لقاءات سلفاكير وأزمة “الوطني” والمعارضة.. واختبار ابيي

 


 

 

 

محمد المكي أحمد

 

modalmakki@hotmail.com

  

في خضم الأزمة السياسية السياسية الحالية التي تتعدد مشاهدها وأسبابها،   برزت بشكل حاد  مضاعفات  الشد والجذب بين  الحكومة  والمعارضة حول قضية الشرعية الدستورية  للحكومة بعد  التاسع من يوليو الجاري، بسبب عدم اجراء الانتخابات في موعدها كما نصت على ذلك  اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان وفقا لرؤية أحزاب المعارضة.

  

معلوم أن"المؤتمر الوطني" و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"، الشريكان المتشاكسان"الحبيبان" هذه الأيام  بسبب "الخطر المشترك" لم يكن أمامهما  من  سبيل سوى طريق  الرفض "لادعاءات" المعارضة حسب  الرؤية الحكومية.

  

أيا تكن الحقيقة فان الشد والجذب  بين الجانبين الحكومة والمعارضة اكد مجددا أن البلد يعيش حالة احتقان وغليان خطيرة تنذر بحدوث تطورات سلبية إذا لم يحتكم السودانيون لمنهج الحوار في مخاطبة قضاياهم الكبرى والساخنة.

  

لابد من  اجراء نقاش هاديء  وحوار رصين   حول  "شرعية أو عدم دستورية الحكومة الحالية"، بمشاركة كل ألوان الطيف وقوى المجتمع المدني والاختصاصيين  في مجال القانون وغيرهم من الذين يهمهم استقرار البلد وضرورة خروجه من الحال الراهن المحتقن الى مناخ يسمح  بالتفاكربعيدا عن التآمر المتبادل ولغة التجريم والتخوين وحرق الشخصية القيادية السودانية والاساءة اليها بقصد أو بدونه.

   

واقع الحال في السودان يؤكد ان السودان دخل بعد التاسع من يوليو 2009

 

 مرحلة جديدة ساخنة، وهي من دون شك مفتوحة على كل الاحتمالات، ولا سبيل أمام القوى السياسية الحاكمة  والمعارضة الا اللجوء الى الحوار للخروج  بتصورات  متفق  عليها حول القضايا الخلافية كافة ، وبينها مسألة الانتخابات وترتيباتها، وقضية الاحصاء السكاني وكيفية تجاوز الخلاف حولها، اضافة الى  ضرورة الغاء القوانين المقيدة للحريات.

  

وهاهي قضية أبيي سشكل حضورا حيا على الساحة السودانية الأسبوع المقبل بعدما تصدر المحكمة الدولية قرارها بشأن تبعيتها للشمال أو الجنوب، وأعتقد بأن كل هذه القضايا تستوجب تحركا وطنيا يتجاوز فيه القابضون على مفاصل  السلطة والجالسون على كراسي المعارضة أية اجندة حزبية ضيقة.

  

المطلوب الآن أن تسود وتعلو لغة الانحياز للوطن في ساعة عصيبة وخطيرة، تشكل اختبارا حقيقيا لمدى قدرة السودانيين في اللحظات الصعبة على ضبط النفس،والاحتكام الى نهج التعايش كخيار لا خيار غيره،  و كسبيل لا سبيل  سواه  أيضا  لمداواة الجراح، وبناء وطن ديمقراطي حر، ينعم فيه الناس بالعدالة والمساواة، وباختصار مطلوب الاعتراف الفوري والالتزام   الصارم بالقرار الذي ستصدره محكمة لاهاي.

  

في  سياق التفاعلات الساخنة على الساحة السياسية هذه الأيام أعجبني  النهج الذي بادرت به الحركة الشعبية لتحرير السودان من خلال المشاورات وتبادل وجهات النظر مع عدد من القادة  السياسييين  والتاريخيين ، وفي صدارتهم الامام السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، والسيد محمد عثمان الميرغني زعيم  الحزب الاتحادي الديمقراطي ،والدكتور حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، و السيد محمد ابراهيم نقد الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني.

  

شاء من شاء وابى من أبى  لا سبيل لتجاوز هؤلاء القادة، ولو كان في مقدور أحد من قادة الحكم  أن يشطب وجود  الأربعة الكبار وغيرهم  من قادة الوطن من خارطة السياسة لفعل، لكن ذلك لم يتحقق رغم كل ما تعرضوا له من بطش واستبداد  وسجن ومطاردة واعتقال واساءة وشتائم  وظلم متعدد الأشكال والألوان على مدى سنوات بعد انقلاب الثلاثين من يونيو 1989.

  لقاءات النائب  الأول  لرئيس  الجمهورية السيد سلفاكير ميارديت وقادة أحزاب المعارضة  بعد انفجار  قضية "عدم  شرعية" الحكومة حسب المعارضة و "شرعيتها"" حسب الحكومة،  شكلت تحركا ايجابيا مسؤولا، ومبادرة وطنية جنوبية سودانية  مهمة وحيوية  في توقيت دقيق.   

أهمية هذه الخطوة ان  الحركة الشعبية وهي شريك "مهمش" في قرارات عدة اتخذتها "حكومة الوحدة الوطنية" التي يعاني عدد من أحزابها من "تهميش"  ملموس ومحسوس من حزب المؤتمر الوطني  تحاول أن تفتح دروب التواصل والتشاور مع قوى سياسية وزعماء  يتمتعون   بشعبية  وشرعية تاريخية لا يمكن تجاوزها كما أكدت تجارب الانقلابيين،سواء اتفق الناس مع قادة أحزاب المعارضة  أو اختلفوا حول توجهاتهم ومواقفهم وممارساتهم السياسية  بالأمس  واليوم.

  تحرك "الحركة الشعبية"مهم وحيوي، وهي  تعيش ايضا  في مأزق كبير، أي أنها تواجه مشكلات مع " شريكها " في الحكم، وفي  نفس الوقت لا تستطيع أن تنحاز الى موقف أحزاب المعارضة في سعيها لسحب بساط  "الشرعية" من تحت أقدام أحزاب الحكم، وخاصة حزب  المؤتمر الوطني.   

وضع وحال الحركة الشعبية لتحرير السودان صعب ومعقد حاليا،، وهي لا تستطيع التضامن الكامل مع أحزاب المعارضة، لأن  ذلك سيطيح بما حققته من مكاسب، بل سيطيح كما أرى باتفاق  السلام الذي أوقف الحرب , واشاع مناخا جديدا في المجتمع السوداني، رغم تلكؤ حزب المؤتمر الوطني في تنفيذ اتفاق السلام.

  ويكفي الاشارة هنا الى أن عددا من القوانين  المهمة لم تصدر حتى الآن ولم يجد بعض القوانين التطبيق السريع، كقانون الصحافة الجديد الذي تم تعديله في البرلمان، مما أشاع أجواء ايجابية في المجتمع السياسي والصحافي ، ولكن العبرة في التطبيق لا صوغ القوانين فقط واحالتها على   سلة  المهملات.   

طبعا لايكفي أن يتبادل النائب  الأول لرئيس الجمهورية الآراء مع قادة أحزاب المعارضة، في غياب التواصل بين كبار قادة الحكم وخاصة قادة حزب المؤتمر الوطني وقادة الأحزاب.

  يبدو ان امساك الحركة الشعبية بخيط المبادرة والتواصل مع قادة  القوى السياسية  المعارضة يؤشر الى  أزمة تواصل  وتفاهم بين الرئاسة (حزب المؤتمر الوطني) و أحزاب المعارضة، وهذه الازمة تحتاج الى معالجة، و لا أحد في مقدوره معالجتها سوى"الرئاسة ".     استمرار عدم التواصل والتفاكر بين حزب المؤتمر الوطني وقوى  المعارضة سيعقد الأزمة الحالية ، في وقت يحتاج السودانيون الى الكثير من  جلسات الحوار الجماعي، المدعوم بخطوات سياسية حكومية،  تفتح دروب الانفراج السياسي، استنادا الى مرتكزات واجراءات تطمئن المعارضة بأن الانتخابات المقبلة ستجرى في مناخ طبيعي، يضمن النزاهة والحرية للمعارضة والناخبين.   

أعتقد  بأن الأهم في سياق الأزمة السياسية الراهنة ، والناجمة عن قضية "شرعية أو عدم شرعية الحكومة" بعد التاسع من يوليو 2009 أن يتم استخلاص الدروس المستفادة من تعقيدات الأزمة الحالية.

  

مثلا من المسؤول أوالمسؤولين عن التلكؤ بتنفيذ كل ما نصت عليه اتفاقية السلام  بين الشمال والجنوب، ، وهل يمكن أن  تجرؤ القوى التي تحمل السلاح في دارفور على توقيع  اتفاقية سلام جديدة في دارفور،وهي ترى عمليات الشد والجذب بين  حزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان بشأن مشكلة  عدم تطبيق عدد من بنود اتفاقية ما سميت باتفاقية "السلام الشامل" وفقا لشكوى متكررة يرددها مسؤولو "الحركة الشعبية لتحرير السودان".

 

الدرس الأبلغ والأكثر أهمية في هذا السياق أن الحلول الثنائية التي تؤدي الى انفراد أي  مجموعتين أو أكثر بحكم السودان لن تفلح في معالجة قضايا الوطن الكبرى معالجة شاملة ودائمة.

  

الانصاف يقتضي هنا أن أشيد  بتوقيع اتفاق السلام التاريخي  بين الشمال والجنوب، لكن واقع الحال أكد أن الدعوة التي كان أطلقها السيد الامام الصادق المهدي منذ سنوات ( قبل وبعد 2005) لعقد مؤتمر سوداني شامل جامع لدعم ايجابيات سلام الشمال والجنوب  كانت دعوة تعبر عن  رؤية سياسية حكيمة ومدركة لضرورات الدعم الجماعي لأي اتفاق سلام، ولسد الثغرات أيضا حتى   يعم مناخ التعايش والتصالح أرجاء الوطن كافة، وحتى لا تتعدد حروب المظالم والتهميش.

  

بعد سنوات من  الشد والجذب لم يعد الصادق المهدي وحده داعية الحوار السوداني الشامل حول القضايا الكبرى ، فهناك عدد من الأحزاب دعت لذلك  في مواقف قياداتها وبيانات أحزابها،ولا أدرى هل فات الأوان لتسويق فكرة المؤتمر الشامل الجامع  بسبب سرعة تدافع الأحداث  على الخارطة السودانية في الخرطوم ودارفور والجنوب وغرب السودان في "ابيي".

  أتمنى أن  تستفز أوضاع السودان الحالية  التي تهدد  بتمزيق الوطن والمزيد من الحروب الجالسين على كراسي الحكم والمعارضة حتى يتشاوروا ويتفاكروا من أجل "التوافق" على سبل دفع "السفينة" الى بر الأمان، حتى لا يغرق الجميع، ويشتعل الوطن أكثر من اي وقت مضى.   

برقية: "أبيي" اختبار صعب وموجع  لقدرة  السودانيين على "التعايش".

 عن صحيفة (الأحداث) 17-7- 2009

 

آراء