لقاء أديس أبابا بين رئيس الوزراء ورئيس الحركة الشعبية شمال .. ورش التفاوض غير الرسمية: ماذا تعني؟

 


 

د. الواثق كمير
11 September, 2020

 

 


kameir@yahoo.com

 

في تعليقه في *منتدي الانتباهة*، مساء السبت 5 سبتمبر، على لقاء حمدوك والحلو باديس أبابا، قال السيد الإمام الصادق المهدي، واقتطف من حديثه *حرفيا* هذه الفقرة:

*اللقاء بين حمدوك والحلو في أديس أبابا مناسبة بتاعت انو الناس يعملوا ورش عمل غير رسمية، تناقش هذه الورش غير الرسمية القضايا المختلف عليها بهدف إلحاق القوى التي لم تشترك في التفاوض في جوبا، الحاقها بالاتفاقبة. اعتقد انو الصيغة دي مهمة. وطبعا للأسف، اصدروا وثيقتين عن هذا الاتفاق الذي تم في أديس أبابا. على كل حال، اتضح ان الوثيقة الاولى "مكذوبة"، ولكن الوثيقة الثانية بنعتقد انها الية سليمة لانو فيها عقد ورش غير رسمية لمناقشة القضايا الخلافية بهدف الاتفاق على صيغة مقبولة* (انتهي الاقتباس من التسجيل الصوتي).

لدي تعليقان على حديث السيد الإمام.

التعليق الأول: ذكر السيد الإمام أن لقاء أديس أبابا، بين حمدوك والحلو، أسفر عن وثيقتين، الأولى وصفها ب *الكذوبة*، والثانية *مقبولة* طالما وفرت *آلية* لمناقشة القضايا الخلافية.
وكما أوضحت في مداخلات سابقة لانه صحيح هناك وثيقتان، ولكن ليس إحداهما *مكذوبة* والأخرة *حقيقية*، بل الأولى هى *اتفاق مشترك*، بمثابة إعلان مباديء عامة كاطار للتفاوض غير الرسمي، والرسمي، على حد سواء. وهي مكتوبة. وموقع عليها من الطرفين باللغة الإنجليزية. اما الوثيقة الثانية فهي *بيان مشترك*، عبارة عن خارطة طريق لكيفية تطبيق الإتفاق، وهو البيان الذي يعده السيد الإمام *مقبولا*!

التعليق الثاني، وهو بيت القصيد، حول تعريف السيد الإمام لورش العمل غير الرسمية، التي وردت في البيان المشترك (فقرة رقم 3). بينما يخلو البيان عن اي شرح او تحديد لما تعنيه عبارة *ورش تفاوض غير رسمية*، يحسب السيد الإمام ان هذه الورش هي بمثابة *آلية* لمناقشة القضايا الخلافية (المحددة في البيان بفصل الدين عن الدولة وحق تقرير المصير).
في رايي ان هذا الغموض الذي يكتنف تعريف *ورش تفاوض غير رسمية* وما هو التصور لشكلها وطبيعة المشاركين فيها، سيفتح جدلا واسعا حول هذا الموضوع قد يعصف بالفكرة من أساسها.

فالبيان المشترك يقول بان هذه الورش سيتم تكوينها من *الجانبين*، أي الحكومة الحركة الشعبية شمال/تحت قيادة الحلو، وأن هذه الورش هدفها الوصول إلى فهم مشترك *يسهل من مهمة فرق التفاوض الرسمي*، بما يعني ان الموضوعات الخلافية هذه يتم التفاوض حولها بطريقة غير رسمية، تحال مداولتها إلى التفاوض الرسمي! فالبيان نفسه يشير إلى ان اتفاق اديس أبابا *قد جاء لمعالجة القضايا العالقة في إعلان المبادىء*. بينما يرى السيد الإمام أن ورش العمل غير الرسمية هي آلية يقصد بها ضمان مشاركة جميع القوى السياسة في هذه المفاوضات، طالما اتاحت الفرصة لمؤتمر دستوري، ولو *مصغر*، بما يعني قبوله بحسمها بدون انتظار ل *المؤتمر الدستوى* المرتقب؟ فهل هذا تغيير، أو ابداء مرونة لموقف السيد الإمام سابق، الذي تشاطره فيه قوى سياسة أخرى، لضرورة نقل الحوار حول القضايا القومية الدستورية إلى المؤتمر الدستوري؟

ومن جهة أخرى، هل سيقبل الطرف الآخر، الحركة الشعبية شمال بهكذا مؤتمر دستوري، ولو كان *مصغرا*، في التفاوض مع الحكومة على طول هذه الموجة؟

أظن أن قضية المؤتمر الدستوري تظل مرهونة بإلغاء قوانين سبتمبر 1983/قوانين 1991، والتي أصلا لا علاقة لها بهذا المؤتمر، والمطالبة بها أمر تواففت عليه أغلب القوي السياسية والمجتمعية ومهرت المواثيق والعهود بتوقيعاتها.

في رايي، إن يكون التفاوض غير الرسمي المقترح عبر ورش العمل، ليحقق هدفه في رفد التفاوض الرسمي بالأفكار الإيجابية، أن يكون محصورا فقط على مناقشة أمر إلغاء هذه القوانين
لينسجم مع ال *الاتفاق المشترك*، بين رئيس الوزراء ورئيس الحركة الشعبية شمال، الذي ينص في الفقرة 4 على أن *تحتفظ المنطقتان بالوضع الراهن بما يشمل الحماية الذاتية إلى أن يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية من قبل طرفي النزاع، وحتى يتم تحقيق "الفصل بين الدين والدولة*.

فكيف يتم تحقيق هذا الفصل، من جهة، والوصول إلى سلام خلال فترة الانتقال، من جهة أخرى، بدون إلغاء هذه القوانين، قبل المؤتمر الدستوري المقرر في نهايات الفترة الانتقالية؟ ذلك، مع الوصول الى صبغة يتفق عليها الطرفان، الحكومة والحركة، لإلغاء القوانين والتوافق على بديل لها، سواء بالعمل ولو مؤقتا بقوانين 1974 (التي يصفها البعض بأنها أيضا قد أصدرها نفس نظام نميري المستبد)، أو بصياغة قوانين جديدة لا تتعارص مع حقوق المواطنة المتساوية أمام القانون. هذا، إذا قيض لهذا المؤتمر أن ينعقد من اصله! وبحسب تعريف السيد الإمام لورش التفاوض غير الرسمية، كيف يتم إلحاق القوى غير المشاركة في التفاوض بالاتفاق إن كان لها رأيا مغايرا، ولا تقبل بإعلان المبادىء الموقع عليه، طالما الإعلان هو الذي ينبغي أن يستهدي به التفاوض، سواء كان الرسمي أو غير الرسمي؟

الواثق كمير

القاهرة 6 سبتمبر 2020

 

آراء