ما وراء أفق حرب البرهان العبثية.. مسؤولية المثقف الشمالي عن التحول الديمقراطي
طاهر عمر
6 June, 2023
6 June, 2023
يبدو واضح أن الغائب كنجم بشارة من سماوات النخب السودانية مفهوم الدولة كمفهوم حديث و كذلك مفهوم السلطة في ظاهرة المجتمع البشري و قد شغلت ضمير الفلاسفة و المؤرخيين و علماء الاجتماع و الاقتصاديين على مر التاريخ و عليه مجتمعنا السوداني يلتقي مع تاريخ البشرية و يجب أن يستفيد من إنجازات الشعوب و كيف عبرت حيث أصبح تاريخ الشعوب الأوروبية مختصرا يوضح منتهى تاريخ البشرية.
و لهذا نجد مفهوم الدولة كمفهوم حديث عند الأوروبيين أهم إنجازاته علاقة الفرد كناخب رشيد و مستهلك رشيد علاقة ذات صلة بهيكل الدولة و ليست مع القبيلة أو الطائفة الدينية و لا الجهوية و هنا تتضح فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و تبتدي من حفظ كرامته كانسان في أن تحدد له حد أدنى للدخل أو كما هو متعارف عليه في المعادلات السلوكية أي الإستهلاك المستقل عن الدخل في حالة عدم توفر فرص العمل و كذلك في حالة المرض و الإعاقة فالحد الادنى للدخل هو مقابل كرامة الانسان كانسان.
و صون كرامة الانسان قد تتطلب من الشعوب مواجهة إكراهات كثيرة كانت تتعارض مع ثقافاتها و لكنها قد أصبحت حق لا يمكن تجاهله. و هناك عوامل تعترض مسيرة المجتمع و تجبره أن يغيّر ثقافاته و مرتكزاتها من أجل أن يخلق نقطة توازن اجتماعية مثل نقاط التوازن التي يسعى لها الاقتصاديين و علماء الاجتماع في مختلف ميدانيهم.
مثلا إفرازات الثورة الصناعية في أمريكا و أوروبا إنعكس في إنتاج فكر الفلاسفة و المؤرخيين و الاقتصاديين و كان فيه كثير من الإكراهات التي تتعارض مع قديم تراثهم و لكن قد واجهونه بكل شجاعة و قدموا فكر جديد يؤدي الى خلق نقاط توازن في المجتمع نضرب مثلا على ديمقراطية توكفيل و هو مؤرخ و فيلسوف و اقتصادي و عالم اجتماع أدرك أن الثورة الصناعية قد أصبحت لها ضغوطاتها على الثقافات القديمة و يجب مواجهة هذه التحديات بروح المسؤولية و تحديها بفكر يحلها كمشكل يواجه المجتمع بعد عقود أعقبت الثورة الصناعية.
و معروف أن توكفيل له موقف متصل بأسرته أي موقف سالب من الثورة الفرنسية حيث أعدم كثر من أقاربه و هو يراقب بأن طبقته قد فقدت بريقها بفعل الثورة الفرنسية و أن هناك طبقات صاعدة و لا يحل مشاكلها و يحقق طموحها غير فكر جديد و قطعا ضد فكر و ثقافة طبقته التي قد أصبحت أثر بعد عين بعد الثورة الفرنسية و لكن ذلك لم يمنعه من أن يساهم في إنتاج فكر جديد يؤدي الى التوازن الاجتماعي في مواجهته الى المشاكل الناجمة من أثر الثورة الصناعية على المجتمعات الأوروبية.
حال توكفيل يشابه حال النخب الشمالية و قد نبههم إلية المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي عام 1948 حيث قال أن مسؤولية قيام سودان موحد و قوي و حديث تقع على عاتق المثقف الشمالي كواقع يحتمه التاريخ مع ملاحظة مهمة لم تستطع النخب السودانية تجاوزها بسبب عائق الثقافة العربية الاسلامية التقليدية و مشكلة الثقافة العربية الاسلامية التقليدية أنها أكبر مقاوم لفكر عقل الانوار و فكر الحداثة و فكرة أن هناك علاقة تربط الفرد بالدولة مباشرة بعيدا عن الطائفة الدينية أو العرق أو الجهوية التي إبتعلت أي جهد فكري يحاول الشب عن طوق ثقافة المجتمعات التقليدية.
بالمناسبة بإمكان النخب الشمالية أن تقوم بدورها الذي ذكره أرنولد توينبي إذا تركت الكسل الذهني و القراءة الناعسة كقراءة غير مشاركة نتاج الخوف الناتج من الهويات المضطربة و الهويات الخائفة التي تفتح على الهويات القاتلة على قول امين معلوف بدلا من السير وراء طرح فكر نخب معطوبة فكر و قد تجلى في طرح الهامش و المركز طرح بائس و يائس لم يقدم مفكريين من الطرفيين إذا استثنينا جون قرنق في طرحه فكرة علمانية الدولة و إصرار عبد العزيز الحلو و هو يسير في درب قرنق و هما الأقرب لتقديم فكر يكسر طرح الهامش و المركز و حلقة الهويات و يقدم بدلا عنه فكر الحريات.
و لكن للأسف لم يقابله من الجهة الاخرى فكر ينتصر للحريات بدلا من الهويات القاتلة كما يصف منصور خالد نخب الشمال و إدمان الفشل. المهم في الأمر مضت سبعة عقود على خروج الانجليز و لم يزال الانتظار هو سيد الموقف أي إنتظار دور المثقف الشمالي و دوره في تأسيس مفهوم الدولة الحديثة و كيفية تداول السلطة كمفهوم حديث و هذا لا يكون بغير مفارقة الثقافة العربية الاسلامية التقليدية و هذا واجب لا يقوم به غير المثقف الشمالي نفسه و هو تحت ضغط المسؤولية و الوعي بالتاريخ و المعرفة بتاريخ الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي كأخلاقي و عقلاني.
و مخرجه أي المثقف الشمالي تقديم شخصية تاريخية قادرة على مفارقة التراث بإعمال القطيعة معه بهدف الوصول لمفهوم الدولة الحديثة و بالتالي يكونوا قد أعملوا العقل كما توكفيل في وعيه بمسألة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و مسألة تأسيس فكرة الحق في الحقوق.
نقول ذلك لأن جيوش الهامش في حربهم رغم صحة مطالبهم لا تستطيع تقديم فكر يؤدي الى تأسيس دولة حديثة و تداول للسلطة لأسباب كثيرة منها البنى الأسرية الأبوية التي لا تنتج نظم ديمقراطية و ها هو الجنوب بعد إنفصاله فشل في تأسيس مفهوم حديث للدولة الحديثة و تداول سلمي للسلطة و قد رأينا سلفاكير متشبث بالسلطة بشكل لا يبشر بتحول نحو الديمقراطية و نفس الشئ ينطبق على جيوش حركات دار فور بحكم ثقافتهم نتاج البنى الأسرية الجذعية الأبوية. لا تنتظروا منهم أي قادة حركات دار فور و سياسيهم تقديم أي فكر يؤدي الى تحول ديمقراطي فلا تنتظروا تحول ديمقراطي من جبريل و مناوي و حميدتي و عبد الله مسار و حسبو و غيرهم من مثقفي دار فور فبنى الاسرة الجذعية في دار فور لا تنتج غير مفهوم سلطة الأب و ميراث التسلط.
يمكنكم إنتظار تحول ديمقراطي في جبال النوبة وفقا لتاريخهم الاجتماعي و الاقتصادي فيه الكثير من ملامح الأسرة النووية و دورها في إنتاج نظم ديموقراطية أما مثقفي دار فور فلا يقف لك إلا مع الدكتاتور كما رأينا موقفهم في الإنقلاب ضد حكومة حمدوك كلهم كانوا مع البرهان و معهم حميدتي و جبريل و مناوي و قبلهم حسبو و عبد الله مسار وتجاني سيسي كانوا ينادون بإنتخاب البشير كرئيس مدى الحياة و كله نتاج ثقافتهم الأبوية التي لا تقدم غير سلطة الأب و ميراث التسلط.
نقول و نردد أن مسألة التحول الديمقراطي تقع على عاتق المثقف الشمالي لأنه له جذور مع ثقافة الأسرة النووية و هي لها دور في إنتاج نظم ديمقراطية إذا تخلصوا من رواسب الثقافة العربية الاسلامية التقليدية و هي ثقافة أبوية و من أثارها اللوثة الفكرية التي تصيب المثقف الشمالي و نجدها في أنه يتحدث عن التحول الديمقراطي و لكنه خانع و تابع و مولاي للفكر الديني الطائفي و كله بسبب ما علق على سطح الثقافة السودانية القديمة من ثقافة عربية اسلامية تقليدية و يمكن التخلص منها عبر مشاريع نقدية تورث تفكير نقدي و يمكن تحقيقه اذا تخلص المثقف الشمالي من قراءته الناعسة التي تجعله تابع و موالي للمرشد و الامام و مولانا و مرددا أن الديمقراطية و الليبرالية لا تصلح إلا في المجتمعات الأوروبية لأنها نتاج تاريخ الشعوب الأوروبية.
و هذا كلام ساكت كما نقول في لغتنا السودانية لا يخرج إلا من أمثال من يقول أن الديمقراطية يمكن أن تنتج من أحزاب وحل الفكر الديني أو من ثقافة مجتمعات أبوية تسيطر على أفقها ثقافة سلطة الأب و ميراث التسلط كما يردده كثر من نخب السودان في محاولاتهم البائسة في تحقيق تحول ديمقراطي بأحزاب الطائفية و النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية في أصرارها على فكرة إضطراد العقل و التاريخ و هيهات.
بالمناسبة حتى نضرب مثلا على صحة ما أقول فرنسا حالها مثل حال السودان فيها إتجاهات ذات ثقافة تسيطر عليها ثقافة الاسرة الجذعية التي لا تنتج غير نظم شمولية كما في دار فور و جنوب السودان و فيها جهات تسود فيها ثقافة الأسرة النووية التي تنتج نظم ديمقراطية و لكن بفضل فلاسفتها سيطرت على المشهد ثقافة الاسرة النووية في فرنسا و بالتالي جاء التحول الى نظم ديمقراطية و هذا ما ذكرناه عن السودان و الشمال و مثقفه الذي يمكنه الانتصار لثقافة الاسرة النووية التي تنتج نظم ديمقراطية بحكم تاريخه الاجتماعي و تاريخه الاقتصادي إذا تخلص من ثقافته العربية الاسلامية التقليدية.
لذلك نقول أن التحول الديمقراطية يقع على عاتق المثقف الشمالي إذا سخى و قدم فكر مفارق لثقافته العربية الاسلامية التقليدية كما قدم توكفيل فكر لترسيخ فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و هي فكر روح الثورة الفرنسية رغم أن توكفيل كان له رأي سالب في الثورة الفرنسية بسبب تاريخ أسرته و طبقته التي قد تلاشت بسبب التشريعات الكبرى التي أعقبت الثورة الفرنسية كثورة كبرى و دور النخب السودانية الشمالية المنتظر مشابه لدور توكفيل و لا يتحقق إلا بتشريعات كبرى تلحق الثورات الكبرى كثورة ديسمبر و لا يستطيع المثقف السوداني تقديمها و هو أسير ثقافته العربية الاسلامية التقليدية.
إذا سخى المثقف الشمالي و قدم فكر و تشريعات كبرى تؤسس لفكرة الدولة الحديثة و مسألة مفهوم السلطة كمفهوم حديث يسكون الضامن للتحول الديمقراطي بدلا من إتفاقية جوبا التي تأبد فكرة إستمرارية طرح الهامش و المركز و هذا طرح لا يفتح على فكرة الدولة الحديثة و مسالة الحق في الحقوق حيث تكون علاقة الفرد مع الدولة و الضمان تشريعات تؤسس لفكرة الحق في الحقوق و لا يشترط لتحقيقها وجود قادة حركات الهامش لفترات طويلة بغية المراقبة لتحقيق الاتفاق. ففكرة الدولة الحديثة و علاقة الفرد بالدولة مباشرة هي الضامن الوحيد.
و لكن هذا يحتاج أن تقدم النخب الشمالية فكر جديد يقنع أهل الهامش بأن علاقة الفرد بالدولة هي الضامن و ليس جيوش الحركات التي قد رأينا جهلهم في وقوفهم مع إنقلاب البرهان ضد حكومة حمدوك و قد رأينا كيف تسيطر على فكرهم الأبوي روح الهيمنة و هي التي تقف خلف طموح حميدتي في أن يكون رئيس للسودان و هو ضحية ثقافته الأبوية التي لا تعرف غير السطوة و الهيمنة و قد رأينا كيف كان حميدتي كأداة موت و صنيعة كيزان في حربهم ضد أهل دار فور و إبادتهم بعضهم بعض.
و لهذا نقول أن إستكانة مثقف الشمال لطرح أنه مركز مقابل هامش قد أورد السودان موارد الهلاك و قد جاء الزمن أن يقدم مثقف الشمال شخصية تاريخية تستطيع إنزال مفهوم تاريخ الذهنيات المنتصر على تاريخ الخوف و يتجاوز عقل الحيرة و الإستحالة في تقديم فكر معاصر يحتاج لمفكر مثل توكفيل في إنتصاره للفرد في علاقته مع الدولة رغم أن ذلك يتعارض مع طبقته كضحية للثورة الفرنسية و كذلك كروزفلت شخصية تاريخية في فترة الكساد الاقتصادي العظيم 1929 قدم تشريعات ضد طبقته من اجل إنقاذ المجتمع الامريكي في مرحلة إنقلاب زمان يحتاج للحكماء و الفلاسفة.
كذلك ينبغي على المثقف الشمالي طرح فكر جديد يقنع أهل الهامش بأن الضامن علاقة الفرد بالدولة و مسألة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و ليس جيوش كجيوش الحركات المسلحة تسوقها ثقافة الهيمنة نتاج ثقافة سلطة الأب و ميراث التسلط و قد أحرقت دار فور طيلة العقدين المنصرمين.
بسبب إصرار طرح الهامش و المركز ها هو حميدتي يصر على قيادة جيشه رغم إعترافه بأن دمج الدعم السريع في الجيش قد أصبح مطلب الشعب و لكن كيف يتخلص حميدتي من ثقافة الهيمنة نتاج تاريخ أسرته الجذعية التي لا تنتج غير من يكون دكتاتور أو من يقف مع الدكتاتور كما يحدثنا تاريخ حميدتي و وقوفه مع البشير كأداة موت لأهل دار فور.
حميدتي لا يختلف عن عبد الله مسار و حسبو و موسى هلال في وقوفهم بجانب الحركة الاسلامية كأداة موت لأهل دار فور و لا يمكن أن يكون حميدتي بين عشية و ضحاها رافعة للتحول الديمقراطي لأن ثقافة أسرته الجذعية لا تسمح بذلك.
taheromer86@yahoo.com
و لهذا نجد مفهوم الدولة كمفهوم حديث عند الأوروبيين أهم إنجازاته علاقة الفرد كناخب رشيد و مستهلك رشيد علاقة ذات صلة بهيكل الدولة و ليست مع القبيلة أو الطائفة الدينية و لا الجهوية و هنا تتضح فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و تبتدي من حفظ كرامته كانسان في أن تحدد له حد أدنى للدخل أو كما هو متعارف عليه في المعادلات السلوكية أي الإستهلاك المستقل عن الدخل في حالة عدم توفر فرص العمل و كذلك في حالة المرض و الإعاقة فالحد الادنى للدخل هو مقابل كرامة الانسان كانسان.
و صون كرامة الانسان قد تتطلب من الشعوب مواجهة إكراهات كثيرة كانت تتعارض مع ثقافاتها و لكنها قد أصبحت حق لا يمكن تجاهله. و هناك عوامل تعترض مسيرة المجتمع و تجبره أن يغيّر ثقافاته و مرتكزاتها من أجل أن يخلق نقطة توازن اجتماعية مثل نقاط التوازن التي يسعى لها الاقتصاديين و علماء الاجتماع في مختلف ميدانيهم.
مثلا إفرازات الثورة الصناعية في أمريكا و أوروبا إنعكس في إنتاج فكر الفلاسفة و المؤرخيين و الاقتصاديين و كان فيه كثير من الإكراهات التي تتعارض مع قديم تراثهم و لكن قد واجهونه بكل شجاعة و قدموا فكر جديد يؤدي الى خلق نقاط توازن في المجتمع نضرب مثلا على ديمقراطية توكفيل و هو مؤرخ و فيلسوف و اقتصادي و عالم اجتماع أدرك أن الثورة الصناعية قد أصبحت لها ضغوطاتها على الثقافات القديمة و يجب مواجهة هذه التحديات بروح المسؤولية و تحديها بفكر يحلها كمشكل يواجه المجتمع بعد عقود أعقبت الثورة الصناعية.
و معروف أن توكفيل له موقف متصل بأسرته أي موقف سالب من الثورة الفرنسية حيث أعدم كثر من أقاربه و هو يراقب بأن طبقته قد فقدت بريقها بفعل الثورة الفرنسية و أن هناك طبقات صاعدة و لا يحل مشاكلها و يحقق طموحها غير فكر جديد و قطعا ضد فكر و ثقافة طبقته التي قد أصبحت أثر بعد عين بعد الثورة الفرنسية و لكن ذلك لم يمنعه من أن يساهم في إنتاج فكر جديد يؤدي الى التوازن الاجتماعي في مواجهته الى المشاكل الناجمة من أثر الثورة الصناعية على المجتمعات الأوروبية.
حال توكفيل يشابه حال النخب الشمالية و قد نبههم إلية المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي عام 1948 حيث قال أن مسؤولية قيام سودان موحد و قوي و حديث تقع على عاتق المثقف الشمالي كواقع يحتمه التاريخ مع ملاحظة مهمة لم تستطع النخب السودانية تجاوزها بسبب عائق الثقافة العربية الاسلامية التقليدية و مشكلة الثقافة العربية الاسلامية التقليدية أنها أكبر مقاوم لفكر عقل الانوار و فكر الحداثة و فكرة أن هناك علاقة تربط الفرد بالدولة مباشرة بعيدا عن الطائفة الدينية أو العرق أو الجهوية التي إبتعلت أي جهد فكري يحاول الشب عن طوق ثقافة المجتمعات التقليدية.
بالمناسبة بإمكان النخب الشمالية أن تقوم بدورها الذي ذكره أرنولد توينبي إذا تركت الكسل الذهني و القراءة الناعسة كقراءة غير مشاركة نتاج الخوف الناتج من الهويات المضطربة و الهويات الخائفة التي تفتح على الهويات القاتلة على قول امين معلوف بدلا من السير وراء طرح فكر نخب معطوبة فكر و قد تجلى في طرح الهامش و المركز طرح بائس و يائس لم يقدم مفكريين من الطرفيين إذا استثنينا جون قرنق في طرحه فكرة علمانية الدولة و إصرار عبد العزيز الحلو و هو يسير في درب قرنق و هما الأقرب لتقديم فكر يكسر طرح الهامش و المركز و حلقة الهويات و يقدم بدلا عنه فكر الحريات.
و لكن للأسف لم يقابله من الجهة الاخرى فكر ينتصر للحريات بدلا من الهويات القاتلة كما يصف منصور خالد نخب الشمال و إدمان الفشل. المهم في الأمر مضت سبعة عقود على خروج الانجليز و لم يزال الانتظار هو سيد الموقف أي إنتظار دور المثقف الشمالي و دوره في تأسيس مفهوم الدولة الحديثة و كيفية تداول السلطة كمفهوم حديث و هذا لا يكون بغير مفارقة الثقافة العربية الاسلامية التقليدية و هذا واجب لا يقوم به غير المثقف الشمالي نفسه و هو تحت ضغط المسؤولية و الوعي بالتاريخ و المعرفة بتاريخ الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي كأخلاقي و عقلاني.
و مخرجه أي المثقف الشمالي تقديم شخصية تاريخية قادرة على مفارقة التراث بإعمال القطيعة معه بهدف الوصول لمفهوم الدولة الحديثة و بالتالي يكونوا قد أعملوا العقل كما توكفيل في وعيه بمسألة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و مسألة تأسيس فكرة الحق في الحقوق.
نقول ذلك لأن جيوش الهامش في حربهم رغم صحة مطالبهم لا تستطيع تقديم فكر يؤدي الى تأسيس دولة حديثة و تداول للسلطة لأسباب كثيرة منها البنى الأسرية الأبوية التي لا تنتج نظم ديمقراطية و ها هو الجنوب بعد إنفصاله فشل في تأسيس مفهوم حديث للدولة الحديثة و تداول سلمي للسلطة و قد رأينا سلفاكير متشبث بالسلطة بشكل لا يبشر بتحول نحو الديمقراطية و نفس الشئ ينطبق على جيوش حركات دار فور بحكم ثقافتهم نتاج البنى الأسرية الجذعية الأبوية. لا تنتظروا منهم أي قادة حركات دار فور و سياسيهم تقديم أي فكر يؤدي الى تحول ديمقراطي فلا تنتظروا تحول ديمقراطي من جبريل و مناوي و حميدتي و عبد الله مسار و حسبو و غيرهم من مثقفي دار فور فبنى الاسرة الجذعية في دار فور لا تنتج غير مفهوم سلطة الأب و ميراث التسلط.
يمكنكم إنتظار تحول ديمقراطي في جبال النوبة وفقا لتاريخهم الاجتماعي و الاقتصادي فيه الكثير من ملامح الأسرة النووية و دورها في إنتاج نظم ديموقراطية أما مثقفي دار فور فلا يقف لك إلا مع الدكتاتور كما رأينا موقفهم في الإنقلاب ضد حكومة حمدوك كلهم كانوا مع البرهان و معهم حميدتي و جبريل و مناوي و قبلهم حسبو و عبد الله مسار وتجاني سيسي كانوا ينادون بإنتخاب البشير كرئيس مدى الحياة و كله نتاج ثقافتهم الأبوية التي لا تقدم غير سلطة الأب و ميراث التسلط.
نقول و نردد أن مسألة التحول الديمقراطي تقع على عاتق المثقف الشمالي لأنه له جذور مع ثقافة الأسرة النووية و هي لها دور في إنتاج نظم ديمقراطية إذا تخلصوا من رواسب الثقافة العربية الاسلامية التقليدية و هي ثقافة أبوية و من أثارها اللوثة الفكرية التي تصيب المثقف الشمالي و نجدها في أنه يتحدث عن التحول الديمقراطي و لكنه خانع و تابع و مولاي للفكر الديني الطائفي و كله بسبب ما علق على سطح الثقافة السودانية القديمة من ثقافة عربية اسلامية تقليدية و يمكن التخلص منها عبر مشاريع نقدية تورث تفكير نقدي و يمكن تحقيقه اذا تخلص المثقف الشمالي من قراءته الناعسة التي تجعله تابع و موالي للمرشد و الامام و مولانا و مرددا أن الديمقراطية و الليبرالية لا تصلح إلا في المجتمعات الأوروبية لأنها نتاج تاريخ الشعوب الأوروبية.
و هذا كلام ساكت كما نقول في لغتنا السودانية لا يخرج إلا من أمثال من يقول أن الديمقراطية يمكن أن تنتج من أحزاب وحل الفكر الديني أو من ثقافة مجتمعات أبوية تسيطر على أفقها ثقافة سلطة الأب و ميراث التسلط كما يردده كثر من نخب السودان في محاولاتهم البائسة في تحقيق تحول ديمقراطي بأحزاب الطائفية و النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية في أصرارها على فكرة إضطراد العقل و التاريخ و هيهات.
بالمناسبة حتى نضرب مثلا على صحة ما أقول فرنسا حالها مثل حال السودان فيها إتجاهات ذات ثقافة تسيطر عليها ثقافة الاسرة الجذعية التي لا تنتج غير نظم شمولية كما في دار فور و جنوب السودان و فيها جهات تسود فيها ثقافة الأسرة النووية التي تنتج نظم ديمقراطية و لكن بفضل فلاسفتها سيطرت على المشهد ثقافة الاسرة النووية في فرنسا و بالتالي جاء التحول الى نظم ديمقراطية و هذا ما ذكرناه عن السودان و الشمال و مثقفه الذي يمكنه الانتصار لثقافة الاسرة النووية التي تنتج نظم ديمقراطية بحكم تاريخه الاجتماعي و تاريخه الاقتصادي إذا تخلص من ثقافته العربية الاسلامية التقليدية.
لذلك نقول أن التحول الديمقراطية يقع على عاتق المثقف الشمالي إذا سخى و قدم فكر مفارق لثقافته العربية الاسلامية التقليدية كما قدم توكفيل فكر لترسيخ فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و هي فكر روح الثورة الفرنسية رغم أن توكفيل كان له رأي سالب في الثورة الفرنسية بسبب تاريخ أسرته و طبقته التي قد تلاشت بسبب التشريعات الكبرى التي أعقبت الثورة الفرنسية كثورة كبرى و دور النخب السودانية الشمالية المنتظر مشابه لدور توكفيل و لا يتحقق إلا بتشريعات كبرى تلحق الثورات الكبرى كثورة ديسمبر و لا يستطيع المثقف السوداني تقديمها و هو أسير ثقافته العربية الاسلامية التقليدية.
إذا سخى المثقف الشمالي و قدم فكر و تشريعات كبرى تؤسس لفكرة الدولة الحديثة و مسألة مفهوم السلطة كمفهوم حديث يسكون الضامن للتحول الديمقراطي بدلا من إتفاقية جوبا التي تأبد فكرة إستمرارية طرح الهامش و المركز و هذا طرح لا يفتح على فكرة الدولة الحديثة و مسالة الحق في الحقوق حيث تكون علاقة الفرد مع الدولة و الضمان تشريعات تؤسس لفكرة الحق في الحقوق و لا يشترط لتحقيقها وجود قادة حركات الهامش لفترات طويلة بغية المراقبة لتحقيق الاتفاق. ففكرة الدولة الحديثة و علاقة الفرد بالدولة مباشرة هي الضامن الوحيد.
و لكن هذا يحتاج أن تقدم النخب الشمالية فكر جديد يقنع أهل الهامش بأن علاقة الفرد بالدولة هي الضامن و ليس جيوش الحركات التي قد رأينا جهلهم في وقوفهم مع إنقلاب البرهان ضد حكومة حمدوك و قد رأينا كيف تسيطر على فكرهم الأبوي روح الهيمنة و هي التي تقف خلف طموح حميدتي في أن يكون رئيس للسودان و هو ضحية ثقافته الأبوية التي لا تعرف غير السطوة و الهيمنة و قد رأينا كيف كان حميدتي كأداة موت و صنيعة كيزان في حربهم ضد أهل دار فور و إبادتهم بعضهم بعض.
و لهذا نقول أن إستكانة مثقف الشمال لطرح أنه مركز مقابل هامش قد أورد السودان موارد الهلاك و قد جاء الزمن أن يقدم مثقف الشمال شخصية تاريخية تستطيع إنزال مفهوم تاريخ الذهنيات المنتصر على تاريخ الخوف و يتجاوز عقل الحيرة و الإستحالة في تقديم فكر معاصر يحتاج لمفكر مثل توكفيل في إنتصاره للفرد في علاقته مع الدولة رغم أن ذلك يتعارض مع طبقته كضحية للثورة الفرنسية و كذلك كروزفلت شخصية تاريخية في فترة الكساد الاقتصادي العظيم 1929 قدم تشريعات ضد طبقته من اجل إنقاذ المجتمع الامريكي في مرحلة إنقلاب زمان يحتاج للحكماء و الفلاسفة.
كذلك ينبغي على المثقف الشمالي طرح فكر جديد يقنع أهل الهامش بأن الضامن علاقة الفرد بالدولة و مسألة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و ليس جيوش كجيوش الحركات المسلحة تسوقها ثقافة الهيمنة نتاج ثقافة سلطة الأب و ميراث التسلط و قد أحرقت دار فور طيلة العقدين المنصرمين.
بسبب إصرار طرح الهامش و المركز ها هو حميدتي يصر على قيادة جيشه رغم إعترافه بأن دمج الدعم السريع في الجيش قد أصبح مطلب الشعب و لكن كيف يتخلص حميدتي من ثقافة الهيمنة نتاج تاريخ أسرته الجذعية التي لا تنتج غير من يكون دكتاتور أو من يقف مع الدكتاتور كما يحدثنا تاريخ حميدتي و وقوفه مع البشير كأداة موت لأهل دار فور.
حميدتي لا يختلف عن عبد الله مسار و حسبو و موسى هلال في وقوفهم بجانب الحركة الاسلامية كأداة موت لأهل دار فور و لا يمكن أن يكون حميدتي بين عشية و ضحاها رافعة للتحول الديمقراطي لأن ثقافة أسرته الجذعية لا تسمح بذلك.
taheromer86@yahoo.com