كيف يستقيم الظل والعود اعواج؟ دعوا خطاب الكراهية حتى لا تستبينوا النصح إلا ضحى الغد!!

 


 

 

م/الصديق المريود
اريزونا الولايات المتحدة الاميركية

٧ يوليو ٢٠٢٣

١
الدكتور الدرديري محمد أحمد آخر وزير خارجية قبل سقوط البشير كتب للسفير الأمريكي بالسودان عن (لعبة شدة) لمقارنتها بكرة القدم الامريكية وكان يهدف للقول بأن ثقافاتنا مختلفة ولكنه لم يحسن المقارنة لان كلا من اللعبتين وإن اختلف الواقع الثقافى والاجتماعى فيمكن لأي من الشعبين اكتساب المهارات نفسها والاستمتاع باللعبتن باتباع قوانينهما. مع ان كاتب المقال لدية قدرة تعبيرية لا بأس بها .. ولكن اندفع فى سرد تاريخى مطول عن هجرة من أطلق عليهم عربان الشتات. والهدف هجاء الدعم السريع ووصم مقاتليه بأنه من هذه الفئة أي أنهم ليسوا بسودانيين. ولذلك ذهب إلى الحديث عن هجرة قبائل بنو سليم وجهينة وجذام وبنو قيس باعتبارهم فارقوا صعيد مصر وسيناء بعد أن جاؤها من بوادي نجد والحجاز. وقال أنه في هجرتهم الأفريقية كانوا يبحثون عن المرعى في تونس وإلى تخوم البحر الابيض المتوسط ومورتانيا. ولكنه عاد ليمنحهم المواطنة بأن قال أن بعضهم تبع قطيع الابل جنوبا على الضفة الشرقية لنهر النيل ليستقر بهم المقام عند "الأتبراوي" وبادية البطانة ومناطق رفاعة و هؤلاء غالبيتهم من قبائل جهينة. ثم قفز قفزة عالية في الأساطير وقال بعضهم رحل بمحاذاة الضفة الغربية للنيل متجها نحو الجنوب عبر الواحات المنتشرة على الخط الفاصل بين الصحراء الكبرى وحزام السافانا ليستقر بهم المقام في موريتانيا. و قال الدكتور الدرديري أن قسمًا اخر تتبع مراعي وادي الملك فى رحلة استمرة لأربعة قرون واستقر بهم المقام فى بحيرة تشاد وشمالي الكاميرون ونيجيريا وموريتانيا.

2 ما يهمنا رواية الراوى ووصفه لمجموعة سكانية مهمة بأنها (عربان الشتات). فقد نفى الدكتور عبد المجيد عابدين هذه الرواية التي يروج لها الكاتب لخدمة هدف ضيق وهو الإساءة للدعم السريع. هذه القبائل كانت بالفعل في صعيد مصر وشاركت في الفتوحات الإسلامية في شمال أفريقيا وساهمت في نشر الدين واللغة والثقافة العربية. حتى أن نعوم شقير وصف أنهم نقلوا إجراءات البروتوكول لسلطنة الفور. وهناك مجموعة غالبة من هذه المكونات غادرت صعيد مصر لموقف ديني وهو أن المماليك عندما اغتصبوا السلطة طلبوا من هذه القبائل البيعة فرضوا استنادا لفتوى الإمام العز ابن عبد السلام بأن المملوك لا تجوز مبايعته إلا أن يعتق والمماليك كانوا في حاجة لإجلاء هذا الجانب. رفضت هذه المكونات بيعة المماليك فدخلوا معهم في حرب مشهورة اسمها (حرب العربان) وهزموا وتمت مطاردتهم إلى دنقلا وبلاد البجة. واستقروا في مناطق البجة والبطانة وبعضهم مضى إلى جنوب ليبيا ومناطق الواحات في شمال كردفان وشمال دارفور ودخل بعضهم إلى حوض بحيرة تشاد في حوالي ١٤٦٠ للميلاد، و ايضا كان لهم وجود في مناطق شمال وشرق السودان والمثلث الليبي السوداني المصري لمدة استمرة لأربعمائة عام كونوا سلطانات أو شاركوا في تكوينها كما في سلطنة الشيخ (الوضاي) وهو من الجعلين (الجوامعة) وحرف الاسم (لوداي) ولا شك أن بعضهم كان ضمن التغريبة الهلالية ولكني أتحدث عن الأغلبية فهؤلاء شاركوا فى اعمار السودان وفي تأسيس سلطناته سواء في دارفور أو في السلطنة الزرقاء التي كان أهم مكون فيها هم القواسمة (العبدلاب) وهم من قبائل جهينة. وللدكتور عبد الله الطيب فذلكة تنفي رواية الكاتب وكذلك الدكتور جعفر ميرغني والبروفسور عز الدين عمر موسى. الذى يقول بأن هذه المجموعات بعضها جاء بعد الأندلس ودخل بما أسماه البوابة الغربية فدخلوا من شمال أفريقيا إلى دارفور وكردفان وبعض هذه القبائل توغلت مع النيل الأبيض نحو الجنوب الشرقي إلى جنوب كردفان وجنوب النيل الأبيض بحثا عن المراعى. هل بقيت بعد الفروع الصغيرة في حوض بحيرة تشاد و في حول نهر النيجر وحدود ليبيا ومالي إلى موريتانيا، لاشك في ذلك فالواقع يقول أنهم موجودين ويعيشون فى سلام ووئام مع مكونات هذه المناطق. وبالمثل موجودين في صعيد مصر إذ توجد فروع للرزيقات والمسيرية وخزام وجذام وبني كاهل وفزارة والهوارة وبني هلبة ولكن الإشارة لغرب أفريقيا مقصود به نشر الكراهية العرقية. ولا أجازف أن قلت أن هجرة هذه القبائل من صعيد مصر قسرا في فترة المماليك كانت بمجموعات كبيرة ولهذا هناك فروع لهذه القبائل في تونس والجزائر والمغرب وليبيا والنيجر ومالي وتشاد وموريتانيا. وللمفارقة أنهم كانوا أصحاب فضل في تاسيس حضارات إسلامية وعربية بهذه الدول فهم حملة لواء الحضارة بقدرما كانوا أولي باس فى الحروب فبعض أعلامهم أسماء بارزة في مدن كالقاهرة كما في حالة البروفسور عبد الوهاب المسيري صاحب موسوعة بني إسرائيل فقد ظل يقول أن قبيلته انتقلت إلى السودان واستوطنت كردفان كما تتوفر لهم آثار فكرية في مدينة القيروان والمغرب وتمبكتو وبلاد شنقيط بحضارتها وخلاويها تنفي فكرة أنهم (عرب شتات) على النقيض إنهم حملة مشاعل الحضارة واللغة وتأسيس المنارات.

٣
لاشك بان صحائف التاريخ مليئة بالعديد من الوقائع والمآثر لقبائل جهينة في السودان وفي أفريقيا بعامة وينبغي النظر لهذا العطاء الفكري والحضاري في إطاره بعين تحرص على دمج الأعراق في السودان وفي جواره القريب والبعيد وتوخى الدقة في إيراد الرويات التي لا تخدم إلا أهداف سياسية ضيقة تقفز على حقائق التاريخ الدامغة وعلى حقائق الجغرافية والديمغرافيه. فضلا عن المصادر التاريخية السودانية والعربية المدونة بموضوعية. تجاوز الراوى هذه المصادر و وقع في مفارقات أخلاقية تتعلق بأمانة النقل والأمانة العلمية والوقوع فى التخبط يمس جوانب غاية في الحساسية تثير العاطفة القبلية لأنها تطعن في حقوق المواطنة وتدفع مكونات السودان للمبارزة بالأعراق من هو الأصلي ومن هو المهاجر . ومن يبحث في هذا الأمر يجب ان يسعى بأمانة علمية وإستقامه معرفية لتوثيق المعلومة التاريخية وإحقاق الحق ولكن الشيء لا يستغرب من معدنه فالبحث عن الاقتتال القبلي وسفك الدماء هدف لبعض القوى السياسية ومنها جماعة كاتب المقال.

٤
لهذا دلف كاتب (الراوية) الخيالية إلى تخويف الشعب السوداني من (الغول) الاستيطاني في تنظير اجوف لا يدعمه واقع ولا علم. السودان يعرف بعضه بعضا وكل (دار) تعرف أفرادها كابر عن كابر فكيف يكون هناك حديث عن مشروع استطان فى السودان. فالكاتب يلمح بافترض ان ال دقلوا و من تحالف معهم داخل السودان وخارجه (زمرة) وغزاة يريدون الاستيطان في السودان. لكنه لا يحدد أي المناطق لأنه يعلم أن أي سلطنة أو مملكة في دارفور هؤلاء الذي يفتري عليهم لهم وجود فيها واسهام تاريخي لم ينكره حتى المستعمر ووثق له مكمايكل ومحمد عمر التونسي. لقد شاركت هذه المجموعات السلطان تاج الدين في معركة دروتي ودارجيل وملأت حوافير خيلهم نقع تلك الصحاري ومثلها سيوفهم. كما أن المحاميد كانوا وزراء في بلاط سلطنة الفور على نحو ما أورد مكمايكل وغيره. ولهذا جاء افتراض التوطين مضحكا بقدرما هو زائف ويجب أن يجرم قانونا. ويجدر بي أن أدخل بعض السياسة لأن التقليل من ذكاء السودانين يجب أن لا يمر هكذا. فالكل يعلم ان دولتكم الافلة استعانت بسيوف هذه المكونات ولم تقولوا قط أن أسلحة وبنادق الناظر موسى هلال جاءت للاستيطان أو أن موسى هلال غازي وقادم من غرب أفر يقيا وأن من كانوا يقاتلون في صفوفه (عرب شتات) والكل يعلم أن نظام الإنقاذ أحدث فتنة بين قادة هذه المكونات وتم قيام قوات الدعم السريع وهي امتداد لحرس الحدود بقيادة موسى هلال. وقد استعملت الإنقاذ هؤلاء الرجال فى حروبها فى دارفور وكردفان وفي النيل الأزرق وكل بقاع السودان بل أرسلوا ضمن القوات المسلحة السودانية للمشاركة فى حرب اليمن. فلماذا لم يفتح الله على وزير خارجية الإنقاذ وكاتب المقال بكلمة واحدة عن (عربان الشتات) ما هذا التهافت وما هذا الاستخدام السياسي وما هذا التلاعب بالنار وفى هذه الازمنة التي يواجه فيها السودان خيار أن يكون أو لا يكون فمالكم كيف تحكمون يا درديري!!!
لا شك ان المشروع الحضارى شمسه افلت ولن يعود من قبره فهذا وعد من الله الذي ينزع الحكم نزعًا وقد نزع سلطة المشروع اللامشروعه. والشعب السوداني الذي خرج واسقط نظام الأخوان المسلمين لا يمكن تغبيش وعيه بأن المجموعات التي تقف مع حميدتي (مستوطنين) وإن كانوا كذلك فإن من اتى بحيمدتى وقدم له كل التسهيلات والتدريب والموارد ونصبه ليكون حارسا امينا لمؤسسات نظام البشير الإنقلابي هم أخوان السودان. وحميدتي بنفسه قال أنه رفض فتوى قتل ثلثين الشعب السوداني لتبقى الإنقاذ. وقال أن (الشلاق لم يترك أعمى) في السودان، فقد فهم اللعبة ووقف حسب تصريحاته فى صف الشعب السودانى وقال أنه ابنهم الاصيل و لذلك من يطعن فى اصالته و انتمائه لهذا الوطن عليه أن يثبت أنه ينتمي لقضايا الشعب السوداني ولثورة ديسمبر المجيدة وهنا الكف ترجح مواطنية حميدتي وتنزعها عن المكابرين.
ان ما يدعو اليه مقال الدرديري خطاب كراهية وعنصرية فج واراه خطابا كريها ووقحًا وإذا ما تم قبوله وتعميمه فإن رد الفعل عليه سيكون ضارا ببلادنا. ومع أني اعلم علم اليقين ان تجار الهوس الدينى يفوقون سوء الظن فإنهم لا يهمهم أن تفنى المجموعات السودانية عن بكرة أبيها ولن (يرمش) لهم جفن ان احترق الوطن من شرقه إلى غربه. والكاتب كان عرابا من فريق فصل جنوب السودان وهو من المجموعة التي حاولت المساومة على تبعية أبي يي إلى الجنوب إلا أن من يتهمهم (بالستات) أكدوا وطنية عاليه يعاني الكاتب من نقص حاد فيها. وفي الحقيقة بينما السودان يحترق فهو يفزع (للحطب) لأشعال الحريق ولذلك هو ومن ماثله، لن يأبهوا بتدمير السودان باكمله وبفناء اهله وقد اعلنوا عن لذلك بوضوح في إفطارات رمضان التي سبقت الحرب. ولهذا ما يكتبه الدرديري متسق تماما مع ما يدعون اليه من تمزيق النسيج الاجتماعى وزرع الكراهية والعنصرية ونشر الفتن بين مكوناته لأنهم يتوهمون أن في ذلك طريقهم إلى السلطة التي نزعها رب العزة. وإذا كان الكاتب وجماعته يعتبرون بمصائر من سبقكم من الامم التى سرقت مكتسبات شعوبها و حولتها الى صالح افراد فإن أفضل خدمة يقدمونها أن يصمتوا فهذا الشعب بكل أطيافه ثار على الإنقاذ واقتلعها من جذورها و رمى بها فى مذابل التاريخ.

الشعب السودانى تاكد اليوم بما لا يدع مجالا الى الشك بأن بضاعة (الكيزان) هي السعي الى تشتت جمعهم وتفريق كلمتهم ولهذا سيسدوا جميع المنافذ لمنع هذا العبث والتلاعب بالدماء والتامر على تعايش الأعراق السودانية.
ان ما يطلق عليهم كاتب المقال (بعربان الشتات) وإن كان من المنتمين إليهم إلا أنهم يعرفون أن ابن نوح ليس من (اهله) وامتدادات و تداخل قبائل جهينة في الجوار تعكس ثراء وامتداداً لثقافة مشتركة مع جوار السودان ولا شك أن ذلك يمنح السودان تأثيرا إيجابيا في دول الجوار وهذا ما جعل الآباء المؤسين للسودان ينشئون المدارس السودانية في تشاد ويرسلوا البعثات للصومال ولتمبكتو ويؤسسوا جامعة أفريقيا العالمية التي حاول الكيزان تخريبها واختطافها وتحويلها لمستودع للتجنيد وتلقين الأفكار المتطرفة (والبوكو حرام) . أن السودان يجب أن يعتز بتداخله في صعيد مصر وجنوب ليبيا وفي تشاد وحيثما وجد التحالف الجهيني وجد مكون يحمل ذات الأسماء التي ينتسب إليها أحفاد "جنيد" بما يشمل قبائل حررت السودان ورفعت اسمه عاليا وطهرت عاصمته وشاركت في طرد مستعمره وروت أرض كرري بالدماء الطاهرة. فالرويات التاريخية تقول بان عرب جهينة السودان منذ أن دخلوا السودان كانوا أصحاب حضاره وعلى ظهور خيولهم و ابلهم كانوا دعاة ورعاة صحيح أنهم ظلوا باحثين عن مراعى خصبة ولكنهم أيضا أضافوا لاقتصاد السودان بما يسوقون من رؤس ماشية انعشت الاقتصاد السودانى لستة قرون، كما عززوا ثقافة نصرة المظلوم و اطعام الجائع و العيش فى سلام ووئام مع من جاورهم من القبائل و المجموعات وظلوا واضعين الوطن فوق حدقات عيونهم وفى كل (حارة) تلتحم صفوفهم فداء للوطن وقد عرفتهم المعارك وشهد لهم المستعمر بالشجاعة والاستبسال فهم قوم اذا ركبوا ظهور خيولهم دكوا معاقل الاعداء ورفعوا دائما شعار إما نصر او شهادة ولقد شهدوا و شاركوا في احداث السودان الكبرى خاضوا المعارك ضد الغزاة وشاركوا في تأسيس سلطنات مثل المسبعات وشاركوا فى حروب الدولة المهدية ضد المستعمر بل كان لهم فيها السهم الوافر و اليد العليا.وقاموا بذلك دون من أو أذى وكان بعضهم في تحرير شيكان والخرطوم ضمن راية يقودها النجومي الجعلي وعثمان دقنة البجاوي. ما يعني أن عطاء أحفاد جنيد في تأسيس الدولة السودانية لا يحتاج للكتابة وهم طيف يشمل الرزيقات والمسيرية والحوازمة والمحاميد والماهرية واولاد راشد وبني هلبة والتعايشة والهبانية والسلامات وخزام وسليم واولاد حميد و غيرهم قبائل سودانية لها حواكيرها التي تعرفها السلطنات والاستعمار ودول الجوار. وانتسابهم الى ابناء جنيد سواء "عطية" و"حيماد" أو "راشد الولاد" هؤلاء بامتداداتهم ليسوا (شتات) فهم لهم اسهام حضاري وديني ووثقافي وهم الرعاة الدعاة الذين نشروا اللغة والثقافة في جنوب السودان وتزاوجوا واندمجوا مع أهلهم هناك وسار إخوانا وخلدوا ذلك فى ادبيات وأشعار و نثر واغاني وقد غنت بتنا الشهيدة شادن التي تم إغتيالها في شمال أم درمان هذا المقطع الأثير والمؤثر: " المقيم عطية والساير حيماد و الدخان البتلتل داك دا راشد الولاد"
والتاريخ يؤكد الأدوار الإيجابية لهذه المجموعات فهي اينما ذهبت وحدت الناس على أساس الثقافه والوجدان السليم والمواطنة وأنهم بقدرما حافظوا على تراثهم ونحاسهم وهويتهم الخاصة أخذوا أيضا من ثقافات غيرهم ولهذا تجد إيقاع المردوم وبه أهازيج أهلنا النوبه ضمن مزيج السلم العربي وخاصة عند عبد القادر سالم وموسى أبا وعبد الرحمن عبدالله. ومن التأثير الإيجابي الزي المشترك لسكان كثير من المناطق ويضرب المثال بمنطقة أبي يي فأنت في أبي يي لا تفرق بين دينكا نجوك وبين المسيري ولا تفرق بين الحوازمة في الدلنج وأي نوبي أخر. بل في صعيد مصر وان اختلفت طرق المأكل والملبس فإن القيم والأعراف تظل مشتركة ومثل ذلك يقال عن وجودهم فى أي دولة وهو أمر لا أراه يسبب إشكالا أو مبررا للإساءة أو الوصف بأنهم (شتات). فعرب شمر والحروب والأمويين وكنده يغطون الأرض من اليمن إلى فلسطين ومن موريتانيا إلى الصومال ومع ذلك لم يقل عنهم أحدًا أنهم عرب شتات. وعلى العكس تظل ثقافة هذه المجموعات تتأثر بثقافة الدول والمكونات التى ساكنوها. وقد فطن القاضي الأردني عضو لجنة محكمة العدل التي نظرت في قضية أبي يي إلى هذه الجزئية فأصل لمفهوم (الدار) في التراث الإداري العربي مثلما اعتبر ذلك ضمن ممارسات الإدارة القبلية في سياقها العربى وبه أثبت تبعية أبي يي إلى منطقة المسيرية وألى كردفان. وقد حافظت هذه المجموعات على أساليبها الحضارية تماما كما حافظت على الفروسية والباس فى الحروب و المعارك و الثبات فيها.
ويحمد لهذه المكونات محافظتها على الهوية الخاصة بها وعلى روح التدين و الوفاء بالعهد و الكرم و الشهامة و حسن الجوار و نصرة الضعيف.
سودانية هذه القبائل لا تحتاج لمن يغالط ولكن من ملامحها الاحتفاظ بتراثها الخاص وبالفروسية و النحاس و أدب الحكامات والهداى وشعر البرامكة. وهم مجموعات لديها الروح الاستيعابية وليس كما حاول الكاتب أن يصورهم فهم من ناحية مجتمعية انصهروا فى هذه المجتمعات المحلية وصاروا جزءا اصيلا منها.
عاشت هذه القبائل فى سلام حيثما حلت وامتلكت الاراضى و الحواكير فى عهود سلطنات وضمن تحالف مع تلك المكونات التي أسس السلطنات.
المجموعة التي تتحدث عن أصالة هذه القبائل جاءت للسلطة مع الاستعمار بعد سقوط الدولة المهديه. وقد لا يعلم هؤلاء أن هذه القبائل ظلت تحارب الاستعمار في كل مناطق السودان وانتشرت في أحياء امدرمان والقضارف وسنار وكسلا والنيل الأبيض وعادت مجموعات طوعا نحو كردفان و دارفور وشرعوا في الفترة ما بعد كرري يعمرون مع غيرهم تلك البقاع واستمر التصاهر والتداخل والتمازج والترابط وكونوا ادارات اهلية لها قيادات بارزة عرفت بالحكمة وساهمت فى المحافظة على تماسك النسيج الاجتماعى مثلما اناروا مناطقهم بتلاوة القران و راتب الامام المهدي على نحو ما ملأوها بصهيل الخيل وصدى أصوات النحاس فهم ليسوا شتات وكيف يكونوا شتات وهم أسسوا السودان وشجعوا على اكتساب العلم في مناطقهم مثلما شاركوا بعد الاستقلال في تكوين مؤسسات الدولة وقدموا خيرة ابنائهم فى القوات المسلحة وشتى المجالات الادارية والمكتبية بقدرما سمحت السلطة القائمة. وقد دفعوا دماءهم رخيصة ليتم تحرير السودان من الأتراك وتكاد تكون دماءهم موزعة على كل تراب السودان. كما شردوا في معتقلات الأسر في مصر ودفعوا الثمن قتلا في أم دبيكرات وتهجيرا و تهميشا و تعذيبا و حرمهم الانجليز وبطانتهم من أبسط حقوقهم في التنمية. وعندما جاء الاستقلال كانوا مساهمين في مؤسساته الانتقاليه ويكفي أن نشير إلى أن من تقدم بمقترح اعلان الاستقلال من داخل البرلمان عبد الرحمن دبكة هو ناظر عموم بني هلبة.

٥
وإذا كانت هذه الخلفية التاريخية تنفي زعم الكاتب بأن هذه المجموعات (عرب شتات) فان خطاب الكراهية الذي يسهم فيه يأتي في سياق ظاهرة مجتمعية انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة في السودان ولكن بسببها اندلعت نزاعات قبلية عبثية يغذيها تناول إعلامي ساهم بوعي أو بدونه في تغذية مشاعر الكراهية والاقتتال, مما شكَّل خطراً على استمرار الدولة السودانية ونشر استباحة الدماء والتحريض على العنف. ويأتي كاتب المقال يصب بنزين على النار وهو يعلم أن الكلمة كالرصاصة التي يطلقها القائل، والكلمه مثل الرصاصة بصورة أو أخرى تؤدي لنفس النتيجة .
خطاب الكراهية يقف شاهدا على ارتكاب جرائم فظيعة، كما في ارتكاب الإبادات الجماعية في رواند والبوسنه والهرسك وغيرهما من الدول . فخطاب الكراهية يعتبر جريمة تحريض على القتل وعلى الضرر وعلى استهداف مجموعة سكانية بهدف استئصالها لأنهم (شتات) ولأنهم غير سودانيين. وهذا توجيه يجب تجريمه من مؤسسات العدالة السودانية ومؤسسات العدالة الدولية. والصمت عليه يبلغ التواطؤ لأنه يخالف مبدا أساسي وهو حق الأفراد والجماعات والأقليات في الحماية القانونية وفي صيانة كرامتهم فضلا عن حقوقهم كمواطنين متساويين مع غيرهم. بل هذا من أبجديات احترام حقوق الآخرين بل أن تصنيف بعض المكونات بأنها غير سودانية يمس جوهر الأمن القومي السودانى. ان خطاب الكراهية يتعارض وقيم التسامح والعيش المشترك التي تحتاجها بلادنا. والقوانين الدولية تُحظر أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية وخطاب الكراهية يُشكل تحريضاً مباشرا على التمييز والعدوان أو نشر القتل وممارسة العنف.
أن تصاعد خطاب الكراهية والقبلية والمناطقية في الفترة الأخيرة خرج من أفواه الأخوان المسلمين بالسودان ولعلهم يسعون لإكمال مهمتهم بتفتيت ما تبقى من السودان و ليس لدي شك بان هنالك عملاً منظماً تديره فئات من المؤتمر الوطني ويتعاونون مع مخابرات بعض الدول، لتحقيق هذا المخطط الذي بدأوا بتهيئة المناخ وإعداد المسرح له عبر خطابات من نوع خطاب الدرديري والنشر الذي يبث في وسائط التواصل الاعلامى أنهم في مراحل تنفيذ هذا العمل القذر.
خطاب الكراهية مجرم في قانون العقوبات السوداني وكذلك في القانون الدولي الذي يحمي حرية الحديث والتعبير ويمنع منعا باتا التحرِّيض على التمييز أو الأعمال العدائية أو العنف، ففي المادة الرابعة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري نجد أنها شدَّدت على ضرورة شجب ممارسات الدول، لأي شكل من أشكال الدعاية أو تكوين التنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات الداعية على بث خطاب العنصرية والكراهية.

٦
وخطاب الكراهية لا يستغرب من من ينتمي للانقاذ لأنه فى تاريخ السودان هنالك حقبتين ظلاميتين الحقبة الغامضة أو فترة المظلمة فى تاريخ السودان والتى تمتد مابين (1317م ... 1504م) أي لحوالى قرنين من الزمن وهى الفترة التى شهدت انتقال السلطة فى دولة المقرة المسيحية داخل الأسرة النوبية من فرع يدين بالمسيحية إلى فرع نوبى آخر مستعرب يدين بالإسلام وشهدت نهايتها سقوط دولة علوة المسيحية على يد حلف الفونج والعبدلاب .
اما الحقبة الثانية فهي فترة الانقاذ التي بدات فى عام ١٩٨٩ عندما تجمع تجار الهوس الدينى فى السودان ووجهوا امكانيات الدولة لتغذية الحروب والكراهية مع استباحة حقوق المواطنين ونهبها وفي هذه الحرب وعبر هذه الخطابات الكاذبة تحاول أن تعود دولة الانقاذ والهوس من جديد لكنها وفق تقديرات محللين ستنتهى بانتهاء هذه الحرب اللعينة وعن قريب وسيدفع اهل خطاب الكراهية فاتوره كبيرة لانهم ساهموا في انتشار القتل والتدمير واستباحة المال العام و الخاص بل دماء كل الشعب السودانى.
الشعب السودانى استوعب تماما ما المقصود من هذا النوع من الخطابات فهي تأتي ضمن نشر الكراهية وبث الفرقة وهو ما يريده الكيزان. ولكن هذا الوعي الشعبي المتنامي سيوقف الحرب وسيساعد السودانيون على إعادة بناء وطنهم على اساس قيام دولة المواطنة المدنية واعتبار المواطنه اساسا للحقوق والواجبات وسينهض السودان من ركام الحرب وتركة الأخوان المتأسلمين مثله مثل كل شعوب العظيمة ولعل مرحلة الحرب الحالية بكل مآسيها وخطابات الكراهية كانت لابد ان يمر بها السودان ربما كتطور اجتماعي وسياسى وحتى يرقي في سلم النهوض والتطور والانسجام كامة واحدة لها مصير واحد وتطلعات مشتركة ومصالح لا تنفصم وسعي واعي للرقي والتحضر و المواكبة وحجز مكانا لائقا للسودان بين الامم.

٧
وقد حاول البعض تحليل هدف كاتب المقال من توجيه رسالته للسفير الامريكى بالسودان (وإخباره) عن مشروع استيطان عربان الشتات لكنه تناسى ان الأخوان المتأسلمين يسبون مخالفيهم الرأي بأنهم يتواصلون مع الأمريكان ومع الأجانب ومن جهة فات على كاتب المقال أن الولايات المتحدة هي أكبر بلد لإعادة توطين الأعراق بل إن العدد الأغلب من سكان الولايات المتحدة الأمريكية من اصول إنجليزية وينتمون لونا وملامحا لسكان الجزر البريطانية وينتسب بعضهم إلى شجرة عائلة إيرلندية أو إنجليزية. وفات على الكاتب أن الحديث عن سكان غير اصلين او مستوطنين ينتمي للقرون الوسطى بالنسبة لمن وجه إليه الرساة هل يريد أن يذكره بانهم قهروا الهنود الحمر واستولوا على ارضهم باعتبار أن السكان الأصليين هم هنود حمر؟ الأمريكان يقرون الهوية الإنسانية ولديهم مزاج يقول بأن هوية الإنسان الأمريكي هي اعتداده بثقافته وتاريخه والأهم أن يكون إنسانا ومن تنطبق عليه هذه المعايير يمنح صفة مواطن بهُويّة أمريكية مميزه بهذه المعاني. ولذلك الأمريكي يتباهى إلى حد الهوس بأنه أمريكي ومع ذلك لا ينكر أنه من غرب الأطلنطي! ولا يعتبر أن كل من هاجر اليهم ومنح الجنسية بعد خمسة اعوام وليس خمسة قرون ناقص المواطنة أو تتم المزايدة عليه بأنه (من عرب الشتات) وأن مستوطن أو أتى مهاجرا من واق الواق. فهموم المواطنة الإنسانية في هذا السياق وفي هذه الارض تجسدها أشعار روبرت فروست وروايات أرنست هيمنجواي وجون شتاينبيك وهو صاحب روايات ساخرة من العقول الناقصة والخفيفة مثل غيره من عمالقة المبدعين الأمريكان.
ومثلما فاتت على الكاتب هذه المعاني أخشى أنه (يخبر) السفير الامريكى بالسودان بحاجة صارت خارج التاريخ أي لعبة ( شدت ويطلق عليها البعض "حكوا") صحيح لها قوانين وأن اللعيبة الكبار يلعبون برجل واحدة ويدا واحدة وان اللعيبة الصغار يلعبون( أم إضينة) أي يلعبون برجلين ويدا واحدة واليد الاخري ممسكين بها الاذن. اخشى على الكاتب ومن يمثلهم من مجموعات الهوس الديني ان يكونوا من الذين يلعبون ام اضينة في محاولة لمقاومة تيار التغيير الجارف في محاولة منهم لإنكار ان زمنهم قد فات وقمرهم افل ونجمهم غاب وإلى الأبد. ولابد أن يدركوا أننا في زمن الروبوت والذكاء الاصطناعي وأنهم يخوضون مباراة بعقلية القرون الوسطى فرغم أن ثورة ديسمبر هي ثورة شباب إلا أن الكيزان لم يدركوا أنه اتى زمن اللعيبة الكبار الذين يلعبون برجل واحدة.
وخلاصة القول تدبيج التقارير وإرسالها للسفارات لا تبدل في الواقع ولا تحل مآسي الحرب فان كنا نريد وطنا يسع الجميع علينا الإقرار بالأخطاء والإعتذار عنها وان ندعم الجهود المخلصة في منبر جده من اجل ايقاف هذه الحرب العبثية وأن نتوقف عن نشر الفتن إن لم يكن من أجل الوطن وإنسانه فلأنها خيار غير عقلاني. وعلينا التواضع والاتفاق على كلمة سواء وقبول بعضنا بعضا بمختلف سحناتنا ولهجاتنا ومكوناتنا. واعتبار هذا التنوع ثراء ومصدر قوة لنا وبحيث يتم تحويله لطاقات بناءة نتجاوز بها المعضلات التي تواجهنا ونحسن بها أحوال الرجال والنساء ونسخرها للبناء والتعمير وليس للاقتتال والتفرقة على أساس الإثنية. إن خطاب الهدم و الانتقام هو خطاب كراهية و عنصرية وهو اداة للتشفي و نشر الغل وإشعال الحرائق.
نسال الله لنا الهداية جميعا وان يجمع كلمتنا وان يجعل لنا من أمرنا مخرجًا نتجاوز به هذا المنعطف انه ولي ذلك والقادر عليه.

elseddig.musa@gmail.com

 

آراء