ليكم اللحم ولينا العضم

 


 

 

قولة اشتهرت في سالف العصر والأوان لا بد وأن سمع بها الكثير من تلاميذ الستينات وأواخر السبعينات كحالتنا وكانت كنوع من التهديد يطلقها والد التلميذ غالبا أمام ناظر المدرسة وفي أول يوم من المدرسة وفي حضور التلميذ حتي يعلم التلميذ إنه منذ الآن سيكون تحت عهدة هذا الناظر يفعل به ما يريد عند تقاعسه عن التعليم والتعلم، ولكن ما كان ملاحظا في ذلك الزمان أيضا ان الأب دائما ما يكون "صحابي" أي عريض المنكبين طويل ذو شنبات كبيرة ووجه صافي من آثار رغد العيش عليه في ذلك الزمن ولحم أكتافه من طيب اللحوم واللبن والعسل والسمن وقد ترعرع في بيئة نظيفة لم تعرف برومات البوتاسيوم واللحم الكيري والمعلبات الفاسدة ودائما ما يكون الولد الذي يجره خلفه سمين محشورا داخل الجلابية الضيقة من فرط ما اهتمت به حبوبته التي كانت تأكله من خلف امه باطايب الطعام وترعاه وتمسحه بزيت السمسم في الليل وتزوده من محفضتها بعدد من التعاريف والقروش كل صباح ليشتري الدوم و القنقليز و قراصة النبق.

فأين الحبوبات لم يعد هناك حبوبات في هذا العصر يمسكون الأطفال عن طيب خاطر ببساطة لأن الزمن تغير فتجد بعض الحبوبات هم أيضا من القوي العاملة ولا وقت لديهم ولا صبر.

وفوق ذلك لم يعش الأب تحت كنف نظام سياسي مثل ما عاصر تلاميذنا الآن، ولم يعش أستاذة المدارس مثلما كان أساتذتنا فقد كانوا مرفهين، تأتيهم مرتباتهم بانتظام وينفذون النقليات عن طيب خاطر يقينهم بأنه مهما بعدت المدينة أو المدرسة فسيجد المدرس بيئة صحية، صحبة طيبة وسكنا مريح ودائما ما يتولى أهل القرية أو المدينة القادم إليهم من مدرسين ويحسنوا معاملتهم دا كان ما عرسوا ليهم. فقد زرت مدينة دنقلا في زمن ماضي فتصادف أن كان هناك عقد قرآن في القرية فأتم العقد رجلا وقورا ما لبث أن شاهدته تاني يوم وهو يؤم الناس في صلاة الجمعة فسألت مضيفي من هذا... قال إنه ناظر المدرسة وهو أيضا رئيسا للجنة الشعبية ويؤم الناس في صلاة الجنازة أيضا...

نعم أولئك هم نظار المدارس وقتها الذين يطلب ودهم التجار ولا ضير في تأهيلهم إن ودوا مثنى أو توحيدا إن كانوا عزابا. فالشاهد أن نظار مدارسنا كانوا على قدر من الخلق والحزم فلا يستطيع كائنا من كان أن يقارعهم حجة بحجة أو لا يبادلهم بإحترام وكنا على قدر من المسؤولية لا نحتاج إلي تحذيرات الوالد أو نظرات الناظر المتقدة فقد كنا نهتم بكراساتنا وكتبنا وتحصيلنا وملبسنا وقل ما نحوج الناظر الي استخدام تفويضه. وان استخدمه فان معظم تلاميذ ذلك الزمن كانوا قادرين وبصحة جيدة لم تنهش اجسادهم الملاريا وسوء التغذية كما الحال الآن فترى الآن تلاميذ لا يقوون علي أي شئ تراهم "لايصين" داخل ارديتهم الواسعة لا مجال أن يقنن الضرب كعقابا لهم فيما تبقى من أجسادهم النحيلة ولا يمكن أن يكونوا متنفسا عن كدر أساتذتهم من قلة مرتباتهم و ظلمهم الاجتماعي.

ألا يكفي ضرب أولي الأمور في معاشهم والتفنن في نزع الجبايات عنهم: رسوم النفايات، العوائد، الضرائب، الجمرة الخبيثة للكهرباء والمياه، هامش الجدية، الزكاة، رسوم الأوراق الثبوتية الباهظة والتظليل... وغيره مما استنته بعض الوزارات لتسيير أعمالهم من جيب المواطن.

وما زلت أذكر تلك الطرفة التي تحدتث عن فرض خمس جلدات لكل مواطن وحددوا مراكز الجلد في انحاء الوطن وحددوا موعدا لنهاية الفترة...فازدحمت المراكز منذ اليوم الأول بأرتال المواطنين الذين يودون أن يجلدوا فصاح فيهم مسؤول إحدى المراكز بأن الموعد تبقى منه خمسة عشرة يوما فلم الازدحام؟ " عشان يقوموا يزيدوا عدد الجلدات" صاح أحدهم من خلف الصف.

أولا يكف نظامنا قليلا من جلد أولياء الأمور وتسييرهم علي العجين دون لخبطته، وتقليل الأتاوات التي تأتي من كل صوب فضلا علي تكلفة المعيشة العالية حتى أفقرت الكثير من المواطنين وجعلت الوجبات في كثير من المنازل غير منتظمة اختفت منها الكثير من الأصناف وصارت وجبة واحدة أو اثنين والتي لا تقوم مواطنا ناهيك عن أطفاله. فحكي لي أحدهم بأنهم صاروا يتأخروا الي المجيء إلي المنزل وغالبا ما تدمج وجبتي الغداء والعشاء لتصير "غدشا" يتناولون تلك (الغدشا) في المغربية وخلاص الي الصباح.

فقد رشح في الأخبار قبل يومين أن ناظرا لمدرسة تبع التعليم الأفريقي أعمل سوطه وإنهال به على إحدى التلميذات لا حظ تلميذة وليس تلميذا تضرب بتلك الطريقة التي ظهرت في الميديا، فما الذي زهج ذلك الناظر وما الذي جعله كالثور الهائج ويضربها بتلك الطريقة... حسننا فعلت إدارة المدرسة بإيقافه وإحالته للتحقيق واعتذرت لذوي الطالبة لكن يبقى الظلم الذي يدفع بالمدرسين قائما عندما تهضم حقوقهم وتتأخر مرتباتهم وتغلبهم مقابلة منصرفاتهم فيقع الظلم على الطلبة ويتشفون بالضرب في المدارس، وأن لم يكونوا هم فمن الذي طالب بتقنيين الضرب في المدارس، أو كان ممنوعا من قبل فلعلمي كوالد لثلاثة من الأطفال في التعليم العام وأقوم بترحيلهم الي المدارس كل يوم وأستمع الي انطباعاتهم عن المدرسة كل يوم، لم يخلو يوما من اشارتهم الي جلد أستاذ فلان "الحار" و الصول الذي يستعمل خرطوش الموية في ضربهم وتلك الأستاذة الوديعة وقطيع أيديهم بالمسطرة. فلو كان هناك عقل راشد لدى متخذي قرار جلد التلاميذ في الولاية لأجاز جلد الذين أفرغوا المدارس من معانيها حتى أضحت جدرانا بائسة وعرشا آيلا للانهيار.

وكان الله في عون تلاميذنا. ....................

izattaha@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء