محور ما يُسمَّى بـدول الاعتدال العربي.. وإيران …

 


 

 

 

  

 khalidkamtour@gmail.com

 

لـ (أحمد مطر):

أُعدُّ قدمي لكي أمشي إليك معزياً فينا

فحالي صار من حالكْ

أعدُّ كفي لكي

ألقي أزاهيري

على أزهار آمالكْ

أعدُ قلبي لأقطفَ وردَ جذوته

وأوقد شمعةً في صبْحِكِ الحالكْ

أعدُ شفتي

لعلَّ الهولَ يُسعفني

 بأنْ أعطيكِ تصويراً لأهوالكْ

أعدُ عيني لكي أبكي على أرواح أطفالكْ

أتعجبُ أنني أبكي؟ نعم أبكي

لأني لم أكن يوماًغليظ القلب فظاًمثل أمثالكْ

          حين وصف الرئيس الأمريكي الآفل نجمه دبليو بوش كلاً من (سوريا وإيران وكوريا) بـ (محور الشر) كان يتحدث بلغة الاستراتيجيين العربوأمريكيين من أمثال برنارد لويس وفؤاد عجمي – كما بيِّن ذلك الراحل إدوارد سعيد. فلأحد هؤلاء نصيب الأسد في المسؤولية الأخلاقية التي ترتبت عليها حرب العراق. وهذا المحور ليس هو في حقيقة أمره محوراً للشر – كما زعم دبليو بوش – مستنداً على تعميمات سازجة لشن هذه الحرب، عامداً عبر آلته الإعلامية إلى تضليل الرأي العام العالمي وتجهيل بعض الأمريكيين داخل الولايات المتحدة. وليس بعيداً الحديث الذي أدلى به رئيس المفتشين الدوليين السابق هانز بليكس قبل وقت مضى فيما تعلّق بالتقارير والتقرير النهائي الذي أعده قبيل بدء الحرب. وقد ذكر بليكس أن دهديدات كبيرة كانت تحيط به جراء ذلك. وهو قول كان يمكن أن يكون ذا وزن وقيمة لو أنه أطْلع عليه الرأي العام في حينه، لكنه أتى بعد تحطُّم الزجاجة واندلاق سمنها.          هذا المحور إنما هو خط مناهض لمجرى السياسة الخارجية الأمريكية ذات الصبغة الكولونيالية في تصنيفها للدول. لذا جرى وضعه - ضمن قائمة الدول الراعية لكل أمر منكر من الأمور التي لا تستسيغها الكولونيالية الجديدة أو تشتهيها.. إنه المحور الرافض للخضوع والهيمنة اليمينية الأمريكية ومعاونيها ومنظري سياساتها الاستراتيجية في زمانها الغابر.           أردنا من هذه المقدمة أن نؤكد على أنَّ محور ما يُسمَّى بدول الاعتدال العربي حيال (هولوكوست غزة) الأخير ليس كذلك، فالصفة لا تطابق الموصوف هنا البتة، بل هي دول ترعى مصالحها على حساب قضايا الأمة العربية المحورية. وقد رأينا أن هذا المحور المسمَّى جزافاً (إعتدالياً) ذو ضرر كبير وكبير جداً على القضية الفلسطينية – هذا على الرغم من وسائل الإعلام التي تصور عكس ذلك.           في محرقة غزة كشف ذلك المحور (المعتدل) عن تهافت مريع لكل ما هو غربي وعن تهاون كبير في المسائل العربية، فبينما الشعب الفلسطيني (ولا أقول الغزاوي) يموت قصفاً بالطائرات، كان (الإعتداليون) يعرقلون عقد (غُمة الشؤم) التي لن تأتي ولا ينبغي لها أن تأتي بجديد طالما ظلَّ بعضهم مسيطراً على مصائر الناس عبر الهواتف العابرة للقارات التي كانت تأتيهم كل حين وآخر من (كونزاليزا رايس): إعقدوها أو لا تعقدوها: لا تذهبوا الدوحة، إذهبوا تل أبيب... وهكذا يجري مسلسل التهاول والتباطؤ والتواطؤ على أهل غزة، والأدهى، أن يأتي ذلك من بني جلدتهم وأبناء شعبهم الفلسطيني، ناهيك عن الأبعدين. هناك مواقف في (هولوكوست غزة) لا يمكن أن تمر مروراً هيناً ليناً مرَّ النسيم على خصل الشَعر. المتابع العربي والعالمي القابع أمام شاشات الفضائيات يستنكر المجاذر والقتل والسحل ولا حيلة له سوى أن يرى مزيداً ومزيداً حتى تنهار قواه النفسية أمام مشاهد الإغتيالات الواسعة والاستهداف المتعمد للأطفال بصورة لا يمكن لأية نفس بشرية خصَّها خالقها بعقل أن تسكت عليه. وأن تتوارى حياءً وخفراً ولديها ما يمكِّنها من اتخاذ موقف منصف وعادل.          لقد جاءت قمة الدوحة بمن حضر – على عبارة حصيفة للرئيس السوري. ونحن هنا لسنا بصدد محاكمة من لم يحضر أو الإشادة بمن حضر، لكننا – وعلى أية حال – نسعى لإضاءة بعض الجوانب والمسارات العربية الأخيرة من المسألة الفلسطينية. ولسنا نمالئ أحداً من العالمين في وجهة نظرنا هذه، سوى ابتغاءنا للحق وتحريه على أوجه الصواب. فقمة الدوحة أو ما سماها بعضهم (باجتماع الدوحة) تبخيساً وتقليلاً للشأن لم يكن كذلك. فقد خرجت للناس ببعض المواقف المتقدمة في الاستقلالية في الرأي العربي – وإن كانت غير كافية – إلا أنها خطوة أفضل من غيرها وأجدى من التواطؤ والصمت حيال المجازر التي ظلّّ (الإعتداليون) ينظرون إليها بغير فعل جدي وتحرك ذي نفع، سوى عبارات الشجب والمطالبة والتصريحات (الجوفاء) التي تطالب الصهاينة أن يكفوا أيديهم عن أيدي الفلسطينين هكذا بـ (الكلام) مجرد الكلام، وكأن هؤلاء يمكن أن يطلقوا صواريخ الكلام لتقصف دبابات بني صهيون!!.          ومع ذلك، وبعد انقشاع جزئي للحرب تجد من يتحدث عن الكف عن تهريب السلاح إلى داخل قطاع غزة وما إلى ذلك من ترهات أفقدتنا الرغبة حتى في سماعها ومشاهدتها. ولا أدري بأي منطق يُجرَّم من يقول بأن أهل فلسطين عليهم أن يمتلكوا سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم، ما دام عدوهم الأوحد يتدجج بترسانات أمريكية الصنع على مرأى ومسمع وعلى رؤوس الأشهاد، على أي منطق وعقل يمكن حمل ذلك الفهم المغالي في التضليل. وتجد من الكتاب العربوأمريكيين من يستنكر على الجموع في العالم، التي خرجت مناصِرة ومؤيدة للفلسطينيين، تجد من يستنكر ذلك، ويرى أن الاحتجاجات لا تجدي نفعاً ولا تحيي ميتاً. هؤلاء أناس أفلت عِقال عقلهم ولسنا مطالبين بأن نُسديهم النصح حتى يتبينوه ضُحى الغد، إنْ كان أصلاً يهمهم ذاك النصح. وفي غمرة الاحتجاجات الشعبية التي سادت المدن والعواصم، كان بعضهم لا يرى في هؤلاء سوى غوغائيون متخلفون!! وهو أمر جدُّ مزرِ وجلل حين يأتي من بعض عتاولة الكتابة من العربوأمريكيين.          لقد أماط (هولوكوست غزة) الستار عن محورين عربيين مختلفين كلياً – وإنْ اشتركا في بعض الجوانب - لكنهما مختلفان في التوجهات. وقد أثيرت عقب (قمة الدوحة) بعض التساؤلات المغرضة والاتهامات لبعض البلدان أنها ساعدت على توسيع هوة الانقسام العربي!!. وقد وجدت في رؤية المفكر العربي عزمي بشارة ما يدعونني إلى التفاؤل وأن هناك خيراً ما يزال. فالقائلون بأنَّ قمة الدوحة خلَّفت شرخاً عربياً بدلاً أن تدعم وحدهم، هو قول مجازف بالطبع لأن العقل يقول بأن اختلاف وجهات النظر العربية أمر فيه رحمة وإثراء للحوار كبيرين. فلا يمكن أن تسير كل دول العالم العربي في ركب واحد وتنتهج سياسة خاريجية واحدة، خاصة فيما يتعلق بالموقف من الإملاءات الأمريكية التي غدتْ مكشوفة لكل متابع ولا تحتاج لتبيان من أحد. لكننا مع ذلك نسأل هل خلق الله أمة يعرب على نسق وجغرافية واحدة، كلا وألف كلا، لأننا نلحظ مغايرة واختلافاً في الطبيعة الجغرافية والجيوبولتيكية على امتداد شبه الجزيرة العربية، أضف لذلك المذاهب والأفكار التي تمور بداخلها. كل ذلك يمكن أن يُفهم في إطار المغايرة إذا استثنينا اللغة: التي هي الرابط الحقيقي والجوهري، مع تعدد اللهجات لدى بطون وأفخاذ الحجاز والشام والعراق.          الأمر الآخر الذي نحن بصدده هو موقف بعض العرب من إيران، وحتى لا نُتهم كذلك بموالاتها من المتعجلين أصحاب (الأجندات الجاهزة) والدمغات الموفورة، فإننا نؤكد أن الموقف الإيراني في مسألة غزة كان في صالح العرب ولم يكُ في خدمة إيران ذاتها، كيف؟ فمن مصلحة إيران أن تسعى أولاً قبل كل شيء لكف الهراء الإعلامي الغربي الكثيف حول برنامجها النووي ومن مصلحتها أن تحاول وتسعى لإسكات بعض الأصوات الأمريكية الناقمة عليها بدبلوماسية وليونة بأن تحدد موقفها من غزة بأن تصمت دون أن تبدي أية اعتراضات على النهج الأمريكي الإعلامي الذي يرى في صواريخ حماس حرباً على إسرائيل، لكن العكس هو ما أبدته إيران، حين دعمت بقوة وجهتها في الحرب لصالح الفلسطينيين بحضور رئيسها أحمدي نجاد لقمة الدوحة. وربما اعتبر بعض الساخطين العربوأمريكيين في وسائل الإعلام ذلك بأنه نكاية للمعدلين من بني يعرب. فإنه يبقى موقفاً خادماً للقضية الفلسطينية منافحاً عنها دون مواربة وهو ما يتفق مع هوى كاتب هذه السطور.          النظر لإيران بعين السخط من جانب بعض الدول العربية ربما له دلالات يمكن تفسيرها لصالح المشروع الأمريكي في المنطقة الداعي لعزل إيران تماماً عن أمة يعرب، باعتبارها قوة تنازع الولايات المتحدة مصالحها في المنطقة في المستقبل القريب. ويفسر ذلك السياسة التي تتبعها بعض الدول العربية حين النظر إلى إيران. فهؤلاء يمشون على ذات النهج المرسوم من قِبَل الإدارة الأمريكية السابقة حذوك النعل بالنعل. فهل أجدى للعرب أن يرعوا مصالحهم الإستراتيجية مع (أمة لا إله إلا الله) والحفاظ عليها، وموازنة السياسات الخارجة عبر نوافذ البيت الأبيض، دون المساس بأية مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة، أم يظل حالهم كما هو عليه حتى إشعار آخر؟.                               

 

آراء