ماذا نفعل مع مصر؟

 


 

 

شاهدت حوارا في قناة فضائية شارك فيه وزير سوداني سابق للري مع صحفي مصري، وفيما بدا الوزير السابق عارفا لما يقول فهو بجانب درجته العملية الرفيعة عمل في مجال الري لسنوات طويلة ، قام الوزير بطرح تصورات محددة بناء على أرقام ومعلومات، خلص فيها الى أنّ سد النهضة لا يشكل أية تهديد لمصر. بالعكس كان واضحا أنّ الصحفي المصري لم يكن يعرف الكثير عن الموضوع المطروح للنقاش، لكنه كان واعيا بالطبع للموقف الرسمي المصري، الذي يتعامل مع السودان بإعتباره تابعا لمصر، وأنه على السودانيين تبني أية موقف تتخذه مصر غض النظر عن تعارضه او تماهيه مع مصالح السودان. كان وجه الصحفي المصري ينطق بالاحتقار للوزير وموقفه الذي وصفه بالمعادي لمصر! وانه بحسب قوله انه موقف معزول عن مواقف الشعب السوداني المناصر لمصر!
لقد ناصر الشعب السوداني مصر كثيرا، حارب في حروبها ودعمها حتى حين خاصمها العرب بسبب اتفاقية كامب ديفيد. وما الذي استفاده السودانيون من الوقوف خلف مصالح مصر؟ المحجوب ذكر في مذكراته انه توسط لدى الملك فيصل ليصالح عبد الناصر بعد النكسة وتم ذلك في مؤتمر الخرطوم الذي وقف مع مصر وتعهد بدعمها، فكافأه عبد الناصر بتبني ودعم انقلاب عسكري على الحكومة الديمقراطية في السودان.
وتلك عقدة مصر الازلية، حكومات ضعيفة في السودان، ترعى مصالح مصر في المقام الأول، وستجد مصر تنظر بحذر حتى للحكومات الديمقراطية التي تكونها في السودان أحزاب تؤيد الاتحاد مع مصر، لكن مصر تفضل العسكر، النظام الذي يأتي عبر صندوق الانتخابات هو نظام قوي، حتى وان كان لا يرفع البنادق، فهو يستمد القوة من أصوات الشعب التي حملته الى السلطة، العسكر هم اضعف الأنظمة حتى وان احاطوا انفسهم بالجنود والأجهزة الأمنية والجنجويد. مصر تخشى من عدوى الديمقراطية، خاصة نظامها الحالي الذي لا يزال يعيش في رعب كابوس ثورة يناير 2011 التي قوّضت نظام حكم حسني مبارك.
في عهد عبود أنشأت مصر السد العالي واغرقت أراض سودانية خصبة وتذخر بالثروات الطبيعية والكنوز التاريخية. وفي عهد البشير الاخواني استغلت مصر حادثة محاولة اغتيال رئيسها التي دبرها اخوان السودان، وقامت باحتلال حلايب وبالطبع غض نظام عمر البشير المرتعب من المحاسبة، غض النظر عن ذلك الاحتلال. ولم تتخل مصر في كل العهود عن مطامعها في استغلال السودان وثرواته الأمر الذي كشفه ترس الشمال في الفترة ما بعد انقلاب البرهان الذي دعمته مصر.
بجانب العسكر وجدت مصر في بعض ضعاف النفوس ممن لا يهمهم سوى المصالح الشخصية من مناصب ومكاسب ضيقة وجدت فيهم مناصرين جدد لم يكونوا في الحسبان، فجمعتهم في سلة الورشة التي عقدتها خصيصا لا ليتحاور السودانيون للوصول الى حل لأزمتهم كما تزعم البيانات الرسمية، فكل الذين احتضنتهم ورشة مصر توحدهم مصالحهم الشخصية وخوفهم من فقدان المناصب والمكاسب وخوفهم من نظام يمثّل مبادئ الثورة في الحرية والعدالة والسلام وتفكيك المنظومة الحاكمة التي تقوم على أعمدة النظام الاخواني البائد. وكل (نجوم) تلك الورشة هم من داعمي انقلاب البرهان.
الحل مع مصر بسيط جدا، أية حكومة ديمقراطية في السودان ستحمي مصالح شعبه، حتى وان وصل حزب موال لمصر للسلطة (وذاك احتمال ضعيف في ظل التغيرات الكثيرة التي وقعت طوال العقود الماضية) حتى ان حدث ذلك فإنه وفي ضوء برلمان وصحافة حرة وأجيال جديدة تتسلح بالوعي ومحبة وطنها ومعرفتها بمصالح شعبه، سيعمل ذلك الحزب في سبيل مصالح شعبه وان تعارضت مع مصالح دول أخرى، مثلما اختار الازهري يوما أن ينحاز لخيار الاستقلال.
محمد زبير أبو شوك

zebaira219@gmail.com

 

آراء