ماراثون المصالح: أبو الغيط وسليمان … رحلة الوحدة والمياه … تقرير: خالد البلولة إزيرق

 


 

 

أنهى وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ومدير مخابراتها عمر سليمان، أول أمس زيارة سريعة للخرطوم وجوبا، كان هدفها المعلن تقديم التهاني لرئيس عمر البشير ونائبه سلفاكير ميارديت بمناسبة فوزهما في الانتخابات، إلا أن الملفات الشائكة التي ترقد فوق طاولة الجانبين، والتي تحركها المصالح بعيدا عن العواطف التي تظهرها عدسات المصورين ويتبادلها المسئولون هنا وهناك، يبدو أنها كانت المحور الرئيسي لزيارة ومثلت اهتمام المسئولين بالدولتين، لجهة الارتباط الوثيق وتداخل المصالح وتعقيداتها بين البلدين، لذا سرعان ما تحول عنوان الزيارة «التهنئة» الى نقاش يبدو أنه حمل رسائل، ان اتسمت بالهدوء لكنها قد تكون مثيرة لشئ من القلق، في قضايا «الوحدة والمياه».

إذاً رحلة الوزير المصري ومدير المخابرات، التي اختير عنوانها «التهنئة» كان محور قضاياها تحقيق وحدة السودان واستقراره وحل ازمة دارفور كمدخل للقضية الرئيسية بالنسبة للقاهرة وهي «مياه النيل» فالقضايا السودانية غدت تداعياتها محل إهتمام مصري لما لها من تأثيرات على الأمن القومي المصري، لذا يبدو أن القيادة المصرية تحاول من خلال زيارة وزير خارجيتها ومدير مخابراتها البحث مع الخرطوم وجوبا لتأمين قضية «الوحدة» وتنسيق الموقف وتوحيده فيما يتعلق بقضية أزمة مياه النيل المثارة من قبل دول الحوض، والتي وصلت خلافاتها الى ذروتها بعد انفضاض مؤتمر دول الحوض في شرم الشيخ قبل ثلاثة أسابيع. وكان أبو الغيط قد قال في تصريحات صحافية عقب لقائه الرئيس البشير، عن تمسك الدولتين «مصر والسودان» بالاتفاقيات القديمة في مياه النيل وتطابق الموقف السوداني والمصري بشأنها، وكشف عن مبادرة لزيادة ايرادات النهر وامكانياته بشكل مرض لكافة دول الحوض بعيدا عن التوتر والنزاعات، وشدد على ضرورة وحدة السودان ومنع التوتر والاقتتال واية عمليات من شأنها ان تؤدي الى فقدان موارد البلاد، واكد حرص حكومته وسعيها للحفاظ على الوفاق بين الشمال والجنوب ووحدته، كاشفا عن تحركات اجرتها بلاده حول ذات الامر مع المجتمع الدولي في غضون الاسابيع الماضية، وامكانية معالجة القاهرة لمشاكل دارفور، وتمسك مصر بما تم التوصل اليه بين الحكومة والحركات المسلحة بدارفور، وضرورة تنفيذ الاتفاق الاطاري بكل دقة وحرفية.

ويرى مراقبون، أن أغلب الملفات بين البلدين لديها علاقة بالوضع الداخلى السودانى والوضع الاقليمي، وهناك تباين في الرؤى بين البلدين حول هذه الملفات، فمصر مثلاً كانت ترى بضرورة تعاون السودان مع المحكمة الجنائية وتقديم تنازلات بشأنها، وكذلك بشأن طي ملف دارفور، مشيرين الى أن الوفد المصري بقيادة أحمد أبو الغيط وعمر سليمان، جاء للتفاوض حول قضية مياه النيل وحل مشكلة دارفور وتحقيق وحدة السودان من خلال الاستفتاء لمواطني الجنوب في يناير القادم، مشيرين الى أن الوفد بحث في القضايا التى لا يوجد اتفاق حولها، وربما يكون هناك تباين في وجهات النظر في بعض القضايا الإقليمية مثل موضوع مياه النيل الذي كان السودان من المطالبين بإلغاء الاتفاقية. ولكن يبدو ان الزيارة التي مضت سريعاً ولم تستغرق سوى ساعات في الخرطوم وجوبا، ان تداعياتها ربما تستمر طويلاً من واقع ما اتسمت به من طرح لقضايا مازال الجدل حولها مستمراً داخلياً وخارجياً. فلقاء الوفد المصري برئيس الجمهورية عمر البشير بحسب مصادر صحافية اشارت الى أن الرئيس البشير احتج بغضب لاستضافة بلاده رئيس حركة العدل والمساواة، دكتور خليل إبراهيم، ما اعتبرته المصادر بوادر أزمة بين البلدين، غير أن أبو الغيط قلل من شأن المسألة، وقال للصحافيين في جوبا ردا على سؤال حول الموضوع، إن استضافة زعيم العدل والمساواة ووفده هذه الأيام تأتي في إطار حل أزمة دارفور والوصول إلى سلام.

ويشير محللون الى تطور جديد يبدو في علاقة القاهرة بالخرطوم على ضوء القضايا المشتركة محور النقاش والاختلاف، فبينما كانت الخرطوم سابقاً تبدو الأكثر حاجة لدعم مصر ومواقفها في قضاياها الداخلية ذات الارتباط الخارجي، إنقلبت الآن الآية واصبحت القاهرة في حاجة اكبر للخرطوم لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، فوحدة السودان واستقراره تكاد تكون الملف المصري الأول من حيث اهتمام القاهرة لما له من تأثيرات مباشرة على أمنها القومي، على ضوء الاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان مطلع يناير القادم، كما أن خلافات دول حوض النيل بشأن «المياه» جعلت مصر تبدو وحيدة في مواجهة بقية الدول، بالتالي فإنها تبدو الأكثر حاجة لموقف السودان لتعضيد رؤيتها مع دول الحوض من جهة ولما يلعبه السودان من تأثير على بعض دول الحوض فيما يتعلق بموضوع المياه، ومن واقع هذه المعادلة الجديدة في علاقة البلدين، يبدو ان الخرطوم ستستغلها جيداً لحرق كثير من «الكروت» التي كانت تحتفظ بها القاهرة وتشهرها في وجهها كلما تأزمت العلاقة، خاصة كرت العلاقات الدولية لمصر في المنطقة، والحركات المسلحة في دارفور، والمعارضة الشمالية في القاهرة.

إذاً رحلة الوزير أبو الغيط وعمر سليمان جاءت في وقت والخرطوم تترقب فيه الكثير من الاحداث السياسية التي يقف على رأسها تشكيل الحكومة المرتقبة وأجندتها، وتنفيذ حق تقرير المصير لجنوب السودان، بالاضافة الى مساعي حل مشكلة دارفور من خلال التفاوض في الدوحة القطرية، لذا تكتسب الزيارة المصرية أهميتها من واقع اهتمام القاهرة بهذه الملفات، فبالاضافة الى حرص مصر على تحقيق وحدة السودان، فإنها تتطلع بدور كبير لطي ملف دارفور، وتستضيف هذه الايام وفداً عالي المستوى من حركة العدل والمساواة بقيادة رئيس الحركة الدكتور خليل ابراهيم وكبار قادتها لبحث مشروع السلام في دارفور. كما تقوم القاهرة بجهود توفيقية بين الشريكين «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية» لأجل تحقيق وحدة السودان واستقراره وكانت القاهرة قد استضافت ورشة بين الشريكين بقيادة كل من دكتور نافع علي نافع وباقان أموم، واعلنت انها تستعد لعقد الورشة مجددا بين الشريكين لتحقيق الوحدة، وكان ابوالغيط قد قال بعد لقائه سلفا كير في جوبا اول امس إن بلاده اقترحت استضافة مؤتمر لدعم الوحدة يجمع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في القاهرة، وقال إن الاجتماعات واللقاءات ستكون مستمرة إلى جانب دعم مشاريع تنموية تقدمها القاهرة في الفترة القليلة القادمة لتحقيق وحدة السودان، لكنه أكد احترام القاهرة لخيار الجنوبيين في الاستفتاء.

وقد نشطت مصر في الآونة الأخيرة في المشهد السودانى ومعالجة قضاياه المتعددة والمعقدة بشكل أكثر وضوحاً، وقد إطلع وزير الخارجية ومدير مخابراتها عمر سليمان بأدوار كبيرة وتحركات مكوكية، ويبدي مراقبون ملاحظة ان رحلة الرجلين الى الخرطوم بأنها كثيراً ما ترتبط بتطور ما على الساحة السودانية سواء كان داخلياً أو خارجياً، وهو ما يعكسه توقيت زياراتهما التى غالباً ما تتزامن مع تعقيدات سياسية داخلية أو خارجية، فالرجلان يجيدان دبلوماسية السياسة والمخابرات في المنطقة العربية والشرق الاوسط أكثر من غيرهما في مثل هذه الملفات المتصلة بالتعقيدات الدولية. وسبق لوزير الخارجية المصري ومدير مخابراتها أن قاما بعدة زيارات للسودان منذ عودة التطبيع للعلاقات بين البلدين، بعد قطيعة إمتدت لسنين منذ محاولة اغتيال الرئيس المصري حسنى مبارك أثناء انعقاد القمة الافريقية في أديس أبابا عام 1995م، حيث قاما بعدة زيارات الى الخرطوم تزامنت جلها مع تعقيدات شهدتها الساحة السودانية، وقد تكررت تلك الزيارات التى دائماً ما ترتبط بتطورات داخلية كبرى. فقد وصلا قبل أيام قلائل على صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية القاضي بتوقيف الرئيس البشير بتهمة جرائم ضد الانسانية في الرابع من مارس قبل الماضي، وذهب محللون وقتها الى أن الزيارة تأتي في إطار بحث كيفية التعامل مع قرار المحكمة والدور المصري في تهدئة الاوضاع سياسياً ودولياً جراء القرار، كما سبق لوزير الخارجية المصري ومدير مخابراتها ان حلا بالخرطوم إبان الخلافات التى نشبت بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى، بغرض المساهمة في طى الخلافات بين شريكي نيفاشا بعد تجميد الحركة الشعبية لنشاط وزرائها في الحكومة المركزية مطلع العام 2007م، والتداعيات التى أفرزتها تلك الخطوة والتي كادت أن تعصف بإتفاقية السلام والاستقرار في البلاد. وكان وزير الخارجية وقتها أحمد ماهر ومدير مخابراتها عمر سليمان قد حلا أيضاً على الخرطوم في زيارة شبيهة بعيد وقوع المفاصلة الشهيرة بين الرئيس البشير وعراب نظامه الدكتور حسن الترابي مطلع العام 2000م. وفي اثناء الرفض الحكومى للقبول بنشر قوات دولية بدارفور، وبعيد موافقة الخرطوم بنشر القوات الدولية بعد ضغوط مورست عليها، فقد قام وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط، ومدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان، في ابريل 2007م بزيارة الى الخرطوم، سلما من خلالها رسالة للرئيس عمر البشير من الرئيس المصري محمد حسني مبارك تتصل بـ «الأوضاع في دارفور ومواقف مصر تجاهها».

 

khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء