كارثة سقوط المدن عسكرياً تمهيد لفصل إداري للمدن وليس فصل سياسي للأقاليم (3)
أحمد بن عمر
20 January, 2024
20 January, 2024
بقلم: أحمد بن عمر
اعلان موازنة حرب هو اعلان لفشل الدولة و انقسامها ادارياً
بالأمس تم إجازة موازنة العام 2024 (الميزانية ) تحت مسمي (موازنة حرب) ، عزيزي المواطن بهذه التسمية اعلنت الحكومة فعلياً انفصال الدولة ادارياً بحكومة موجودة في بورتسودان و حكومة أخري غير مُعلنة من قِبل الدعم السريع ، و بالرغم من حديثي منذ اكتوبر الماضي بخطورة توسع الحرب فقد شاركني التأكيد وزير المالية السوداني دكتور جبريل ابراهيم بهذ الانفصال ،و أقتبس من تصريحه بالأمس : " الموازنة مرنة وسينظر مجلس الوزراء فيها كل ثلاثة أشهر من أجل تقييمها ونتوقع عوائد بسيطة بسبب خروج عدد من المناطق خارج الإنتاج بسبب الحرب".
وهو إعتراف أن تأثير الحرب افقد الدولة الاقتصاد و افقد الحكومة السيطرة علي الاقتصاد المتبقي في مناطق سيطرة الدعم السريع .
و موازنة الحرب تشير إلى الموارد المالية والاقتصادية التي تخصص لتمويل الجهود الحربية، مثل شراء الأسلحة، وصيانة القوات العسكرية، وتمويل العمليات العسكرية، و دفع رواتب الجنود .
و تأثير ميزانية الحرب يمتد إلى عدة جوانب:
-اقتصاديًا: تخصيص موارد ضخمة لميزانية الحرب يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. قد تزيد الإنفاق العسكري عن حد معين وتؤثر سلباً على القطاعات الأخرى، مع استمرارية الطباعة للعملة لتمويل النفقات العسكرية سيؤدي الأمر إلي ارتفاع التضخم الذي يُلاحظ حالياً في اسعار السلع في الاسواق .
-اجتماعيًا: يؤثر توجيه موارد الدولة نحو الجانب العسكري على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة التي يبدوا ان الحكومة قد تخلت عنها و اصبحت المناطق الخارج سيطرتها غير حاضة لها كما يحدث في (نيالا) حالياً ، هذا الأمر سيثير التساؤلات حول التوازن الصحيح بين الاحتياجات المدنية والعسكرية، حيث يعيش السودانيين في الداخل في ازمة كبري ، حسب تصريح الأمم المتحدة يوم (الأربعاء) : " إن الاشتباكات المسلحة في السودان مسؤولة عن أكبر عدد من النازحين على وجه الأرض وتعطيل إجراءات مكافحة تفشي مرض الكوليرا القاتل."
عسكريًا: تأثيرها يظهر في قدرة الدولة على تحقيق الأهداف العسكرية المرسومة ففي ظِل فشل اضافي في تحقيق اي تقدم عسكري و تواصل سقوط المدن سيكون الوضع اجتماعياً منفجر علي الجيش و قادته ، قرار تخصيص موارد كبيرة للجيش قد يؤثر على استقرار الحكومة وتوجيه الرأي العام، و السودانيين حتي الان ما زالوا متمسكين بالوقوف مع الجيش و لكن بدون اي تقدم ملحوظ سيكون الآثر سلبي مستقبلاً
و يجب اولاً لفهم الأمر الاجابة عن الاسئلة الاتية :
*هل وضع السودان بدون حرب جيد بالنسبة لإيرادات الدولة؟
-لا
*هل كان السودان دولة جيدة في تعبئة الإيرادات المحلية ؟
-لا
*من اين يعتمد السودان علي تسيير العجز في منصرفاته؟
-الجزء الأكبر يتم عن طريق الطباعة
إذاً السودان دولة تعاني من توفير إيرادات لتصرفها ، رغم المجهودات التي توقفت بعد إنقلاب اكتوبر و التي كان من شأنها التأثير في هيكل الانفاق علي التنمية تحديداً ، و بوضع السودان لايمكن لأحد يمكن أن يدعم حرب تحرر شهادة وفاة للدولة و إفلاسها و تدميرها .
و كتابياً نحاول التفسير الحقيقي حول أهم الهياكل في الدولة وهو هيكل الإيرادات ، و قبل الكتابة أريد أن اؤكد شي واحد أن موازنة 2024 إلتي أعلنها مجلس الوزراء المكلف هي تجسيد لفشل الدولة المتوارث و تمظهر حقيقي لفشل هذه الحرب دون تحقيق اي تأثير يمكن ان يكون ايجابي للجيش الذي يستخدم الدولة حالياً في هذه الحرب.
(١) الايرادات
يعتمد السودان مثل الدول ذات الدخل المنخفض في الإيرادات المحلية على الضرائب غير المباشرة على التجارة المحلية والتجارة والمعاملات الدولية (الضريبة على الواردات في شكل تعرفة جمركية، وضريبة القيمة المضافة) Low income countries.
من المفارقات أن الإيرادات بالرغم من ضعف نسبتها من الناتج القومي ولكنها تمثل اكثر من 65%- 70% من الإيرادات الحكوميه الامر الذي يعكس ضعف الايرادات الحكوميه بصوره عامه، يتسبب ضعف مساهمه الايرادات في عجز الموازنه العامه وما يتبعها من انعاكسات سلبيه علي اداء الموازنه .
تبلغ نسبه ضرائب أرباح الأعمال في السودان 15% (في سبتمبر خفض قطاع التعدين ش الامتياز من 30-15 % ايضاً ) وهي نسبه عليها خلاف ، بينما تبلغ نسبه ضريبه القيمه المضافه 17% وهي عالية جداً ، بينما تبلغ نفس الضريبه 40% علي قطاع الاتصالات بعد زيادتها في مارس 2022.
فشلت الدولة في الوصول الي نسبة الجهد الضريبي Tax effort ال 12.75% من الناتج المحلي ، بسبب الإشكاليات الكبيرة المتعلقة بالصدمات التي يتلقاها السوق في حالة قرارات زيادة نسبة الضرائب و قد لاحظ الجميع الإحتجاجات و العصيان علي الزيادات.
فبالعودة الي العام 2022 كانت شركات الوقود قد شكت من الزيادة الفادحة في الضرائب التي وضعت عليهم بنسبة 100% عن تقديرات العام 2021، دون التوصل لتفاهمات مع سلطات وزارة المالية بشأن خفضها.
في غضون ذلك بدأت أسواق مدينة الأبيض وعدداً من المدن الكبيرة بولاية شمال كردفان، التي شهدت إغلاقاً كاملاً للمحال التجارية التي تبيع بالجملة والتجزئة،وقال سكان محليون في كل من الأبيض، وتندلتي، والجبلين: إنهم واجهوا صعوبات في الحصول على احتياجاتهم من السلع الاستهلاكية.
و قبل نهاية العام 2022 بشهرين كانت الاحتجاجات قد بلغت ذروتها ، فقد أغلق 1260 متجراً بسوق الدمازين في إقليم النيل الأزرق (جنوب) رفضا للتقديرات الضريبية غير الواقعية، بعد إضافة ديوان الضرائب 10% كقيمة ربحية للسلعة الواحدة مع زيادة نسبة الضريبة إلى 30% بدلا عن 10% لتسهم القيمتان في إرتفاع الضرائب بأرقام كبيرة، دون مراعاة للركود والالتزامات والتضخم الذي رفع قيمة السلعة مقابل ثبات الأرباح وزيادة المصروفات وتآكل رأس المال.
و بعدها بشهر دعا إتحاد غرف النقل السوداني كل أعضاء قطاع النقل البري، إلى عدم الانصياع لسداد رسوم العبور الجديدة التي فرضتها وزارة المالية والالتزام فقط بالفئات القديمة.
وقال بيان للاتحاد،إن قراراً صدر عن الوزارة بتوصية من هيئة الطرق والجسور، قضى بزيادة رسوم عبور الطرق القومية بنسبة 600٪ استناداً إلى مقترحات صادقت عليها وزارة المالية والاقتصاد.
حسناً مع كل هذا السرد للأحداث فالمعلومة المهم هي :
السودان دخل العام 2023 بموازنة شِهدت إرتفاع كبير بإجمالي الإيرادات المتوقعة 7.363 تريليونات جنيه سوداني (نحو 12.7 مليار دولار)، بينما بلغ إجمالي الإنفاق 8.196 تريليونات جنيه (نحو 14.1 مليار دولار)، وهي أرقام مضخمة غيّر منطقية كنا تحليلاً قد قلنا أن موازنة وزارة المالية لن تستطيع الصمود حتي منتصف العام و قد بدأت فعلياً في الانهيار منذ الربع الاول عندما فشلت في الربط و بدأت من حينها أزمة المرتبات في الظهور.
و رغم الأزمة الاقتصادية التي نتجت فقد دخلنا العام 2023 و تحديداً بعد شهر من الرابع في حرب الجيش و الدعم السريع انكمش فيها الاقتصاد بنسبة 12% فقط في 6 أشهر. و افقدتنا 50% من الناتج المحلي GDP بعد 9 أشهر و فقدان 2.5 مليون شخص فقدوا وظائفهم في القطاع الخاص ؛ و ملخصاً يمكن أن نقول هناك ازدياد كبير في نسب الفقر و فقدان كامل للقطاع الصناعي الذي يمثل 21% من قيمة اقتصاد السودان ، في الخرطوم القطاع الصناعي يمثل 70% من اجمالي الصناعة في السودان .
أضافة لفقدان الاسواق و القطاع الخدمي The services sector ايضاً بتمثيله في العاصمة الجزء المهم و هو القطاع الأكبر حيث يمثل 46.3% في الاقتصاد السوداني ، حيث ترفد الاسواق و القطاع الخدمي بالمزيد من الإيرادات المتعلقة بالتبادل التجاري بما فيها تأثيرات الميزان التجاري التي تمثل اكثر من 3 مليار دولار ، وهي الان فقدت بسبب تأثير الحرب .
القطاع الزراعي/الحيواني - تأثيراتها أكبر و لكن تحتاج الي شروحات يمكن إضافتها في مقال لاحق متمثل بامتداد الحرب في المناطق ، ولكن ما احتاج قوله ان عوائد الصادر من الصادرات الحيوانية و الزراعية قد فقدت أكثر من 65% بسبب سقوط دارفور و حصار شمال كردفان و غرب كردفان ، كمثال : من مايو حتي سبتمبر بلغت الصادرات فقط 65.7 مليون دولار مقارنةً بأكتوبر 2022 (اضعف شهر صادر) كان يمثل 160.3 مليون دولار.
فهذا الأمر سيكوّن واضحاً للجميع في قيمة ما ستفقده حكومة بورتسودان من ايرادات صادرات و واردات و نشاط اقتصادي … والسؤال هو :
" كيف سيقوم وزير المالية جبريل ابراهيم بتحصيل إيرادات ولائية لتسيير الدولة و هي خارج ولايته و تقع تحت سيطرة الدعم السريع؟ "
بتاريخ 7/10/2023 اعترف وزير المالية جبريل إبراهيم بتأثير الحرب علي الايرادات و ذكر نصاً لسونا للأنباء : " إن إيرادات الدولة انخفضت بنسبه كبيرة إلى اقل من الثلث بسبب الحرب." ، هذا الأمر يؤكد أن وزير المالية يعلم تماماً بكارثة الحرب و تأثيرها و مستقبلها المظلم في توفير الأموال للصرف علي الجيش و علي المواطن، ولكن هل المواطن يعلم مثل حجم هذه الكارثة؟
فإن كانت الموازنة المضخمة والمضروبة في 2023 تمثل 7 ترليونات من كامل ولايات السودان و في حالة السِلم بما فيها اقليم دارفور ، فألان لا يمكن ان يجمع 2 ترليون ناهيك ان يستطيع دفع مرتبات الاشهر الماضية و الأشهر القادمة ، التي ما زال يستخدم الطباعة في تغطيتها ليس من أجل المواطن لا بل من أجل تسير رواتب الجيش التي ايضاً تعاني في الفترة الاخيرة .
عليه سيترتب المزيد من الانقسام الحالي المواصلة في :
-عدم قدرة الدولة بإقامة اي نشاط في مناطق سيطرة الدعم السريع مما سيفقدها السيطرة علي الاقتصاد.
-التضخم سيواصل في الإرتفاع.
-عدم القدرة علي دفع المرتبات.
-فقدان للتمويل مما سيترتب عليه عدم وجود مواسم زراعية فعالة.
-تواصل هروب رؤوس الاموال المحلية .
فقدان إيرادات الدولة للمعادن سيدخل السودان ايضاً في أزمة، هو المورد الذي يعتمد عليه السودان و لنفهم الامر :
-بنك السودان المركزي في تقريره السنوي عن عام 2022 أعلن عن تصدر الذهب أعلى صادرات البلاد غير البترولية بنسبة 46.3 في المئة من جملة صادرات السودان الخارجية بقيمة نقدية تساوي 2.02 مليار دولار من إجمالي 4.357 مليار دولار
-السودان العام الماضي في 6 شهور انتج 15.28 طن ، بإجمالي ايرادات 917 مليون دولار، من 86 سوق للذهب في 12 ولاية .
شركات الامتياز أنتجت 3.64 طن ، و شركات معالجة المخلفات(الكرته) 6.09 طن ؛مع الملاحظة للإنتاج العالي للكرته.
مع تراجع في قيمة الإنتاج التقليدي (الدهابة) ،حيث بلغ الإنتاج 5.55 طن من المخطط له 17.5 طن.
*هذه الارقام لا يوجد لها وجود الان بعد الحرب بسبب تضرر الاسواق الموجود في دارفور و كردفان ، و تضرر البيروقراطية الرسمية للتصدير و الانتاج بعدم وجود العاصمة التي تعمل كبديل للبورصة و تعمل ادارياً عن طريق بنك السودان و مصفاة الذهب، مما حفّز عملية التهريب التي تحدث الان عبر حدود السودان و تستخدم كأداة لتمويل الحرب كما ذكرنا في تقرير سابق ،
*فقدان الذهب عبر المرور بالقنوات الرسمية سيفقد الدولة الاستفادة من اسعار التصفية و حصائل الصادر بالعملة الصعبة لتمويل الواردات و سيفقد الدولة ايرادات التحصيل و الرسوم و الضرائب ايضاً
• سنعود الي هذا الأمر بمقال مفصل عن تأثر الحرب و تمويلها بالذهب .
ختاماً ..
حسب خريطة الحكم الاتحادي التي نشرتها في المقال السابق فحكومة بورتسودان تعتمد فقط علي المناطق الولائية الاقتصادية تحت سيطرة الجيش ، وكلما امتدّت الحرب و فقدان المناطق العسكرية ستتقلص المناطق التي يستفيد منها الجيش في تمويل حاجياته عبر الحكومة .
فعليه ..
-سأستمر في التنويه و التحذير من أي خطوة في المجهول نحو تكوين اي الطرفين لحكومة ، هذا الأمر سيصعب من الوصول الي أي حلول مستقبلية لإيقاف الصراع .
-تمدد الصراع العسكري هو نتيجة لفشل الدولة و انقسامها ، و الحكومة بموازاتها المُعلنة في 2024 ستفشل في تحقيق واجباتها.
-أن تمدد العمليات العسكرية و سيطرة الدعم السريع و العمليات العسكرية في المدن بما تشمل الأسوق تؤدي إلى خسارة المزيد من الإيرادات للدولة، و الأعباء المالية المتزايدة المرتبطة بتكاليف القوات المسلحة والصيانة العسكرية، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي قد تنشأ نتيجة لتبعات النزاعات، يمكن أن تقلل من إيرادات الدولة.
-تتسبب التكاليف الضخمة للحروب في تحميل الدولة بديون إضافية (خاصةً الدين الداخلي) ،و تقديم تضحيات اقتصادية تأثر على الخدمات الأخرى والاستثمار في البنية التحتية.
dr_benomer@yahoo.com
اعلان موازنة حرب هو اعلان لفشل الدولة و انقسامها ادارياً
بالأمس تم إجازة موازنة العام 2024 (الميزانية ) تحت مسمي (موازنة حرب) ، عزيزي المواطن بهذه التسمية اعلنت الحكومة فعلياً انفصال الدولة ادارياً بحكومة موجودة في بورتسودان و حكومة أخري غير مُعلنة من قِبل الدعم السريع ، و بالرغم من حديثي منذ اكتوبر الماضي بخطورة توسع الحرب فقد شاركني التأكيد وزير المالية السوداني دكتور جبريل ابراهيم بهذ الانفصال ،و أقتبس من تصريحه بالأمس : " الموازنة مرنة وسينظر مجلس الوزراء فيها كل ثلاثة أشهر من أجل تقييمها ونتوقع عوائد بسيطة بسبب خروج عدد من المناطق خارج الإنتاج بسبب الحرب".
وهو إعتراف أن تأثير الحرب افقد الدولة الاقتصاد و افقد الحكومة السيطرة علي الاقتصاد المتبقي في مناطق سيطرة الدعم السريع .
و موازنة الحرب تشير إلى الموارد المالية والاقتصادية التي تخصص لتمويل الجهود الحربية، مثل شراء الأسلحة، وصيانة القوات العسكرية، وتمويل العمليات العسكرية، و دفع رواتب الجنود .
و تأثير ميزانية الحرب يمتد إلى عدة جوانب:
-اقتصاديًا: تخصيص موارد ضخمة لميزانية الحرب يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. قد تزيد الإنفاق العسكري عن حد معين وتؤثر سلباً على القطاعات الأخرى، مع استمرارية الطباعة للعملة لتمويل النفقات العسكرية سيؤدي الأمر إلي ارتفاع التضخم الذي يُلاحظ حالياً في اسعار السلع في الاسواق .
-اجتماعيًا: يؤثر توجيه موارد الدولة نحو الجانب العسكري على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة التي يبدوا ان الحكومة قد تخلت عنها و اصبحت المناطق الخارج سيطرتها غير حاضة لها كما يحدث في (نيالا) حالياً ، هذا الأمر سيثير التساؤلات حول التوازن الصحيح بين الاحتياجات المدنية والعسكرية، حيث يعيش السودانيين في الداخل في ازمة كبري ، حسب تصريح الأمم المتحدة يوم (الأربعاء) : " إن الاشتباكات المسلحة في السودان مسؤولة عن أكبر عدد من النازحين على وجه الأرض وتعطيل إجراءات مكافحة تفشي مرض الكوليرا القاتل."
عسكريًا: تأثيرها يظهر في قدرة الدولة على تحقيق الأهداف العسكرية المرسومة ففي ظِل فشل اضافي في تحقيق اي تقدم عسكري و تواصل سقوط المدن سيكون الوضع اجتماعياً منفجر علي الجيش و قادته ، قرار تخصيص موارد كبيرة للجيش قد يؤثر على استقرار الحكومة وتوجيه الرأي العام، و السودانيين حتي الان ما زالوا متمسكين بالوقوف مع الجيش و لكن بدون اي تقدم ملحوظ سيكون الآثر سلبي مستقبلاً
و يجب اولاً لفهم الأمر الاجابة عن الاسئلة الاتية :
*هل وضع السودان بدون حرب جيد بالنسبة لإيرادات الدولة؟
-لا
*هل كان السودان دولة جيدة في تعبئة الإيرادات المحلية ؟
-لا
*من اين يعتمد السودان علي تسيير العجز في منصرفاته؟
-الجزء الأكبر يتم عن طريق الطباعة
إذاً السودان دولة تعاني من توفير إيرادات لتصرفها ، رغم المجهودات التي توقفت بعد إنقلاب اكتوبر و التي كان من شأنها التأثير في هيكل الانفاق علي التنمية تحديداً ، و بوضع السودان لايمكن لأحد يمكن أن يدعم حرب تحرر شهادة وفاة للدولة و إفلاسها و تدميرها .
و كتابياً نحاول التفسير الحقيقي حول أهم الهياكل في الدولة وهو هيكل الإيرادات ، و قبل الكتابة أريد أن اؤكد شي واحد أن موازنة 2024 إلتي أعلنها مجلس الوزراء المكلف هي تجسيد لفشل الدولة المتوارث و تمظهر حقيقي لفشل هذه الحرب دون تحقيق اي تأثير يمكن ان يكون ايجابي للجيش الذي يستخدم الدولة حالياً في هذه الحرب.
(١) الايرادات
يعتمد السودان مثل الدول ذات الدخل المنخفض في الإيرادات المحلية على الضرائب غير المباشرة على التجارة المحلية والتجارة والمعاملات الدولية (الضريبة على الواردات في شكل تعرفة جمركية، وضريبة القيمة المضافة) Low income countries.
من المفارقات أن الإيرادات بالرغم من ضعف نسبتها من الناتج القومي ولكنها تمثل اكثر من 65%- 70% من الإيرادات الحكوميه الامر الذي يعكس ضعف الايرادات الحكوميه بصوره عامه، يتسبب ضعف مساهمه الايرادات في عجز الموازنه العامه وما يتبعها من انعاكسات سلبيه علي اداء الموازنه .
تبلغ نسبه ضرائب أرباح الأعمال في السودان 15% (في سبتمبر خفض قطاع التعدين ش الامتياز من 30-15 % ايضاً ) وهي نسبه عليها خلاف ، بينما تبلغ نسبه ضريبه القيمه المضافه 17% وهي عالية جداً ، بينما تبلغ نفس الضريبه 40% علي قطاع الاتصالات بعد زيادتها في مارس 2022.
فشلت الدولة في الوصول الي نسبة الجهد الضريبي Tax effort ال 12.75% من الناتج المحلي ، بسبب الإشكاليات الكبيرة المتعلقة بالصدمات التي يتلقاها السوق في حالة قرارات زيادة نسبة الضرائب و قد لاحظ الجميع الإحتجاجات و العصيان علي الزيادات.
فبالعودة الي العام 2022 كانت شركات الوقود قد شكت من الزيادة الفادحة في الضرائب التي وضعت عليهم بنسبة 100% عن تقديرات العام 2021، دون التوصل لتفاهمات مع سلطات وزارة المالية بشأن خفضها.
في غضون ذلك بدأت أسواق مدينة الأبيض وعدداً من المدن الكبيرة بولاية شمال كردفان، التي شهدت إغلاقاً كاملاً للمحال التجارية التي تبيع بالجملة والتجزئة،وقال سكان محليون في كل من الأبيض، وتندلتي، والجبلين: إنهم واجهوا صعوبات في الحصول على احتياجاتهم من السلع الاستهلاكية.
و قبل نهاية العام 2022 بشهرين كانت الاحتجاجات قد بلغت ذروتها ، فقد أغلق 1260 متجراً بسوق الدمازين في إقليم النيل الأزرق (جنوب) رفضا للتقديرات الضريبية غير الواقعية، بعد إضافة ديوان الضرائب 10% كقيمة ربحية للسلعة الواحدة مع زيادة نسبة الضريبة إلى 30% بدلا عن 10% لتسهم القيمتان في إرتفاع الضرائب بأرقام كبيرة، دون مراعاة للركود والالتزامات والتضخم الذي رفع قيمة السلعة مقابل ثبات الأرباح وزيادة المصروفات وتآكل رأس المال.
و بعدها بشهر دعا إتحاد غرف النقل السوداني كل أعضاء قطاع النقل البري، إلى عدم الانصياع لسداد رسوم العبور الجديدة التي فرضتها وزارة المالية والالتزام فقط بالفئات القديمة.
وقال بيان للاتحاد،إن قراراً صدر عن الوزارة بتوصية من هيئة الطرق والجسور، قضى بزيادة رسوم عبور الطرق القومية بنسبة 600٪ استناداً إلى مقترحات صادقت عليها وزارة المالية والاقتصاد.
حسناً مع كل هذا السرد للأحداث فالمعلومة المهم هي :
السودان دخل العام 2023 بموازنة شِهدت إرتفاع كبير بإجمالي الإيرادات المتوقعة 7.363 تريليونات جنيه سوداني (نحو 12.7 مليار دولار)، بينما بلغ إجمالي الإنفاق 8.196 تريليونات جنيه (نحو 14.1 مليار دولار)، وهي أرقام مضخمة غيّر منطقية كنا تحليلاً قد قلنا أن موازنة وزارة المالية لن تستطيع الصمود حتي منتصف العام و قد بدأت فعلياً في الانهيار منذ الربع الاول عندما فشلت في الربط و بدأت من حينها أزمة المرتبات في الظهور.
و رغم الأزمة الاقتصادية التي نتجت فقد دخلنا العام 2023 و تحديداً بعد شهر من الرابع في حرب الجيش و الدعم السريع انكمش فيها الاقتصاد بنسبة 12% فقط في 6 أشهر. و افقدتنا 50% من الناتج المحلي GDP بعد 9 أشهر و فقدان 2.5 مليون شخص فقدوا وظائفهم في القطاع الخاص ؛ و ملخصاً يمكن أن نقول هناك ازدياد كبير في نسب الفقر و فقدان كامل للقطاع الصناعي الذي يمثل 21% من قيمة اقتصاد السودان ، في الخرطوم القطاع الصناعي يمثل 70% من اجمالي الصناعة في السودان .
أضافة لفقدان الاسواق و القطاع الخدمي The services sector ايضاً بتمثيله في العاصمة الجزء المهم و هو القطاع الأكبر حيث يمثل 46.3% في الاقتصاد السوداني ، حيث ترفد الاسواق و القطاع الخدمي بالمزيد من الإيرادات المتعلقة بالتبادل التجاري بما فيها تأثيرات الميزان التجاري التي تمثل اكثر من 3 مليار دولار ، وهي الان فقدت بسبب تأثير الحرب .
القطاع الزراعي/الحيواني - تأثيراتها أكبر و لكن تحتاج الي شروحات يمكن إضافتها في مقال لاحق متمثل بامتداد الحرب في المناطق ، ولكن ما احتاج قوله ان عوائد الصادر من الصادرات الحيوانية و الزراعية قد فقدت أكثر من 65% بسبب سقوط دارفور و حصار شمال كردفان و غرب كردفان ، كمثال : من مايو حتي سبتمبر بلغت الصادرات فقط 65.7 مليون دولار مقارنةً بأكتوبر 2022 (اضعف شهر صادر) كان يمثل 160.3 مليون دولار.
فهذا الأمر سيكوّن واضحاً للجميع في قيمة ما ستفقده حكومة بورتسودان من ايرادات صادرات و واردات و نشاط اقتصادي … والسؤال هو :
" كيف سيقوم وزير المالية جبريل ابراهيم بتحصيل إيرادات ولائية لتسيير الدولة و هي خارج ولايته و تقع تحت سيطرة الدعم السريع؟ "
بتاريخ 7/10/2023 اعترف وزير المالية جبريل إبراهيم بتأثير الحرب علي الايرادات و ذكر نصاً لسونا للأنباء : " إن إيرادات الدولة انخفضت بنسبه كبيرة إلى اقل من الثلث بسبب الحرب." ، هذا الأمر يؤكد أن وزير المالية يعلم تماماً بكارثة الحرب و تأثيرها و مستقبلها المظلم في توفير الأموال للصرف علي الجيش و علي المواطن، ولكن هل المواطن يعلم مثل حجم هذه الكارثة؟
فإن كانت الموازنة المضخمة والمضروبة في 2023 تمثل 7 ترليونات من كامل ولايات السودان و في حالة السِلم بما فيها اقليم دارفور ، فألان لا يمكن ان يجمع 2 ترليون ناهيك ان يستطيع دفع مرتبات الاشهر الماضية و الأشهر القادمة ، التي ما زال يستخدم الطباعة في تغطيتها ليس من أجل المواطن لا بل من أجل تسير رواتب الجيش التي ايضاً تعاني في الفترة الاخيرة .
عليه سيترتب المزيد من الانقسام الحالي المواصلة في :
-عدم قدرة الدولة بإقامة اي نشاط في مناطق سيطرة الدعم السريع مما سيفقدها السيطرة علي الاقتصاد.
-التضخم سيواصل في الإرتفاع.
-عدم القدرة علي دفع المرتبات.
-فقدان للتمويل مما سيترتب عليه عدم وجود مواسم زراعية فعالة.
-تواصل هروب رؤوس الاموال المحلية .
فقدان إيرادات الدولة للمعادن سيدخل السودان ايضاً في أزمة، هو المورد الذي يعتمد عليه السودان و لنفهم الامر :
-بنك السودان المركزي في تقريره السنوي عن عام 2022 أعلن عن تصدر الذهب أعلى صادرات البلاد غير البترولية بنسبة 46.3 في المئة من جملة صادرات السودان الخارجية بقيمة نقدية تساوي 2.02 مليار دولار من إجمالي 4.357 مليار دولار
-السودان العام الماضي في 6 شهور انتج 15.28 طن ، بإجمالي ايرادات 917 مليون دولار، من 86 سوق للذهب في 12 ولاية .
شركات الامتياز أنتجت 3.64 طن ، و شركات معالجة المخلفات(الكرته) 6.09 طن ؛مع الملاحظة للإنتاج العالي للكرته.
مع تراجع في قيمة الإنتاج التقليدي (الدهابة) ،حيث بلغ الإنتاج 5.55 طن من المخطط له 17.5 طن.
*هذه الارقام لا يوجد لها وجود الان بعد الحرب بسبب تضرر الاسواق الموجود في دارفور و كردفان ، و تضرر البيروقراطية الرسمية للتصدير و الانتاج بعدم وجود العاصمة التي تعمل كبديل للبورصة و تعمل ادارياً عن طريق بنك السودان و مصفاة الذهب، مما حفّز عملية التهريب التي تحدث الان عبر حدود السودان و تستخدم كأداة لتمويل الحرب كما ذكرنا في تقرير سابق ،
*فقدان الذهب عبر المرور بالقنوات الرسمية سيفقد الدولة الاستفادة من اسعار التصفية و حصائل الصادر بالعملة الصعبة لتمويل الواردات و سيفقد الدولة ايرادات التحصيل و الرسوم و الضرائب ايضاً
• سنعود الي هذا الأمر بمقال مفصل عن تأثر الحرب و تمويلها بالذهب .
ختاماً ..
حسب خريطة الحكم الاتحادي التي نشرتها في المقال السابق فحكومة بورتسودان تعتمد فقط علي المناطق الولائية الاقتصادية تحت سيطرة الجيش ، وكلما امتدّت الحرب و فقدان المناطق العسكرية ستتقلص المناطق التي يستفيد منها الجيش في تمويل حاجياته عبر الحكومة .
فعليه ..
-سأستمر في التنويه و التحذير من أي خطوة في المجهول نحو تكوين اي الطرفين لحكومة ، هذا الأمر سيصعب من الوصول الي أي حلول مستقبلية لإيقاف الصراع .
-تمدد الصراع العسكري هو نتيجة لفشل الدولة و انقسامها ، و الحكومة بموازاتها المُعلنة في 2024 ستفشل في تحقيق واجباتها.
-أن تمدد العمليات العسكرية و سيطرة الدعم السريع و العمليات العسكرية في المدن بما تشمل الأسوق تؤدي إلى خسارة المزيد من الإيرادات للدولة، و الأعباء المالية المتزايدة المرتبطة بتكاليف القوات المسلحة والصيانة العسكرية، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي قد تنشأ نتيجة لتبعات النزاعات، يمكن أن تقلل من إيرادات الدولة.
-تتسبب التكاليف الضخمة للحروب في تحميل الدولة بديون إضافية (خاصةً الدين الداخلي) ،و تقديم تضحيات اقتصادية تأثر على الخدمات الأخرى والاستثمار في البنية التحتية.
dr_benomer@yahoo.com