لاستلهام تجارب التاريخ في معالجة تحديات الحاضر

 


 

 

كلام الناس

كتاب السير روبرتسون الذي عمل بالسودان لثلاثين عاماً منذ 1922 - 1953م إستعرض فيه بعض تحاربه خلال فترة الحكم الثنائي البريطاني المصري وبعض المواقف والأحداث التي عايشها.

إنه كتاب"السودان من الحكم البريطاني المباشر إلى فجر الإستقلال" الصادر عن دار الجيل ببيروت وترجمه للعربية عابدين الخانجي، كما يتضمن بعض اراء روبرتسون وملاحظاته حول الحركة الوطنية السودانية ضد الإستعمار.

أوضح روبرتسون أن السودان لم يكن مستعمرة بريطانية بالمعنى التقليدي لأنه كان تحت مسؤولية وزارة الخارجية البريطانية وليس وزارة المستعمرات وتحت الحكم البريطاني المصري، وكان الصراع يدور بين الشعب السوداني وسلطة المستعمر من جهة  ومن جهة أخرى صراع بين الحكومتين البريطانية والمصرية.

لن أتناول ذكريات روبرتسون في المناطق التي عمل بها لكنني سأتوقف عند ما ذكره حول بدء حركة المقاومة السودانية ضد المستعمر ومرحلة إشراك السودانيين في بعض السلطات وكيف نشأت في ذلك الوقت مجموعتين بارزتين إحداهما كانت تنادي بالإتحاد مع مصر  برعاية السيد علي الميرغني والثانية ذات توجه إستقلاالي بدعم بريطاني برعاية السيد عبدالرحمن المهدي، وملابسات قيام مؤتر الخريجين  وسياسة "المناطق المقفولة" في جنوب السودان التي انتقدها روبرتسون نفسه وقال أنها كانت خاطئة.

تناول روبرتسون أيضاً  فكرة إنشاء المجلس الإستشاري وبداية الخلاف حول تمثيل مواطني جنوب السودان فيه وانطلاق الحركة العمالية في عطبرة التي أقلقت الإدارة البريطانية، وبدء تطبيق نظام الحكم المحلي عام 1948م وقيام مشروع الجزيرة وكيف كان هناك شعور سائد بعدم السماح لشركة أجنبية للسيطرة على مشروع الجزيرة أو أي مؤسسات قومية وكان الرأي الأفضل إنشاء مؤسسة عامة تتسلم إدارة مشروع الجزيرة من الشركة الزراعية عند إنتهاء فترة إمتيازها.

تطرق روبرتسون لمشروع تطوير التعليم في السودان وتشجيع تعليم البنات وإنشاء الخطوط الجوية السودانية، كما أشار إلى إضراب قوات الشرطة عام1951م الذي إنتهى بالتصديق على التوصيات التي أُقترحت لتحسين أوضاع الشرطة في العاصمة المثلثة.

لست بصدد تقييم هذا الكتاب التاريخي المهم ولا بصدد الحديث عن المنجزات التي تمت إبان الحكم الثنائي فهناك إعتراف بكثير من هذه المنجزات - التي للأسف تم تدميرها في عهد الإنقاذ -  لكن المؤسف حقاً أن الخلافات السياسية التي ظهرت مع تباشير الإستقلال ظلت  قائمة حتى الان ليس فقط بين الإستقلالين والإتحاديين التي حسمت في البرلمان بإعلان الإستقلال، بل ظهرت خلافات وانشطارات مؤسفة مازالت تتوالد حتى الان خاصة الحركات المسلحة التي قامت نتيجة للظلم التاريخي لبعض المناطق لكنها تحولت إلى حركات  تعمل لصالح أجندة مؤسسيها بعيداً عن هموم  من يدعون أنهم يمثلونهم.

للأسف الشديد تمددت هذه الحركات في كل أنحاء السودان وهي تحمل السلاح إضافة للقوات التي صنعتها الإنقاذ والمليشيات الموالية لها موجودة بعد نجاح ثورة ديسمبر الشعبية، ولم ينفذ حتى الان قرار مجلس الأمن والدفاع القاضي بنزع السلاح من كل القوات  خارج القوات النظامية.

هكذا يحدثنا التاريخ ويجسد لنا الواقع إستمرار الأخطاء الكارثية التي مازالت تهدد إستقلال ووحدة السودان وأمن المواطنين وممتلكاتهم، لذلك نكررتنبيهنا إلى عدم تقديس الماضي ولا البكاء على أطلاله إنما لابد من الإستفاده من تجارب التاريخ  في معالجة تحديات الحاضر لإنجاز مهام المرحلة الإنتقالية وتهيئة المناخ الصحى للإنتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي.

 

 

 

آراء