم! أيتها الطمأنينة الخالدة!
وهذه أول قصيدة بـ"كتاب حافظ" بعنوان (لقب) والإشارة هنا إلى الشاعر الصوفي العرفاني، محمد شمس الدين حافظ الشيرازي، والترجمة لعبد الغفار مكاوي:
الشاعر:
قل لي يا محمد شمس الدين،
لِمَ أطلق عليك شعبك المجيد
لقب "حافظ"؟
حافظ:
أحمد لك سؤالك،
وأجيبك عنه،
فلأني أحفظ في ذاكرتي الواعية
إرث القرآن الكريم
وأحافظ عليه
كما ينبغي على كل مؤمن أمين
حتى لا تمسني بسوء عوادي السنين
أو تمس كل من يرعى ويصون
كنز التنزيل الحكيم،
لهذا خلعوا عليَّ هذا اللقب (العظيم)
الشاعر:
ولهذا أود يا حافظ، كما يبدو لي،
ألا أقل عنك (في هذا السبيل)
فنحن حين نفكر كما يفكر الآخرون
نصبح معهم متشابهين،
وهكذا أشبهك تمام الشبه
أنا الذي طبعت نفسي
بالصورة الرائعة لكتبنا المقدسة،
كما انطبعت صورة السيد (المسيح)
على قماش ذلك الثوب (المشهور) بثوب الثياب،
وملأت صدري رضاً وسكينة
بصورة الإيمان الخالصة
رغم (ما لقيت) من جحود وتعطيل واستهزاء.
ومن (كتاب الساقي) نختار القصيدة رقم "4" ترجمة عبد الغفار مكاوي:
هل القرآن قديم؟
شيءٌ لا أسأل عنه!
هل هو مخلوق؟
شيءٌ لا أدريه.
أما كون القرآن كتاب الكتب
فهذا ما أعتقد ويفرضه واجبي كمسلم.
أما أن الخمر قديم قِدم الأزل
فذلك شيءٌ لا أتشكك فيه.
ولعل القول بأن الخمر خُلِقتْ قبل ملائكة الله
ليس خيالاً وحديث خرافة،
فالشارب، مهما يكن الحال،
يعاين وجه الله بعين أكثر نُضرة.
القصيدة التالية أيضا من "كتاب الساقي" وهي القصيدة "6" ترجمة عبد الغفار مكاوي:
لا شك هناك ، لا سؤال،
حُرِمتْ علينا الخمرَ لا جدال.
فإن قضى بشربها (القدر) المقدور،
فاشرب إذاً من أجود الخمور!
فإذا شربت وكان السكر بين بين
فسوف تستحق اللعنة كالزنديق مرتين.
القصيدة المختارة التالية من "كتاب الفردوس" وهي القصيدة رقم "3" بعنوان: (صفوة النساء) وهن في نظر الشاعر: زليخا، ومريم العذراء، وخديجة بيت خويلد، وفاطمة بنت محمد (ص). الترجمة لعبد الغفار مكاوي:
لا يصح أن يضيع شيءٌ على النساء
فالإخلاص الطاهر خليق بالأمل والرجاء،
لكننا لا نعرف إلا أربعا منهن،
قد وصلن إلى جنة الفردوس.
*
أما الأولى فهي زليخا، شمس الأرض،
التي تُيّم فؤادها بيوسف حباً واشتهاء
وها هي ذي الآن قد صارت بهجة الفردوس،
تسطع فيه زينةً للزهد والعزوف والعفاف.
*
ثم تأتي المباركة من الجميع،
التي ولدت المُخلِّص للكافرين
ولما اكتشفت الغدر رأت في حزن مرير
ابنها (الحبيب) ضائعا على الصليب.
*
وكذلك زوجة محمد التي أفاضت عليه الحنان
وأعانته على تحقيق أروع الأمجاد،
وأوصت في حياتها بألا يكون
إلا رب واحد وزوجة واحدة.
*
ثم تأتي فاطمة الزهراء،
الابنة الطاهرة والزوجة المصون
ذات الروح النقية كملائكة السماء
في جسم من عسل ذهبي.
*
هؤلاء هن اللواتي نجدهن هناك،
وكل من لهج بالحمد والثناء ورفع من ذِكر النساء
استحق هناك في خالد الجنان
أن يطوف مبتهجا بصحبة أولئك النساء.
ومن كتاب (االضيق أو الحزن) أيضاً نختار القصيدة رقم "13". وفي تعليق على هذه القصيدة يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي إن جوته "يهاجم فيها أولئك الذين يلهثون وراء البدع (الومضات الأدبية) بدافع الغرور وتعلقا بالجدة الزائلة. وجوته ينصحهم بعدم التعلق بما هو جديد، فقط لأنه جديد، وإلا صاروا نهبا لكل نزوة أدبية طارئة. فالذي لا يستطيع استيعاب ثلاثة آلاف عام من التطور الأدبي سيظل دائما غارقا في التفاهة، ويعيش من يومه ليومه". بدوي، ص 178-179 . وترجمة القصيدة لعبد الغفار مكاوي:
من يحاكي الفرنسيس أو البريطان
أو يجاري الطليان أو الألمان
فإنما يريد كل واحد منهم،
ما تتطلبه (المصلحة) وحب الذات.
وليس في ذلك اعتراف
لا بالكثير (منهم) ولا بالواحد،
مادام لا يظهر في ضوء النهار،
ما يحب الإنسان نفسه أن يبدو عليه.
*
ولكن في غدٍ يجدُ الحقُ
أعوانَه المخلصين،
وإن كان الشر قد ساد اليوم
واكتسب المكانة والحظوة.
*
من لا يستطيع أن يقدم لنفسه الحساب
(عما تمّ) خلال ثلاثة آلاف عام،
فليبق معدوم الخبرة يتخبط في الظلام
وليعش من ليومٍ ليوم (ويتنقل من باب لباب).
ومن القصائد التي أضيفت إلى الديوان ونشرت بعد وفاة جوته القصيدة رقم "1" ، ترجمة عبد الغفار مكاوي:
من يعرف نفسه
ويعرف غيره،
فسيعرف أيضاً:
أنّ الشرقَ والغربَ،
لن يفترقا
أو يبتعدا.. أبدا أبداً.
*
سأظل أغني
وأردد لحني
وأهدهد نفسي
بين الشرق
وبين الغرب
وليصبح جهدي
هو غاية مجدي!
مصادر ومراجع:
1- عبد الرحمن بدوي، جيته، الديوان الشرقي للمؤلف الغربي، ترجمة وتقديم، المؤسة العربية للدراسات والنشر. (صدرت الطبعة الأولى عن دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1967 ).
2- عبد الغفار مكاوي، جوته: النور والفراشة- مع النص الكامل للديوان الشرقي للشاعر الغربي، ترجمة وتقديم، منشورات الجمل، الطبعة الأولى 2006.
3- كاتارينا مومزن، جوته والعالم العربي، ترجمة عدنان عباس، مراجعة د. عبد الغفار مكاوي، سلسلة عالم المعرفة، رقم 194، الكويت، فبراير 1995
عبد المنعم عجب الفَيا
26 يناير 2023
abusara21@gmail.com