مؤسسات الدولة التنفيذية من شرعية العنف الي الشرعية الديمقراطية (4)
شريف محمد شريف علي
16 August, 2022
16 August, 2022
توقفنا في المقالات السابقة عند الهدف الاعظم من احتلال السودان ومصر وهو ضرورات الامن الاستراتيجي و الدفاع وضمان التفوق الاستراتيجي علي المنافسين خاصة الاوروبيين في ذلك الوقت. وكذلك وقفنا عند عقيدة الاستعلاء والتفوق التي لازمت كرومر وعملاء الاستعمار في مصر.
يجدر القول ان كرومر انتبه ووثق للعديد من السلبيات والخلل في ادارة الدولة المصرية و قد حقق بعض النجاح في بعض الملفات منها ضبط الميزانية العامة للدولة و محاربة تجارة الرقيق والحد من المعاملات اللا انسانية القاسية كالضرب بالكرباج التي كانت سلوك سائد تمارسه طبقة الباشوات ومدراء المديريات علي غالب الشعب المصري الذي يمثله طبقة الفلاحين ونجح ايضا كرومر في الحد من الفساد خاصة الرشوة في ادارة الدولة .
يعلق كرومر ان شعب مصر لم يري منذ فجر التاريخ سوي شرعية الغاب والعنف والقسوة منذ عهد الفراعنة.
بالنظر لرؤية كرومر حول مستقبل مصر ربما يتساءل البعض اسئلة مشروعة مثل متي ستصبح السيادة في مصر للشعب وهل فعلا مازال هنالك دور خارجي يحول بين
المصريين وحكم انفسهم في ظل شرعية ديمقراطية ؟؟ وهل الشعب المصري الذي بني الاهرامات عاجز عن ان يؤسس نظام حكم متحضر ( ديمقراطي) مثل الذي تحدث عنه كرومر وعجز او تعمد عدم التأسيس له ~اسئلة مشروعة؟؟
ذات النظرة الاستعلائية انطبقت علي السودان.
الجدير بالذكر حماية مصالح المستعمر كانت تستدعي العبث بالقوانين والتشريعات المحلية وربما تعطيلها وخلق هياكل وقوانين وتشريعات جديدة تناسب مصالح المستعمر والاوروبيين ولكي يمارس الاوروبي نشاطه بحرية لابد من قوانين في الدولة بديلة للتشريعات السائدة فمثلا لايمكن تعطيل التشريعات التي تستند علي الدين الاسلامي لانها ستثير غضب الشعب وكذلك المستعمر لن يقبل ان يطبق حد شرب الخمر مثلا علي اوروبي في مجتمع شرقي لذلك كان لابد من الثنائية في التشريعات والقوانين وفي القضاء . وربما هذا يفسر وجود الثنائية القضائية القضاء المدني والقضاء الشرعي.
يقول كرومر : سيكون من غير
الحكمة ومن السابق لأوانه أن تقوم الحكومة البريطانية بإدخال نظام حكم متحضر للغاية في البلاد.
شعب السودان متخلف وشبه بربري ويؤمن بالخرافات والغيبيات والخزعبلات فمثلا رجل من الشلك اسمه كوات ود البونغ حوكم بتهمة قتل أجاك ود دينق. اعترف القاتل بالجريمة وأدلى بالشهادة الاتية "المقتول أجاك ود دينغ مدين لي بشاة لكنه لم يدفع لي. وهددني بالسحر والكجور وفي اليوم التالي في النهر أكل التمساح ابني بفعل وتحريض أجاك ، ولهذا السبب قتلته. لقد كان لدينا عداء لسنوات طويلة لأنني كنت أكثر نجاحًا في صيد أفراس النهر منه ، ولهذا السبب كان يمارس السحر علي وعلى عائلتي"
يعلق السيد بونهام كارتر ، السكرتير القانوني لحكومة السودان ، في تقريره عن هذه القضية: "يعتقد المتهم أن التمساح كان يتصرف كعميل للرجل المقتول . قناعات واقوال المتهم كان يدعمها عدة شهود آخرين ان الكجور والسحر يعتبر معتقدا محليا راسخا "
يقول كرومر "المثال اعلاه دليل علي ان الشعب رجعي ومتخلف
لايصلح معه الا ماتوافقنا عليه من وثيقة الحكم الثنائي التي تمثل
الدستور الذي يناسب الشعب"
لتبرير انكار حقوق الشعب وتطلعاته والعبث بثرواته للخمسين عاما القادمة ساق كرومر هذا المثال . من الملاحظ ان خطاب كرومر كان موجها لرؤسائه ولكسب الرأي العام البريطاني.
بمراجعة مواد وثيقة الحكم الثنائي سنجد انه بينما تناولت الوثيقة حقوق الاوروبيين وحقوق السيادة استنادا لحق الفتح للخديوي ولملكة انجلترا كشركاء اهملت الوثيقة وكانت خالية وقفر من اي ذكر للمواطن السوداني والشعب السوداني وحقوقه وتطلعاته ومستقبله.
تجاهل تطلعات الشعب السوداني وحقوقه بانت عند اول خطاب القاه كرومر في ام درمان و ذكر فيه انه خطاب موجه للاوربيين والمصريين والسودانيين. ولكن الحقيقة ان حديثه كان يخاطب هواجس وتطلعات الاوربيين والمصريين فقط.
وثيقة الفتح اعطت الحاكم العام التفويض ليصبح مصدر السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ويمارس الحكم بالمراسيم.
لنفحص نص بعض المواد ؛
(المادة الثالثة): تُفوَّض الرئاسة العليا العسكرية والمدنية في السُّودان إلى موظف واحد يلقَّب «حاكم عموم السُّودان»، ويكون تعيينه بأمر عالٍ خديوي بناءً على طلب حكومة جلالة الملكة، ولا يفصل عن وظيفته إلَّا بأمر عالٍ خديوي يصدر برضاء الحكومة البريطانية. (المادة الرابعة): القوانين وكافة الأوامر واللوائح التي يكون لها قوة القانون المعمول به، والتي من شأنها تحسين إدارة حكومة السُّودان أو تقرير حقوق الملكية فيه بجميع أنواعها، وكيفية أيلولتها والتَّصرف فيها، يجوز سنُّها أو تحويرها أو نسخها من وقت إلى آخر بمنشور من الحاكم العام. وهذه القوانين والأوامر واللوائح يجوز أن يسري مفعولها على جميع أنحاء السُّودان أو على جزء معلوم منه، ويجوز أن يترتب عليها صراحة أو ضمنًا تحوير أو نسخ أي قانون أو أية لائحة من القوانين أو اللوائح الموجودة. وعلى الحاكم العام أن يبلغ على الفور جميع المنشورات التي يصدرها من هذا القبيل إلى وكيل وقنصل جنرال الحكومة البريطانية بالقاهرة وإلى رئيس مجلس نظار الجناب العالي الخديوي.
(المادة السادسة):
تم تقسيم السودان بعد اتفاقية1899 مباشرة إلى مناطق وضعت كل منها تحت سيطرة ضابط عسكري. الحاكم العام والعديد من مرؤوسيه الرئيسيين هم ضباط عسكريون.
بينما كان هدف المستعمر البريطاني في في مصر بحسب كرومر اصلاح العقل المصري وطرائقه في التفكير واصلاح الاخلاق والمجتمع لم يذكر كرومر تلك الاهداف عن السودان ولكن ذكر
وضع السودان على طريق التقدم والازدهار .
شريف محمد شريف
مؤسسات الدولة التنفيذية من شرعية العنف الي الشرعية الديمقراطية
٨/١٠/٢٠٢٢
engshereef1977@yahoo.com
يجدر القول ان كرومر انتبه ووثق للعديد من السلبيات والخلل في ادارة الدولة المصرية و قد حقق بعض النجاح في بعض الملفات منها ضبط الميزانية العامة للدولة و محاربة تجارة الرقيق والحد من المعاملات اللا انسانية القاسية كالضرب بالكرباج التي كانت سلوك سائد تمارسه طبقة الباشوات ومدراء المديريات علي غالب الشعب المصري الذي يمثله طبقة الفلاحين ونجح ايضا كرومر في الحد من الفساد خاصة الرشوة في ادارة الدولة .
يعلق كرومر ان شعب مصر لم يري منذ فجر التاريخ سوي شرعية الغاب والعنف والقسوة منذ عهد الفراعنة.
بالنظر لرؤية كرومر حول مستقبل مصر ربما يتساءل البعض اسئلة مشروعة مثل متي ستصبح السيادة في مصر للشعب وهل فعلا مازال هنالك دور خارجي يحول بين
المصريين وحكم انفسهم في ظل شرعية ديمقراطية ؟؟ وهل الشعب المصري الذي بني الاهرامات عاجز عن ان يؤسس نظام حكم متحضر ( ديمقراطي) مثل الذي تحدث عنه كرومر وعجز او تعمد عدم التأسيس له ~اسئلة مشروعة؟؟
ذات النظرة الاستعلائية انطبقت علي السودان.
الجدير بالذكر حماية مصالح المستعمر كانت تستدعي العبث بالقوانين والتشريعات المحلية وربما تعطيلها وخلق هياكل وقوانين وتشريعات جديدة تناسب مصالح المستعمر والاوروبيين ولكي يمارس الاوروبي نشاطه بحرية لابد من قوانين في الدولة بديلة للتشريعات السائدة فمثلا لايمكن تعطيل التشريعات التي تستند علي الدين الاسلامي لانها ستثير غضب الشعب وكذلك المستعمر لن يقبل ان يطبق حد شرب الخمر مثلا علي اوروبي في مجتمع شرقي لذلك كان لابد من الثنائية في التشريعات والقوانين وفي القضاء . وربما هذا يفسر وجود الثنائية القضائية القضاء المدني والقضاء الشرعي.
يقول كرومر : سيكون من غير
الحكمة ومن السابق لأوانه أن تقوم الحكومة البريطانية بإدخال نظام حكم متحضر للغاية في البلاد.
شعب السودان متخلف وشبه بربري ويؤمن بالخرافات والغيبيات والخزعبلات فمثلا رجل من الشلك اسمه كوات ود البونغ حوكم بتهمة قتل أجاك ود دينق. اعترف القاتل بالجريمة وأدلى بالشهادة الاتية "المقتول أجاك ود دينغ مدين لي بشاة لكنه لم يدفع لي. وهددني بالسحر والكجور وفي اليوم التالي في النهر أكل التمساح ابني بفعل وتحريض أجاك ، ولهذا السبب قتلته. لقد كان لدينا عداء لسنوات طويلة لأنني كنت أكثر نجاحًا في صيد أفراس النهر منه ، ولهذا السبب كان يمارس السحر علي وعلى عائلتي"
يعلق السيد بونهام كارتر ، السكرتير القانوني لحكومة السودان ، في تقريره عن هذه القضية: "يعتقد المتهم أن التمساح كان يتصرف كعميل للرجل المقتول . قناعات واقوال المتهم كان يدعمها عدة شهود آخرين ان الكجور والسحر يعتبر معتقدا محليا راسخا "
يقول كرومر "المثال اعلاه دليل علي ان الشعب رجعي ومتخلف
لايصلح معه الا ماتوافقنا عليه من وثيقة الحكم الثنائي التي تمثل
الدستور الذي يناسب الشعب"
لتبرير انكار حقوق الشعب وتطلعاته والعبث بثرواته للخمسين عاما القادمة ساق كرومر هذا المثال . من الملاحظ ان خطاب كرومر كان موجها لرؤسائه ولكسب الرأي العام البريطاني.
بمراجعة مواد وثيقة الحكم الثنائي سنجد انه بينما تناولت الوثيقة حقوق الاوروبيين وحقوق السيادة استنادا لحق الفتح للخديوي ولملكة انجلترا كشركاء اهملت الوثيقة وكانت خالية وقفر من اي ذكر للمواطن السوداني والشعب السوداني وحقوقه وتطلعاته ومستقبله.
تجاهل تطلعات الشعب السوداني وحقوقه بانت عند اول خطاب القاه كرومر في ام درمان و ذكر فيه انه خطاب موجه للاوربيين والمصريين والسودانيين. ولكن الحقيقة ان حديثه كان يخاطب هواجس وتطلعات الاوربيين والمصريين فقط.
وثيقة الفتح اعطت الحاكم العام التفويض ليصبح مصدر السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ويمارس الحكم بالمراسيم.
لنفحص نص بعض المواد ؛
(المادة الثالثة): تُفوَّض الرئاسة العليا العسكرية والمدنية في السُّودان إلى موظف واحد يلقَّب «حاكم عموم السُّودان»، ويكون تعيينه بأمر عالٍ خديوي بناءً على طلب حكومة جلالة الملكة، ولا يفصل عن وظيفته إلَّا بأمر عالٍ خديوي يصدر برضاء الحكومة البريطانية. (المادة الرابعة): القوانين وكافة الأوامر واللوائح التي يكون لها قوة القانون المعمول به، والتي من شأنها تحسين إدارة حكومة السُّودان أو تقرير حقوق الملكية فيه بجميع أنواعها، وكيفية أيلولتها والتَّصرف فيها، يجوز سنُّها أو تحويرها أو نسخها من وقت إلى آخر بمنشور من الحاكم العام. وهذه القوانين والأوامر واللوائح يجوز أن يسري مفعولها على جميع أنحاء السُّودان أو على جزء معلوم منه، ويجوز أن يترتب عليها صراحة أو ضمنًا تحوير أو نسخ أي قانون أو أية لائحة من القوانين أو اللوائح الموجودة. وعلى الحاكم العام أن يبلغ على الفور جميع المنشورات التي يصدرها من هذا القبيل إلى وكيل وقنصل جنرال الحكومة البريطانية بالقاهرة وإلى رئيس مجلس نظار الجناب العالي الخديوي.
(المادة السادسة):
تم تقسيم السودان بعد اتفاقية1899 مباشرة إلى مناطق وضعت كل منها تحت سيطرة ضابط عسكري. الحاكم العام والعديد من مرؤوسيه الرئيسيين هم ضباط عسكريون.
بينما كان هدف المستعمر البريطاني في في مصر بحسب كرومر اصلاح العقل المصري وطرائقه في التفكير واصلاح الاخلاق والمجتمع لم يذكر كرومر تلك الاهداف عن السودان ولكن ذكر
وضع السودان على طريق التقدم والازدهار .
شريف محمد شريف
مؤسسات الدولة التنفيذية من شرعية العنف الي الشرعية الديمقراطية
٨/١٠/٢٠٢٢
engshereef1977@yahoo.com