قضايا: تخزين الماء في شجر التبلدي.. وحق الدفاع الشرعي عن القتل في المال .. ترجمة: عبد المنعم عجب الفَيا

 


 

 

حكومة السودان
ضد
م. ج. م. (ق ج 2/1959)

موجز الوقائع:
كان للمتهم كمية من الماء مخزنة في تجويف جذع شجرة تبلدي في منطقة يندر فيها ماء الشرب جدا. تمكن بعض اللصوص من سرقة الماء فقام المتهم بمطاردتهم حتى لحق بهم وكانوا أربعة كل يركب على جمل، فطلب منهم المتهم إما رد الماء أو دفع قيمته، فرفضوا طلبه واخرجوا سلاحهم الناري مهددين. أثناء ذلك سقط أحد اللصوص وهو القتيل من على جمله فهجم عليه المتهم وضربه بفأس فأدى ذلك إلى وفاته. اطلق بقية اللصوص النار على المتهم لكنه تمكن من الهرب.
عُقِدت محكمة كبرى بأم كدادة بشرق دارفور برئاسة القاضي/ حسن عبد الرحيم، ووجدت المحكمة إن المتهم غير مذنب بجريمة القتل تحت المادة 251 من قانون العقوباـت السوداني أو أي جريمة أخرى وأمرت باطلاق سراحه.

خلاصة أسباب الحكم:
إن المتهم عندما تسبب في وفاة المجني عليه كان يمارس حقه المشروع في الدفاع عن النفس والمال تحت المواد 55 و61 و62 من قانون العقوبات السوداني، وأنه لم يتجاوز استعمال القوة المعقولة في ظروف القضية في سبيل ذلك.

ملحوظة المحرر:
"أيّد رئيس القضاء الحكم بالبراءة في 17 يناير 1959 بالرقم: (AC-CP-2-1959)". وذلك بموجب صلاحياته تحت المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية السوداني لسنة 1925.

حكم المحكمة الكبرى

8 يناير 1959
القاضي/ حسن عبد الرحيم (رئيس المحكمة الكبرى):
يسكن المتهم (م.ج.م.) في منطقة، الماء فيها شحيح ونادر. وأقرب مورد للماء يبعد عنه مسيرة يوم. وكغيره من سكان المنطقة اعتاد المتهم أن يجمع مياه الأمطار في فصل (الخريف) ويقوم بتخزينها في تجويف جذع شجرة التبلدي لاستخدامها خلال موسم الجفاف من بقية السنة.
في يوم من الأيام وفي شهور الجفاف تفقد المتهم شجرة التلبدي، كنزه الذي لا يقدر بثمن، فاكتشف وجود آثار حديثة لبعض اللصوص وآثار جمال سرقوا بعض المياه من الشجرة. تتبع المتهم آثار اللصوص وما لبث أن لحق بهم.
كان كل جمل من جمال اللصوص الأربعة محملاً بقربتين كبيرتين من الجلد مليئة بالماء. فصاح فيهم المتهم مناشداً إياهم أن يعيدوا إليه ما أخذوه من ماء أو يدفعوا ثمن الماء. ولكن اللصوص الأربعة لم يصيخوا السمع لمناشدته بل قام اثنان منهم بتعبئة بنادقهما وهددوه أن سيطلقون النار إن لم يتراجع ويعود من حيث أتى.
ولكن المتهم استمر في ملاحقتهم وفي هذه اللحظة تعثر أحد الجمال وألقى براكبه أرضا فتوجه نحوه المتهم على الفور وكان يحمل فأسا ولما اقترب من اللص الواقع من جمله على الأرض اطلق عليه أحد اللصوص الراكبين على الجمال طلقة من بندقيته فاخترقت لحم الجانب الأيسر للمتهم ولكنها لم توقف مطاردته لهم.
كان اللص الذي سقط من على الجمل يمسك بعصا ولكن المتهمة عاجله بضربة على الرأس وأردف له أخرى بعد سقوطه أرضا وتسببت هاتان الضربتان في وفاة اللص. فاطلق اللصوص طلقة أخرى على المتهم ثم توجهوا بجمالهم ناحيته ولكن المتهم تمكن من الهرب ولجا أخيرا وهو يجر نفسه جرا إلى مزرعة (أ.أ).
(بعد سرد الوقائع واصل القاضي) تخلص هذه المحكمة إلى أن المتهم غير مذنب بجريمة القتل أو أي جريمة أخرى، فهو قد تسبب في موت المتوفى أثناء ممارسته المشروعة لحقه في الدفاع عن نفسه وماله.
ويعد الماء مالاً لا يقدر بثمن في موسم الجفاف بمنطقة شرق دارفور. وكانت حياة المتهم وهو يقوم بالدفاع عن نفسه وماله في خطر. وحيث أن الفعل الذي قاومه المتهم هو نهب بالمعنى القانوني، فللمتهم الحق المشروع في استرداد المال المنهوب حتى ولو أدى ذلك إلى تسبيب الموت للشخص الذي قام بالنهب، بشرط ألا يتجاوز استعمال القوة المعقولة في ظروف القضية في سبيل ذلك تحت المواد المواد 55 و61 و62 من قانون العقوبات السوداني لسنة 1925.

هوامش المترجم:
(1) ترجمناها من الإنجليزية إلى العربية عن "مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1959 ص12 ، Sudan Law Journal and Reports, 1959 وأشرنا إلى اسم المتهم بالأحرف الأولى.
(2) "قانون العقوبات" السوداني Penal Code هو الاسم القديم للقانون الجنائي السوداني Criminal Law.
(3) المواد 55 و61 و62 من قانون العقوبات السوداني لسنة 1925 تم تضمينها حرفيا في نص المادة 12 بفقراتها الأربع بالقانون الجنائي السوداني لسنة 1991.
(4) كانت بعض الجرائم الكبرى ومنها جريمة القتل تحاكم أمام محكمة تسمى (محكمة كبرى) major court تشكل من ثلاثة قضاة يرأسها قاضي (أكاديمي) واثنين في الغالب من قضاة المحاكم الشعبية، وظل هذا التقليد ساريا حتى صدور قانون الإجراءات الجنائية السوداني لسنة 1991 الذي استعاض عنها بقاضٍ فرد.
(5) كانت الأحكام الصادرة عن المحكمة الكبرى سواء بالإدانة أو البراءة ترفع مباشرة إلى رئيس القضاء للتأييد.

عبد المنعم عجب الفَيا – 8 يناير 2023

abusara21@gmail.com

 

آراء