لن يعود الكيزان حتى يدخل الجمل في سم الخياط

 


 

 

ما حدث من احداث في السودان اطلق عليه مجازا ثورة لم يحدث من قبل ليس في السودان فحسب ولكن علي مستوي العالم هو حالة رفض غريب شئ ما. حاول البعض ان يسقط عليها ماحدث في اكتوبر وابريل وسقوط نظامي عبود والنميري ولكن المختلف هنا ان النظام البائد من ورائه قوة عقائدية ومشروع ايدلوجي ومن هنا تأتي صعوبة التخلص منه تماما خاصة وان له قدرة علي التشكل والتمحور وخلع ثوب وارتداء اثواب اخري مما يحدث حالة من الارتباك لدي مناوئيه لذلك جاء شعار (تسقط بس)مشبعا بمشاعر ومعاني متناهية العمق في عملية رفض شعبي يبدو بسيطا ولكنه في حقيقته ينطوي علي رؤية جديدة في الرفض قد لاتحمل مقومات الثورة الكاملة ولكنها تحتوي علي عملية رفض عنيف لااكثر من هدف قد لايعوضها فقط سقوط النظام الحاكم ولكن قد يهدئها سقوط النظام الاجتماعي والسياسي القائم علي كآفة الاصعدة لانها ثورة جيل يطلب حقه في الحياة ولديه الرغبة في التحرر من القيود المجتمعية الثقيلة في مجتمعات مازالت متخلفة تقدس اعراف ومعتقدات قد عفي عليها الزمن وتجاوزها التاريخ وتعيش في الماضي في زمان متطور ومتحضر.. وهنا تبدو المفارقة لدى هؤلاء بين مايرونه في العالم ومايعيشونه في بلادهم وذلك فى زمان التواصل الاجتماعي والانفتاح علي الافق الانساني العريض.
مايحدث الان في السودان الان يرتبط بعملية الوعي والاستنارة فما بين رمزية عطبرة في الثورة والنضال ومابين عراقة بري وعمقها التاريخي وصمتها الطويل ومابين امدرمان وتعدد ثقافاتها واعراقها وهكذا الحلفاية وشمبات وما الي ذلك من مدن ومواقع تجد ان القاسم المشترك الاعظم فيها هو الوعي والاستنارة ولعل ماحدث في السودان بحظي بالبحوث والدراسات في مرحلة المراقبة لدي الكثير من الجهات العلمية والاكادبمية المتخصصة في مجالات الاستراتيجية والسياسة الدولية والمجتمع .ولن ننتظر مآلات مايحدث. فمايحدث لذاته هدف كشف عن روعة امة ضاربة جذورها في اعماق التاريخ وممتدة الي اصل حضارة الانسان وذلك بابعاد مختلفة منها الجيني والعرقي ومنها الثقافي والاجتماعي وتتجلي قمة الروعة في اجيال الشباب المتحفز دوما غير هياب ولاوجل اذا سقط الشهيد منهم (مد المشاعل للشهيد الاخير) فهذه امة لن تموت وقد كتب لها ان تحيا وشعب لن يقهر بكل عوامل التاريخ والجغرافيا وستكون غرة بيضاء وشامة فى في خد وجبين البشرية وان اريد لها غير ذلك .
لن تستطيعوا ان تقتلعوننا او تستاصلوا شأفتنا فنحن وجود متجذر في اعماق التاريخ مدننا قرانا سهولنا جبالنا انهرنا ابحرنا سحناتنا وجداننا وذواتنا كل شئ فينا اصيل اصالة هذا البلد العظيم نستمد من ابائنا واجدادنا عزنا وفخرنا وشهامتنا وكرامتنا. كل شئ في هذا البلد يشي عن عبقرية فذة وانسانية محضة وخلود وشرف وعزة لم تستطع الانقاذ ان تسلبنا هويتنا وقد حاول مشروعها الحضاري ذلك فكانت كالنار في معدن الذهب كلما ازداد أوارها صقلتنا وازددنا بريقا ولمعانا لم نكن امة كالهشيم تذروه الرياح كلما اوقدوا فبه نارا ولكننا كنا كالمعادن النفيسة يجلوها الحريق ويزيدها قوة.. فوايم الله لو ان الضربات التي وجهتها الانقاذ الي جسم الامة السودانية كانت في غيرها لكان الان نسيا منسيا ولكننا امة مصممة ضد المؤامرات واعتي من الهزائم واقوي من الأسي.
وكان التخريب ممنهجا في عهد الانقاذ ولم يك هكذا خبط عشواء كان كل شئ مقصود ومبرمج ومجرب ومعد له مسبقا وكان جسم المجتمع هو المستهدف الاول ونواته الانسان السوداني في اخلاقه وطبائعه ومعدنه ومن بعده مؤسسات الدولة الجيش والشرطة وجامعة الخرطوم والسكة الحديد وقد اصابت البعض في مقتل مثل الخدمة المدنية واضعفت البعض ولم تقض عليه.. كانوا كالثور في مستودع الخزف خربوا الاشياء ولكنهم لم يكسروا الاعضاء كل جسم قادر علي التعافي وكل امر قابل للاصلاح وقد لايجدي الترقيع والتجديد ولكن ينفع ان نأتي بالجديد.
قد انهكوا جيلا كاملا من الشباب قضوا علي حيويتهم من مواليد الثمانينات من الذين تربوا في كنفهم ورضعوا من ثديهم الا ان جيل مواليد التسعينات قد فلت منهم وهم من سدوا الافق وسوف يصنعون حاضرهم ويستشرفون مستقبلهم وهم الجيل الاقوي الان في الساحة وبيده القرار.
ثلاثون عاما كم كانت قاسية علينا عانينا فيها ما عانينا وذقنا فيها مرارة الحنظل وتفلتت سنوات العمر من بين ايدينا وها نحن الان وقد شابت مفارقنا وتثاقلت خطانا الا ان هممنا قعساء وعزيمتنا قوية واردتنا وثابة ونظرتنا ثاقبة ننتظر انهيار السودان القديم وزواله وسيقوم علي ركامه سودان جديد ووطن شامخ يتصل حاضره بماضيه وان يك صدر هذا اليوم ولي فان غدا لناظره قريب.
ومن الواضح ان التظاهرات التي عمت كل ارجاء السودان وبشراسة وعنف قد استهدفت فقط نظام الانقاذ الذي طال حكمه وامتد لمدى ثلاثين عاما في تكرار ممل للاشخاص والخطاب السياسي وهو كلما خرج من عباءة الاسلاميين عاد اليهم مرة اخري وهم انفسهم لا قدرة لهم علي التجدد او الخلق الابتكار والابداع وليس هذا حال وحدهم وانما حال السودان القديم برمته .وهكذا ظل النظام ومن خلفه الاسلاميين في تكرار ممل وممجوج حتي ضاق الناس بهم ذرعا وكانوا قد صبروا عليهم صبرا طويلا فاق حد الوصف وذلك لرفعهم الشعار الاسلاميين وعرضهم للشهداء والمجاهدين في عرصات الحرب مما يخلق نوعا من التعاطف عند العامة ويحرج القوي السياسية العلمانية ولكن عندما سقط القناع عن وجه النظام القمئ هب الشارع هبته المضرية رجالا ونساء شيبا وشبابا وحتي اطفال المدارس الرياض يهتفون (تسقط بس) وكان هنالك غياب كامل للمؤتمر الوطني واجهزته ومؤسساته التي تستنزف خزينة الدولة من خلال الصرف البزخي علي محسوبيه ومخصصاتهم اما الحركة الاسلامية فقد الجمت ألسنتهم الدهشة واصابتهم الصدمة وابناؤهم يخرجون عليهم من قعر بيوتهم باشكال مختلفة منهم من اختار الخروج مع المتظاهرين ومنهم من مال الي المتطرفين الدينين ومنهم من انكر وجود الله واختار له الالحاد طريقا ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
التظاهرات قد افرغت النظام من مضمونه وحيويته واكشفت عورته واسقطت ورقة التوت وانبلج فجر جديد وسطعت شمس الخلاص علي واقع مهدم بئيس يلملم اطرافه ويجمع شعثه ومازالت المؤامرات مستمرة علي هذه الامة ولقد انسحب المتظاهرون تكتيكيا... فالاسود ان وثبت تعود القهقرى... وان الشجاع يفر في ساح الوغي ليكر من بعد الفرار مظفرا... الشباب الان يتلاقون ويجتمعون ويتشاورون من اجل ان ينقضوا علي المؤامرة وثبتهم الاخيرة ليجهزوا عليهم اقول ذلك وانا بين يدي الاحداث فاعلا ومحرضا وشاهدا ولا اتباهي بذلك ولا امتن علي هذا الشعب والذي تتقاصر قامتي دون بذله وفداءه وعبقريته وشجاعته اللا متناهية.
المؤامرة الان في فجة الموت الاخيرة وقد خرجت عناصرها الان من جحورها ومكامنها واوكارها ولسوف ترتعد فرائصهم من شدة وهول ما سوف يرون وهم يحسبون انهم قد بلغوا ما ارادو وما علموا ان الدائرة ستدور عليهم وسيحيق المكر السئ بهم وانه سوف يحاط بهم وسيطبق الشعب عليهم وينقض وان ذلك لامحالة كائن فانتظروا انا معكم من المنتظرين.

 

آراء