ما وراء استقالة حمدوك – مزالق خطيرة تهدد السودان

 


 

 

في برنامج سناريوهات المرحلة في قناة العربي اليوم سئل السيد طاهر المعتصم رئيس تحرير صحيفة السوداني، سئل عن اثر استقالة حمدوك في مصير السودان، وأثرها على الشارع، فأوضح بأن حمدوك انعزل عن الشارع في انضمامه للانقلاب العسكري في 25 أكتوبر بتوقيع اتفاق 21 نوفمبر، وبذلك فالشارع لن يفتقده لأنه أسقطه من حساباته.
تقنياً، هذا صحيح، ولكن فائدة توقيته مع حركة الشارع لا تقدر بثمن. أداء حمدوك مع الشارع لا يصح قياسه بتفاعل الشارع معه، لأنه ينفذ أوامر البرهان، وبما أنه أسير له فمن الخطأ لومه أو انتظار تصرّف مغايرٍ له منه.
وفي ذلك هو في انتظار إنقاذ الشارع وليس إنقاذه هو بالاستقالة، والتي تريّث في تقديمها حتى تمكن الشارع من تبيان وإبانة الحقيقة عملياً للعالم الخارجي الذي أسقط عن البرهان التستُّر بحمدوك.
والآن أبت الضمائر العالمية الحية من السكوت على هذا الاستهتار العسكري في السودان
استقالة الدكتور حمدوك كشفت عن واقع أمامنا ظلت قوى الظلام تخطط له وتبني عليه، والذي أترى اللجنة الأمنية تنفيذ أحلامه، والتي لن يسمح الشعب الأبي بإذن الله من تمكنه للوصول إليها.
إنه من الواضح أن البرهان وزبانيته من اللجنة الأمنية، وفي وضوحٍ بانكبابه في أحضان السيسي والموساد، والمخابرات الروسية (وطبعاً الأميريكية) وعدم ترفّعه من رشوات دول الخليج، كبديل لمعونات العالم الحر نظير الالتزام بالوجه الجديد للسودان، يحلمون بعقلهم الصغير في كيف يمكنهم الهروب إلى الأمام من المستنقعات التي يخلفون خلفهم، والتي تودي بهم لسيف العدالة، والسماح لتلك الدول الطامعة من ضخ الأموال في السودان ليصيبهم منه حصةً، ولأنهم في مجالٍ ليس مجالهم لا يفهمون كيف تعمل المافيا العالمية والتي تملكهم جميعاً. فالمافيا ترقب، ولا تسمح بالتفلت من دون دفع الأتاوات لها، لأنها لديها كل مساؤئ اللاعبين الإجراميين، وأين تمسكهم من حيث توجع، ولديها كل الاستخبارات التي يعلمونها والتي لا يعلمونها.
نتطرّق لدرب الكوارث البائن: الهرولة وراء المال والرجال في السودان.
وذلك حتماً سيسبب حروباً أهلية في السودان إذا تركنا لهؤلاء القيادة في ذلك التوجه. إلا أن وحدة الشارع وسقاء الشعب بدروس وحدة هوياته، ونبذ الأحقاد، يمكنه الصمود في وجه تلك العصابات، والحمد لله أن وحدتنا بيدنا، وقوّتهم هم يمزّقها دناءة هدفهم وخياناتهم، كذلك بيد الثورة أقوى كرت رابح وهو تأييد العالم لها ووقوفه بجانبها.
لعل من يقرأ كتاباتي كانت متابعاتي لتأريخ الرق الأطلسي تعكس اهتمامي بالتعرف على هذه التجارة البغيضة، وتتبعت وجودها حديثاً في ما يسمى بالرق الحديث، ولكنني وفي بحثي عن رأي الإسلام فيه، وبظهور داعش واسترقاقها لمن تسميهم بالكفار، وجدت تحويراً متفشياً في دروس الفقهاء الإسلاميين ضد توجيه المولى عزّ وجلّ في رسالاته، واستبنت من آياته التامات ما يدل على انحراف الأمة الإسلامية منذ موت الرسول عليه الصلاة والسلام عن جادة الطريق في ذلك، ورغم أن العالم كله دخل في حوار وابحاثٍ لترقية الفهم الصحيح للأديان والتأريخ وكل العلوم، إلا أن المسلمين والعرب ظلوا في زهوٍ لم يسمح لهم لتصحيح معلوماتهم وموروث عقائدهم.
في ذلك وجدت أن السودان كان مركزاً لاستنباط واعداد الرقيق بعد تحريم تجارة الرق الأطلسي، وذلك بانطلاق الرق "الإسلامي"، والذي تحفّظ المسلمون على ألا يسموه ذلك، واكتفوا بتسميته "ما ملكت إيمانكم"، فلم ينطلق بتعبير "الرق الإسلامي"، لأن الإسلام لا يسمح بالرق، ولكنهم دثروه بتعبير الرق الحديث.
ولكنني حين اتضح لي أنه رقٌّ إسلامي، عكفت على توضيح ذلك للحث على إزالته نهائياً من الممارسة لدى المسلمين.
وفي هذه السانحة أجد أهم مناسبة لمحاربة ذلك الرق المغلف.
ما يقوم به النخّاسون الإسلاميون، ليس بالهجوم على قرى الزنوج في إفريقيا لجمعهم وتشذيبهم وبيعهم في سوق النخاسة كما كان يقوم به النخاسون في الرق الأطلسي، إنما يبيح النخّاسون الإسلاميون الاعتداء على أقوامٍ غير مسلمين بحجة نشر الإسلام لديهم، ثم استرقاقهم من أسرى حرب. وبما أن الإسلام لا يبيح أسر البشر إلا في جهاد سببه اعتداء على المسلمين، ولا يبيح بيع البشر بتاتاً، ويسمح فقط بأن يدفع الأسير تكاليف أسره واعاشته وحمايته في افتدائه ممن أرسله للاعتداء، وذلك في صريح قوله تعالى " فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منًّا بعد واما فداء حتى تضع الحرب اوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم" سورة محمد، آية 4
لكن المسلمين يمسكون النساء والأطفال وكبار السن بأنهم ما ملكت إيمانهم لأن هؤلاء لا يمكن أن يعملوا في الأسواق، فيعتبرونهم إضافة لأسرتهم يصرفون عليهم ويشركونهم في خدمتهم. أما الرجال، فيقومون بتدريبهم عسكرياً بحجة تجنيدهم في جيوش المسلمين كتحفيز ووعد بعتقهم بعد أن ينضموا إليهم في قوتهم لغزو مزيد من القرى. هذه هي الممارسة التي جعلت السودان بلد المال والرجال، لحاجة العالم المتحضر للرجال في الحروب العالمية. وفي توقف تجارة الرقيق الأطلسي، انتعش سوق الرق الإسلامي بحجة أنه انتاج شرعي من الإسلام، ولم يتحرّك أي مسلم أو شيخ مدرسة إسلامية بإبطال تلك الممارسة. وبما أن السودان متعدد الهويات، فالمسلمون فيه وفيه غير المسلمين مما وفّر الظروف المناسبة لتلك الممارسة البغيضة، بدأ بها الغزو العثماني المصري في السودان وعكفت على إبقائها الدول العربية المحيطة بالسودان. كذلك عكف الغزو العثماني على نهب الذهب من السودان فنزل في التأريخ "أرض المال والرجال".
هذا تأريخ، نعم. ولكن المؤلم أنه الحقيقة حتى الآن، الحقيقة التي وعاها السودانيون عن حملة محمد علي باشا، ولم يعوها في نهب الرقيق من السودان وافريقيا في الحروب العالمية بعد حظر تجارة الرقيق الأطلسي.
ولهذا فوجئوا بالجنجويد لمعارك الحواكير بين العرب الرحل والسكان الزنوج في مناطق دارفور وبحر الجبل، ولم يتم انصاف الزنوج المقيمين رغم أنهم الأحق لأنهم أهل الأرض ومعدن الهوية السودانية، التي تمت استباحتها خاصة في عهد الإنقاذ المخبول بالعروبية كمطلب ديني!!!
لو أراد السودانيون المثقفون لامتلكوا كل تلك الحقائق إذا ما درسوا بإمعان سلاطين الرق في السودان وإدارتهم من سلاطين مصر. ولو تمعنوا في آيات القرآن الكريم.
وللنظر فيما يبحث فيه الباحثون خارج الامة العربية والإسلامية، فلنتابع "ايون" في موقعها ادناه:
https://aeon.co/essays/are-the-persian-gulf-city-states-slave-societies
حيث تقول أن دول الخليج لديها إحصائيات عن تجارة الرق الحديث، ولكن المؤسسة تعتد بإحصاءاتها هي إذ أنها تعتقد أن دول الخليج تختار ما يناسبها من إحصائيات تتماهي مع ادعاءاتها.
وتضيف أن الباحث الاجتماعي موزيس فنلي (1912 - 86) سمى دول خليج الستة عواصم (الدمام، المنامة، أبو ظبي، دبي، الدوحة والكويت) ب "مجتمعات عبودية مكتملة"
فنلي من أهم خبراء العبودية. كتابه " العبودية الغابرة والتقنية الحديثة (1980)" له أثره البالغ في كيف يستوعب دارسو العلوم الاجتماعية، مفهوم العبودية ودراستها. في نظريته إن العبد في قياسه مع العامل العادي، هو سلعة تنتج دخل، وهو نوع من البضاعة التي يمكن أن تشترى، تباع، يُتاجَر بها، تؤجّر، تُرهن، يُضمن بها، تُمنح وحتى يمكن أن تُعدم.
from aeon.co @ https://aeon.co/essays/are-the-persian-gulf-city-states-slave-societies

وأما خادمات المنازل فتجارة انتشرت خاصةً في الفيسبوك والإنستغرام، حيث تجارة خادمات المنازل مزدهرة في دول الخليج ومصر: انظر الرابط أدناه:
http://egy1.info/sites/?s=%D8%AE%D8%A7%D8%AF%D9%85+%D9%85%D9%86%D8%B2%D9%84%
D9%8A
ووجدت كثيراً من السودانيين يمارسونها في الخليج دون علمهم لأنهم لم يتفحصوها، فيدفعون ما يسمى بكفالتها، وهو ثمنها من النخاس يستردونها من الكفيل للتمكن من خروجها من الدولة المضيفة، ولكن كثيرٌ من الناس لا يستردون ما يعتقدون أنه كفالة، ولكنهم يبيعونها لأسرة أخرى محتاجة (واتضح أن بيعها يكون بسعر أكبر كثيراً)، وتتولد من ذلك مآسي كثيرة (أنظر الحالة في القصة في الرابط أدناه، طفلة مستعبدة من دولة غينيا الجديدة):
BBC investigation :https://www.bbc.co.uk/news/technology-50266663
ونرى الآن مآسي التكالب على مناجم الذهب حيث أرخص ما فيها هو الأنسان السوداني.
.إن الثورة السودانية بدأت بخيارٍ فريد من نوعه، وهو عندما الثوار(والذين يملكون الشارع والرأي العام العالمي) وضعوا يدهم في يد العسكر، بحكم أن هؤلاء يمثلون القوات المسلحة، في طريقهم للديمقراطية والذي لا قرار له من عمق الدولة العميقة وحشود الطامعين لاستلاب السودان من أهله، وذلك في رهانٍ على نزاهة وزهد العسكر بقوّتهم، وبوحدة وعزم الثوار في تنوعهم واختلافهم، في عهدٍ بينهم، قد تحسب نتائجه لهم أو عليهم، فقوّة العسكر ضرورة للثورة يُستعان بها، واختلاف الثوار تأمين للثورة بالتعددية.
إلا أن الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من اكتوبر بنقضه العهد شقّ الصف وادخل التجربة في خضمٍّ مظلم، وهدر مزيدٍ من الدماء، وشوّه صورة السودان التي تميّز بها عالمياً.
تعمد العسكر الخلط بين الديمقراطية والطريق إلى الديمقراطية، لخداع الثوار بفرض الوصاية الدينية والعرقية لشقّهم، في ديمقراطية يتم تفريخها عبر انتخابات مضروبة دون أسسٍ ديمقراطية لتأمين صحتها بتأمين الحريات لها من الترهيب والتزليف بوقف نفوذ تمكين النظام السابق وتفكيكه برقابة دولية، بدءاً بميثاق أهل الهوية ليشمل نبذ التعدي على مساحات الحرية الفردية بوصاية عرقية، دينية، اجتماعية أو قهرية من أجل حرية الراي والحوار، وليس بنبذ التعدي بالقهر أو بالإقصاء الفردي.
فالديمقراطية تعني ترجيح رأي الغالبية على رأي الأقلية، فلو تعددت النظريات تعلو نظرية الأغلبية على نظريات الأقلية، ولكنها لا تلغي ولا تجرّم رأي الأقلية، ولا تتعدى على حقوقها بما فيها حرياتها
وهنا يكون دور مؤسسات الحكم الديمقراطي، التي قام الانقلاب لتجاوزها
وفي رأيي، كان تعاون حمدوك مع العسكر هو العنصر الوحيد الذي منع العسكر من انقلابٍ صريح قُبيل توحيد وإعداد قوى الشارع والمشهد السياسي القومي والعالمي.
وولغ من يُدعَوْن بالخبراء العسكريين، ومعهم كثيرٌ من الوصوليين – وعملاء وعرّابو الدولة العميقة والدول الطامعة – يجهرون بتوزيع اللوم، بل بثّ أغلبه، على المكون المدني واختلافاته (ويزيدونها نكاءة بتسمية اختلافهم الصحي "تشظّي").
ومرحلة الانتقال إلى الديمقراطية تستلزم تأسيس تلك المفوضيات التي تحاسب وتحكم تلك الأخطاء.
كل مشاكل الانتقال يتم علاجها بحكومة ومؤسسات الانتقال. الانقلاب العسكري مزّق ذلك ولم يقدم سوى تركيز السلطة في يد العسكر لوحدهم.
اللوم كل اللوم على المكون العسكري، ويزداد لوما ً، إضافياً بمحاولاته شق صف الثورة للانشغال في أمور ليست في خارطة الطريق إلى الديمقراطية، بتلويح الديمقراطية سابقاً تعبيد الطريق للديمقراطية، في اعتقادٍ بليد ببث الخيوط على العيون على أنه إشفاقٌ على الديمقراطية من الثوار. وأقبح ما قام به، وبالأخص خبراؤه العسكريون الذين انتشروا على قنوات البث المباشر، وصمهم الثورة والثوار بعدم التمثيل، وتصويرهم في الميديا بأنهم ليسوا إلا متسكعين ومتفلّتين، وأكثره دناسةً وخسة وصفهم لنسائنا وبناتنا البواسل والذين تعجّب العالم من ثقافتهم ووعيهم وتهذيبهم رغم قساوة المعركة، بالتهزئة بمسمى الكنداكات، وأنهن فقط خرجن وسط الرجال ليُغتصبّن، كيف يقبل رجلٌ أن يشهر عن نسائه وبناته أنهن يبحثن عن الاغتصاب؟ هل هناك أتفه وأحقر من ذلك؟ فما كان لبذاءة ألسنتهم إلا إشهاداً للعالم عن الصنف المتدني من جهلاء قومنا.

izcorpizcorp@yahoo.co.uk
/////////////////////////

 

آراء