بسم الله الرحمن الرحيم
جمهورية السودان تعتبر من أحد الأقطار الإفريقية القليلة التى تتواجد على أرضها عدد هائل من المكونات الإثنية والعرقية تربط فيما بينها علاقات مصاهرة أسهمت فى خلق نسيج إجتماعى قوى ومترابط ببعضه مشكلاً خليطاً إثنوثقافي متفرد و متعايش مع بعضه منذ الأزمنة التاريخية القديمة,ومنطقة النيل الأزرق بمكوناتها العرقية والثقافية المتمازجة والمنصهرة فيما بينها هى جزء من تلك البوتقة الإثنوثقافية المترابطة التى تعيش على أرض السودان,و تمثل ولاية النيل الأزرق نموذج حقيقى تلتقى فيه العديد من الإثنيات والثقافات التى إنصهرت فيما بينها مكونة ذلك المزيج المتعايش فى تلك المنطقة من السودان ومتافعلة أيضا مع مكونات السودان الثقافية الأخرى.
تقع ولاية النيل الازرق في الجزء الجنوبى الشرقي من السودان بين خطي طول 33- 35 وخطي عرض 10 – 12 درجة وتحدها من الشمال الشرقي ولاية سنار ومن الجنوب الشرقي دولة أثيوبيا وتتاخم ولاية أعالي النيل من الاتجاه الغربي وتبلغ مساحة الولاية حوالى 38500 كليومتر,وتعتبر منطقة النيل الازرق من اغنى مناطق السودان من حيث الثراء البيئي والتنوع المناخى حيث يوجد مناخ السافنا الغنية التى تتراوح فيه معدلات هطول الأمطار بين 40 ملم حتى 700ملم فى الجنوب,كما تتميز ولاية النيل الأزرق أيضا بمساحات سهلية شاسعة والغابات النيلية التى تنحصر على مجرى النيل الازرق وتمتد من حدود السودان مع أثيوبيا حتى حدود ولاية سنار مع النيل الازرق وجبال الانقسنا وفازوغلى.
أما الأهمية الإقتصادية لولاية النيل الأزرق تكمن أولاً فى الثروة الزراعية والغابية حيث تبلغ المساحات الصالحة للزراعة فى ولاية النيل الأزرق حوالى 4.500.000 فدان حيث يتم زراعة العديد من المحاصيل النقدية فى منطقة النيل الأزرق مثل الذرة والسمسم والصمغ العربى وصمغ اللبان وهى محاصيل يتم تصدير جزء كبير منها إلى خارج السودان وتسهم فى مجملها فى زيادة الدخل القومى,وثانيا فى الثروة الحيوانية والسمكية حيث تقدر الثروة الحيوانية فى ولاية النيل الأزرق بحوالي 6.201.000 رأس وهى بذلك تمثل موردا هاما من الموارد النقدية للبلاد نتيجة لصادرات الثروة الحيوانية التى تعود على البلاد بالعملات الصعبة,كما تذخر ولاية النيل الأزرق بثروة سمكية كبيرة حيث تعتبر أحد المناطق المهمة التى تمد الولايات المجاورة و ولاية الخرطوم بالأسماك الطازجة يوميا,وثالثاً الثروة المعدنية والبترول والطاقة الكهربية حيث تعتبر ولاية النيل الأزرق من أكبر الولايات المنتجة لخام الكروم الذى يصدر عبر ميناء بورتسودان إلى الصين ودول العالم المختلفة,كما إنها تحتوى على كميات كبيرة من خام الذهب الرسوبى فى مناطق الكرمك وقيسان والذى لم يستغل حتى الآن نتيجة للحرب الأهلية فى السابق ونتيجة للتوترات القائمة هنالك حتى الآن,كما يوجد الذهب فى منطقة بالقوة فى جنوب النيل الأزرق حيث يوجد منجم كبير لإستخراج الذهب,أما بخصوص البترول فهنالك العديد من الدراسات التى تشير إلى وجود خام البترول فى منطقة جنوب النيل الأزرق فى المناطق المتاخمة للحدود الأثيوبية,كما تعتبر ولاية النيل الأزرق من أحد أهم الولايات المنتجة للكهرباء حيث يوجد بها خزان الرصيرص الذى يغذى أغلب المدن السودانية بالكهرباء والذى يخضع لعملية تعلية فى الوقت الراهن من أجل زيادة إنتاجيته من الكهرباء, ورابعاً التجارة الحدودية حيث تعتبر ولاية النيل الأزرق من إحدى ولايات السودان التى تمارس التجارة البينية مع أثيوبيا, وهى قريبة من مناطق الإنتاج الزراعى الإثيوبى أكثر من الولايات الأخرى السودانية المتاخمة للحدود الأثيوبية, والتجارة البينية بين ولاية النيل الأزرق وأثيوبيا قديمة مستمرة منذ أزمان سحيقة بين السكان القاطنين على حدود البلدين وأهم صادرات ولاية النيل الأزرق لأثيوبيا الملح والمنتجات الزراعية والمشروبات الغازية وأهم الواردات الفول المصرى المنتج بالحبشة والجنزبير والبن والثوم ومنتجات أخرى.
أيضأً تعتبر ولاية النيل الأزرق منطقة تداخل وتماذج سكانى تضم فى معيتها قبائل افريقية أصيلة ومجموعات عربية مهاجرة تصاهرت مع السكان المحليين,كما إنها أصبحت أرضا خصبة للهجرات حيث أنها إستقبلت العديد من الهجرات القادمة من شمال وشرق وغرب ووسط السودان وأخرى وافدة من غرب أفريقيا, ويبلغ عدد سكانها حوالى 800 ألف نسمة, ويتميز سكان الولاية بحسن المعشر وبالتداخل الإيجابى فيما بينهم حيث شهدت الولاية تداخلا كبيرا بين المجموعات القبلية المكونة لها والتي يبلغ عددها قرابة 31 قبيلة,ويتكون النسيج الاجتماعي للولاية من مجموعة من القبائل,ونظراً لهذا الحضور القبلي والتباين العرقي فقد قامت عدد من النظارات والتي تتكون من نظارةالفونج والأنقسنا وفازوغلى والبكى وقلى,وهنالك حوالى 24 مجموعة اثنية تمثل القبائل الرئيسية بالمنطقة,ويوجد عدداً كبيراً من اللهجات المحلية منها لغات البرتا والفونج والهمج والأنقسنا والقمز والبرون والمبان والأدك السركم والجماجم والرقاديف والجبلاويين والكدالو,وربما جذب هذا الكم الكبير من الإثنيات بمنطقة النيل الأزرق فضول الأجندة الخارجية الدولية والإقليمية لإستخدامه فى الضغط على النظام السودانى من أجل فرض تغيير إجتماعى فى المنطقة يخدم ويلبى تطلعات الهيمنة الخاصة بها.
منطقة النيل الأزرق تاريخيا عرفت بأنها حجر الأساس في تكوين السلطنة الزرقاء, وكانت أيضا مركزا هاما من مراكز نشر الدين الإسلامى في السودان,كما انها من المناطق التى عرفت فيها اقوي أنظمة الإدارة الأهلية القائمة عل التدرج فى الهرم التنظيمى حيث ينتهى هذا التدرج فى قمته بناظر عموم قبائل النيل الأزرق,إن دراسة الأوضاع السياسية والأمنية لولاية النيل الأزرق يعتبر من الأشياء المهمة لفهم الواقع ليس فى ولاية النيل الأزرق فحسب بل فى كل السودان حيث أن هنالك متغيرات كثيرة أثرت على هذه الولاية منذ فترة الحكم التركى المصرى للسودان والإحتلال البريطانى الذى تنازل عن أجزاء من منطقة النيل الأزرق لصالح أثيوبيا فى العهود السابقة ودور حكومة الدرك الأثيوبية فى نشأة تنظيم الحركة الشعبية المسلح ودعمها له ومن ثم تأثيرها على نقل الصراع لمناطق واسعة فى ولاية النيل الأزرق,كما أن هنالك العديد من الأحداث التى أحدثت العديد من المتغيرات فى الولاية فى الحقبة التاريخية التى نعيشها الآن مثل إمتداد الحرب الأهلية لداخل الولاية ومشاركة بعض سكانها فى هذه الحرب التى إنتهت بتوقيع إتفاقية السلام الشامل فى العام 2005,وإنضمام الكثير من أبناء منطقة شمال النيل الأزرق للحركات المعارضة المسلحة بدعوى غبن التهميش فى فترة إشتعال الحرب بين الحكومة السودانية والمعارضة على طول الحدود الأثيوبية السودانية منذ العام 1996 حتى بدايات العام 2000 م,إن فهم الواقع الحالى فى ولاية النيل الأزرق يعتبر مؤشر هام لرصد واقع الأحداث الحالية,أى بمعنى آخر هل هو واقع يبشر بتحقيق السلام الإجتماعى ام هو واقع يتجه نحو الإنفلات والتدهور الأمنى,وكيف يمكننا معالجة الأوضاع فى هذه الولاية المتاخمة لدولة أثيوبيا التى تلعب دوراً أصيلاً فى المشروع الأمريكى لهيكلة القرن الإفريقى حيث أنها طبقت الفدرالية الإثنية التى يطالب بها المشروع الأمريكى فى ظل إستراتيجيته إتجاه منطقة القرن الإفريقيى,والمتاخمة أيضاً لدولة جنوب السودان الدولة التى أنشئت لتكون دولة فاصلة للمصالح الأمريكية فى المنطقة والتى إنفصلت عن الشمال السودانى فى التاسع من يوليو 2011 م ومحاولاتها المستمرة للتأثير على الأوضاع الأمنية والسياسية بولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق عبر دعم جناح الحركة الشعبية فى شمال السودان التى لا زالت ترتبط إرتباط عضوى وأيدولجى مع الحركة الأم فى دولة جنوب السودان الوليدة ومتواصلة مع التيارات المناهضة للسودان فى الإدارة الأمريكية الحالية من أجل تحقيق غاية تغيير نظام الحكم فى السودان.
الملاحظ للأوضاع الراهنة فى جمهورية السودان بعد إنفصال جنوب السودان وتكوينه لدولة جنوب السودان أن الولايات المتحدة الأمريكية الراعية لإتفاقية السلام السودانية أصبحت طرف غير محايد بعد إعلان قيام دولة جنوب السودان حيث أنها دعمت دولة جنوب السودان الوليدة ورفعت كل العقوبات عنها بينما لم ترفع العقوبات عن جمهوية السودان التى أسهمت فى إنجاح عملية السلام وضمان الإستفتاء الذى قاد إلى ولادة دولة جنوب السودان الذى كان السودان الشمالى أول من إعترف بها,بل ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية إلى أبعد من ذلك حيث أبقت على سياستها السابقة القائمة على الضغط على الحكومة فى شمال السودان فى جلسة لمجلس العلاقات الخارجية عقدت فى الإسبوع الأخير من شهر أغسطس 2011 م ضمت مسؤلين على مستوى عالى على الرغم من تعيين الرئيس أوباما للسيدة (Mary Carlin Yates) التى عملت سابقاً سفيراً بغانا وبورندى كما عملت مساعدة للأنشطة المدنية والعسكرية بالقيادة الأمريكية لأفريقيا (AFRICOM) قبل توليها لمهمتها كقائمة للأعمال بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالسودان بدلاً من السيد (Whitehead) فى الأول من سبتمبر من العام الجارى 2011 م لتعمل على خفض التوتر القائم بين الشمال والجنوب هى وزميلتها السيدة (Susan Page) التى عينت كسفيرة لبلادها فى دولة جنوب السودان على حسب قول الإدارة الأمريكية,عليه المتابع للأوضاع فى جمهورية السودان بعد إنفصال دولة جنوب السودان يجد أن نبرة الإستفزازات من جانب الحركة الشعبية الحاكمة لدولة الجنوب الوليدة وجناحها الشمالى الموالى لها نحو الشمال قد أصبحت عالية,ثم بدأت بعده مرحلة جس نبض الشمال السودانى إستناداً على خلفية وقوف الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل إلى جانب حكومة الجنوب وكانت محاولة دخول أبيى عسكرياً فى يوم الجمعة الموافق العشرين من مايو 2011 م عبر سياسة فرض الأمر الواقع بإلإستيلاء على أبيى بقوة السلاح قبل زيارة وفد أعضاء مجلس الأمن (Security Council) للسودان فى يوم السبت الموافق الحادى والعشرون من مايو من العام 2011 م,كان رد القوات المسلحة غير متوقع من جانب حكومة الجنوب والولايات المتحدة,إستعادت القوات المسلحة السودانية كامل منطقة ابيى فى مساء السبت الموافق الحادى والعشرون من مايو من العام 2011 م عبر عمليات حاسمة وسريعة أفشلت كل محاولة تشديد الضغط وفرض سياسة الأمر الواقع,إستمرت الحركة الشعبية بعد ذلك بجس نبض آخر للشمال السودانى فى جنوب كردفان الواقعة فى نطاق الشمال السودانى عبر جناح الحركة الشعبية فى جبال النوبة بقيادة السيد عبد العزيز الحلو,لم تعترف الحركة الشعبية بنتائج الإنتخابات المعلنة وإنسحبت منها فى يوم الأربعاء الموافق الحادى عشر من مايو 2011 م ولقد حصدت فيها مقاعد لا يستهان بعددها فى البرلمان ولكن لم تحظى بمنصب الوالى,ولكن الحلو لم يتقبل النتيجة برحابة صدر فتمرد وأمطر هو وأفراد حركته فى السابع من يونيو من العام 2011 م الجارى كادقلى عاصمة الولاية وكل مناطق جنوب كردفان الأخرى بسيل من الرصاص قتل عبره الأبرياء وشرد الآلاف منهياً سلام دام أكثر من خمسة أعوام,عليه ما حدث فى أبيى وجنوب كردفان يشير بوضوح لكل من له القدرة على التحليل السياسى العميق أن الحركة الشعبية الأم وجناحها بالشمال إستهدفت من هذه الأحداث إنتاج أزمة الحروب فى السودان الشمالى لإشاعة عدم الإستقرار بإيعاذ من طرف ثالث يتفق معها فى الرؤية والأهداف والأيدولوجيا تمهيداً لمخطط تفتيت وهزم وحدة الشمال السودانى,إن تطورات الأوضاع فى ولايةالنيل الأزرق التى حدثت فى ليلة الخميس ثالث أيام عيد الفطر المبارك الموافق الأول من سبتمبر 2011 م ما هى إلا جزء من مخطط إشعال الحرب فى الشمال السودانى برعاية من دولة جنوب السودان واللوبى الأمريكى الصهيونى وإلا كيف يفسر أن لا ينصاع والى ولاية لأوامر دولته وأن يستمر فى سياسة الممانعة والرفض لكل ما هو آتى من المركز ويحتفظ بقواته ويقوم بعمل عرض عسكرى لقواته بمدينة الكرمك ويتحرك خارج حدود الدولة بمساعدة الأمم المتحدة إلى كل من جوبا وكمبالا وأديس أبابا دون إخطار رئاسة الدولة,بل الخطأ الأكبر أن يقوم التنظيم الذى يرأسه بتشكيل تحالف مع حركات دارفور الغير موقعة على إتفاق الدوحة من أجل إسقاط النظام الذى هو جزء منه,عليه لم تكن تطورات الأوضاع فى منطقة النيل الأزرق بمعزل عن تطورات الأحداث فى منطقة أبيى وجبال النوبة ودارفور ولم تكن بمعزل عن توجهات الإدارة الأمريكية الرامية لتطويق ومحاصرة السودان مثل قرار الولايات المتحدة الأمريكية الصادر فى يوم الثلاثاء الموافق 18 أغسطس من العام 2011 م الجارى على إبقاء السودان فى لائحة الدول الراعية للإرهاب وحوار الإدارة الأمريكية مع الحكومة الأثيوبية حول سبل تغيير النظام السودانى وإزالة البشير من السلطة حسب تسريبات موقع ويكيلس الأخيرة, ولا بمعزل عن الإشارات المستمرة الصادرة من مجلس العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى ومندوبة الولايات المتحدة الأمريكية فى مجلس الأمن السيدة سوزان رايس عن إنتهاكات لحقوق الإنسان بولاية جنوب كردفان تقوم بها الحكومة دون التحدث عن الطرف الآخر المتمرد على الحكومة المركزية,ولا بمعزل عن زيارة الجنرال (Carter F. Ham) قائد القيادة الأمريكية لأفريقيا ومقابلته لرئيس جمهورية جنوب السودان فى الخامس والعشرون من شهر أغسطس من العام الحالى 2011 م ومناقشته للأوضاع الأمنية فى الحدود بين دولتى جنوب وشمال السودان ودعمه لمجهودات رفع القدرات الأمنية والعسكرية لدولة جنوب السودان ولا بمعزل عن حديث الدكتور (لوكا بيونق) رئيس منظمة كوش السودانية الأميركية الذى صرح فى زيارة للولايات المتحدة الأمريكية فى بدايات أغسطس من العام 2011 م بإستحالة قيام علاقة ودية بين دولتي شمال وجنوب السودان في ظل وجود المؤتمر الوطني على رأس السلطة على حد تعبيره,وكشفه عن إجتماعه مع (لويس مورينو أوكامبو) مدعي محكمة الجنايات الدولية وتسليمه ملف كامل حول ما إدعى إنها جرائم حرب إرتكبها الجيش السوداني في أبيي وجنوب كردفان بأوامر من الرئيس عمر البشير ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين على حد قوله,هذا بالإضافة إلى توجه دولة جنوب السودان لإقامة سفارة لها بالقدس وكأنها تقول للسودان والعرب جميعاً إنتبهوا أنا إسرائيل الأخرى التى وضعت فى خاصرة جنوب الوطن العربى,والمتابع لتطورات الأحداث فى ولاية النيل الأزرق يجد أن رئيس لجنة أفريقيا في الكونغرس الأميركي السيد (دونالد باين) قد صرح فى يوم السبت الموافق 2 سبتمبر 2011 م أى بعد يوم من أحداث النيل الأزرق في رسالة خطية بعث بها لمؤتمرين فى مقاطعة أيوا الأمريكية إلى تغيير نظام الخرطوم على قرار ليبيا،وإتهم عضو الكونغرس باين الحكومة السودانية بشن الهجوم على قوات الحركة في النيل الأزرق، قائلاً: "في 1 سبتمبر 2011 ، هاجمت قوات البشير المقر الرسمي لمالك عقار حاكم ولاية النيل الأزرق،وكان هدفها قتل الحاكم وسحق القوى المؤيدة للديمقراطية (يقصد الحركة الشعبية قطاع الشمال),نظام البشير يشكل مصدرا رئيسيا لعدم الاستقرار في المنطقة وهو في حالة حرب مع شعبه,ومن أجل تحويل السودان الى دولة سلمية وديمقراطية تغيير النظام أمر ضروري,وقال أنه في ظل نظام البشير في السلطة،فإن معاناة الشعب السوداني ستتواصل,طالبنا بتغيير النظام في ليبيا،لماذا لا نطالب بتغيير النظام في السودان؟".على ضوء هذه المعطيات أعلاه لا يستغرب أن تتوعد الحركة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال) بالقتال من أجل تغيير النظام عبر الكفاح المسلح وذلك عن طريق إستخدام خيار العنف المسلح بين مسلحي الحركة والجيش السوداني في ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق، مما أدى لسقوط قتلى وجرحى ونزوح آلاف المدنيين،وقد أكدت تصريحات الأمين العام للحركة الشعبية فرع الشمال ياسر عرمان في بيان له عقب أحداث النيل الأزرق إن ما حدث في ولاية النيل الأزرق وهو إمتداد لما حدث في جنوب كردفان من أجل إقتلاع جذور حكومة المؤتمر الوطني وأن الحركة الشعبية تحارب فى جيش المؤتمر الوطنى متهما سلطات الولاية باعتقال عدد من قيادات وكوادر الحركة الشعبية في المدينة,كما قال أنه لم يتبق أمام الشعب السوداني سوى "المزاوجة بين العمل السلمي الجماهيري الواسع لتغيير النظام وبين الكفاح المسلح الجماهيري المسنود من جبهة واسعة تمتد من النيل الأزرق شرقا إلى دارفور غربا" على حد قوله,ودعا عرمان أيضا المجتمع الدولي للاضطلاع بواجبه في التصدي لحكومة المؤتمر الوطنى الإسلامية المتطرفة مطالبا بفرض حظر جوي أممي يمتد من دارفور وجنوب كردفان إلى النيل الأزرق لعدم السماح بتكرار "التطهير العرقي واستهداف المدنيين" على حد قوله,إذن إستندت الحركة الشعبية قطاع الشمال فى إختيارها للعمل المسلح ضد الحكومة السودانية على سند أمريكى واضح من الأقوال والأفعال والتصريحات للعديد من المسؤلين الأمريكيين والتى تهدف فى مجملها على تصوير الشمال السودانى والمؤتمر الوطنى أنه خطر يهدد المنطقة ويسعى لإشعال الحروب العرقية والإثنية وتصوير أن ما تم فى جنوب كردفان وأبيى والنيل الأزرق هو من فعل الحكومة السودانية بالرغم من أن كل الحقائق تشير لتبنى الولايات المتحدة الأمريكية عبر دعمها السياسى العلنى لدولة جنوب السودان الوليدة والحركة الشعبية لقطاع الشمال لسياسة تأزيم الأوضاع فى الشمال السودانى لأسباب عديدة أهمها هو إحتواء النفوذ الصينى المنتشر فى القارة الإفريقية وعليه تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية السودان من القواعد الرئيسية التى تساهم فى تمدد وإنطلاق الإستثمارات الصينية الإقتصادية لا سيما الإستثمارات البترولية فى القارة الإفريقية,وتعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أن الصين تشكل لها خطراً نتيجة لمنافستها لها للإستحواذ على موارد الطاقة والموارد الطبيعية الأخرى فى القارة الإفريقية,وان الولايات المتحدة الأمريكية لن تقف موقف المتفرج من التمدد الصينى فى القارة الإفريقية,لذلك نجد أن الولايات المتحدة عمدت على عسكرة سياستها إتجاه القارة الإفريقية من أجل خلق توترات تساهم فى خلق إضطرابات فى القارة الإفريقية تحد من تمدد النفوذ الصينى عبر إجراء تدريبات عسكرية وضخ اسلحة لحلفائها فى أفريقيا تحت ستار مكافحة الإرهاب من أجل خلق توترات فى القارة الإفريقية تقف عقبة أمام تمدد النفوذ الصينى فى القارة الإفريقية وربما تتعمد تشويه صورة الصين مستقبلاً بأنها قوة معادية للديمقراطية وأنها تدعم الأنظمة الديكتاتورية وما يحدث من تشويه لصورة الصين فى ليبيا وانها عقدت صفقات لتمويل نظام القذافى بالأسلحة هو أحد أهداف المخطط الأمريكى للحد من نفوذ الصين للتمدد فى إفريقيا وتحجيم ومحاصرة الدول الإفريقية التى تتعامل مع الصين.
إن محصلة الوضع السياسى والعسكرى الراهن فى ولاية النيل الأزرق هو نتاج لتفاعل العديد من العوامل والأجندات الخارجية والداخلية المختلفة التى أسهمت لفترات طويلة فى إنتاج هذه الأزمة فى ولاية النيل الأزرق,ولعل تهاون المركز مع والى النيل الأزرق المعزول ورئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال السيد مالك عقار قد جعل السيد مالك عقار يبسط نفوذه على أجهزة السلطة الحكومية فى الولاية بهدف تحقيق أهداف وأجندة تخص إستراتيجية الحركة الأم التى ينتمى إليها أيدلوجيا,وقد ساهم تمادى المركز مع مالك عقار فى أن ينتهج مالك سياسة الممانعة والرفض بل والإساءة لنظام الحكم الذى هو أحد مكوناته,وربما أوحت له سياسة التهاون معه من المركز أنه مصدر قوة تعمل له الحكومة المركزية ألف حساب وبالتالى تمادى فى الممانعة والرفض بل إستغل وضعيته كوالى للولاية فى تجميع قواته وإستعراض قوتها وقام بزيارات خارجية دون إذن الحكومة السودانية وكأنه يمهد لفصل الولاية وإقامة حكم ذاتى بها,إن قرار التمرد وإعلان الكفاح المسلح ضد الحكومة المركزية من طرف ملك عقار قرار خطير يحتاج من الحركة الشعبية قطاع الشمال ومن الحكومة المركزية لدراسة شاملة وتقدير موقف صحيح لأن شعب الولاية هو الذى سوف يتحمل العبء الأكبر من هذه الحرب التى إتخذ قرارها مالك عقار وهو يعلم إن ما إتخذه من قرار خطير سوف يحدث تدمير للبناء الإجتماعى للولاية ويشرد الشباب ويفتح الباب للتدخلات الخارجية,ومن متابعة الأحداث فى دارفور وأبيى وجنوب كردفان يستنتج أن الأحداث فى النيل الأزرق ليست بمعزل عن الأحداث السابقة,وأن هنالك حرب غير مباشرة على السودان تعمل لتغيير موازين القوة فى المنطقة لصالح قوة إقليمية ودولية عبر تشجيع أعمال التمرد والعصيان والحصار الإقتصادى والضغوط المالية وأعمال التخريب والتجسس والحرب النفسية والدعائية,وعليه يجب على الحكومة السودانية أن تعمل لكسر هذا المخطط بالعمل على تقوية الجبهة الداخلية والإعتماد على دعم الشعب حتى تصمد فى وجه هذه المخططات وإتباع سياسة تعزيز الأمن والردع العسكرى لحسم أعمال التمرد بالتزامن مع منهج وإسلوب عمل يعمل على توسيع دائرة المشاركة فى الحكم وفتح الحوارات الداخلية الجادة للوصول لإتفاقيات تنهى أعمال العنف وتساهم فى توفير الإستقرار دون تدخل أطراف خارجية مع الإنفتاح الخارجى وتوسيع علاقات السودان الخارجية لتجنب العزلة السياسية التى ترمى لها المخططات المناوئة للسودان.
إن تطورات الأحداث فى منطقة النيل الأزرق ومن قبلها فى منطقتى أبيى وجنوب كردفان تشير إلى أن هنالك ترتيب مسبق لهذه الأحداث والوقائع ليكون لها نتائج تؤثر فى النسيج الإجتماعى المترابط فى مناطق الحدود الجنوبية لجمهورية السودان مع دولة جنوب السودان,وان الحركة الشعبية قطاع الشمال عندما إختارات قرار الكفاح المسلح وأقدمت عليه تقول كل الشواهد أنها وجدت لها سند خارجى يضمن لها الحد الأدنى من النجاح على أسوأ تقدير,ويظهر أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها المصالح الغير محدودة للصهيونية السياسية تقوم بتبنى إستراتيجية غير مباشرة إتجاه السودان الشمالى من خلال إستغلال مجموعة من الضغوط السياسية والإقتصادية والنفسية والأمنية والعسكرية المنسقة تهدف فى مجملها لفرض نوع من العزلة على السودان لخلق ظروف مؤاتية وملائمة تساهم فى تغيير النظام الحالى أو إجباره على الرضوخ لشروطه,عليه إن دخول الحركة الشعبية قطاع الشمال فى صراع طويل مع الحكومة المركزية ربما المقصود منه إستمرار هذا النزاع لفترة طويلة دون حل الشىء الذى ربما يساعد فى تدمير الشعب وزيادة اللجوء وتدمير هياكل الدولة الموجودة وتشريد الشباب مما يؤدى فى النهاية لتوفير الأسباب التى تسمح يالتدخل الخارجى من أجل إحداث تغيير إجتماعى يلبى طموحات المجتمع الدولى الذى يعبر عن رغبات الإدارة الأمريكية التى تحركها وتتحكم بها الصهيونية السياسية العالمية النافذة إقتصاديا,إن تصعيد الأوضاع فى ولايتى النيل الأزرق وجنوب كردفان من قبل الحركة الشعبية قطاع الشمال وتحالفهما مع الجماعات المتمردة الدارفورية الرافضة لإتفاق الدوحة والتنسيق مع دولة جنوب السودان فى إطار تصعيد العمليات العسكرية ضد جمهورية السودان يعبر عن مجموعة من الإجراءات السياسية والعسكرية المحسوبة التى تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية فى إطار حملة منظمة لعزل السودان الدولة ذات التوجهات الإسلامية والدولة التى تعتبر القاعدة التى تنطلق منها الإستثمارات الصينية للعمق الإفريقيى من أجل إضعافه ومن ثم إخضاعه لهيمنتها حتى تحتفظ لنفسها بزمام المبادرة وترجيح كفتها فى التوسع إفريقياً على حساب نفوذ المارد الصينى والقوى الصاعدة الأخرى التى تنافسها فى السيطرة على موارد الطاقة الإفريقية.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الإفريقية و متخصص فى شؤن القرن الأفريقى
E-mail: asimfathi@inbox.com