قضايا: هل يحق للورثة مطالبة الوارث الساكن ببيت التركة بدفع إيجار؟ .. ترجمة: عبد المنعم عجب الفَيا

 


 

 

محكمة الاستئناف (العليا)

ع. س. ض. ...................... مستأنف
ضد
ع. س. ض .................... مستأنف ضده

 

خلاصة أسباب الحكم:
1- إذا كان العقار مملوك للورثة على الشيوع كل بحسب نصيبه الشرعي الذي تقرره أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، وكان أحد الورّاث يشغل العقار بالسكنى فيه برضا بقية الورثة الصريح أو الضمنى، فلا يعد ذلك قرينة على وجود عقد إجارة أو التزام بدفع أجرة ما لم يوجد اتفاق صريح بذلك. ففي ظل هذه العلاقة العائلية المباشرة لا يجوز استنباط النية على قيام علاقة قانونية أو تجارية ما لم تثبت هذه العلاقة بدليل إيجابي.
2- وحيث أنه في هذه القضية لم تقدم بينة على وجود اتفاق إيجابي بالأجرة فإن الدعوى المقامة من أحد الورثة في مواجهة شاغل العقار مرفوضة.

الحكم

19 أغسطس 1959
القاضي/ محمد إبراهيم النور:
تتلخص وقائع هذه الدعوى بإيجاز في أن المتوفى (س. ض.) والد كل من المستأنف والمستأنف ضده توفي في سنة 1947 وكان من بين التركة بيت بالقطعة رقم 73 بحي التكّال بقسم الميرغنية بمدينة كسلا. لم تباشر إجراءات التركة أمام المحكمة الشرعية إلا في سنة 1954 حيث صدر الإعلام الشرعي رقم 33/1954 عن محكمة كسلا الشرعية والذي أمر بأن يسجل العقار المذكور في اسم الورثة بحسب الأنصبة الشرعية الآتية:

س. ر. أ (زوجة) 12/96
د. س. ض. (ابن) 14/96
ع. س. ض. (ابن) 14/96
ع. س. ض. (ابن، المدعي) 14/96
ع. س. ض. (ابن، المدعى عليه) 14/96
س. س. ض. (ابنة) 7/96
س. س. ض. (ابنة) 7/96
ز. س. ض, (ابنة) 7/96
ن. س. ض. (ابنة) 7/96

ظل المنزل محل الدعوى مستأجراً منذ سنة 1952 لعدة مستأجرين بأجرة شهرية قدرها 1.20 جنيهاً (جنيه وعشرون قرشاً) غير أنه ليس من الواضح مَن مِن الورثة كان يستلم الأجرة أو كيف كانت تقسم الأجرة بين الورثة.
وفي سنة 1953 تزوج المستأنف (ع. س. ض.) وانتقل للسكن بالمنزل وبرضا كل الورثة ولم يطالب أي منهم المستأنف بدفع إيجار عن السكن بالمنزل.
واثناء شغل المستأنف للعقار صدر في سنة 1954 الإعلام الشرعي الذي أمر بان يسجل العقار في اسم الورثة بالحصص الشرعية المذكورة أعلاه ولم يطالب أي من الورثة حينها بفرز نصيبه أو يطلب من المستأنف دفع أجرة مقابل شغله للعقار.
غير أنه في الأول من نوفمبر 1958 أقام المستانف ضده (المدعي) الدعوى رقم م ج/د م/501/58 لدى محكمة كسلا الجزئية مطالباً باسترداد مبلغ 14.960m من المستانف (المدعى عليه) بزعم أن هذا المبلغ يمثل نصيبه في أجرة العقار الذي ظل يشغله المستانف للفترة من الأول من مارس 1953 وحتى 30 أكتوبر 1958.
أقر المدعى عليه (المستانف ضده) أمام المحكمة الجزئية بأن المنزل مملوك على الشيوع لكل الورثة بمن فيهم هو نفسه والمدعي (المستانف ضده) وأنه منذ وفاة مورثهم كان المنزل مؤجرا لآخرين ولكن عند زواجه في فبراير 1952 انتقل للسكن بالمنزل وذلك برضا كل الورثة وأنه منذ ذلك التاريخ ظل يقوم بالصيانة اللازمة للمنزل كما أنه قام بإنشاء بعض المباني الإضافية فيه.
وبناء على إقرار المدعى عليه هذا، احتسب القاضي الجزئي أجرة المنزل الشهرية للفترة من الأول من مارس وحتى 16 أكتوبر 1958 بمبلغ 1.20 جنيهاً وحيث أن النصيب الشرعي للمدعي بالعقار هو 14/96 أصدر القاضي الجزئي حكمه في 2 فبراير 1959 بالزام المدعي عليه أن يدفع للمدعي مبلغ 10.805m جنيهاً عبارة عن متأخرات الأجرة عن الفترة المذكورة مع الرسوم.
تقدم المدعى عليه بطلب إلى قاضي المديرية بكسلا لمراجعة قرار القاضي الجزئي على أساس أنه ظل يشغل العقار ليس بصفته مستأجراً بل بصفته مالكاً على الشيوع co-owner وبرضا كل الملاك الآخرين الذين لم تصدر عن أي منهم إشارة على أنه يجب أن يدفع إيجار مقابل شغله للعقار.
لم يكتف قاضي المديرية بالأمر بشطب طلب المراجعة إيجازياً بل أعاد احتساب الأجرة المستحقة للمدعي عن نصيبه في المنزل ووجدها تساوي مبلغ 14 جنيهاً ثم أذن للقاضي الجزئي بإعادة النظر في قراره على ضوء ذلك.
تقدم المدعي في 25 يونبو 1959 بطلب إلى السيد/ رئيس القضاء لمراجعة قرار قاضي المديرية وبنى الاستئناف على ذات الأسباب التي بنى عليها طلب المراجعة الذي سبق تقديمه لقاضي المديرية.
قررت محكمة الاستئناف الفصل في طلب المراجعة عن طريق المذكرات وذلك إعمالا لنص المادة 177 من قانون القضاء المدني لسنة 1929 ولأجل ذلك أرسلت نسخة من مذكرة الاستئناف إلى المستأنف ضده (المدعي) للرد عليها كتابةً.
ذكر المستأنف ضده في رده أنه قد غادر كسلا عقب وفاة والده سنة 1947 مباشرة وعاد في 1950 فوجد البيت موضوع النزاع قد آل إليه مع بقية الورثة من تركة والدهم ومنذ وفاة الوالد ظل أخوهم الأكبر يقوم بتأجير البيت لآخرين بواقع 1.20 جنيهاً في الشهر ولكن بدءا من مارس 1953 انتقل المستأنف للإقامة البيت لوحده فقد كان كل واحد من بقية الورثة يقيم في بيته. وأنه في سنة 1954 أقام دعوى ضد المستأنف مطالبا باسترداد نصيبه في أجرة المنزل من تاريخ شغل المستانف للبيت وأن حكماً قد صدر لصالحة.
تأسيساً على ما ورد أعلاه وبعد الاطلاع على محضر الدعوى بالمحكمة الجزئية نرى أنه يجب قبول طلب المراجعة هذا.
فمن الواضح جدا أن المستأنف قد سكن بالبيت محل الدعوى ليس بصفته مستأجراً وإنما بصفته مالكاً على الشيوع وذلك بتغاضي بقية كل الورثة إن لم يكن برضاهم الصريح. فلا أحد منهم اعترض منذ سنة 1952 على سكن المستأنف بالعقار أو طلب منه أن يدفع أجرة مقابل نصيبه في العقار.
بل أن المستانف ضده قد أقر أنه عند عودته إلى كسلا في 1952 وجد المستانف يسكن وحده في البيت. ولا توجد أي بينة تثبت أنه قد اعترض على ذلك. وحتى بعد صدور الإعلام الشرعي رقم 33/1954 عن المحكمة الشرعية بكسلا في 31 اكتوبر 1954 والذي أمر بأن يسجل البيت في اسم كل الورثة بحسب الأنصبة المحددة أعلاه، لم يطلب المستأنف ضده من المستأنف دفع إيجار عن نصيبه البالغ 14/96 كما لم يطلب من المحكمة فرز نصيبه، وعوضاً عن ذلك ظل سلبياً ساكتاً passive إلى أن رفع الدعوى الماثلة في 1958.
لذا نرى أنه لم يكن في نية الورثة مطلقاً بما في ذلك المستأنف ضده عندما سمحوا للمستأنف بالسكن في المنزل لوحده في 1952 لم يكن في نيتهم الدخول مع المستأنف في عقد إجارة، فالبيت هو بيت الأسرة والمستأنف سكن فيه بصفته أحد أفراد الأسرة وإذا كان أحد الملاك على الشيوع لم يكن راضياً عن ذلك فكان له أن يطلب فرز نصيبه.
لكل ما تقدم من أسباب نأمر بمراجعة كل من قرار القاضي الجزئي بكسلا المؤرخ 2 فبراير 1959 وقرار المراجعة الصادر عن قاضي المديرية بكسلا في 29 مارس 1959 وشطب الدعوى.
لا أمر في شأن الرسوم.

القاضي/ محمد أحمد أبورنّات/ رئيس القضاء:
أوافق.

هوامش:
1- ترجمناها من الإنجليزية إلى العربية عن "مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1959 ص55 ، Sudan Law Journal and Reports, 1959 وكانت المحاكم السودانية تصدر الأحكام القضائية بالانجليزية وتقدم المذكرات كذلك حتى سنة 1970.
2- كان الاستئناف آنذاك يقدم في شكل طلب مراجعة.
3- حجبنا أسماء الأطراف وأشرنا إليها بالأحرف الأولى.

عبد المنعم عجب الفَيا – 27 سبتمبر 2022

 

abusara21@gmail.com

 

آراء