ما حدث في مصر خطأ سياسي

 


 

 



أيا كانت تسميته أو الجدل القانوني المثار حوله، انقلاب أم سلطة الشارع يبقى من الخطأ عدم تسمية الأشياء بأسمائها...
اولا: هو انقلاب على شرعية تحاكم إليها الناس هناك بإرادتهم الحرة...امتنع من امتنع عن التصويت وصوت من شاء لمرسي نكاية في احمد شفيق وما يمثله من ماضي ... فكانت النتيجة ما ثار عليه المصريون مؤخرا ...
تعطيل العمل بالدستور وحل الاجهزة الدستورية من جهة لا يحق لها ذلك، لا يعني شيئا سوى انتهاك الشرعية الدستورية ...
ثانيا: هو دفع لحركة الاخوان المسلمين إلى الشارع مرة أخرى، متشحة هذه المرة ليس بالعاطفة الدينية فقط بل بالمظلومية لجلب عطف المجتمع الدولي الذي لم يتأخر في التعاطف معها...
هي في الاصل حركة نشأت في الشارع وتعرفه جيدا وتجيد استحلاب عواطفه الدينية إلى درجة الموت دفاعا عنها بوصفها وكيلة الله في الارض...
ثالثا: هو إجهاض لتجربة سياسية كان يحتاجها الشعب المصري لإثبات فشلها في إدارة اكبر دولة عربية إسلامية ومفصلية في علاقاتها بالغرب،حتى يتأكد الواهمون بأن الإسلام ليس حلا سياسيا. بل ليس حلا لمعضلات العلاقات الدولية المتشابكة بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية...
رابعا: جر الجيش المصري إلى السياسة التي ابتعد عنها منذ 1954 في انقلاب القصر الذي اطاح بمحمد نجيب...
فرغم أن كل الذين حكموا مصر منذ 1952 انتموا إلى المؤسسة العسكرية إلا أن الحاكم الرئيسي لم يكن الجيش الذي تم شغله بالحروب مع اسرائيل وحالة الاستنفار الدائم...
الحاكم الفعلي كان جهاز أمن الدولة منذ ايام صلاح نصر...
خامسا: نسبة التصويت في الانتخابات كانت 50% من عدد الذين يحق لهم الاقتراع...نال الرئيس مرسي ما يعادل 51% منها أي 25 في المائة من مجموع المصريين الذين يحق لهم التصويت...
ورغم أنها نسبة حققت له الفوز وفق حسابات الديمقراطية الليبرالية، إلا أنه لا يمكن أن يقال عنها أنها تمثل الشعب المصري إذ أن 75% من المصريين لم يصوتوا للرئيس الذي يحكمهم...
هنا يكمن خلل كبير قلّ نظيره في الديمقراطيات الليبرالية الغربية العريقة وبالتالي لا يمكن الاعتداد به والاعتماد عليه في ادعاء الشرعية المطلقة التي يمكن بها تنفيذ اجندة أحادية تقود إلى تمكين وشوكة...
إخوان مصر لم يعوا هذه الحقيقة...
سادسا: يقول مؤيدو الانقلاب أن الذي حدث كان لاستباق تمكين الاخوان المسلمين في مفاصل الدولة كما حدث في السودان...
المقارنة هنا لا تقودنا إلى نتيجة منطقية للأسباب التالية:
أولها: الجيش والشرطة والقضاء والخدمة المدنية كانت مؤسسات هشة عندما استلم الاخوان السلطة في السودان 1989...
تلك الهشاشة نتجت عن عقود طويلة من العبث بهذه الاجهزة بدءا من التطهير الذي اصبح واجبا وطنيا في اكتوبر 1964 وليس انتهاء بعزل القيادات العسكرية والمدنية والقضائية في مايو 1969 ويوليو 1971 ومن ثم مسارات الإحالة المستمرة للصالح العام على مدى حكم النميري...
مصر عُرفت برسوخ أجهزة الدولة فيها عسكرية كنت أم مدنية أم قضائية منذ عهد الملك فاروق...
عسكر 1952 لم يستلوا سيف التطهير كما فعلنا نحن في اوقات مختلفة...
لقد ظلت التراتبية الوظيفية محفوظة في المجالين العسكري والمدني مما أدى إلى قبولها ورسوخ قيمها لدى المجتمع المصري...
ثانيها: الفرد المصري ليس قدريا كالزول السوداني رزقه على الله متى ما تم صرفه من وظيفته بحث عن غيرها مستعينا بإرادة المولى باعتبار أن ذلك قدره...
هل سمعتم بسوداني انتحر لفقدان وظيفته؟
لذا وقف الذين تمت إحالتهم للصالح العام في 1989 كالخراف ينتظرون مدية الطيب سيخه وعوض الجاز وسيف الدين والهادي نكاشه حتى تم التمكين في كل أجهزة الدولة العسكرية والمدنية...
المصري تعني له الوظيفة والمؤسسة التي ينال منها رزقه إلها قائما بذاته يعبده ويتوسل إليه بكل السبل، متى فقده، فقد ذاته...لذا لم يكن من السهل إحالة المصريين إلى التقاعد بصفة جماعية كما حدث في السودان في 1989...
بيروقراطية الدولة المصرية وحدها تشغّل ما يقرب من الست مليون نسمة، مع امتدادهم الاسري يصلون إلى 30 مليون على أقل تقدير، يعتمدون على مؤسسة الخدمة العامة المدنية...
قطع الارزاق عندهم كقطع الاعناق، لذلك سيفضلون الموت دفاعا عن وظائفهم "آلهتهم" بدلا عن الموت فصلا من العمل...
هذا الوعي المبكر بالخطر على ارزاقهم هو ما قادهم للشارع في 30 يونيو 2013...
إذا كان اخوان مصر لم يفهموا عقلية بني جلدتهم ومضوا في تسريح الناس من وظائفهم وتمكين اتباعهم منها فتلك مصيبة كبرى...
وإن كان ما سمعته من احد الاصدقاء في المؤتمر الوطني صحيحا بأنهم نصحوا مرسي باستعجال التمكين، فقد أوردوا الرجل مورد التهلكة...غير أني أميل إلى ما ذكره د. حسن الترابي بأنهم لم يسمعوا نصحه حتى استبان لهم ضحى الغد، باعتباره احد البرابرة البوابين الذين لا يعتد برأيهم...
رغم ذلك لا بد من التأكيد بأن الاخوان المسلمين ملة واحدة سواء في مصر أو الاردن او السودان او باكستان او الواق الواق، تجمع بينهم اشياء ليس الدين من بينها، أهمها خفة العقل والبعد عن الموضوعية والتسرع في استباق النتائج...لذا لا يُستبعد وصلوهم إلى ذات النتيجة التي وصل لها اخوان السودان دون الحاجة للأخذ برأيهم...
أما إذا كانت المسألة مسألة حيلولة دون تمكين الاخوان المصريين في السلطة فقد كان لدى المعارضة المصرية الكثير مما يمكن فعله دون الإطاحة بالرئيس المنتخب...
إن من يستطيع تحريك الملايين في الشارع لكي يسقط رئيس منتخب يمكنه ايضا استغلال ذات الزخم الشعبي وتأطيره لوضع العصي في دولاب ماكينة التمكين الإخوانية وجرهم إلى الفشل لعدم قدرتهم على التعامل مع الآخر المختلف...
العقيدة الإخوانية كالعقيدة اليهودية تعتبر الآخرين "أغيارا"، حسب الوصف التلمودي "غوي"...
لذا يفشلون في إدارة الدولة لتهميشهم كل من ليس من تنظيمهم...
بتحريض قادة الجيش على عدم إطاعة أي أمر سياسي بفصل أي ضابط في الجيش وكذا الحال مع قيادات الشرطة والقضاء والخدمة المدنية يمكن وقف أي محاولة للتمكين...
كان مآل تجربتهم الفشل لأنها تحمل بذور فنائها في داخلها ويكفينا ما حدث في السودان خلال ربع قرن من الزمان...
لهذا السبب اقول إن الذي حدث في مصر كان خطأ سياسيا أيا كان تصنيفه القانوني...
خطأ سياسي سيحرم الأمة المسلمة من فرصة إثبات خطل ما ظل الإخوان يدعون له من سياسات شعبوية ... وسيقود الشارع المصري إلى حالة استقطاب حاد بدأت بوادرها تظهر في الميادين العامة قبل أن تتحول إلى حالة عنف وإرهاب يجيد الإخوان إدارته...
أخيرا من الخطأ الاعتقاد بأن الغرب كان وراء إزاحة مرسي من الحكم...
الغرب هو من جاء بمرسي للسلطة لقناعته بأن ترك الإخوان المسلمين في الشارع قد يزيد متاعب الغرب في المنطقة ويعرقل من فرص التسوية مع اسرائيل، خصوصا مع تمددهم في النقابات ومنظمات العمل الطوعي وامتلاكهم لأموال طائلة يمكنهم تسخيرها في خلق البلبلة في مجتمع يعاني من الفقر...
هي نظرية بسيطة، كنا نطبقها ونحن صبية صغار في الفرق الرياضية...
دع المشاغب يتحمل المسئولية بتنصيبه كابتن على الفريق وسوف يتصرف بطريقة مغايرة...
نفس النظرية البسيطة يعمل الغرب على تطبيقها على الجماعات الإسلامية مستعينا بنظريات كونداليزا رايس في منع الشغب الإخواني ولمهم من الشارع إلى بيت طاعة السلطة والدخول معهم في شراكة في إدارة أزمة المنطقة...
دعهم يتحملون المسئولية وسوف يتصرفون بصورة تختلف عن سلوكهم في الشارع...
هل رأيتم اين انتهى شعار أمريكا قد دنا عذابها؟
بل هي رأيتم اين انتهت كل شعارات التطهر والنزاهة والقدسية والاخبات عندما صعد اخوان السودان إلى سدة المسئولية السياسية؟
الغرب على علاقة وثيقة بالحركات الإسلامية منذ الحرب الباردة ومناهضة الشيوعية في الشرق الأوسط وجسور التواصل بينهم ممتدة يعرفهم ويعرفونه لذا من السهل عليه استدراجهم إلى بيت الطاعة...
هل استفادت المعارضة المصرية من التجربة السودانية في قطع مسار التمكين؟
أشك في ذلك كثيرا، فليس هناك في مصر من يعتد بما هو سوداني...
حتى الزبال يعتقد بأنه افهم من أي عالم ذرة سوداني، ليس في علمه بالزبالة بل في الفيزياء النووية...

شهركم مبارك وعساكم من عواده
محمد موسى جبارة

mohamed m.gubara [mmgubara@gmail.com]

 

آراء