ملف أبيي: مؤشرات على تغيرات محتملة … بقلم: السر سيد أحمد

 


 

 


تأجيل أجتماع أديس أبابا الذي كان مقررا أن يلتئم اليوم الاربعاء برئاسة مشتركة بين سلفا كير وعلي عثمان للبحث في ملف أبيي وقضايا ما بعد الأستفتاء يعود الى عدة أسباب على رأسها انه في غياب تقدم ملموس في مباحثات الطرفين، فأنه من الخطورة الذهاب الى الأجتماع على هذا المستوى الرفيع الذي يشكل مرجعية في حد ذاته، لأنه في حال الوصول الى طريق مسدود لن توجد مرجعية أعلى يمكن اللجوء اليها لأحداث أختراق ما.
ويشكل ملف أبيي العقدة الرئيسية، التي غطت حتى على أجتماعات أديس أبابا الأخيرة مطلع هذا الشهر، لكنها في ذات الوقت يمكن أن تصبح مؤشرا على تطورات جديدة سواء داخل الحركة الشعبية، أو في علاقات الشريكين أو في علاقات الحكومة مع الولايات المتحدة، التي تبدي أهتماما بما يجري في السودان بصورة فاقت أي أهتمام خارجي آخر، وذلك لأسباب تتعلق بكون ملف السودان أصبح قضية أمريكية داخلية.
ومن المؤشرات على هذه التطورات ما صرح به السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الى صحيفة "بوسطن قلوب" يوم الأثنين انه حمل معه من الخرطوم مقترحات سيقدمها الى البيت الأبيض ووزارة الخارجية تضع أسسا لعلاقات الشمال والجنوب وتتناول قضايا ما بعد الأستفتاء وذلك بعد أستبعاد خياري اللجوء الى الحلول الفردية أوالعودة الى الحرب. على ان الجديد في كلام كيري قوله ان تلك المقترحات لم تعرض على قيادة الحركة الشعبية بعد.   
أما الجديد الآخر فتقليله لأهمية أبيي بالقول ان المنطقة بمساحتها الصغيرة لا ينبغي أن تكون مفتاحا لعودة الحرب، مضيفا ان الجنوب قد يكون متجها الى تقديم تنازلات في موضوع أبيي. وهذه أول أشارة علنية الى انه ربما تكون قد مورست بعض الضغوط على الحركة في هذا الجانب، وذلك بناء على تجربة مفاوضات الأيام التسعة المتواصلة في أديس أبابا، التي تعنتت فيها لدرجة انه في يوم 10/10 تم التوصل الى مسودة أتفاق كان يفترض لممثلين من الوفدين مراجعة تلك المسودة من ناحيتي المضمون والصياغة والتأكد من أنهما جاءا وفق ما أتفق عليه، لكن مندوبي الحركة بقيادة ممثلي الدينكا نقوك بدأوا يثيرون تساؤلات حول تلك المسودة، الأمر الذي دفع بالسفير الأمريكي برنستون ليمان الذي أشرف على المسودة الى التدخل والقول نحن هنا للمراجعة فقط، وليس لأعادة التفاوض حولها مضيفا أن باقان أموم رئيس الوفد كان موافقا على تلك المسودة. وهذه أول مرة يبرز فيها تمايز في مواقف مفاوضي الحركة، كما انها المرة الأولى التي تجد الحركة نفسها في موقف تفاوضي يختلف عن الموقف الأمريكي.
وربما يفسر هذا الوضع حديث كيري عن أحتمال توجه الحركة الى تقديم تنازلات في موضوع أبيي وعدم جعلها منطلقا لعودة العنف. ما لم يقله كيري ان الوصف الأعلامي السائد لأبيي انها منطقة غنية بالنفط ليس دقيقا في أفضل الأحوال. ففي قمة عطائها بلغ أعلى أنتاج من أبيي 16 ألف برميل يوميا، بينما هو يتراوح في الوقت الحالي في حدود 2500 برميل يوميا بعد ان شاخت الحقول المنتجة، علما انه ووفقا لحكم محكمة لاهاي فأن حقلي هجليج وبامبو أصبحا تابعين للشمال. الأمريكان على وعي بهذه الحقيقة طبعا، وعلى وعي كذلك بأهمية ألا تصبح منطقة رعوية تكاد تخلو من السكان عامل تفجير للوضع بين الشمال والجنوب، وربما لهذا السبب قررت قيادة الحركة عدم مشاركة وفد من الدينكا في الأجتماعات المقبلة الخاصة بأبيي، كما يتردد.
واذا صدق هذا التوجه، فأن ملف أبيي مرشح لتطورات مختلفة، رغم انه الملف الذي كاد يشل مفاوضات السلام أبتداءا، وأسهم التعطيل في تنفيذ بروتوكول أبيي في حدوث أخطر مواجهة عسكرية بين الطرفين، لكن تلك الحادثة أدت الى دخول الطرفين في مباحثات مباشرة أستغنت حتى عن جهود المبعوث الأمريكي وقتها وليامسون، وهي المباحثات التي أدت الى الذهاب الى التحكيم الدولي في لاهاي في أول سابقة من نوعها في العالم أن يتم تحكيم دولي في قضية محلية.
التفاهمات الغير مكتوبة في أجتماعات أديس أبابا الماضية توصلت الى أنه يكاد يكون من المستحيل قيام أستفتاء أبيي في الموعد المقرر والأجيل الجديد تأكيد على ذلك مع أستمرار تسرب الوقت، وأنه من الأفضل الخروج من أطار الأستفتاء والتوصل الى حل آخر مثل تقسيم المنطقة بقرار سياسي. ويبقى السؤال الى أي مدى يمكن للمباحثات المقبلة أن تبدأ من حيث أنتهت تلك التفاهمات أو تكون البداية من نقطة الصفر مرة أخرى. وهذا ما سيعتمد الى حد كبير على قيادة الحركة وترتيبها لأولوياتها والى أي مدى ستسمح لملف أبيي أن يصبح حجر عثرة أمام حسم قضايا ما بعد الاستفتاء ومن ثم تحقيق علاقات سلمية بين الشمال والجنوب في حال الأنفصال. وهو ما سيدفع في أتجاه تناول هذا الملف في أطار مختلف قضايا ما بعد الأستفتاء الكلية، والا يصبح هو الفيتو في التقدم الى الأمام كما كان هو الوضع الى حد كبير خلال السنوات الخمس الماضية.
حدوث نقلة في هذا الجانب يمكن أن تكون لها أنعكاساتها على صلات الشريكين خاصة اذا تم التوصل الى حلول داخلية وثنائية وبدون السفر الى أديس أبابا كما كان مخططا له، بل ويمكن أن يلقي هذا التطور بظلاله على العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة رغم ان حالة العداء ضد السودان قد لا تسمح بحدوث اختراق كبير. فالحلول الثنائية عبر المفاوضات المباشرة بين الطرفين يمكن أن تمثل الخطوة الاولى لأستعادة ملفات السودان المتناثرة بين العواصم الأجنبية الى الداخل.


alsir sidahmed [asidahmed@hotmail.com]

 

آراء