ملاحظات على تقرير قلوبال وتنس … بقلم: السر سيد أحمد

 


 

 

 

طالعت النشرة الصحافية التي أصدرتها منظمة "قلوبال وتنس" يوم الخميس الماضي عن أحتمالات وجود نفط في دارفور، ولم أجد فيها جديدا، فتركتها على جنب. وفوجئت بنشر الخبر في الكثير من المواقع على الشبكة العنكبوتية، بل وتداوله في بعض النشرات مثلما حدث مع هيئة الأذاعة البريطانية وصوت أميركا. وعدت الى النشرة مرة أخرى فربما يكون فاتني شىء منها، ولم أجد جديدا وتساءلت بيني وبين نفسي: أين الخبر يا ترى؟

 

نشرة المنظمة تتحدث عن صور بالأقمار الصناعية حصلت عليها في الفترة بين سبتمبر 2009 ومارس الماضي في هذا العام وتغطي مساحة تصل الى 500 كيلومترا وتوضح بجلاء وجود معسكر للشركات العاملة به نحو 23 كوخا سكنيا وتسعة سيارات من ذوات الدفع الرباعي في مربع 12-أ وترتيبات للقيام بعمليات للمسح الزلزالي، مضيفة ان هذه العمليات تتطلب وجود بعض المفرقعات. وقالت المنظمة في بيانها انها أتصلت بشركتي "أنسان" اليمنية، و"القحطاني" السعودية طالبة بعض الأيضاحات ولم تتلق ردا.

 

شركة الصحراء الكبرى لعمليات البترول التي تعمل في ذلك المربع تم تأسيسها قبل أربع سنوات حيث قامت بالتوقيع على أتفاقية قسمة الأنتاج في الحادي عشر من نوفمبر من العام 2006 وذلك للتنقيب في المربع الذي يمتد على مساحة 136,458 كيلومترا مربعا، وتضم شركات "القحطاني وأولاده" السعودية بحصة 33 في المائة "سودابت" بحصة 20 في المائة، "أنسان" اليمنية بحصة 20 في المائة، "مجموعة الدندر" 12 في المائة وكل من "هاي تك" و "أو.أن.جي" الهندية و"الأفريقية للأستثمار" بحصة 5 في المائة لكل. وهناك شركة خدمات عاملة في ميدان المسح الزلزالي تتبع الشركة الام وتدعى "صحارى للمسح الزلزالي ليمتد" لها فريق واحد موجود في السودان. فأي شركة تحصل على ترخيص للعمل لابد لها من أستغلاله ومن أوائل الخطوات التي تقوم بها المسح الزلزالي، الذي يعتبر مدخلا أساسيا لتحديد اذا كانت هناك فرص وأحتمالات للعثور على النفط. وبعد مرور سنوات أربع من حصولها على الترخيص لا يكون الخبر في قيامها بمسح زلزالي من عدمه، وأنما هل نجحت في العثور على شواهد مشجعة تنبىء بوجود النفط أن لم يكن حدوث أكتشافات يتم الأعلان عنها.

 

الجزء الآخر من البيان الصحافي لشركة "قلوبال وتنس" يتحدث عن نشاط الشركة في منطقة قليلة السكان، وانه اذا تم أكتشاف النفط فيها، فأنه سيصبح عاملا في الوصول الى السلام أستهداءا بتجربة قسمة الثروة بين الشمال والجنوب في أتفاقية السلام الشامل، ولهذا فهي تدعو الحكومة والشركات الى الأعلان عن أي معلومات لديها فيما يتعلق بوجود البترول في تلك المنطقة بل وتقترح طرح هذه المعلومات في جولة المباحثات الجديدة التي يفترض أن تبدأ اليوم الأثنين في الدوحة.

 

وأستشهدت بالعائدات التي حصلت عليها حكومة الجنوب ووضعتها في حدود سبعة مليارات دولار خلال السنوات الخمس الماضية، وهو رقم ليس دقيقا. فوفقا لأرقام أدارة البترول في حكومة الجنوب نفسها، فأن جملة ما حصلت عليه حكومة الجنوب بين العام 2005 الذي وقعت فيه اتفاقية السلام ونهاية العام الماضي بلغ (8,35) مليار دولار.

 

المنظمة فيما يبدو أستفادت من الضجة التي لازمت تقريريها السابقين عن وجود مفارقات في حسابات البترول وكون دارفور في بؤرة الضوء الأعلامي بسبب التطورات الخاصة بالحرب والسلام فيها، اضافة الى جولة المفاوضات الجديدة ستبدأ في الدوحة لتدفع بتقرير لا يتضمن خبرا جديدا بالمعني المهني المعروف للخبر على الأقل من ناحية الجدة الزمنية أو بتضمن معلومة حديثة وأضافية، لكن أهم ما فيه الطلب الى الحكومة والشركات الأعلان عما لديها من معلومات تتعلق بوجود النفط وذلك حتى يمكن تضمينها في مباحثات الدوحة.

 

ولا تحتاج الحكومة ولا الشركات لمن يشجعهما على الأعلان اذا كانت هناك نتائج مشجعة لوجود النفط في المربع المذكور. ففي الظرف السياسي السائد، فأن وجود نفط في الشمال خبر يستحق الأعلان عنه، كما ان الشركات ولأسباب تجارية لن تتردد في القيام بذات الخطوة.

 

أرتبط الصراع في دارفور بحديث عن وجود النفط في الأقليم وأحيانا اليورانيوم، وهو حديث لم يقتصر على السودان فقط، وأنما هناك بعض الجمعيات والمؤسسات الأجنبية التي ترى ان السياسات الغربية خاصة الأمريكية منها تتحرك من منطلقات نفطية طوال الوقت. لكن على أمتداد السنوات الماضية لم يثبت شىء، وحتى بعض التصريحات الرسمية في العام 2005 عن وجود أحتياطي نفطي في دارفور خاصة في مربع "سي" يمكن أن يضاعف أحتياطيات البلاد النفطية أتضح انه لم يكن دقيقا، ولم يتم تداوله بعد ذلك أبدا.

 

الأنتاج النفطي الوحيد الذي له صلة بدارفور بتمثل في مربع (6) الذي يمتد من جنوب كردفان الى جنوب دارفور. وكانت شركة "شيفرون" أول من أكتشف النفط هناك عن طريق بئر أبوجابرة المشهورة في العام 1979، كما أشتهر حقل شارف أيضا، والأثنان أنتاجهما في حالة تراجع. شركة النفط الوطنية الصينية التي ورثت منطقة أمتياز "شيفرون" في تلك المنطقة واصلت عمليات الانتاج الذي يذهب لأستغلاله في مصفاة الخرطوم التي توفر المنتجات المكررة للأستهلاك المحلي. والى جانب شركة النفط الصينية وحصتها تصل الى 95 في المائة، توجد شركة النفط الوطنية "سودابت" بحصة 5 في المائة.

 

وفي أطار سياسة التخلي عن بعض المناطق التي لا ترى فيها نتائج مشجعة قامت شركة النفط

الوطنية الصينية بالتخلي عن أجزاء من هذا المربع كان معظمها في دارفور، وهي الأجزاء التي تم اضافتها الى مربع17، الذي لم يشهد نشاطا يذكر منذ ذلك الوقت.

 

المعلومات المتراكمة حتى الآن تشير الى ان جيولوجية أقليم دارفور لا تحتوي على صخور رسوبية، الا في مناطق قليلة في جنوب وشمال الأقليم، بينما تخلو من وجودها في الوسط والغرب. ومعروف ان الصخور الرسوبية هي التي يوجد فيها النفط.

 

لكن يلفت النظر في تقرير المنظمة لهجتها التصالحية ونصحها أن يستخدم النفط وعائداتها لتسريع عمليات السلام في دارفور، وهو موقف يتميز بفرادته مقارنة بالحملة الغربية التي شاركت فيها منظمات عديدة من أجل وقف أنتاج البترول وهي التي وصلت ذروتها بعمليات الضغط على الشركات العاملة في الصناعة النفطية السودانية وأرغامها على الأنسحاب مثلما حدث مع شركة "تاليسمان" الكندية.

 

وكان يمكن للتقرير ان يكتسب صدقية أضافية اذا وازن بين دعوته للحكومة والشركات العاملة في مربع 12-أ بدعوة مماثلة للحركات المتمردة أن تنأى عن مهاجمة الصناعة النفطية. ففترة عامي 2007 و 2008 شهدت نشاطا مكثفا من هذه الحركات لأستهداف للصناعة النفطية بلغ ذروته بمقتل خمسة من العاملين الصينيين في أكتوبر 2008.

 

وتحسن "قلوبال ويتنس" اذا نصحت الحركات الدارفورية أن تستفيد من تجربة الحركة الشعبية التي سعت جهدها لوقف الصناعة النفطية، ونجحت بالفعل أثر مهاجمتها لمعسكر ربكونا في مطلع العام 1984، مما أدى بالشركة الى وقف نشاطها لنحو ثمانية أعوام حتى فرضت عليها الأنقاذ في العام 1992 العودة الى العمل أو التخلي عن الأمتياز الذي كانت تسيطر عليه. "شيفرون" آثرت التخلي عن أمتيازها، لتتمكن الأنقاذ عبر سياسة الأتجاه شرقا الى الأستعانة بالصين وماليزيا من أستخراج النفط والأنضمام الى عضوية نادي الدول المصدرة للبترول في أغسطس من العام 1999. وهذا النجاح هو الذي أعطى أتفاقية قسمة الثروة معناها ومكن حكومة الجنوب من الحصول على أموال تعادل ضعف ما وعد به المجتمع الدولي في أوسلو دعما للسلام، لكنه لم يتمكن من الوفاء بأكثر من 25 في المائة مما وعد به فعلا.

alsir sidahmed [asidahmed@hotmail.com]

 

آراء