لماذ نرفض هذا الاستحمار ؟!

 


 

د. زهير السراج
30 December, 2017

 

 


manazzeer@yahoo.com

* ينخدع الكثيرون بأحاديث وتصريحات المتأسلمين السودانيين عن الإستثمار والتنمية، ويعتقدون أن هنالك بالفعل (إستثمار وتنمية) عندما توهب الأرض السودانية للأجانب لمدد طويلة من الزمن (قد تبلغ 99 عاما) ليديروها بمزاجهم وعلى كيفهم بدون أن ينتفع السودان والشعب السودانى منها بشئ، أو الإلتزام بما تعارف عليه العالم من الضوابط والشروط التى تحكم الاستثمار والتعامل مع الجهات الاجنبية وعدم التفريط فى السيادة الوطنية، والأمثلة كثيرة جدا ولا حصر لها، وعلى سبيل المثال عشرات الآلاف من الأفدنة التى منحت فى الولاية الشمالية وغيرها لعرب الخليج، ليديروها بمزاجهم ولمصلحتهم فقط ولم ينتفع منها السودان بشئ، بل تسبب غالبيتها فى ضرر فادح لا علاج له .. وسأقول لكم كيف!

* لنأخذ (مثلا) مشاريع زراعة البرسيم التى تمتلكها الشركات الخليجية فى الشمالية وبعض ضواحى الخرطوم، وبدءا أقول أن البرسيم هو من أكثر المحاصيل الزراعية شراهة فى استهلاك الماء وخصوبة التربة بسرعة كبيرة، لذلك وضعت الكثير من الدول ضوابط صارمة لزراعته، بينما أوقفت بعض الدول زراعته فى الكثير من مناطقها، ومنها السعودية والأمارات لذلك اتجهت الكثير من الشركات المسجلة فيها الى الدول الفقيرة الضعيفة التى يستشرى فيها الفساد وانعدام المؤسسات، ووحدانية القرار، للبحث عن البديل، فوجدت فيها ما لم تكن تحلم به من أراضى شاسعة تمنح بلا مقابل، وتسهيلات ضخمة وتجاوز مريع لضوابط الاستثمار المتعارف عليها!!
* كل دول العالم التى تنظر لمصالحها ومصالح مواطنيها تضع ضوابط صارمة لقبول الاستثمارات الأجنبية، لسببين أولهما تجنب وقوع ضرر على الدولة بأى شكل من الأشكال، وثانيهما تحقيق أقصى درجات الانتفاع من هذا الاستثمار الاجنبى لمصلحة الدولة والمواطن !!


* من أهم هذه الضوابط إلزام المستثمر بتقديم دراسة بيئية متكاملة لضمان حماية البيئة من التلوث الذى صار الهاجس الأول فى عالم اليوم، ففى الزراعة (على سبيل المثال) يجب أن يُلزم المستثمر بعدم استخدام مخصبات ومبيدات كيماوية ممنوعة عالميا أو ذات أثر ضار (حالى ومستقبلى) على البيئة، وعلى الدولة أن تتأكد من ذلك بوجود آليات رقابة حكومية مستمرة، بالاضافة الى إلزامه والتأكد من استخدامه لطرق زراعية تحافظ على عدم اهلاك التربة والموارد المائية ..إلخ!!

ثانيا، إلزامه باستيعاب نسبة معقولة من العمالة الوطنية، بكل تخصصاتها، بالإضافة الى تدريب وتأهيل جزء من هذه العمالة حتى تستفيد منها البلاد مستقبلا فى التنمية والتدريب.

ثالثا، تخصيص جزء من المنتج للسوق المحلى، إن كان هنالك حاجة إليه، وعند التصدير لا بد من مراعاة المصلحة الوطنية خاصة فيما يتعلق بتوفير عملات الحرة للبلاد !!

رابعا، توفير بعض الخدمات الضرورية للمواطنين المقيمين حول المشروع، مثل ماء الشرب النظيفة والطاقة والتعليم والصحة، أو المساهمة فيها بنسبة معقولة!!

* هذه بعض الشروط والضوابط (وليس كلها)، التى تفرضها معظم الدول على الاستثمار الأجنبى، وتمنحه فى المقابل التسهيلات والإعفاءات المناسبة التى تغريه على الاستثمار وزيادة حجمه وتطويره بشرط عدم تعارضها مع القوانين والسياسات الاقتصادية المعمول بها فى البلاد!!

* إذا نظرنا للمشروعات الزراعية لبعض المستثمرين الأجانب (انتاج البرسيم، على سبيل المثال) فى الشمالية، لا نجد اثرا لهذه الضوابط، فكل العمالة حتى فى أدنى مستوياتها أجنبية، ويتحجج المستثمرون فى أغلب الاحوال بانهم لا يريدون لأحد أن يطلع على أسرار إستثماراتهم إلا من يثقون به، كما لا توجد أى وسائل رقابة حكومية من اى نوع على هذه المشروعات والتأكد من عدم حدوث ضرر منها، ولا يوجد أى نوع من الخدمات لأهالى المنطقة، بالاضافة الى أن المنتج يصدر كله الى الخارج بدون أن يعود منه دولار واحد الى البلد، رغم الاراضى الواسعة التى منحت بدون مقابل، والتسهيلات الضخمة!!

* ومثال آخر هو شركات البترول الصينية والهندية وغيرها، التى لم تُفرض عليها اى شروط، أو تلزم بأى ضوابط، بل كانت هى التى تفرض الشروط، بما فى ذلك استجلاب كل العمالة من بلادها، وعدم تأهيل عمالة سودانية أو تقديم خدمات للمواطنين ..إلخ فضلا عن إبادة مساحات واسعة من الغابات المنتجة فى وحول مناطق الانتاج، وعندما نفد البترول وخرجت تلك الشركات لم تترك لنا وراءها سوى صحارى قاحلة، فهل هذا العبث وتدمير البلاد والضرر بالمصالح الوطنية هو الاستثمار الذى تلوكه ألسنة متأسلمى الحكومة ليل نهار ؟!


* أستطيع الإجابة بالفم الميان وبكل ثقة، إنه ليس سوى استغلال واستحمار وإضرار بالمصلحة الوطنية توجب تقديم المسؤولين عنها للمحاكم ليجدوا العقاب الصارم ؟!

* لذلك فإننى ضد التفريط فى (سواكن) للحكومة التركية بدعوى الاستثمار والتطوير، فما عهدناه من حكومة ليس لها هم سوى تحقيق مصالح أفرادها وتكبير كروشهم، يجعلنا نخشى عليها من نفس المصير، خاصة مع تجاهل الحكومة لكل الدراسات والتوصيات الدولية والوطنية لإحياء (سواكن) من جديد، والانتفاع من موقعها المميز وإرثها المعمارى الفريد (الذى لا علاقة للاتراك به) كمنطقة سياحية فريدة، فضلا عن أن تصريحات المسؤولين الحكوميين السودانيين والاتراك بان الاتفاقيات السرية التى وقعها الطرفان مفتوحة على كل الاحتمالات لا يعنى سوى شئ واحدة هو التفريط فى سيادتنا الوطنية للاتراك ليقيموا عليها قاعدة عسكرية تحت العلم التركى، يحكموها ويتحكمون فيها كما كان قبل ثلاثة قرون، فهل هذا هو ما نريد !!

 

آراء